عقد "إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية" حلقة نقاشية بعنوان "مئوية بزشكيان: تحولات السياسة الداخلية والخارجية الإيرانية"، وهي الحلقة التي استضاف فيها المركز د. محمد عباس ناجي رئيس تحرير دورية "مختارات إيرانية" والخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية. وتناولت الحلقة التحديات الداخلية والخارجية أمام الحكومة الإيرانية خلال الـ100 يوم الأولى، والتوقعات المستقبلية بشأن تلك التحديات بعد "مئوية بزشكيان".

ملفات داخلية

أوضح المتحدث الرئيسي أن "بزشكيان" عمل خلال الـ100 يوم الأولى على معالجة عدد من الملفات الداخلية، واصطدم ببعض التحديات، وهي الملفات التي تناولها على النحو التالي:

1– الحرص على تشكيل حكومة للوفاق الوطني: لفت المتحدث الرئيسي إلى أن الرئيس الإيراني الجديد "مسعود بزشكيان" حاول تشكيل حكومة تحقق "الوفاق الوطني" داخل إيران، وتجمع بين الأطياف السياسية الرئيسية في طهران؛ من أجل تعزيز فرص تمرير التشكيلة الحكومية، خاصةً في ظل إدراك "بزشكيان" لعُمق الأزمة السياسية بين الأصوليين والإصلاحيين، وإشكالية التهميش السياسي التي تُغذي الاحتقان السياسي والقومي؛ فرغم كونه من الإصلاحيين، فإنه حرص على تعيين وزراء من تيار المحافظين الأصوليين في حكومته، رغم أن بعضهم صوَّت لصالح المرشحين الأصوليين المنافسين له في الانتخابات الرئاسية.

كما حرص "بزشكيان" على تعيين ثلاثة وزراء من حكومة الرئيس السابق إبراهيم رئيسي، هم: وزير الاستخبارات إسماعيل خطيب باختيار المرشد الإيراني الذي يختار الوزارات السيادية بشكلٍ مباشر، وكذلك وزيرا العدل والصناعة. وقد دفع حرص "بزشكيان" على تعيين أصوليين في الحكومة "محمد جواد ظريف" إلى تقديم استقالته من منصبه مساعداً للرئيس للشؤون الاستراتيجية؛ احتجاجاً على عدم تشكيل حكومة إصلاحية بالكامل، وتجاهُل مقترحات الفريق الرئاسي الإصلاحي، في حين يُفسر البعض تلك الاستقالة بأنها "مناورة سياسية" لتمرير الحكومة في ظل الخصومة السياسية بين "ظريف" والأصوليين؛ ولذلك عاد إلى منصبه بعد تمرير التشكيلة الحكومية.

2– تعيين ثاني وزيرة في تاريخ الحكومة منذ الثورة الإيرانية: لفت المتحدث الرئيسي إلى أن الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، عيَّن فرزانه صادق وزيرةً للطرق والتنمية الحضرية في حكومته، وهى ثاني وزيرة في تاريخ الحكومة منذ اندلاع الثورة الإيرانية عام 1979م، بعد "مرضية وحيد دستجردي" وزيرة الصحة في عهد أحمدي نجاد.

3– فشل محاولات تعيين أي وزير من المذهب السني: حاول الرئيس مسعود بزشكيان، في رؤيته لتشكيل حكومة وفاق، نفي اتهامات التمييز ضد السنة في التشكيلات الحكومية؛ ولذلك حرص على الترويج لتعيين مسؤولين من المذهب السني في حكومته، ونجح في تعيين مُحافظ سني لمحافظة كردستان، وآخَر لمحافظة سيستان وبلوشستان. وربما يرجع اختيار مُحافظين سُنة لهاتين المحافظتين على وجه الخصوص إلى ما تشهدانه من توترات واحتقان، كما يسكنها قوميات أخرى غير الفُرس، ومعظمهم من السُنة. ولكن على الجانب الآخر، فشل الرئيس "بزشكيان" في تعيين أي وزير من المذهب السُني في الحكومة.

4– تفاقُم أزمة انقطاع الكهرباء في المناطق الإيرانية: تشهد إيران أزمات اقتصادية واجتماعية ملحوظة، على رأسها أزمة الكهرباء، وتحديد خريطة يومية لقطع الكهرباء في العديد من المناطق، نتيجةَ انهيار البنية التحتية لمحطات الطاقة والكهرباء، ونقص الوقود اللازم لتشغيل محطات الطاقة، وخروج الشركات الأجنبية التي كانت تستثمر في ذلك القطاع من السوق الإيرانية بسبب العقوبات الأمريكية، وعجز الشركات المحلية عن سد ذلك الفراغ، فضلاً عن انتشار الفساد داخل إيران.

