فاز ياماندو أورسي، مرشح الجبهة العريضة المعارضة (يسار الوسط)، في جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية في أوروجواي، التي جرت في 24 نوفمبر 2024، متغلباً على منافسه ألفارو ديلجادو، مرشح الائتلاف الحاكم، الذي يُمثل يمين الوسط. أظهرت النتائج الرسمية أن أورسي حصل على هامش صغير لكنه مريح بنسبة 49.8 في المائة من الأصوات، مقابل 45.9 في المائة لديلجادو.

جرت الانتخابات في ظل أجواء غلب عليها الهدوء النسبي وغياب التوتر، مع وجود تقارب كبير في توجهات مرشحي الرئاسة من الائتلافين المحافظ والليبرالي. وتكتسب هذه الانتخابات أهمية خاصة لكونها الأخيرة في سلسلة من الانتخابات التي جرت خلال عام 2024 في عددٍ من دول أمريكا اللاتينية. قبل أوروجواي، جرى التصويت لاختيار رئيس جديد في كل من السلفادور، وبنما، وجمهورية الدومينيكان، والمكسيك، وفنزويلا، مما يثير التساؤل حول ما إذا كانت انتخابات أوروجواي تُمثل استثناء أم امتداداً للانتخابات التي جرت في الدول الأخرى بالمنطقة.

دلالات جوهرية

كان لنتائج الانتخابات الرئاسية في أوروجواي، وما صاحب الحملة الانتخابية من أحداث ووقائع، عدد من الدلالات المهمة، منها:

1- عودة اليسار إلى السلطة: يدشن فوز أورسي برئاسة أوروجواي نهاية فترة قصيرة من حكومة يمين الوسط للرئيس لاكال بو، والتي بدأت في عام 2020، ويمهد الطريق كذلك لعودة حزب الجبهة العريضة اليساري إلى السلطة بعدما حكمت أوروجواي على مدار خمسة عشر عاماً متتالية حتى عام 2019. يُمثل انتصار أورسي، وهو مدرس تاريخ من الطبقة العاملة وشغل سابقاً منصب عمدة العاصمة مونتيفيديو، امتداداً لموجة من الانتصارات الانتخابية الأخيرة التي حققها تيار اليسار في المكسيك وفنزويلا، حيث فاز مرشحا هذا التيار برئاسة البلاد. أما في السلفادور، وجمهورية الدومينيكان، وبنما، فكان الفائز بالرئاسة خلال عام 2024، ممثلاً لتيار اليمين.

تعكس هذه النتائج بصفة عامة، تناوب التيارات السياسية الرئيسية، من اليمين واليسار، على الحكم في أمريكا اللاتينية، والذي يأتي ترجمة لمواقف الناخبين من السياسات التي تنفذها الحكومات القائمة، بغض النظر عن توجهها السياسي، وكذلك رؤيتهم للمرشح الأقدر على تنفيذ سياسات أكثر عدالة وإنصافاً.

2- التصويت الشعبي لصالح التغيير: من بين ستة انتخابات رئاسية شهدتها منطقة أمريكا اللاتينية في عام 2024، فاز مرشح الحزب الحاكم في السلفادور، وجمهورية الدومينيكان، والمكسيك، وفنزويلا. ومثلت بنما وأوروجواي استثناء لهذا الاتجاه. في بنما، فاز المرشح المحافظ خوسيه راؤول مولينو، في الانتخابات الرئاسية التي جرت في مايو 2024، بحصوله على 34.2 % من الأصوات، متغلباً على مرشح الحزب الحاكم "خوسيه غابرييل كاريزو". وبالمثل، كانت الانتخابات الرئاسية في أوروجواي بمثابة نوع من "التصويت الاحتجاجي" على بعض سياسات الحزب الوطني الحاكم، في ظل النمو الاقتصادي البطيء والأجور الراكدة وتفشي الجريمة، فضلاً عن تورط مسؤولين في حكومة لاكال بو في سلسلة من فضائح الفساد في عام 2023.

