محمد الفقي


        
<p><strong>لا يزال تنظيم داعش يعزز من أنشطته في بعض بلدان القارة الأفريقية، ففي 14 مارس 2022، قُتل عشرات المدنيين في هجوم إرهابي شمال شرق الكونغو، ومن جانب آخر، فقد نشرت وكالة "أعماق" الموالية لتنظيم "داعش"، في 9 مارس 2022، صوراً لعناصر تنظيم داعش يرتدون ملابس مكتوباً عليها "الدولة الإسلامية.. الحسبة"، خلال إحراق كميات من المخدرات بعد ضبطها. واكتفى التنظيم بنشر هذه الصورة، وقال إنها في نطاق فرعه المسمى "ولاية غرب إفريقيا"، من دون تسمية الدولة، ولكن بالنظر إلى نشاط التنظيم في الدول التي تقع ضمن هذا الفرع، وهي (نيجيريا والنيجر وتشاد ومالي والكاميرون)، فإن من المُرجَّح أن يكون ظهور عناصر "الحسبة" في دولة نيجيريا على وجه الخصوص، في ظل تمتُّع التنظيم هناك باستقرار نسبي عن الدول الأخرى، مع تركيز العمليات على نيجريا مقارنةً بالدول الأخرى.</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>ويرتبط مفهوم "الحسبة" في التاريخ الإسلامي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكن وظيفتها أخذت تتطور لتشمل أدواراً مجتمعيةً مع تعقُّد المجتمعات واتساع رقعة الدولة الإسلامية في عهد الخلافتَيْن الأموية والعباسية. وسبق لتنظيم "داعش" تشكيل ما يُعرف بـ"ديوان الحسبة" في بعض المناطق التي كانت خاضعة تحت سيطرته، وتحديداً في العراق وسوريا منذ عام 2014. ويمكن تحديد أبرز الدلالات مع الظهور العلني لـ"الحسبة" في إفريقيا في ضوء محاولات توسيع النفوذ، على النحو الآتي:</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>&nbsp;</strong><strong>1– إدخال تعديلات تنظيمية على فرع "غرب إفريقيا":</strong> يعكس ظهور ما يُعرف بـ"ديوان الحسبة" في إفريقيا، وتحديداً في فرع "داعش" المُسمَّى "غرب إفريقيا"، إدخال بعض التغييرات التنظيمية على هذا الفرع خلال الفترة الماضية. ويتضح من خلال متابعة عمليات التنظيم في نيجريا على وجه الخصوص، أن عناصر التنظيم سبق أن استهدفوا شاحنات تحمل خموراً. وهذا كان جزءاً من "الحرب الاقتصادية" التي يشنها التنظيم، لكنها تحمل أيضاً بُعداً يتعلق بوظيفة "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، وفقاً لرؤية التنظيم؛ أي أن التنظيم كان يقوم بهذه الوظيفة بوجه عام، ولكن مع ظهور ما يُعرف بـ"ديوان الحسبة"، يبدو أن التنظيم أدخل تعديلات تنظيمية بحيث خصص بعض عناصره لهذه المهمة دون غيرها.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– محاولة زعزعة قبضة الدولة في مناطق النفوذ: </strong>يمكن النظر إلى ظهور "ديوان الحسبة" في إفريقيا، في إطار رغبة التنظيم في ترسيخ واقع بديل عن الواقع القائم بالفعل من قبل الدولة المركزية؛ إذ إن وظيفة "الحسبة" في التاريخ الإسلامي باتت محققة الآن في الواقع المعاصر، لكن مع اختلاف الآليات والمسميات، وهو ما أكدته مؤسسة الأزهر، في سياق الرد على إعادة تنظيم "داعش" استنساخ واستدعاء الواقع الذي كان قائماً منذ قرون مضت. وهنا فإن التنظيم يسعى إلى الدفع باتجاه مزيد من زعزعة قبضة الدولة والحكومة في المناطق التي تخضع لنفوذه، في إطار القيام بوظيفة الدولة الطبيعية، بما يمنحه بعض الرصيد لدى المجتمع المحلي.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3– الرغبة في تعزيز السيطرة الميدانية لولاية غرب إفريقيا:</strong><strong> </strong>بخلاف الأبعاد الدعائية للتنظيم من جرَّاء إبراز دور "ديوان الحسبة"، فإن التنظيم ربما يسعى خلال عام 2022 إلى الانتقال إلى مرحلة جديدة من التمرد الذي يقوده في إفريقيا، مع تتبُّع بعض تحرُّكات التنظيم العملياتية خلال الأشهر القليلة الماضية، من خلال تكثيف استهداف ثكنات ومعسكرات الجيش في نطاق فرع "ولاية غرب إفريقيا"، وتكثيف العمليات لمواجهة حملات مكافحة الإرهاب، حتى إنه لجأ في بعضها إلى استخدام سيارات مفخخة. وهنا فإن تفعيل "ديوان الحسبة" يمكن تفسيره في إطار الرغبة في تعزيز السيطرة في المناطق التي يتحصَّن بها، من خلال امتلاك سلطة على المجتمع المحلي.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4– الاستقرار النسبي في بعض المناطق الجغرافية:</strong><strong> </strong>بالعودة إلى تأسيس "داعش" ما يُعرف بـ"ديوان الحسبة" في دول أخرى سابقاً، فإن تشكيله ارتبط ارتباطاً أساسيّاً بالاستقرار النسبي الذي يتمتَّع به التنظيم في تلك الدول، خاصةً أن التفكير في القيام بوظيفة الدولة لا يأتي إلا عقب تحقيق قدر من السيطرة الميدانية على بعض المناطق، ولكن في الحالة الإفريقية يبدو أن ثمة اختلافاً؛ إذ إن التنظيم لا يزال في مرحلة بين السيطرة المكانية وعمليات التمرُّد المسلح، ولكن بوجه عام فإن تأسيس "الحسبة" يشير إلى استقرار نسبي لوضع التنظيم في بعض المناطق التي تخضع لنفوذه، من دون أن يكون له سيطرة مكانية كاملة. <strong></strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>5– السعي إلى تشكيل حواضن شعبية في مناطق النفوذ:</strong><strong> </strong>يمكن فهم إبراز دور "ديوان الحسبة" لـ"داعش"، في ضوء السعي إلى تشكيل حواضن شعبية له في المناطق التي يوجد بها،عبر ترسيخ مفاهيم معينة واجتذاب بعض العناصر الجديدة، عن طريق الإغراء بـ"السلطة" الممنوحة لهم عقب الانضمام إلى التنظيم وممارسة وظيفة "الحسبة".</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وختاماً، يمكن النظر إلى تحرُّكات التنظيم في سياق إحداث تغييرات في بنية المجتمع، وفقاً لرؤية "داعش"، عبر الترويج لتطبيق الشريعة، بتوجيه المجتمع المحلي إلى جملة من القواعد التي يجب الالتزام بها، خاصةً إذا نظرنا إلى ترتيب دورات شرعية في العام الماضي لبعض سكان المناطق التي يتمتَّع فيها بنفوذ، وهي تطورات في مجملها تعكس مساعي التنظيم الحثيثة في تعزيز نفوذه في القارة الأفريقية في المرحلة المقبلة.</p>

      

مؤشرات تصاعد نفوذ تنظيم "داعش" في القارة الأفريقية