إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية


        
<p><strong>لا ينفصل انعقاد القمة السادسة للدول المُصدِّرة للغاز في العاصمة القطرية الدوحة، خلال الفترة من 20 إلى 22 فبراير الجاري، التي يشارك فيها الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي؛ عن تصاعد حدة الأزمة الأوكرانية، في ظل التهديدات الروسية المستمرة بالتدخل عسكريّاً لمنع أوكرانيا من الانضمام إلى حلف الناتو. وتحاول إيران، في هذا الصدد، استغلال الأزمة لتحقيق أهداف عديدة؛ يتمثل أبرزها في تعزيز موقعها في مفاوضات فيينا، وزيادة احتمالات التحول إلى دولة مُصدِّرة للغاز إلى أوروبا، وتصعيد حدة الضغوط على إسرائيل، وتوسيع نطاق التعاون مع الدول العربية، لا سيما بعض دول مجلس التعاون الخليجي.</strong></p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>ورغم الانسحاب الجزئي الذي قامت به القوات الروسية المرابطة على حدود أوكرانيا في 15 فبراير 2022، فإن بعض التقديرات ترجِّح أن ذلك ما هو إلا مناورة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإبعاد نفسه عن دائرة الاتهامات، والتلويح بالعقوبات من قبل واشنطن، بل الضغط على الولايات المتحدة الأمريكية لتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب على كافة الأصعدة. ومع ذلك لا تزال احتمالات الغزو قائمة. ورغم بُعد منطقة الشرق الأوسط عن مركز الصراع بين روسيا والغرب، فإن من المؤكد أن لهذه الأزمة تداعيات قد لا تبدو هينة على المنطقة، ولا سيما فيما يتعلق بفرص كل من قطر وإيران لتصدير الغاز إلى أوروبا، وإمكانية ارتفاع أسعاره بما يعود بالنفع على بعض الدول.</strong></p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">نواحٍ عديدة</span></strong></p>



