عمرو عبدالعاطي

في خطابه أمام السفراء الفرنسيين، في 6 يناير 2025، حذر الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" من أن البرنامج النووي الإيراني يقترب من "نقطة اللا عودة"، وذكر أن باريس ستحتاج إلى إجراء مناقشة استراتيجية بشأن طهران مع إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب "دونالد ترامب". وأشار إلى ضرورة اتخاذ قادة الدول الأوروبية خطوات حاسمة، وإعادة فرض العقوبات على النظام الإيراني في حال استمراره في انتهاك التزاماته بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة التي تم التوصل إليها في يوليو 2015، قبل أكتوبر 2025.وقد جاءت تصريحات "ماكرون" بعد أيام من الإعلان عن الجولة المقبلة من المشاورات بين إيران ودول الترويكا الأوروبية (فرنسا، وألمانيا، وبريطانيا) حول البرنامج النووي الإيراني، والتي ستُعقد بجنيف في 13 يناير 2025. ويأتي هذا الاجتماع ضمن سلسلة من اللقاءات التي تهدف إلى مناقشة البرنامج النووي الإيراني، وسط تصاعد التوترات مع الدول الغربية. وكذلك بعد أن قال المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية "رافائيل جروسي" لوكالة رويترز في 6 ديسمبر 2024، إن إيران تقوم بتخصيب اليورانيوم بالقرب من مستوى 90% المطلوب لإنتاج أسلحة نووية.دلالات عديدةتطرح تصريحات الرئيس الفرنسي بشأن التطورات النووية الإيرانية في كلمته أمام السفراء الفرنسيين، جملة من الدلالات، التي يتمثل أبرزها فيما يلي: 1- استمرار التحدي الإيراني لأوروبا: على الرغم من التقارير الأمريكية والغربية التي تُشير إلى أن النفوذ الإيراني قد تراجع في أعقاب الضربات الإسرائيلية في 26 أكتوبر 2024، التي دمرت دفاعات جوية استراتيجية لطهران، وألحقت أضراراً بالغة بمنشآت إنتاج الصواريخ، وتراجع قوة المليشيات الموالية لإيران، ولا سيما حزب الله اللبناني بعد الاستهداف الإسرائيلي لقياداته وأسلحته وسقوط نظام "بشار الأسد" في سوريا؛ فإن الرئيس الفرنسي لا يزال يشير إلى أن طهران هي التحدي الاستراتيجي والأمني الرئيسي لفرنسا والدول الأوروبية ومنطقة الشرق الأوسط، وأبعد من ذلك بكثير.إذ لا تزال هناك مخاوف أوروبية متعددة من أن تدفع النكسات التي تعرضت لها إيران والمحور الذي تقوده نظامها الحاكم إلى تسريع البرنامج النووي كوسيلة لاستعادة قدرات الردع في الشرق الأوسط. فقد فرض اغتيال شخصيات رئيسية في حزب الله اللبناني، وزيادة الاشتباكات العسكرية بين إسرائيل وإيران، بيئة قد تشعر فيها الأخيرة بأنها مضطرة لتعزيز قدراتها النووية كتدبير مضاد ضد استغلال خصومها حالة الهشاشة التي تمر بها راهناً لمزيد من الاعتداءات.2- تزايد الانتقادات الأوروبية للنووي الإيراني: تصاعد قلق الحكومات الأوروبية من التطورات التي يشهدها البرنامج النووي الإيراني، خاصةً في أعقاب الانسحاب الأحادي الأمريكي من الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 خلال إدارة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" الأولى في مايو 2018. لكن رغم ذلك، فإن بعض القيادات الأوروبية لم تصرح علناً بهذا القلق، خوفاً من إعاقة سياسات إدارة الرئيس المنتهية ولايته "جو بايدن" لإعادة إحياء الاتفاق النووي من خلال العمل الدبلوماسي وجولات المباحثات غير المباشرة التي انخرطت فيها الولايات المتحدة الأمريكية وإيران. ويعد الرئيس "ماكرون" أول قائد أوروبي يعبر علناً عن المخاوف الأوروبية بوضوح بشأن تطورات البرنامج النووي الإيراني.ويُتوقع مع نهج إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب "دونالد ترامب" التصعيدي تجاه إيران، وإعادة تبنيها لاستراتيجية الضغوط القصوى، وسعي الدول الأوروبية لعدم توسيع الفجوة بينها والإدارة الأمريكية القادمة، أن تتزايد الانتقادات الأوروبية العلنية للبرنامج النووي الإيراني، والسياسات الإيرانية في منطقة الشرق الأوسط، التي ترى واشنطن والدول الأوروبية أنها تزعزع الاستقرار والأمن الإقليمي، وتهدد المصالح الأمريكية والأوروبية بالمنطقة.3- اتجاه أوروبا للتنسيق مع واشنطن بخصوص طهران: عارضت الدول الأوروبية، ولا سيما فرنسا وألمانيا وبريطانيا، انسحاب إدارة "دونالد ترامب" الأولى من الاتفاق النووي لعام 2015. لكن مع التطورات التي شهدها البرنامج النووي الإيراني، سيتعين على الدول الأوروبية تنسيق الجهود مع الإدارة الجمهورية القادمة. وقد أشار "ماكرون" خلال حديثه أمام السفراء الفرنسيين إلى أن الوقت قد حان للتعاون مع الإدارة الأمريكية الجديدة بشأن تنامي القدرات النووية الإيرانية. وعلى الرغم من أن التحرك الأوروبي جاء متأخراً، إلا أنه يفتح الباب لتنسيق أكثر جدية مع واشنطن. ومع ذلك، فإن تأخر هذه الخطوات يعني أن الخيار العسكري لا يزال مطروحاً على الطاولة من قبل إسرائيل، والولايات المتحدة الأمريكية، إذا ما فشلت الجهود الدبلوماسية.