ياسمين أيمن


        
<p>يسعى الرئيس الأمريكي جو بايدن، منذ توليه السلطة رسميّاً في 20 يناير 2021، إلى الحد من عنف السلاح المتصاعد في مختلف المدن والولايات الأمريكية؛ حيث أعلن عن خطة جديدة للتصدي للعنف المسلح، الذي يعد من أهم الأولويات التي يجب معالجتها سريعاً، لا سيَّما أن البيانات التي تم جمعها قد أثبتت تصاعد معدلاته منذ انتشار جائحة كورونا التي أفقدت ملايين الأمريكيين وظائفهم، وساهمت في الضغط نفسيّاً عليهم بسبب بقائهم في المنازل فترات طويلة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وقد أشار الرئيس، في تصريحات سابقة، إلى أن جرائم العنف المُسلَّح تنتشر بدرجة أكبر خلال فصل الصيف، موضحاً – خلال زيارة له إلى مدينة نيويورك في فبراير الماضي، عقب سلسلة من حوادث إطلاق النار – أنه يوميّاً "يتم إطلاق النار على 316 شخصاً، ويُقتل 106 أشخاص"؛ منهم أطفال بسبب العنف المسلح بالولايات المتحدة. وفي ضوء ذلك، شدد بايدن على اهتمام الإدارة الأمريكية بالحد من انتشار الأسلحة بين المواطنين.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">جهود المكافحة</span></strong></p>