<p><strong>وفي سياق رغبة إيران الدائمة في خلق الفرص والاستفادة القصوى من الأزمات والتوترات على مستوى العلاقات الدولية من أجل تحقيق مصلحتها الوطنية؛ فإنها قد تستفيد من الأزمة الأوكرانية من جوانب عدة تتضح في:</strong></p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1- تعزيز الموقع التفاوضي في محادثات فيينا:</strong> بالنظر إلى المرحلة الحاسمة التي تمر بها مباحثات الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة (4+1) بشكل مباشر، والولايات المتحدة الأمريكية بطريقة غير مباشرة؛ فإن طهران يمكن أن تستغل العلاقات المضطربة بين روسيا والغرب (أطراف الأزمة) للضغط من أجل تقديم أقل قدر ممكن من التنازلات، ولا سيما أن ذلك يتزامن مع وجود عدد من الإشكاليات بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية؛ تتمثل أبرزها في مسألة "الضمانات" التي ترغب طهران في الحصول عليها للتحقق من التزام واشنطن بالاتفاق النووي، والتأكد من عدم الانسحاب منه مرة أخرى. وتتضح الإشكالية الثانية في رغبة إيران في رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها مرة واحدة، وهو الأمر الذي ترفضه واشنطن؛ لما يفرضه ذلك من تداعيات فيما يتعلق بالانتهاكات الإيرانية السريعة للقيود المفروضة على برنامجها النووي، وهو ما قامت إيران به المرة الماضية بعد عقد خطة العمل الشاملة المشتركة مع إدارة أوباما.</p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>ولكن لكي يتحقق ما سبق، يجب أن تمنع إيران روسيا من استغلال قضية المحادثات النووية كورقة ضغط على الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في أوروبا في إطار الأزمة الأوكرانية، وهو ما نصح على إثره بعض الساسة الإيرانيين بأن تسرع طهران هذه التفاهمات، بل أن تلجأ إلى التفاوض المباشر مع واشنطن؛ حتى تقطع الطريق على موسكو للحصول على تنازلات غربية عن طريق استغلال هذه الورقة الإيرانية، وجعل طهران بمنزلة حل وسط لصالحها، خاصةً أن الممثل الروسي في محادثات فيينا ميخائيل أوليانوف يحتل موقع الصدارة فيما يتعلق بالإعلان عن النتائج، وعقد اجتماعات مع المبعوث الأمريكي الخاص لشؤون إيران روبرت مالي، والمنسق الأوروبي لمحادثات فيينا إنريكي مورا.</p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2- إمكانية تصدير الغاز الطبيعي إلى أوروبا:</strong> ارتبطت زيارة وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني إلى طهران في 24 يناير الفائت –ولا سيما أنها جاءت قبل أيام قليلة من زيارة أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني إلى الولايات المتحدة الأمريكية– بجدل كبير حول التنسيق القطَري مع إيران لتصدير الغاز إلى أوروبا إذا حدث أي تقصير من جانب روسيا في هذا الإطار، وهو ما أعلنت إيران على إثره أنها على استعداد لتزويد أوروبا بما لا يقل عن 20% من احتياجاتها من الغاز، وخاصةً في ظل سعي إيران إلى مد خط أنابيب لنقل الغاز من جنوب إيران إلى تركيا، بما يسهل عملية التصدير إلى أوروبا لاحقاً.</p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وفي هذا السياق، تعول إيران –التي تمتلك ثاني أكبر احتياطات غاز طبيعي في العالم– على أنه حتى لو لم تهاجم روسيا أوكرانيا، فإن التهديدات التي تمثلها موسكو ستكون بمنزلة محفز للدول الأوروبية على البحث عن مصادر بديلة للغاز الروسي؛ لتقليل ضغوط موسكو على الاقتصاد الأوروبي. وتتزايد فرص إيران، في هذا الإطار، في ظل ارتباط قطر الحالي –التي تعتبر بمنزلة أكبر خزان للغاز الطبيعي في العالم– بعقود طويلة الأجل مع دول شرق آسيا. ومن ثم، من غير الواضح مقدار الغاز الطبيعي المسال الذي سيكون متاحاً من قبل الدوحة للدول الأوروبية. وعلى جانب آخر، تعتمد هذه الفرصة الذهبية لإيران على مدى الانفتاح الدبلوماسي الذي من المتوقع أن يعقب عودة طهران والأطراف الغربية إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، ورفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، والتزام واشنطن بهذه الاتفاقية مع تغير الإدارات الأمريكية المتعاقبة، فضلاً عن جذب الاستثمارات الهادفة إلى تطوير قطاع الطاقة، وخاصةً فيما يتعلق بالغاز الطبيعي في إيران.</p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3- الاستفادة من تحول هيكل النظام الدولي:</strong> قد يؤدى غزو روسيا لأوكرانيا، إلى تحول الأولى إلى قوة هائلة في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية التي لا تزال تنفرد بمصطلح القوة الكبرى الأولى في العالم –بالتوازي مع التنافس الشديد بين واشنطن وبكين– ومن ثم فإن حدوث تحول تدريجي في هيكل النظام العالمي من ثنائي القطبية تقوم فيه روسيا بدور محدود إلى متعدد الأقطاب يسمح لبعض القوى الإقليمية مثل إيران بممارسة دور هام. والجدير بالذكر أن الهيكل المتعدد الأقطاب للنظام العالمي يمكن أن يساهم في تحقيق مصالح القوى الإقليمية والدول الصغيرة نسبيّاً، ويسمح لها بمساحة أكبر من المناورة.