خاض ديلجادو (55 عاماً، طبيب بيطري ريفي يتمتع بمسيرة طويلة في الحزب الوطني) حملته الانتخابية على أساس التعهد بمواصلة إرث الرئيس الحالي لاكال بو، مما جعل الانتخابات في بعض النواحي بمثابة استفتاء على زعامته. ورفع شعار "إعادة انتخاب حكومة جيدة". ومع تراجع التضخم وتوقع توسع الاقتصاد بنحو 2.3 % هذا العام، وعد ديلجادو بمواصلة اتباع سياسات سلفه المؤيدة للأعمال. ويتمتع لاكال بو، الذي يحكم البلاد منذ عام 2020 ولا يمكنه دستورياً الترشح لولاية ثانية على التوالي، بمعدلات تأييد عالية. أما أورسي فقد وصل إلى السلطة بناء على وعود بالتغيير الآمن، والحنين إلى السياسات الاجتماعية لإعادة التوزيع لحزبه اليساري.

3- اشتداد حدة المنافسة الانتخابية: عبرت نتائج جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية في أوروجواي عن ارتفاع وتيرة التنافس بين المرشحين. فعلى الرغم من أنّ استطلاعات الرأي قبل الانتخابات توقعت فوز أورسي بالرئاسة، فإن الفارق بين المرشحين كان حوالي 95000 صوت. وهذا يُشير أيضاً إلى وجود تقارب واضح في التصورات والرؤى التي طرحها أورسي وديلجادو خلال حملتهما الانتخابية، حيث كان هناك إجماع واسع بين الخصمين حول القضايا الرئيسية.

ومع ذلك، كانت الانتخابات الرئاسية بمثابة منافسة بين سياسيين من ذوي الخبرة، لديهما ميول معتدلة. تبنى المرشحان الرئاسيان خطاباً سياسياً قائماً على التصالح وكان خالياً من الانتقادات اللاذعة للمنافس، كما دعا كل منهما إلى الوحدة واتفقا على ضرورة التعاون لصالح مستقبل أفضل لأوروجواي، وهو الأمر الذي يعكس قوة الديمقراطية في أوروجواي، خاصة مع اعتراف ديلجادو بالهزيمة حتى أثناء عملية فرز الأصوات، كما تعهد الحزب الحاكم بالعمل مع أورسي لتسهيل عملية انتقال سلس للسلطة. وعقب فوزه بالرئاسة، تحدث أورسي بنبرة تصالحية متعهداً بتوحيد الأمة التي يبلغ عدد سكانها 3.4 مليون نسمة. وقال: "سأكون الرئيس الذي يدعو إلى الحوار الوطني مراراً وتكراراً، ويبني مجتمعاً وبلداً أكثر تكاملاً".

4- دور قيادي للرؤساء الحاليين والسابقين في الانتخابات: لعب الرئيس الحالي "لاكال بو" والرئيس الأسبق "خوسيه موخيكا" دوراً محورياً خلال مرحلة الإعادة الحاسمة للانتخابات الرئاسية، وسعى كل منهما إلى حشد الدعم لمرشح الحزب الذي يمثله. كان لاكال بو داعماً قوياً لديلجادو، الذي شغل مؤخراً منصب سكرتير الرئاسة. يتمتع الرئيس لاكال بو -الذي لا يمكنه دستورياً الترشح لولاية ثانية متتالية- بتقييمات تأييد عالية واقتصاد قوي من المتوقع أن ينمو بنسبة 3.2% هذا العام (2024)، وفقاً لصندوق النقد الدولي، كما تراجعت معدلات التضخم في الأشهر الأخيرة، مما عزز ائتلافه. وحاول ديلجادو الاستفادة من الشعبية التي يتمتع بها الرئيس الحالي بين الناخبين.

في المقابل، يُنظر إلى أورسي (57 عاماً) على أنه خليفة الرئيس السابق خوسيه موخيكا، الذي كسب قلوب الكثيرين في أوروجواي من خلال أسلوب حياته المتواضع، مما دفع الكثيرين إلى وصفه بأنه "أفقر رئيس في العالم". يأتي أورسي نفسه من خلفية متواضعة، حيث نشأ في ريف أوروجواي في منزل بدون كهرباء، وسيكون أول رئيس منتخب منذ عودة الديمقراطية في البلاد لم يولد في مونتيفيديو.

