للقراءة بصيغة PDF HTML tutorial

أعلنت حكومة ولاية "زامفارا" الواقعة في شمال غرب نيجيريا في 26 يونيو 2022 السماح للسكان المدنيين بحمل السلاح لحماية أنفسهم من الهجمات الإرهابية المتصاعدة التي تتورط فيها بعض العصابات المسلحة المعروفة باسم "قطَّاع الطرق" في المنطقة، التي صنفتها الحكومة النيجيرية تنظيماً إرهابياً في نوفمبر 2021. وطالبت الحكومة الشرطة بإصدار تراخيص لجميع الراغبين في الحصول على السلاح، وتخطط للبدء بنحو 500 رخصة سلاح في كل مناطق الولاية، فيما أمرت بتجنيد 200 حارس إضافي لتعزيز الأمن في أنحاء الولاية، كما حظرت استخدام الدراجات النارية المعروفة باسم "أوكادا"، وحظرت بيع البنزين لمالكيها؛ وذلك في محاولة لاحتواء تصاعد النشاط الإرهابي لتلك العصابات في الولاية، والحد من تفاقم انعدام الأمن هناك، بالرغم من خطورة هذه الخطوة التي قد تعزز عسكرة المجتمع وما يترتب عليها من تفاقم الاقتتال الداخلي في الولاية.

سياقات حاكمة

تأتي هذه الخطوة من جانب حكومة الولاية في إطار سياق محلي يشهد اضطرابات وتهديدات أمنية متنامية خلال الفترة الأخيرة في شمال غرب نيجيريا بما في ذلك زامفارا. ويمكن الإشارة إلى أبرز تطورات السياق العام على النحو الآتي:

1– تصاعد النشاط الإرهابي لقطَّاع الطرق في شمال غرب نيجيريا: أضحت المنطقة ملاذاً للتنظيمات الإرهابية بدرجة متزايدة، بما في ذلك قطَّاع الطرق التي تصنفها بعض التقارير الدولية بأنها رابع أكثر التنظيمات الإرهابية فتكاً على مستوى العالم. ويُصنف الصراع الدائر في المنطقة بأنه أكثر فتكاً من تمرد بوكو حرام في شمال شرق البلاد. ويعتبر محور زامفارا–كادونا–كاتسينا أكثر الولايات تعرضاً للهجمات الإرهابية من قطاع الطرق، خاصة في المناطق الريفية؛ حيث تعد ولاية زامفارا أكثر الولايات في شمال غرب البلاد تضرراً من تهديدات تلك العصابات في نيجيريا؛ إذ تمتلك ثاني أكبر عدد من الوفيات خلال الربع الأول من العام الجاري 2022 بنحو 327 قتيلاً.

2– سقوط العديد من القتلى في المنطقة: أضحى شمال غرب نيجيريا مسرحاً للمزيد من أعمال العنف على مدار العقد الماضي؛ إذ تشهد معظم المناطق، بما في ذلك ولاية زامفارا، تورط عصابات قطاع الطرق في عمليات القتل والنهب والخطف؛ ما يثير الرعب في نفوس السكان المحليين هناك؛ إذ تشير تقارير إلى تورط قطاع الطرق في أكثر من 350 هجوماً إرهابياً منذ عام 2020. وتؤكد منظمة "أكليد" – وهي منظمة غير حكومية – أن قطاع الطرق قتلوا أكثر من 2600 مدني في عام 2021 بزيادة بلغت 250% عن عدد القتلى في عام 2020، وهو رقم يفوق عدد قتلى تنظيمي بوكو حرام وداعش في شمال شرق البلاد، كما أشار مكتب الاستشارات النيجيري (إس بي إم إنتليجنس) إلى وصول عدد القتلى في الفترة بين يناير 2022 ومارس 2022 إلى 782 شخصاً في المنطقة مقابل 441 قتيلاً في شمال شرق البلاد في الفترة نفسها.

كما تورط قطاع الطرق في اختطاف نحو 1400 تلميذ في عام 2021 قبل إطلاق سراح معظمهم. وتشير تقديرات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) إلى أن هناك أكثر من مليون شخص لن يذهبوا إلى مدارسهم في عام 2022 بسبب تزايد المخاوف من العمليات الإرهابية للعصابات المسلحة. فيما تكشف أرقام منظمة الهجرة الدولية أن 728 ألفاً قد اضطروا إلى الفرار من منازلهم في وسط البلاد وشمال غربها في عام 2020، قبل أن يرتفع إلى نحو 980 ألفاً في عام 2021.