</p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وتأسيساً على ما سبق، فمن المتوقع أن تزداد أهمية منطقة الشرق الأوسط في ظل التعددية القطبية، بالنسبة إلى كل من روسيا والصين –بالتوازي مع استراتيجية الخروج التدريجي للولايات المتحدة الأمريكية من المنطقة– وهو المجال الذي سيسمح لإيران بأن تلعب دوراً كبيراً بالاعتماد على نفوذها المتصاعد في المنطقة من خلال الدعم الذي توجهه للجماعات المسلحة التابعة لها في بعض العواصم العربية، فضلاً عن علاقتها الجيدة بكل من موسكو وبكين. وتتمثَّل أبرز المحددات الهامة في سعي روسيا إلى توسيع نفوذها بالمنطقة بنجاح بوتين في إنقاذ نظام بشار الأسد في سوريا، وتوقيع اتفاقيات طويلة الأمد بشأن الاستفادة من القواعد الجوية والبحرية في المنطقة، وإبرام صفقات عسكرية متطورة لتركيا؛ ما أحدث شرخاً في العلاقة بين أنقرة وواشنطن، فضلاً عن قيامها بدور مؤثر في ليبيا، وتعزيز علاقاتها الاستراتيجية بإيران. وهنا ربما ستتحول العقوبات الاقتصادية التي لطالما عانت منها إيران ولا تزال، إلى أداة هشة، وتصبح الأزمة الأوكرانية بمنزلة انتصار للصين التي تشارك روسيا مصالحها في إنهاء هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية العالمية وإضعافها.</p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4- تعزيز الضغوط الإقليمية على إسرائيل</strong>: رغم العلاقات الجيدة التي تؤسسها تل أبيب مع موسكو، ومحاولة الأولى موازنة علاقتها بين موسكو وواشنطن، فإن الأزمة الأوكرانية تضعها في مأزق كبير؛ حيث رفضت إسرائيل المطالب الغربية والأوكرانية بشحن أسلحتها إلى أوكرانيا، لا سيما منظومة القبة الحديدية؛ خشية التأثير سلبيّاً على علاقاتها بروسيا. وفي هذا السياق، كشفت صحيفة "هاآرتس" الإسرائيلية عن الكثير من الجدل حول أسباب الدوريات الجوية الهجومية الروسية على طول مرتفعات الجولان، وتساءلت عن مدى إمكانية اتجاه موسكو إلى اتخاذ إجراء كجزء من قرار إلجام الهجمات الإسرائيلية على المواقع العسكرية التابعة للميليشيات الإيرانية في سوريا، ومن ثم إرسال إشارة إلى تل أبيب بأن روسيا تتوقع أن تكون إسرائيل محايدة في الأزمة الأوكرانية، مشيرةً إلى أنه أيّاً كانت النوايا الروسية، فإن تركيز الانتباه الأمريكي على أوكرانيا سيقلل رغبة واشنطن المحدودة في الانخراط داخل سوريا، بما يُعزز دور روسيا هناك، ويجعل إسرائيل أكثر اعتماداً على موسكو فيما يتعلق بمواجهة الوجود الإيراني.</p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>ورغم أن الأزمة الأوكرانية ستزيد تقليص الاهتمام الدولي والإقليمي بالقضية الفلسطينية، الأمر الذي من شأنه أن يخفف حدة الضغوط التي تتعرض لها إسرائيل على المدى القصير، لكن التراجع الغربي في المنطقة سيؤدى إلى تشجيع أنشطة حركات المقاومة الفلسطينية في غزة وخارجها، فضلاً عن زيادة الدعم الإيراني للجماعات المسلحة التابعة لها بالمنطقة والمناهضة لإسرائيل مثل "حزب الله" اللبناني، بما يجعل الشرق الأوسط بمنزلة منطقة أكثر اضطراباً بالنسبة إلى تل أبيب.</p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>5- توطيد العلاقات الإيرانية–العربية:</strong> من المتوقع أن يؤدي تراجع دور الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة –كأحد أبرز التداعيات الهامة للأزمة الأوكرانية– إلى تصاعد الأصوات الإيرانية المؤيدة لتطوير العلاقات مع الشرق، ولا سيما فيما يتعلق بدول الجوار، وهو الأمر الذي تزيد أهميته في ظل الحكومة الحالية بقيادة إبراهيم رئيسي، ورغبتها المتزايدة في توثيق العلاقات بالدول العربية، لا سيما الخليجية منها، عبر تعزيز الشراكات الاقتصادية مع هذه الدول. وبالفعل بذلت حكومة رئيسي ولا تزال تبذل جهوداً كبيرة في هذا الإطار؛ الأمر الذي ظهرت بوادره في المحادثات الإيرانية–السعودية، والحديث الإيراني عن الحاجة إلى استعادة العلاقات الدبلوماسية مع مصر.</p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">اهتمام متزايد</span></strong></p>



<p>على ضوء ذلك، يمكن القول إن إيران سوف تواصل اهتمامها بمتابعة تطورات الأزمة الأوكرانية، ودراسة إمكانية استغلالها في العديد من الملفات الدولية والإقليمية، وهي سمة رئيسية تتسم بها السياسة الإيرانية القائمة في الأساس على استثمار الأزمات لتقليص حدة الضغوط التي تتعرض لها إيران على مدى العقود الأربعة الماضية، وتعزيز موقع إيران كقوة رئيسية في منطقة الشرق الأوسط.</p>

      

ملامح الاستفادة الإيرانية من تفاقم الأزمة الأوكرانية