ريناد منصور

عرض: مريم عبدالسلام – مدرس مساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة







لا يمكن التعامل مع قوات الحشد الشعبي في العراق على أنها مجرد مليشيا مسلحة فحسب تمارس أدواراً بالوكالة نيابة عن إيران، بل أنها كيان ذات علاقات متشعبة في إطار شبكي، إذ لا يقتصر أعضائها على المقاتلين، بل يشمل أيضاً نواب في البرلمان، وبعض الوزراء، وبعض الحكام المحليين وأعضاء المجالس المحلية، وأصحاب الأعمال التجارية في كل من الشركات العامة والخاصة، وكبار موظفي الخدمة المدنية، والمنظمات الإنسانية، وبالتالي فإنه من المهم التعامل مع قوات الحشد الشعبي من هذا المنطلق وعدم الاقتصار على اعتبارها مجرد مليشيا تم شرعنة وجودها بشكل ما.







وفي ضوء هذا تأتي دراسة "تشابك القوى: قوات الحشد الشعبي والدولة في العراق"، لتحاول الإجابة على التساؤل المتعلق بكيفية تأثير قوات الحشد الشعبي في وتيرة التفاعلات داخل الدولة العراقية بالرغم من اعتبارها أحد القوى المتعددة التي قد تؤدي إلى وجود دولة عراقية غير مترابطة أو مفككة، مع طرح أبرز الأدوات التي يمكن من خلالها تحجيم المليشيا في إطار الدولة العراقية.







الفاعل الهجين



إن تشعب العلاقات الداخلية والخارجية المرتبطة بقوات الحشد الشعبي تجعلها صعبة التحليل، وذلك باعتبارها ليست مجرد وكيل لإيران فحسب، إذ يمكن النظر إليها على أنها "مظلة" من القوى الاجتماعية القائمة على مصادر تقليد المحاكاة الدينية سواء للمرشد الأعلى الإيراني على خامنئي، أو آية الله العظمى على السيستاني (المرجع الديني الأعلى للشيعة في العراق)، أو مقتدى الصدر (رجل الدين الشيعي وزعيم التيار الصدري بالعراق)، علاوة على التعامل معها كمليشيا عسكرية لها ألوية مختلفة.



إذ أن قوات الحشد الشعبي هي بمثابة فاعل هجين، يعمل في بعض الأحيان بالتنسيق مع الدولة، وقد يتصادم ويتنافس معها في أحيان أخرى، وبالتالي لا يمكن عزل سلطة الدولة في العراق عن المجتمع في إطار وجود شبكة واسعة من المؤسسات غير الرسمية التي لديها نفوذ واسع في الداخل العراقي.







شبكات متفاعلة



إن الحشد الشعبي عبارة عن سلسلة من الشبكات التي تعود إلى ما قبل الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003، والتي تتفاوت في البنية والاتصال فيما بينها والجهات الفاعلة الأخرى في الدولة، وعلى الرغم من ظهور العديد من الجماعات والقوات التابعة لـ "الحشد الشعبي" بعد يونيو 2014، إلا أن معظمها كان له وجود مسبق في العراق، حيث تنافسوا وتعاونوا مع جهات فاعلة أخرى على السلطة منذ ثمانينيات القرن الماضي.



ويمكن إرجاع معظم المحطات الرئيسية التي تشكل قوات الحشد الشعبي إلى إحدى شبكتين متشددتين؛ شبكة محمد باقر الحكيم، التي بدأت في الثمانينيات وكانت قريبة من الحرس الثوري الإيراني، وشبكة محمد صادق الصدر.



وفي سياق متصل أشارت الدراسة إلى أن شبكة النواة الرئيسية في قوات الحشد الشعبي هي كتائب حزب الله التي لديها علاقات قوية مع إيران، وكان يدعمها المرشد الأعلى الإيراني السابق روح الله الخميني، وقد تمكّن هيكلها القيادي المتماسك نسبياً من تشكيل ألوية وجماعات مختلفة من أجل توجيه مقاتليها بشكل فعال بما ساعدها على الاستجابة للتهديدات والصدمات بطريقة أكثر تماسكاً.







شرعنة الدور



في عام 2014، ومع بدء استيلاء داعش على أجزاء كبيرة من الأراضي العراقية، أراد قادة قوات الحشد الشعبي التحول إلى تنظيم واضح ومؤسسي عبر تقنين دوره، فركزوا جهودهم على لجنة الحشد الشعبي، التي اعترف بها البرلمان العراقي قانوناً في نوفمبر 2016 باعتبارها "تشكيلاً عسكرياً مستقلاً كجزء من القوات المسلحة العراقية ومرتبطة بقيادة الجيش"، وكان أبو مهدي المهندس، القائد الفعلي لقوات الحشد الشعبي هو المحرك الرئيسي لتلك الجهود، ومن أجل ترسيخ نفوذ التنظيم، فقد سعى إلى توليد الإيرادات من الشبكات المتباينة وإنشاء هيكل هرمي فيما يتعلق بالدور العسكري.



وهو ما ساعد في حصول قوات الحشد الشعبي على شرعية في الداخل العراقي من قبل الحكومة نظراً للمساهمة في الحرب ضد داعش وفي الاحتفاظ ببعض مناطق السيطرة بما في ذلك بعض المناطق الاستراتيجية، بالتعاون مع السلطات العراقية الأخرى، وفي ضوء هذا، تستغل قوات الحشد الشعبي موقعها ذلك من أجل تعزيز نفوذها بشكل أكبر خاصة عبر توفير مصادر تمويل مستمرة لها، وكذلك فإنها تلجأ إلى تقديم نفسها كوسيط بين السكان المحليين سواء فيما يتعلق بالحماية الأمنية أو حتى ما يتعلق بالفصل أو فض النزاعات وإنفاذ القانون.







سُبل التحييد



توضح الدراسة أن التعامل مع هيكل قوات الحشد الشعبي كسلسلة من الشبكات المتفاعلة سيوفر أساساً أقوى لفهمها، وأنه يمكن التعامل مع تلك القوات وفق منظورين، الأول؛ هو تفضيل سياسات تهدف إلى تفتيت وتقويض أو إضعاف شبكات معينة من قوات الحشد الشعبي أو إدماجها، فيما يركز المنظور الآخر على سلسلة من خيارات السياسة العامة التي تسعى إلى إعادة تشكيل سلوك قوات الحشد الشعبي من خلال التركيز على مساءلتها بشكل أكبر أمام الحكومة المركزية.



وختاماً، فإنه على صانعي السياسات العراقيين، الذين يتطلعون إلى الحد من نفوذ قوات الحشد الشعبي، أن يكون هناك دور قوي للحكومة المركزية علاوة على ضرورة تعزيز الرقابة القضائية والقانونية على أنشطة الحشد، والأمر ذاته ينطبق على أي نماذج مماثلة في الداخل العراقي، في إطار إعادة الاعتبار للدولة العراقية، وفي ذات السياق فإنه من المهم أن يكون هناك رقابة صارمة على جميع المعاملات المالية المرتبطة بالحشد في إطار جهود مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية في العراق.







المصدر:



Renad Mansour," Networks of power the popular mobilization forces and the state in Iraq", Research paper, Middle East and North Africa Programme, February 2021.

أدوات تحجيم "الحشد الشعبي" في الداخل العراقي