3– سيطرة قطاع الطرق على عدد من المناطق: أشارت لجنة تقصي الحقائق التي شكلتها حكومة زامفارا إلى أن هناك نحو 105 معسكرات لقطاع الطرق في الولاية تنطلق منها هجماتها الإرهابية إلى المناطق المجاورة، لا سيما أن زامفارا تقع على حدود معظم الولايات الشمالية الغربية مثل سوكوتو وكيبي والنيجر وكادونا وكاتسينا؛ ما يمنحها مساحة حركة واسعة في المنطقة بأكملها. وتصل عدد مجموعات قطاع الطرق إلى 80 عصابة يتمركز معظمها في زامفارا، وهي مجموعات مستقلة بعضها عن بعض، لكن كلاً منها تمتلك تأثيراً نسبياً وفقاً لحجمها وقوتها، وتتراوح أعداد كل مجموعة بين 28 و2500 شخص. ومن أبرز قادة قطاع الطرق "بيلو تورجي جود" الذي يسيطر على ولاية سوكوتو الشرقية، و"أبو بكر عبد الله" المعروف باسم دوجو جايد، الذي تشير تقارير إلى مقتله.

ويتنافس العديد من القادة للسيطرة على زامفارا. وهو ما يعزز قدرة عناصر قطاع الطرق على تنفيذ العديد من العمليات الإرهابية والهجمات ضد المجتمعات المحلية الزراعية والحضرية في بعض الولايات مثل زامفارا وكادونا والنيجر وكاتسينا، وهي هجمات مدفوعة في الأساس بأسباب اقتصادية بحتة من أجل كسب المال والحصول على الموارد والغنائم.

كما تمتلك عصابات قطاع الطرق القدرة على التكيف والتغلب على كافة التحديات التي تواجهها، فمع قيام الحكومة المركزية بقطع الاتصالات في مناطق الصراع في شمال غرب البلاد، استخدمت العصابات هواتف خلوية تعمل عبر القمر الصناعي للتغلب على قطع الاتصالات، في الوقت الذي واجهت فيه المجتمعات المحلية صعوبة في التواصل مع القوات الأمنية، كما طورت عصابات قطاع الطرق قدراتها التسليحية والقتالية؛ فقد استطاعت خلال الفترة الماضية إسقاط بعض الطائرات العسكرية الحكومية، واختراق أكاديمية الدفاع النيجيرية.

4– استغلال قطاع الطرق المظالم الاجتماعية في المنطقة: تتنامى مشاعر الظلم لدى قومية الفولاني التي تتهم سياسات الحكومة الفيدرالية بالتمييز ضدها واستهدافها؛ ما مثَّل فرصة لعصابات قطاع الطرق تستطيع من خلالها تجنيد المزيد من الشباب الرافض للسياسات الحكومية، كما سعت إلى تكوين تحالفات للدفاع عن شعب الفولاني في محاولة لكسب التعاطف والشعبية، في الوقت الذي تتزايد فيه هجماتها ضد الرعاة من قومية الفولاني في معظم ولايات الشمال الغربي للبلاد.

5– التعاون البراجماتي بين قطاع الطرق والتنظيمات الإرهابية: تشير بعض التقارير إلى حصول قطاع الطرق على السلاح والتوجيه التكتيكي من قادة تنظيمي بوكو حرام وداعش في شمال شرق البلاد، وإن كانت غالبية عصابات قطاع الطرق لم تبدِ اهتماماً بتبني أيديولوجية جهادية، فضلًا عن انتقال بعض عناصر قطاع الطرق للتدريب على يد عناصر تنظيم داعش في الشمال الشرقي.

وتورط بعض قادة قطاع الطرق في علاقات مع بوكو حرام، مثل "أوالون دوداوا" الذي أمد الحركة بالسلاح، كما تتعاون جماعة أنصار المسلمين في بلاد السودان، المعروفة باسم "أنصارو"، الموالية لتنظيم القاعدة التي تتمركز في ولايتي كوجي وكادونا، مع بعض عصابات قطاع الطرق، فيما يحافظ تنظيم "داعش" في غرب أفريقيا على روابط قوية بتلك العصابات في ولاية زامفارا.

