أعلنت تركيا في أكتوبر الجاري (2024) استعدادها لتسليم صفقة طائرات هجومية بدون طيار من طراز "أكسونجور Aksungur" إلى حكومة أنجولا وتدريب القوات الأنجولية على استخدامها، خاصةً أن هذا النوع من الطائرات لديه القدرة على القيام بأداء مهام استخباراتية متعددة الأدوار والمراقبة والاستطلاع، بما يعزز القدرات الدفاعية لأنجولا، ويمنحها الفرصة لبناء قوة جوية كبيرة تساندها في مواجهة التحديات الأمنية التي تهدد أمن المنطقة واستقرارها.

وتأتي هذه الخطوة في إطار حرص البلدين على تنفيذ ما تم الاتفاق عليه خلال اللقاء الذي جمع الرئيسين التركي رجب طيب أردوجان، ونظيره الأنجولي جواو لورينسو في أكتوبر 2021 بالعاصمة لواندا، الذي أكدت فيه أنقرة استعدادها لتقديم جميع أنواع الدعم للحكومة الأنجولية في المجال الدفاعي والعسكري، كما تعكس الرغبة التركية في تعزيز علاقاتها مع دولة أنجولا في إطار مساعيها الدائمة خلال السنوات الماضية لتوسيع دائرة تحالفاتها مع الدول الأفريقية، بما يُمكِّنها من فتح أسواق جديدة للتجارة والسلاح، وهو ما يعزز بدوره النفوذ التركي على الساحة الأفريقية، وما يرتبط به من قدرة على موازنة النفوذ الغربي والأمريكي والصيني في بعض المناطق الاستراتيجية بأفريقيا، لا سيما غرب أفريقيا، وتحديداً أنجولا التي باتت ساحة مهمة للتنافس الأمريكي الصيني مع محاولات روسية للانخراط في لعبة الفاعلين الدوليين الطامحة إلى الاستيلاء على الموارد والثروات الأفريقية.

ويكشف الاهتمام التركي بتعزيز العلاقات مع أنجولا خلال السنوات الأخيرة، عن استمرار السياسة التركية الطَّامحة تجاه أفريقيا الرامية إلى تأكيد نفوذ الأتراك هناك؛ وذلك عبر أدوات متعددة قد مكَّنت أنقرة من توسيع دائرة علاقاتها المتطورة مع الدول الأفريقية، وعلى رأسها الأداة الدبلوماسية والشراكات الاستراتيجية والتجارية والدبلوماسية العسكرية، بجانب القوة الناعمة التركية.

ملامح التقارب

تركز أنقرة في الأساس على المدخلَين الاقتصادي والعسكري لتوطيد علاقاتها الاستراتيجية مع أنجولا، وهو ما برز في عدد من الملامح التي تكشف عن حجم التقارب بين البلدين، ويمكن البناء عليه بشأن مستقبل التغلغل التركي في أنجولا خلال المرحلة المقبلة. ويمكن الإشارة إلى أبرز تلك الملامح على النحو التالي:

1– تطوير العلاقات الدبلوماسية: تركز أنقرة في خطواتها الأولى للتقارب مع أي دولة أفريقية على كيفية تطوير العلاقات السياسية والدبلوماسية معها؛ وذلك من خلال تفعيل الزيارات الرسمية المتبادلة على المستوى الرئاسي أو ما يعرف بدبلوماسية القمة، وقد برز ذلك في الحالة الأنجولية منذ إعلان الطرفين تبادل التمثيل الدبلوماسي في عامي 2010 و2013، وما تبعه من تبادل للزيارات الرسمية بين مسؤولي البلدين؛ فقد تكررت لقاءات الرئيسين التركي والأنجولي خلال السنوات الست الأخيرة؛ حيث التقيا مرتين في يوليو 2021 بالعاصمة التركية أنقرة، وفي أكتوبر من العام نفسه في العاصمة الأنجولية لواندا، كما اجتمع الرئيسان على هامش قمة بريكس في عام 2018 التي استضافتها جنوب أفريقيا.