لكن هذا لا يعني أنه سيكون هناك توافق أوروبي حول سياسات الإدارة الأمريكية القادمة تجاه البرنامج النووي الإيراني، ولا سيما مع الموقف المتشدد الذي يُتوقع أن تتبناه تجاه إيران والذي قد يتضمن تهديدات بالعمل العسكري والتركيز على تغيير النظام الإيراني، وهو ما يختلف بشكل حاد عن الأهداف الأوروبية التي تركز على تشجيع التغيير من خلال الدبلوماسية بدلاً من العمل العسكري. وقد سبق أن أعرب القادة الأوروبيون عن مخاوفهم من أن التصعيد العسكري ضد المنشآت النووية الإيرانية يمكن أن يؤدي إلى مزيد من الصراعات في منطقة الشرق الأوسط، مؤكدين تفضيل الحوار على المواجهة.4- تراجع فاعلية الجهود الدبلوماسية: من خلال تأطير الرئيس الفرنسي برنامج إيران على أنه قد اقترب من الوصول إلى "نقطة اللا عودة"، فإنه يلمح بشكل غير مباشر إلى تراجع فاعلية الجهود الدبلوماسية وحدها لمعالجة التقدم الذي حققته طهران في برنامجها النووي منذ الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي. ويشير ذلك إلى أن باريس، إلى جانب الدول الأوروبية الأخرى، قد تفكر في إمكانية اتخاذ المزيد من التدابير القسرية ضد البرنامج النووي الإيراني، بما في ذلك التلويح بالخيارات العسكرية، إذا رفضت طهران الحد من أنشطتها النووية. ويُثير هذا الخطاب التصعيدي مخاوف بشأن تزايد احتمال نشوب صراع إقليمي أوسع في منطقة الشرق الأوسط، وهو الخيار الذي لا تفضله القوى الأوروبية.5- تصاعد الأزمات المرتبطة بالنووي الإيراني: يعكس تحذير الرئيس "ماكرون" بشأن اقتراب البرنامج النووي الإيراني من "نقطة اللا عودة" الوضع غير المستقر الذي يحيط بالأنشطة النووية الإيرانية، والقلق الدولي من تصاعد الأزمة إذا لم تُتبع الجهود لسرعة حل الأزمة النووية الإيرانية. ويشير هذا التحذير إلى أن إيران قد اقتربت من تجاوز العتبة الحرجة في برنامجها النووي، مما يعقد احتمالات العودة إلى الاتفاق النووي ويزيد من مخاطر اندلاع صراع إقليمي واسع النطاق، خاصةً إذا شعرت الدول الغربية بأن الخيارات الدبلوماسية لم تعد كافية.حسابات طهرانيثير التحالف الأوروبي-الأمريكي المحتمل بشأن التطورات النووية الإيرانية قلقاً واسعاً في طهران، حيث تخشى طهران من تكوين جبهة موحدة عبر المحيط الأطلسي ضدها، ولذلك تحاول إغراء كل من "ترامب" وأوروبا بمحادثات تهدف إلى تأخير مسيرتها النووية. ويتزايد القلق الإيراني مع تصاعد المؤشرات على انحياز أوروبي لواشنطن في ملفات غير نووية، حيث إن اصطفاف الدول الأوروبية مع إدارة الرئيس المنتخب "دونالد ترامب" سيؤدي إلى تحديات دبلوماسية خطيرة للنظام الإيراني والمليشيات المسلحة الموالية له في عديد من دول المنطقة.وتخشى إيران من أن يؤدي هذا التحالف إلى عزلة متزايدة على الساحة الدولية، حيث يعزز التعاون بين واشنطن وبروكسل قدرة الغرب على فرض قيود أشد صرامة على البرنامج النووي الإيراني. وتدرك طهران أن مثل هذه الجبهة الموحدة ستضعف موقفها التفاوضي، لا سيما أن الاتحاد الأوروبي يعتبر شريكاً رئيسياً في محاولات إحياء الاتفاق النووي لعام 2015، بينما تمتلك الولايات المتحدة الأمريكية أدوات ضغط اقتصادية وعسكرية واسعة. علاوةً على ذلك، تتخوف طهران من أن يؤدي هذا التنسيق إلى تعزيز العلاقات بين إسرائيل وحلف شمال الأطلسي، مما يزيد من احتمالية اتخاذ إجراءات عسكرية ضد مواقعها النووية.في المقابل، تسعى إيران إلى تفكيك هذا التحالف المحتمل من خلال استغلال التباينات القائمة بين المصالح الأوروبية والأمريكية. وتدرك القيادة الإيرانية أن الأوروبيين أكثر حذراً إزاء المواجهة العسكرية ويركزون على الحلول الدبلوماسية، مما يتيح لطهران مساحة للتفاوض. كما تحاول توظيف علاقاتها مع دول مثل روسيا والصين لتعزيز موقفها، وذلك عبر تقويض الجهود الغربية الموحدة وتقديم نفسها كطرف يمكن أن يسهم في تحقيق الاستقرار الإقليمي.

ما مغزى تحذيرات "ماكرون" من خطورة البرنامج النووي الإيراني؟