6– التحالف بين بعض عصابات قطاع الطرق: هناك بعض المساعي لتحقيق درجة أكبر من الوحدة بين بعض المجموعات الإرهابية، وهو ما يتطلب تجاوز الخلافات البينية والصراعات من أجل الوحدة ضد مساعي الحكومة الفيدرالية للقضاء عليها؛ فقد تحالف زعيمان هما "خليلو سوبوبو" و"بيلو تورجي" في شن هجوم مشترك في منطقة سابون بيرني في أكتوبر 2021، وهو ما يشكل تهديداً واضحاً في حالة تحول عصابات قطاع الطرق إلى تنظيم مؤسسي خلال الفترة المقبلة.

7– ضعف تكثيف الحضور الأمني في شمال غرب البلاد: أخطأت الحكومة المركزية النيجيرية في البداية تقدير مخاطر تهديدات قطاع الطرق، حتى إنها في بعض الأحيان رفضت دخول القوات الأمنية المناطق المتضررة ولم تسمح بإنشاء معسكرات للنازحين داخلياً. ولم تعد هناك فرق دورية شرطية في معظم المناطق حتى إن بعض التقارير تشير إلى أن ولاية كاتسينا تضم نحو 3000 عنصر شرطي فقط؛ الأمر الذي جعل المنطقة هدفاً رئيسياً لهجمات العصابات، وما ترتب على ذلك من تدهور الوضع الأمني في شمال غرب البلاد.

وبرغم تنامي الوجود الأمني والعسكري خلال الفترة الأخيرة في المنطقة، فإنه لم يؤثر تأثيراً لافتاً في نشاط قطاع الطرق المتصاعد هناك؛ فقد تعرضت قرية "توفا" التي تقع بالقرب من جوساو عاصمة ولاية زامفارا، في أبريل الماضي، لهجمات من العصابات التي طردت سكانها وسرقت ممتلكاتهم بسبب عدم قدرة أهل القرية على دفع غرامة تقدر بمليون نايرا (2000 دولار تقريباً)؛ وذلك في الوقت الذي لم تتحرك فيه القوات الأمنية من أجل التصدي لتلك الهجمات برغم تعدد شكاوى سكان القرية بشأن مخاطر التهديدات الأمنية من قطاع الطرق.

8– رفض العصابات الحوار مع السلطات الحكومية: جرت بعض المفاوضات بين عدد من المسؤولين الحكوميين وبعض قادة قطاع الطرق للحصول على قرارات عفو عام، إلا أنها باءت جميعها بالفشل؛ وذلك برغم إصرار بعض الولايات على عدم التفاوض مع تلك العصابات مثل ولايتي كادونا والنيجر.

ففي عام 2020 حاول "بيلو ماتاوال" حاكم ولاية زامفارا، تقديم مبادرة باسم "الأبقار مقابل السلاح" بهدف إنهاء العنف في الولاية وسحب السلاح من العناصر الإرهابية، في مقابل التعهد ببناء مناطق الرعي الريفية، والسدود المائية وتوفير الخدمات البيطرية للرعاة والمزارعين، إلا أنها فشلت واستمرت هجمات العصابات. وقد فشلت تلك المحاولات للحوار بسبب عدم وجود إطار قانوني ملزم للطرفين المعنيين؛ إذ إن هذه المبادرات جاءت في إطار صفقة لا في إطار اتفاق رسمي، فضلاً عن غياب مشاركة المجتمعات الزراعية، وعدم وجود قيادة موحدة لعصابات قطاع الطرق التي يصل عددها إلى 80 عصابة رئيسية في شمال غرب البلاد.

تداعيات محتملة

تقود خطوة ولاية زامفارا لتسليح المدنيين إلى عدد من التداعيات المحتملة، تتمثل أبرزها في:

1– اهتزاز وتراجع شعبية النظام الحاكم: إذ إن فشل القوات الحكومية في احتواء نشاط عصابات قطاع الطرق من شأنه تنامي انعدام الثقة بالنظام الحاكم، وتراجع شعبية الرئيس النيجيري "محمد بوهاري"، الذي أكد منذ يناير 2022 أن حكومته ستواجه تلك العصابات بحزم، وهو ما قد يؤثر على شعبية النظام الحاكم قبل انعقاد الانتخابات الرئاسية المقرر عقدها في عام 2023.