5– استمرار تراجُع العملة الإيرانية مقابل الدولار: أوضح المتحدث الرئيسي أن العملة الإيرانية (التومان) لا تزال تواجه تراجعاً مستمراً، خاصةً مع فوز "دونالد ترامب" بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، وتوقعات عودة سياسة الضغوط القصوى على الاقتصاد الإيراني. ووصل سعر الدولار الأمريكي في السوق السوداء إلى نحو 70 ألف تومان، وفق أحدث التقديرات، بينما لا يزال معدل التضخم في إيران يسجِّل أكثر من 40%.

6– تعثُّر تدبير الاحتياجات الاستثمارية اللازمة: أعلن الرئيس الإيراني "مسعود بزشكيان" أن بلاده تحتاج إلى 250 مليار دولار لتحقيق أهدافها، لا سيما الوصول إلى معدل نمو قدره 8%، لافتاً إلى امتلاك بلاده 100 مليار دولار من ذلك المستهدف؛ ما يعني احتياجها إلى نحو 150 مليار دولار أخرى كمُدخلات استثمارية لتحقيق مستهدفات حكومته، وهو الأمر الذي تواجهه صعوبات عديدة، في ظل العقوبات الأمريكية، وعدم الانضمام إلى "فاتف".

7– العجز عن إقناع الأصوليين بالانضمام إلى "فاتف": رغم محاولات الرئيس الإيراني "مسعود بزشكيان" لإقناع مجلس الشورى ومجلس صيانة الدستور وغيرهما من الهيئات والمؤسسات الرئيسية داخل إيران، والتيار الأصولي تحديداً، بالموافقة على الانضمام إلى مجموعة العمل الدولية الخاصة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب "فاتف"، في ظل إدراكه صعوبة حل المشكلات الاقتصادية التي تواجهها حكومته دون الانضمام إلى "فاتف"؛ فإن تلك المحاولات باءت بالفشل حتى الآن، حسب تأكيد رئيس تحرير دورية "مختارات إيرانية".

ويدافع "بزشكيان" عن موقفه بتأكيد أن الانضمام إلى مجموعة العمل الدولية الخاصة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، يمكن أن يساعد في تفعيل اتفاقيات الشراكة مع الدول الأخرى، مثل اتفاقية الشراكة الاستراتيجية مع الصين الموقعة في مارس 2021م، التي تقضي بضخ استثمارات صينية تبلغ 400 مليار دولار على مدى 25 عاماً، وتسهيل توقيع اتفاقية مماثلة مع روسيا، فضلاً عن تسهيل إجراء المفاوضات مع الدول الغربية حال الانضمام إلى المجموعة.

وعلى الجانب الآخر، يعتبر المحافظون الأصوليون أن الموافقة على الانضمام إلى "فاتف" يمكن أن تؤدي إلى تقييد الدعم الذي تُقدمه إيران إلى الميليشيات المسلحة الموالية لها في دول الصراعات، ومنع تمويل طهران لتلك الميليشيات، وتقويض أدوات النفوذ الإقليمي لإيران.

تحركات خارجية

حدد المتحدث الرئيسي ملامح التحركات الخارجية لحكومة الرئيس الإيراني "مسعود بزشكيان" خلال الـ100 يوم الأولى؛ وذلك على النحو التالي:

1– تطوير حكومة "بزشكيان" علاقاتها مع دول المنطقة: لفت المتحدث الرئيسي إلى توجُّه طهران نحو استمرار تطوير العلاقات الثنائية مع دول المنطقة، كما أجرى وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي زيارات خارجية متعددة ومكثفة، شملت العديد من دول المنطقة، خلال فترة التصعيد العسكري مع إسرائيل.

2– مواصلة إيران التصعيد العسكري مع إسرائيل: وجَّهت إيران ضربات عسكرية جوية إلى إسرائيل في مطلع أكتوبر 2024م، رداً على اغتيال كل من رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية، في 31 يوليو 2024، والأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله، وقائد "فيلق القدس" في لبنان عباس نيلفروشان، في 27/09/2024م؛ وذلك بعدما كانت إيران مترددة في الرد على عملية اغتيال "هنية"؛ لأسباب عديدة، منها تجنُّب رد فعل إسرائيلي واسع، وعدم تعزيز فرص نجاح "ترامب" في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وكذلك تصاعد الخلافات الداخلية في إيران حول مدى وحدود الضربة العسكرية، في ظل القلق من عدم استعداد طهران لسيناريو اندلاع حرب مع تل أبيب.