ويضاف إلى ذلك اللقاءات التي جمعت بعض الوزراء من البلدين خلال السنوات الماضية، كما تعكس بعض التفاعلات المستوى الجيد للعلاقات السياسية والدبلوماسية بين البلدين، مثل مشاركة أنجولا في حفل تنصيب الرئيس التركي أردوغان في عام 2023، وكذلك مشاركتها في أعمال القمة التركية الأفريقية الثالثة التي انعقدت في ديسمبر 2021 بأنقرة.

2– تطلع تركيا إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية مع لواندا: أكد الرئيس التركي أردوغان خلال زيارته إلى لواندا في أكتوبر 2021 التزام بلاده بتعزيز العلاقات التجارية معها، وشدد على ضرورة مضاعفة حجم التجارة لنحو 500 مليون دولار بدلاً من 250 مليون دولار بحسب بيانات عام 2021. ويعكس ذلك رغبة الأتراك بشكل دائم في ضمان أسواق جديدة للمنتجات التركية بما يعزز تنافسيتها على الصعيد الدولي، وينعكس على تنامي النفوذ التركي في القارة الأفريقية.

وفي هذا الإطار، وقَّعت أنقرة المزيد من اتفاقات التعاون الاقتصادي مع حكومة أنجولا؛ وذلك في مجالات مختلفة من أجل تشجيع الشركات التركية على ضخ استثماراتها في البلاد؛ فقد وقَّع البلدان خلال زيارة الرئيس لورينسو إلى أنقرة في يوليو 2021 أكثر من 10 اتفاقات تعاون في مجالات مختلفة؛ من أبرزها التجارة والاقتصاد والموارد المعدنية والنقل، إضافة إلى القطاع القنصلي والدبلوماسي أيضاً.

وفي أكتوبر 2021، وقَّع رجال أعمال من البلدين خلال أعمال المنتدى الاقتصادي بمشاركة الرئيسين أردوغان ولورينسو عدة اتفاقيات تنص على تنفيذ مشروعات إنتاج الطاقة الكهربائية في مقاطعات كابيندا وزائير وناميبي الأنجولية. وتم التوصل إلى اتفاق مع شركة تركية لتزويد منطقة التعدين كاسينجا (مقاطعة هويلا) بالكهرباء، كما توصل الطرفان إلى اتفاقية بشأن التدريب الفني المهني في مجال التعدين. وفي سياق متصل، منحت الحكومة التركية نظيرتها الأنجولية خط ائتمان بقيمة 500 مليون دولار للمساعدة في التنمية الاقتصادية في أنجولا.

3– توسع تركي في إقامة مشروعات استثمارية: ففي إطار انعقاد اللجنة الاقتصادية المشتركة التركية الأنجولية في يوليو 2017 لتأكيد أهمية تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين، نفذت حكومتا البلدين في السنوات الأخيرة إصلاحات اقتصادية مهمة شملت تحسين بيئة الأعمال، بما يضعهما في وضع متميز لإعادة إطلاق المزيد من المشروعات الاستثمارية في العديد من المجالات، كما اتفق الجانبان على توفير الظروف والمناخ الاستثماري الملائم لجذب المستثمرين والشركات التركية إلى أنجولا لضخ المزيد من الاستثمارات في مختلف المجالات، ومنها البنية الأساسية والنقل والصحة والزراعة والنفط والتعدين.

ومن هنا، تمتلك تركيا استثمارات متنوعة في مقاطعتي لواندا وأويجي؛ وذلك في مجالات مختلفة مثل الصناعة والتجارة والتعليم والهندسة المدنية. وقد نفذت شركات البناء التركية حتى عام 2021 خمسة مشروعات في أنجولا بتكلفة 809 ملايين دولار؛ حيث أطلقت مجموعة "أونسان" – وهي شركة إنشاءات تركية تعمل في مجال البناء والتشييد – مشروعاً سكنياً في أنجولا في عام 2019 بمجموع 10 آلاف وحدة سكنية بتكلفة تبلغ 520 مليون دولار، كما نفذت مشروعاً سكنياً آخر مخصصاً للقوات المسلحة الأنجولية في عام 2016، يضم 40 ألف وحدة سكنية بتكلفة 2.8 مليار دولار.