كان موخيكا، الذي يبلغ من العمر الآن 89 عاماً ويتعافى من سرطان المريء، من بين أول من أدلوا بأصواتهم لصالح أورسي بعد فتح صناديق الاقتراع. وقال للصحفيين أثناء خروجه من مركز الاقتراع المحلي: "في ظل الهيكل البرلماني الذي سنحصل عليه، ستضطر الحكومة إلى التفاوض"، وأشاد بالديمقراطية القوية والمتوازنة في أوروجواي باعتبارها "ليست بالأمر الهين" في أمريكا اللاتينية، وأشاد بتواضع أورسي وخبرته العملية، واستعداده لتحمل الاختلافات.

5- غياب نسبي لأعمال العنف واسعة النطاق: على النقيض مما شهدته الانتخابات التي جرت في بعض بلدان أمريكا اللاتينية خلال السنوات الأخيرة، من انتشار الانفلات الأمني، والاضطرابات السياسية، وتفشي أعمال العنف الدموي، الذي أودى بحياة عدد من المرشحين لشغل المناصب العامة، كما حدث في المكسيك والإكوادور، وكذلك فنزويلا عقب إعلان نتائج الانتخابات التي جرت في يوليو 2024؛ اتسمت العملية الانتخابية في أوروجواي بوجود قدر كبير من الأمان، وغاب عن الانتخابات بصفة عامة اندلاع أعمال عنف كبرى، حيث تمتعت البلاد بدرجة عالية من السلام الداخلي والاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي لعقود طويلة. لدى البلاد أعلى دخل للفرد في أمريكا اللاتينية (حوالي 17000 دولار)، وأدنى معدل فقر (7%)، ومن بين أدنى مستويات عدم المساواة. وكثيراً ما تصنف المؤشرات الدولية أوروجواي على أنها أقل دول المنطقة فساداً.

6- تراجع تأثير التوجهات الإقليمية للاستقطاب السياسي: شهد بعض بلدان أمريكا اللاتينية خلال السنوات الأخيرة، انتخابات عامة تميزت بارتفاع حدة الاستقطاب السياسي والأيديولوجي. لذلك، اكتسب اليمين المتطرف والمرشحون الشعبويون المناهضون للمؤسسات الحاكمة، زخماً كبيراً في ظل هذه الأجواء. تقدم البرازيل، وكولومبيا، وفنزويلا، والأرجنتين، نماذج مهمة في هذا الشأن. على النقيض من هذا، غاب عن الانتخابات الرئاسية في أوروجواي مناخ الاستقطاب أو الانقسام السياسي الحاد بين المرشحين والقوى المتنافسة. ومن الواضح أن أوروجواي لا تُعاني من مشكلات جوهرية أو أزمات هيكلية كما هو الحال مع بعض البلدان الأخرى في المنطقة، والتي قد تكون محفزاً للانقسامات أو التوترات السياسية الحادة.

لدى البلاد ميراث طويل من التسامح والاعتدال، حتى في أعقاب الوباء، شعر سكان أوروجواي عموماً بأن احتياجاتهم الأساسية قد تمت تلبيتها في استطلاع للرأي نشرته الأمم المتحدة في مايو 2022، قال 37% من سكان أوروجواي إن وضعهم الاجتماعي والاقتصادي جيد، ووصفه 48% بأنه ليس جيداً ولا سيئاً، ووصفه 14% فقط بأنه سيئ. ونظراً للرضى النسبي عن الوضع الراهن، فليس من قبيل المصادفة أن أوروجواي لم تنتخب قط شعبوياً حقيقياً من اليسار أو اليمين الأيديولوجي، في حين أن الركائز الأساسية لاقتصاد مستقر قائم على السوق مقبولة على نطاق واسع. صنفت وحدة الاستخبارات الاقتصادية، أوروجواي في المرتبة 13 كأقوى ديمقراطية في العالم، متقدمة على المملكة المتحدة، وإسبانيا، وقبل أقرانها الإقليميين مثل البرازيل أو كولومبيا أو المكسيك.