<p>على الرغم من الحظر الذي تم فرضه خلال الجائحة في عام 2020، فإنه يتم وصف هذا العام، بجانب عام 2021؛ بأنهما من أكثر الأعوام دمويةً منذ عقدين في تاريخ الولايات المتحدة؛ بسبب عنف السلاح؛ حيث شهدت البلاد منذ يناير حتى أبريل 2021 نحو 147 عملية إطلاق نار جماعية، مقارنةً بـ85 عملية خلال الفترة المناظرة من عام 2020؛ الأمر الذي يقوض أمن الولايات المتحدة، ويخلق ما يوصف بـ"الإرهاب المحلي" الذي يتمثل في ممارسة أعمال عنيفة تهدد حياة المدنيين الأمريكيين، وتؤدي إلى ترهيبهم، أو تعرقل سياسات الحكومة، وهو ما يجعل هناك ضرورة للحد من انتشار الأسلحة الهجومية التي تساعد على زيادة معدلات الجريمة، مع تبني إجراءات أكثر حزماً من جانب الإدارة الأمريكية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>وقد دفع هذا الواقع الإدارة الأمريكية إلى اتخاذ بعض الإجراءات بهدف مواجهة هذه الظاهرة، ويتمثل أبرزها فيما يأتي:</strong></p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1–  إعلان خطة جديدة لمواجهة جرائم العنف: </strong>ينظر البيت الأبيض إلى العنف المسلح الذي يعتمد على الأسلحة النارية، باعتباره "مصدر القلق الأكبر" المتسبب في وقوع الجرائم العنيفة بالولايات المتحدة، الذي يشكل أحد ملامح الإرهاب المحلي؛ لذلك في يونيو 2021 أعلن الرئيس بايدن عن خطة مكونة من خمس نقاط تشمل قمع بائعي الأسلحة الذين ينتهكون القوانين الفيدرالية، مع تطبيق سياسة عدم التسامح مطلقاً، بجانب تقديم دعم إضافي لسلطات إنفاذ القانون المحلي للمساعدة في مكافحة زيادة الجرائم في الصيف.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>فضلاً عن الاستثمار في برامج التدخل في العنف المجتمعي، وتوسيع نطاق التوظيف والخدمات الصيفية خاصة للمراهقين والشباب، مع المساعدة على إدماج الأفراد المسجونين سابقاً في مجتمعاتهم من جديد. وقد أكد بايدن، خلال الإعلان عن تلك الخطة، الحاجة الملحَّة إلى تشديد عمليات التحقق من الخلفية، مع حظر الأسلحة التي تمتلك خزان رصاص عالي السعة، موضحاً أن تلك الخطوة من شأنها الحد من عنف السلاح داخل الولايات المتحدة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2–  تخصيص الأموال للحد من عنف السلاح:</strong> أشار مسؤولون في الإدارة الأمريكية إلى تخصيص بايدن نحو 350 مليار دولار من الأموال المخصصة لخطة الإنقاذ الأمريكية الخاصة بجائحة كورونا، التي تم التوقيع عليها لتصبح قانوناً في مارس 2021، للمساعدة في الحد من عنف السلاح، عبر توظيف المزيد من ضباط الشرطة، ودفع أجور العمل الإضافي، مع توفير فرص عمل للشباب والبالغين. وعلى جانب آخر، تعتبر الأموال الخاصة بقانون البنية التحتية المدعوم من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، من الأموال التي يمكن استخدامها للحد من عنف السلاح بطريقة غير مباشرة؛ حيث ستساهم هذه الأموال في توفير المزيد من فرص العمل، بما سيساعد على النأي بالشباب عن البطالة التي تدفعهم أحياناً إلى ممارسة العنف.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3–  العمل على دعم قدرات الشرطة الأمريكية: </strong>كرر الرئيس بايدن، خلال كلماته المختلفة ذات الصلة بالعنف المسلح، أن من الضروري تعزيز قدرات الشرطة الأمريكية، وزيادة التمويلات المخصصة لها؛ لمساعدتها على مكافحة جرائم العنف المسلح، وكبح انتشار الأسلحة، مع زيادة تدريب أفراد الشرطة على التعامل مع المدنيين، في رسالة من جانبه إلى حركة "وقف تمويل الشرطة" التي انتشرت في البلاد بعد مقتل المواطن الأمريكي من أصول إفريقية "جورج فلويد" على يد ضابط شرطة في مينيابوليس في عام 2020، وكذلك إلى المتظاهرين حينذاك الذين طالبوا بتحويل الأموال المخصصة للشرطة ومنحها لوكالات الخدمة الاجتماعية، مع حل أجهزة الشرطة، مشيراً إلى أنه من غير الممكن وقف تمويل الشرطة؛ لأنها إحدى جهات إنفاذ القانون، ولكن يمكن تدريبهم على التعامل مع المدنيين داخل الولايات المتحدة. جدير بالذكر أن وكالات الشرطة في بعض المدن الأمريكية الكبرى صادرت كميات كبيرة من الأسلحة في عام 2021، في محاولة للحد من عنف السلاح.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4–  كشف جهود الوكالات الرامية إلى كبح السلاح:</strong> أعلن الرئيس بايدن، في فبراير 2022، عن خطوات جديدة تتخذها وزارة العدل لتعزيز خطة مكافحة الأسلحة التي سبق الإشارة إليها، بما في ذلك "إطلاق مبادرة وطنية للقضاء على أسلحة الأشباح"، و"مبادرة وطنية للحد من العنف المرتبط بالمخدرات"، موضحاً أن وزير العدل ميريك جارلاند قد حثَّ جميع المُدَّعين العامِّين الأمريكيين في الولايات المتحدة على التركيز بدرجة أكبر على مكافحة عمليات تهريب السلاح بين الولايات والمدن الأمريكية المختلفة التي يتم استغلالها لتنفيذ جرائم عنيفة تؤثر على حياة المواطنين، مع توجيه دعاوى قضائية ضد مستخدمي البنادق الشبح في الجرائم بحيث يتم ملاحقتهم محليّاً وفيدراليّاً. وكذلك تؤكد الإدارة الأمريكية حرصها على دعم مكتب الكحول والتبغ والأسلحة النارية والمُتفجِّرات (ATF) الذي يُعَد أعلى وكالة فيدرالية لإنفاذ القوانين المتعلقة بالأسلحة، والذي أعلن خلال عام 2021 عن استرداد ما يقرب من 20 ألف بندقية شبح تفتقد الأرقام التسلسلية المميزة للأسلحة النارية، وهي البنادق التي يميل المجرمون إلى استخدامها في مواقع الجريمة؛ لضمان صعوبة تعقُّبهم.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>5–  ضغوط لتمرير قوانين مقيدة لبيع الأسلحة: </strong>ناشد بايدن الكونجرس الأمريكي، أن يسانده في تمرير القوانين المتعلقة بفحص خلفية الأشخاص عند بيع الأسلحة، وإلغاء حماية مُصنِّعي الأسلحة من المسؤولية القانونية، مع الحد من بيع البنادق الشبح والأسلحة التي لا تحمل أرقاماً متسلسلة يمكن تعقبها داخل الولايات المتحدة، على أن يصبح البائعون التجاريون لهذه المجموعات مرخصين فيدراليّاً؛ وذلك للمساعدة على تحويل بعض البنادق الشبح المتداولة بالفعل إلى أسلحة نارية تحمل أرقاماً متسلسلة، فضلاً عن تخصيص تمويلات في ميزانية عام 2023 للاستراتيجيات المقترحة من جانبه للحد من عنف السلاح، وهو الأمر الذي واجه صعوبة داخل الكونجرس الأمريكي، خاصةً مع وجود انقسام بين الديمقراطيين والجمهوريين بشأن عمليات بيع الأسلحة؛ الأمر الذي يدفع الإدارة الأمريكية إلى الاعتماد بدرجة أكبر على الأوامر التنفيذية التي لا تكون بقوة القوانين التشريعية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">عراقيل داخلية</span></strong></p>