2– تنامي الخلافات بين الولايات والحكومة المركزية: وذلك في ضوء الخلاف حول خطوة ولاية زامفارا بالسماح للمدنيين بحمل السلاح، ورفضها من جانب قادة الجيش النيجيري؛ فعقب إعلان حاكم زامفارا إمكانية حمل السلاح للمدنيين في الولاية، اعترض وزير الدفاع النيجيري على هذه الخطوة وتوقيتها واعتبرها غير صحيحة، وأكد أن حاكم الولاية ليس لديه الصلاحيات لإصدار مثل هذه القرارات. ولا يمكن إغفال أن هذه الخلافات قد تؤثر على حجم الدعم المقدم للولايات المتضررة من إرهاب قطاع الطرق.

3– عسكرة المجتمع وتنامي الاقتتال الأهلي: قد تدفع هذه الخطوة نحو إغراق المنطقة بالسلاح، خاصة الذي يأتي من بعض دول الساحل في ضوء سيولة الحدود بين دول غرب أفريقيا؛ ما قد يترتب عليه تنامي الصراعات على الموارد والثروات في المنطقة، وربما يتطور الأمر إلى اندلاع حرب أهلية في شمال نيجيريا، وسط ضعف سلطة الدولة بدرجة لافتة، وهو ما يعني سقوط العديد من القتلى في المنطقة، ونزوح الآلاف هرباً من تدهور الوضع الأمني هناك.

4– الصدام مع القوات الحكومية: يرجح أن تتزايد فرص المواجهة العسكرية بين السكان والسلطات الأمنية الحكومية في ظل تنامي مشاعر المظلومية نتيجة ارتفاع معدلات الفقر ومعاناة قطاعات كبيرة من السكان في هذه المناطق الفقيرة، خاصة أن 5 ولايات في شمال غرب نيجيريا، منها زامفارا، هي من أكثر الولايات فقراً في البلاد.

5– سقوط السلاح في يد العصابات: وذلك في ظل الفقر المدقع لمعظم المجتمعات المحلية في شمال غرب البلاد؛ ما قد يدفع البعض إلى بيع السلاح في السوق السوداء، أو مقايضته مقابل الغذاء والمال، لا سيما أن المدنيين لن يمتلكوا القدرات القتالية التي يتمتع بها العصابات؛ لذا قد يكون لدخولهم في صدام مسلح ضد العصابات تكلفة باهظة بالنسبة إليهم.

6– تعزيز التحالف بين قطاع الطرق والتنظيمات الإرهابية: وذلك في محاولة لزيادة التسليح والتدريب لمواجهة التحديات المحتملة من حمل السلاح للمدنيين في ولايات الشمال الغربي، بالإضافة إلى تكثيف التدريب العسكري على يد عناصر تنظيمي بوكو حرام وداعش في شمال شرق نيجيريا، وهو ما قد يمثل تهديداً مضاعفاً للدولة النيجيرية في شمال البلاد. وفي هذا الإطار، ربما يؤدي تصاعد نشاط بعض التنظيمات الإرهابية، بما في ذلك قطاع الطرق إلى تنامي نزعة الانفصال عن البلاد من خلال السيطرة على بعض المناطق البعيدة عن سيطرة وسلطة الحكومة النيجيرية في الشمال.

وإجمالاً.. قد تزيد مساعي تسليح المدنيين من انعدام الأمن في منطقة شمال غرب نيجيريا، خاصة أن ولاية كاتسينا قد سبقت زامفارا بشأن حمل السلاح للمدنيين في ديسمبر 2021 ولا تزال تعاني من تنامي النشاط الإرهابي من عصابات قطاع الطرق. وفي ظل غياب استراتيجية شاملة من الحكومة المركزية من أجل إعادة الاستقرار هناك، يظل الوضع الأمني في المنطقة مرشحاً للمزيد من التدهور، وما لذلك من ارتدادات سلبية على أمن واستقرار شمال البلاد.

لماذا أعلنت ولاية "زامفارا" النيجيرية عن خطط لتسليح المدنيين؟