نتائج محتملة

يمكن أن يكون لفوز ياماندو أورسي برئاسة أوروجواي عدد من التداعيات والنتائج، سواء على مستوى الأوضاع الداخلية أو السياسات الخارجية، وذلك على النحو التالي:

1- تجنب التغييرات الراديكالية مع التركيز على العدالة الاجتماعية: أعلن أورسي خلال حملته الانتخابية، عدم وجود خطط لديه لإحداث تغيير جذري في توجهات البلاد الرئيسية "الديمقراطية الاجتماعية". وهو يتفق إلى حد كبير مع خصمه على خفض معدل فقر الأطفال، الذي يبلغ الآن 25 في المائة، واحتواء تصاعد الجريمة المنظمة التي هزت البلاد التي تعتبر منذ فترة طويلة من بين الأكثر أماناً في أمريكا اللاتينية.

وعلى الرغم من وعد أورسي بقيادة "يسار جديد" في أوروجواي، فإنه تبنى نغمة صديقة للأعمال في حملته، قائلاً إنه يخطط لتجنب رفع الضرائب التي قد تخيف المستثمرين. واقترح إصلاحات على برنامج الضمان الاجتماعي التي من شأنها خفض سن التقاعد، ولكنها لا ترقى إلى مستوى الإصلاح الجذري الذي تسعى إليه النقابات العمالية في أوروجواي. كما أن برنامجه يشبه مزيجاً من السياسات الصديقة للسوق وبرامج الرعاية الاجتماعية التي بدأت في عهد الرئيس موخيكا وغيره من قادة ائتلاف الجبهة العريضة. من 2005-2020، حكم الائتلاف لفترة من النمو الاقتصادي القوي والإصلاحات الاجتماعية الرائدة التي حازت إشادة دولية واسعة النطاق، بما في ذلك إضفاء الشرعية على الإجهاض وزواج المثليين وبيع الماريجوانا. وأصبحت أوروجواي واحدة من أكثر الدول ليبرالية واستدامة بيئياً في المنطقة.

2- ازدياد الحاجة إلى الحوار السياسي مع المعارضة: هذه هي المرة الأولى التي تحكم فيها الجبهة العريضة التي يتزعمها أورسي بدون أغلبية برلمانية، حيث فازت في الانتخابات البرلمانية التي جرت في 27 أكتوبر 2024 بـ16 مقعداً من أصل 30 في مجلس الشيوخ (بالإضافة إلى نائبة الرئيس كارولينا كوس، التي ستكون رقم 17)، ولكن بوجود 48 نائباً في المجلس سيتعين على الجبهة العريضة إقناع مشرعين اثنين على الأقل خارج كتلتها عندما يتعلق الأمر بالموافقة على التشريعات. ورغم فوز الجبهة العريضة بأغلبية المقاعد في مجلس الشيوخ، لم يحصل أي حزب أو ائتلاف سياسي على أغلبية مطلقة في مجلس النواب.

يواجه الرئيس المنتخب الآن التحدي المتمثل في الوفاء بوعوده بتعزيز النمو الاقتصادي ومكافحة عدم المساواة، دون زيادة الضرائب أو الحصول على أغلبية في مجلس النواب، لذلك سيتعين على أورسي التفاوض مع المعارضة حتى يتمكن من تمرير مشروعات القوانين في البرلمان.

3- تعزيز التعاون الاقتصادي الإقليمي: أعلن أورسي خلال حملته الانتخابية أنه يتعاطف مع الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا، ثم مع غابرييل بوريك في تشيلي، ثم مع غوستافو بترو في كولومبيا، بهذا الترتيب. ومن المرجح أن تربط أوروجواي في ظل رئاسة أورسي علاقات جيدة مع الحكومات اليسارية، وكذلك تلك التي لديها توجهات يمينية. في الواقع، ليس لدى أوروجواي مشكلات حقيقية أو خلافات جوهرية مع بقية دول أمريكا اللاتينية، قد تتسبب في توتر العلاقات مع جيرانها الإقليميين.