<p><strong>وتواجه جهود الإدارة الأمريكية للحد من العنف المسلح داخل الولايات المتحدة العديد من العراقيل الداخلية، ويتمثل أبرزها فيما يأتي:</strong></p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1–  الهيمنة الأمريكية لشركات السلاح الأمريكية: </strong>تواجه الحكومة الفيدرالية انتقادات عدة بشأن المواقف الضعيفة التي تتبناها تجاه عمليات بيع السلاح، ويتم اتهامها بالخنوع لشركات السلاح الأمريكية التي تمتلك جماعات ضغط قوية داخل الكونجرس الأمريكي، على نحو يساعدها على منع تمرير التشريعات التي تحد من بيع الأسلحة داخل الولايات المتحدة، على الرغم من الفوضى التي تتسبب بها من حين لآخر، مستشهدين بتعديل البند الثاني من الدستور الأمريكي الذي يمنح المواطنين حق حمل السلاح.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2–  اتهام الإدارة بالعجز عن وقف الظاهرة: </strong>في ذكرى مرور أربع سنوات على حادث إطلاق النار الجماعي الذي أودى بحياة 14 طالباً وثلاثة مدرسين في مدرسة مارجوري ستونمان دوجلاس الثانوية في باركلاند بولاية فلوريدا في فبراير 2022؛ أعرب النشطاء المناهضون للأسلحة عن خيبة أملهم من ضعف الخطوات التي تبنتها الإدارة الأمريكية للحد من عنف السلاح، ومنهم إيجور فولسكي المدير التنفيذي لحركة Guns Down America، الذي أوضح أن الإدارة الأمريكية لم تفعل ما بوسعها للحد من عنف السلاح. ورأى آخرون أن الإدارة الأمريكية كان بإمكانها أن تُنشئ مكتباً وطنيّاً للحد من العنف المسلح، أو أن تعلن حالة طوارئ وطنية، لكنها تتبنَّى خطوات ضعيفة لن تساهم في الحد من عنف السلاح على المدى القريب.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3–  التأثير على نتائج انتخابات التجديد النصفي: </strong>على الرغم من صعوبة الجزم بأن قضية العنف المسلح ستساهم في التأثير على نتائج انتخابات التجديد النصفي في الولايات المتحدة، لكنها ستظل إحدى القضايا التي يمكن للجمهوريين استخدامها للنيل من خصومهم الديمقراطيين، وهو ما ظهر في أحد تصريحات المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي، التي قالت إن قضية معالجة الجريمة المسلحة، قضية تأتي على رأس أجندة الرئيس بايدن، في دليل واضح على الاهتمام الكبير الذي توليه الإدارة الأمريكية لتلك القضية باعتبارها إحدى القضايا التي إذا نجح في حلها فستلعب دوراً كبيراً في دعم الديمقراطيين خلال انتخابات المقرر لها في نوفمبر المقبل.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">خطوات محدودة</span></strong></p>



<p><strong>وختاماً.. يمكن القول إن الخطوات التي تتبناها الإدارة الأمريكية للحد من العنف المسلح لن تكون كافية ما لم تصاحبها تشريعات تتعلق بالبحث عن خلفية مشتري الأسلحة؛ بحيث تسهل عملية تعقُّبهم فيما بعد، بجانب وضع شروط وضوابط للبيع بحيث يتم حماية المراهقين في البلاد من حمل الأسلحة، وهو أمر يحتاج إلى توافق بين الجمهوريين والديمقراطيين داخل الكونجرس الأمريكي الذين ينقسمون منذ عقود حول تلك القضية التي تؤثِّر شركات السلاح فيها بدرجة كبيرة؛ حيث تنظر إلى القضية بطريقة تجارية لا تهتم بحياة الأفراد ولا بالأضرار الناجمة عنها.</strong><strong></strong></p>

      

هل تنجح إدارة بايدن في التصدي لتصاعد العنف المحلي؟