يأتي ذلك في إطار توقيع البلدين مذكرة التفاهم في مجال التخطيط الحضري في مارس 2022؛ وذلك بهدف تطوير التعاون في مجال البنية التحتية، وتوسيع الحلول للمشكلات والفرص الحضرية القائمة لتطوير المدن المستدامة والآمنة والعالية الجودة. وفي مجال الطاقة، أعلنت شركة الطاقة "كارباور شيب Karpowership" التركية في يناير 2024 عن خطط لزيادة وجودها في 15 دولة أفريقية منها أنجولا، باعتبار ذلك جزءاً من هدفها المتمثل في مضاعفة قدراتها على إنتاج الكهرباء في القارة.

ومع ذلك، لا تمتلك أنجولا استثمارات واسعة النطاق في تركيا، إلا أنها تستورد المزيد من المنتجات من أنقرة مثل المنسوجات والسجاد وقطع الأثاث.

4– تعاون عسكري ودفاعي متنامٍ: يمثل شراء صفقة الطائرة بدون طيار "أكسونجور" التركية خطوة مهمة بالنسبة إلى أنجولا، خاصة أن لديها تاريخاً طويلاً من الصراع وعدم الاستقرار؛ ما يجعل من الضروري اهتمامها بقوتها العسكرية والدفاعية. ومع حصولها على هذا الطراز من الطائرات، تعزز أنجولا قدراتها الدفاعية بامتلاكها نظام أسلحة متقدماً لحماية أمنها واستقرارها. وبرغم الصعوبات المالية التي تواجهها حكومة لواندا، فإنها أعلنت في عام 2022 تخصيص أكثر من 93 مليون دولار لشراء صفقة الطائرات بدون طيار التركية، باعتبار ذلك جزءاً من اتفاقيات تعاون دفاعي وأمني مع أنقرة.

5– تنامي القوة الناعمة التركية: تستند أنقرة في معركة كسب عقول وقلوب الأفارقة، إلى قوتها الناعمة باعتبارها مدخلاً أساسياً لتعزيز علاقاتها على نطاق أوسع مع أنجولا؛ وذلك عبر أدوات عدة تقدمها باستمرار الوكالة التركية للتعاون والتنسيق "تيكا" التي عززت مساعداتها التنموية في مجالات مختلفة إلى العديد من المناطق في أنجولا. وفي إطار المساعي التركية للتأثير في النخب الجديدة بالبلاد، تقدم أنقرة منحاً دراسية للعديد من الطلاب الأنجوليين للدراسة في تركيا؛ الأمر الذي يعزز العلاقات بين البلدين، وهو ما يلعب دوراً مهماً في تنامي النفوذ التركي في أنجولا والمنطقة عامةً.

محفزات رئيسية

يبدو كل من الطرفين التركي والأنجولي أكثر احتياجاً إلى الآخر، في ضوء رغبة كل طرف في تحقيق مصالحه الاستراتيجية، في إطار من التعاون المشترك بما يحقق الأهداف الاستراتيجية لكل منهما. وهناك عدد من المحفزات الاستراتيجية التي تدفع كل طرف إلى تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين. ويتمثل أبرز المحفزات التي تتعلق بالجانب التركي فيما يلي:

1– توسيع الشراكة مع الأفارقة: تدرك تركيا أهمية الكتلة التصويتية للقارة الأفريقية في المحافل الدولية – التي تمثل أكثر من 25% من إجمالي أعضاء الأمم المتحدة – ومن ثم تنطلق في سبيل ذلك نحو تعزيز علاقاتها مع الدول الأفريقية، ومنها أنجولا التي تحظى بأهمية استراتيجية في غرب القارة، كما يرغب الرئيس التركي أردوغان في تكوين دائرة من الحلفاء الاستراتيجيين له في أنحاء أفريقيا، تشمل الرئيس الأنجولي لورينسو، وهو ما يسهم في تحقيق الأهداف الاستراتيجية التركية على المدى البعيد.

2– فتح أسواق جديدة: دائماً ما تسعى أنقرة إلى البحث عن الفرص الاقتصادية والأسواق الجديدة للترويج لمنتجاتها الصناعية وكذلك الصادرات التسليحية التركية التي أضحت ركيزة أساسية لتعزيز النفوذ التركي على الساحة الأفريقية. وتحظى أنجولا التي تمتلك مقومات هائلة على صعيد الفرص الاقتصادية وتمتلك العديد من الموارد والثروات الطبيعية بأهمية استراتيجية لدى أنقرة التي تسعى إلى تعزيز نفوذها في القارة.