مع ذلك، باعتبارها عضواً في "ميركوسور"، وهو تكتل تجاري إقليمي يضم البرازيل، الأرجنتين، أوروجواي، وباراجواي، سيتعين على الرئيس المنتخب لأوروجواي معالجة مجموعة من القضايا مع شركائه الإقليميين، والتي ستطرح على جدول أعمال التجمع خلال الفترة المقبلة. من بين هذه القضايا، معارضة فرنسا ودول أوروبية أخرى للتصديق على اتفاقية ميركوسور والاتحاد الأوروبي. علاوة على مناقشة إمكانية عقد اتفاقية للتجارة الحرة بين التجمع والصين، والتي حاول الرئيس الحالي لأوروجواي التوصل إليها منفرداً، حتى بدون موافقة بقية أعضاء التكتل، مما أثار استياءهم.

أعلن أورسي خلال حملته الانتخابية أنه يفضل التوصل إلى اتفاقية للتجارة الحرة مع الصين، ولكن في إطار الميركوسور. وقال: "يجب أن نعمل دائماً لنكون ضمن حدود ما تسمح لنا به ميركوسور، دون تجاوز ذلك". في الواقع، لدى حزب الجبهة العريضة، التي ينتمي إليه الرئيس المنتخب، اهتمام خاص بدعم قضية التكامل الإقليمي. تحت العنوان الفرعي "أوروجواي منفتحة على التكامل مع المنطقة والعالم"، يؤكد برنامج حزب الجبهة العريضة للفترة 2025-2030 أن "الوقت قد حان للتقدم في وحدة" أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي. وأضاف: "يتجه العالم نحو تشكيل تعددية قطبية جديدة تحدد فيها البلدان والمنظمات الدولية مثل بريكس وجمعيات الدول وغيرها علاقات اقتصادية وتجارية ومالية ونقدية وحتى طاقة جديدة، وتعيد تجميع وتكثيف التعاون فيما بينها. وفي هذا السياق، يصبح التكامل الإقليمي أكثر أهمية".

4- إيلاء اهتمام أقل بتطورات الأوضاع في فنزويلا: إن انتخاب رئيس جديد من يسار الوسط لأوروجواي يثير التساؤلات حول ما ستكون عليه العلاقات مع فنزويلا. خلال حملته الانتخابية، أعاد أورسي التأكيد على موقفه من حكومة نيكولاس مادورو، التي وصفها في مؤتمر صحفي في سبتمبر 2024 بأنها "نظام استبدادي" وأحياناً "ديكتاتورية". يأتي فوز أورسي في لحظة حرجة لعلاقات أوروجواي مع فنزويلا، بعد أن رفضت حكومة لويس لاكال بو المنتهية ولايتها الاعتراف بإعادة انتخاب مادورو واعترفت بمرشح المعارضة إدموندو غونزاليس أوروتيا، كرئيس منتخب لفنزويلا.

قال أورسي في مقابلة في أكتوبر 2024: "في الانتخابات الأخيرة، كان من الواضح أنها لم تكن عملية نزيهة، والنتيجة مشكوك فيها للغاية ومريبة". ونظراً لعدم اعتراف حكومة أوروجواي بفوز نيكولاس مادورو، تم قطع العلاقات الدبلوماسية معها. عقب الانتخابات، هنأ نيكولاس مادورو أورسي وأعرب عن استعداده "لبناء علاقة محترمة وتعاونية". ومع ذلك، لم يقل رئيس أوروجواي المنتخب ما هي خططه فيما يتعلق بالعلاقات المستقبلية مع فنزويلا.

عندما سئل عما إذا كان سيدعو مادورو إلى حفل تنصيبه في 1 مارس 2025، أجاب: "لقد قلت ذلك بالفعل 400 مرة. الدولة تتعلق بالدول، وليس برئيس أو أيديولوجيات. عندما تواجه صعوبات دبلوماسية مع دولة أخرى، فإنك تضعها في النهاية أو لا تفكر فيها على الإطلاق". وأضاف: "عندما يحين الوقت، سنرى من هو المدعو ومن هو غير المدعو. يجب أن تؤخذ هذه الأمور في الاعتبار".

5- إقامة علاقات جيدة نسبياً مع الولايات المتحدة: ستتولى الحكومة الجديدة في أوروجواي مهامها في 1 مارس 2025، أي بعد مرور أقل من شهر ونصف من بدء الرئيس الأمريكي المنتخب "دونالد ترامب" ولايته الثانية في 20 يناير من العام نفسه. مع ترشيح ترامب لعضو مجلس الشيوخ الجمهوري، ماركو روبيو وزيراً للخارجية، من المرتقب أن تولي واشنطن أهمية متزايدة لمنطقة أمريكا اللاتينية.

ينتقد روبيو بشدة الأنظمة الحاكمة في كوبا وفنزويلا ونيكاراجوا. ولديه مخاوف حقيقية بشأن النفوذ الصيني في منطقة أمريكا اللاتينية. بصفته عضواً في مجلس الشيوخ، تحدث روبيو عن تعزيز العلاقة مع أوروجواي. في عام 2022، كتب مقالاً أشار فيه إلى أنه "في حين أن 35% من منتجات أوروجواي تذهب حالياً إلى الصين، وبينما يغازل الحزب الشيوعي الصيني - أكبر خصم جيوسياسي للولايات المتحدة - حكومة أوروجواي باتفاقية تجارة حرة محتملة، يظل من الممكن أن توفر أوروجواي المزيد من الصادرات إلى أوروبا والولايات المتحدة". وأضاف روبيو أن "تعزيز علاقتنا الثنائية مع أوروجواي لن يعزز التحالف الديمقراطي في نصف الكرة الغربي فحسب، بل سيقلل أيضاً من نفوذ بكين المناهض لأمريكا في منطقتنا". وشدد على أن "الولايات المتحدة يجب أن توسع التعاون مع أوروجواي في قضايا الأمن والفضاء ومكافحة المخدرات".

في ضوء هذا، من المرجح أن تكون العلاقات بين أوروجواي والولايات المتحدة جيدة في مجملها، في ظل الغياب النسبي لأي قضايا حساسة أو خلافية قد تؤثر سلباً على العلاقات الثنائية، كالهجرة والمخدرات كما هو الحال في المكسيك وبلدان المخروط الجنوبي على سبيل المثال. وبالرغم من ذلك، فإن أوروجواي ستكون حذرة بشأن السياسات التجارية المنتظرة لإدارة ترامب، والتي ستفرض بموجبها رسوماً جمركية مرتفعة على صادرات بعض الدول.

6- مواصلة الانفتاح على الصين: قد تشهد العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وأوروجواي قدراً من التوتر في ظل ما يؤكده برنامج حزب الجبهة العريضة للفترة 2025-2030 من الموقف التاريخي لليسار في أوروجواي ضد "إمبريالية" الولايات المتحدة، كما يقترح البرنامج الانضمام إلى التكتلات الاقتصادية مثل بريكس، التي تضم روسيا والصين والبرازيل، من بين دول أخرى.

ومن المرجح أيضاً أن تكون العلاقات الاقتصادية القوية مع بكين، حيث رحب أورسي بالاستثمارات الصينية وأشاد بمبادرة الحزام والطريق باعتبارها "أمراً مفيداً للغاية" لبلاده، والموقف الغامض نسبياً من نظام مادورو في فنزويلا، أسباباً إضافية لتوتر العلاقات مع واشنطن.

من جملة ما سبق، يمكن القول إن الانتخابات التي فاز فيها ياماندو أورسي برئاسة أوروجواي، تُمثل نموذجاً ملهماً لبقية دول أمريكا اللاتينية، لكونها تميزت بغياب نسبي للعنف السياسي، فضلاً عن بُعدها عن أجواء الاستقطاب والانقسام الحاد التي تميزت بها الانتخابات الرئاسية التي جرت خلال السنوات الأخيرة في بلدان أخرى بالمنطقة، مما يعزز من صورة أوروجواي كنموذج للديمقراطية الاجتماعية. ومن غير المرجح أن يؤدي فوز أورسي إلى تغييرات جوهرية في التوجهات الرئيسية للبلاد، سواء على المستوين الداخلي أو الخارجي، مما يعكس توافقاً عاماً بين المرشحين الرئاسيين والقوى السياسية المختلفة حول القضايا المركزية التي تشغل اهتمام المواطنين.

ما دلالات فوز ياماندو أورسي برئاسة أوروجواي؟