3– الاستحواذ على مناجم خام الحديد: يمثل التنافس على الموارد والثروات الطبيعية في أفريقيا واحداً من أبرز المحفزات للقوى الفاعلة، لا سيما تركيا التي ترغب في المسارعة لتعزيز حضورها في لواندا من أجل الاستيلاء على مناجم الحديد وغيرها من الثروات التي تتمتع بها البلاد؛ فقد أعلنت شركة tosyali القابضة التركية لإنتاج الصلب في أغسطس 2024 أنها ستتعاون مع شركة Sonangol النفطية الأنجولية لإنشاء مصنع صلب متكامل. وفي إطار هذه الشراكة ستقوم شركة Tosyali للحديد والصلب أنجولا (الفرعية) بتجديد تشغيل المناجم في منطقة كاسينجا، التي تحتوي على أكبر احتياطيات خام الحديد. ومن المقرر أن يكتمل بناء مصنع المعادن الجديد بحلول عام 2027، وهو مشروع من شأنه أن يعود بالمكاسب والنفع المباشر على التنمية الأوسع للاقتصاد المحلي في أنجولا، ويضع مسارات للاستثمار الصناعي في البلاد في قطاعات متعددة بخلاف قطاع النفط والغاز الطبيعي.

4– تأمين الحصول على النفط: تدرك تركيا أهمية تأمين حصولها على النفط والغاز الطبيعي من القارة الأفريقية، ومن ثم تحاول تعزيز شراكاتها الاستراتيجية مع الدول النفطية الأفريقية، لا سيما أنجولا؛ فقد نجحت شركة كاليك إنرجي التركية في الفوز بعقد كبير في مجال الطاقة في أنجولا في يوليو 2024؛ الأمر الذي يعكس رغبة الشركات التركية في إيجاد موطئ قدم استراتيجي لها في لواندا.

5– حرص أنقرة على بناء صورة إيجابية في أفريقيا: تسعى أنقرة إلى تقديم نفسها شريكاً استراتيجياً للدول الأفريقية، ومنها أنجولا؛ وذلك من خلال الترويج للخبرات التركية في مجالات مهمة لدى الأفارقة، على رأسها الخبرات التكنولوجية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الجانب الأمني؛ حيث تعزز الصادرات التسليحية التركية من قدرات الدول الأفريقية، لا سيما أنجولا في مواجهة التحديات الأمنية، وما تشمله من الحرب على الإرهاب، وسط تأكيد تركيا حرصها على مواصلة دعم الدول الأفريقية، لا سيما أنجولا، في مجال مكافحة الإرهاب.

6– موازنة الدور الغربي: تدرك تركيا حجم التنافس الدولي، وخاصةً التنافس الأمريكي الصيني وكذلك الروسي على أنجولا سعياً وراء الاستيلاء على الثروات والموارد التي تتمتع بها البلاد. ومن ثم، تحاول أنقرة تقديم نفسها للأفارقة كبديل كفء لتلك القوى الدولية الكبرى، يمكنه القيام بأدوار متعددة في القضايا الأفريقية المختلفة؛ وذلك في إطار المساعي التركية لمزاحمة النفوذَين الغربي والأمريكي وغيرهما في المناطق الاستراتيجية بأفريقيا.

إجمالاً، فإن توسيع تركيا علاقاتها مع الدول الأفريقية يعني، بما لا يدع مجالاً للشك، كسب أنقرة المزيد من النقاط التي تسهم بدورها في تعزيز نفوذها المتنامي في أفريقيا؛ لذلك سوف تستمر التحركات التركية في هذا الصدد؛ أملاً في توطيد مكانتها وحضورها على الساحة الأفريقية، مع حرصها على موازنة النفوذ الغربي والأمريكي والصيني والروسي في المناطق الاستراتيجية المهمة بأفريقيا خلال الفترة المقبلة.

كيف تطورت العلاقات بين تركيا وأنجولا؟