لكن وجدت طهران في النهاية أن كُلفة الرد ربما تكون أقل من كُلفة عدم الرد. واعتبرت حكومة "بزشكيان" أن وقف العمليات الإسرائيلية في لبنان ضرورة مهمة لعدم السماح لإسرائيل بالانتقال إلى إيران، في ظل تمسُّك "نتنياهو" باستمرار وتوسيع الحرب الإسرائيلية. وقررت الحكومة الإيرانية رفع كُلفة اغتيال "نصر الله" و"نيلفروشان"؛ نظراً إلى كون اغتيالهما ضربة قوية للتمدد والنفوذ الإيراني في المنطقة، فضلاً عن منع إسرائيل من تحقيق أهدافها الخاصة بالقضاء على القدرات العسكرية لوكلاء إيران في الإقليم، وتعزيز القدرات العسكرية للوكلاء من أجل مواصلة التصعيد وتحقيق مكاسب قبل أي مفاوضات محتملة.

3– عجز السلطات الإيرانية عن سد الثغرات الأمنية: لفت المتحدث الرئيسي إلى أن إيران لم تستطع سد الثغرات الأمنية التي تعرضت لها خلال الفترة الماضية، والتي كان من أبرز مؤشراتها اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس "إسماعيل هنية" في قلب العاصمة طهران، وفي أحد مقرات الحرس الثوري، وكذلك إصابة السفير الإيراني في لبنان في هجمات "البيجر"، كما حمَّلت بعض التقارير إيران المسؤولية عن تسريب المعلومات المتعلقة بمواقع قادة الميليشيات والتنظيمات الموالية لإيران، وتورُّط عناصر بمكاتب قيادات إيرانية كبيرة في تلك التسريبات.

4– إحباط إيراني من نجاح "ترامب" في الانتخابات الأمريكية: أوضح الخبير في الشؤون الإيرانية أن طهران كانت تُفضِّل وصول "كامالا هاريس" إلى رئاسة الولايات المتحدة أكثر من "دونالد ترامب"، بالنظر إلى الخبرات السلبية للفترة الرئاسية الأولى لترامب من المنظور الإيراني، وعلى رأسها مقتل "قاسم سليماني" خلال ولاية "ترامب" الأولى، الذي يُعد أقوى الضربات التي تم توجيهها ضد إيران، والذي لم تستطع طهران حتى الآن تداركه، ويُعتبر نقطة الأساس في الضربات المتتالية التي لا يزال الدور الإقليمي الإيراني يتعرض لها.

5– إدانة الوكالة الدولية للطاقة الذرية عدم التعاون الإيراني: لم تكن إيران تستبعد أن يصدر من مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية قرار إدانة لأنشطتها النووية ولعدم تعاونها مع الوكالة، بعد زيارة مدير الوكالة الأخيرة إلى مفاعلات نووية إيرانية؛ لذلك عرضت إيران وضع حد لمستويات التخصيب المتزايدة في حالة عدم صدور قرار إدانة من مجلس المحافظين بالوكالة الدولية للطاقة الذرية، وفق ما كشف عنه المتحدث الرئيسي، إلا أن المجلس اعتمد بالفعل في 21 نوفمبر 2024، قراراً ينتقد رسمياً إيران بسبب عدم تعاونها بما يكفي فيما يتعلق ببرنامجها النووي، وطالبها بتحسين التعاون مع الوكالة على وجه السرعة، خاصةً أن التقرير الصادر عن الوكالة في 19/11/2024م، كشف عن وصول كمية اليورانيوم المخصب بنسب مختلفة إلى 6604.4 كيلوجرام، وهو يعادل 32 ضعف الكميات المتفق عليها في الاتفاق النووي الإيراني (202.8 كيلوجرام)، مع تأكيد الوكالة أن إيران طورت قدراتها النووية وحققت قفزة كبيرة خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، وزادت كمية اليورانيوم المخصب بنسبة 60% إلى 182.3 كيلوجرام، بما يكفي نظرياً لإنتاج 4 قنابل نووية.

6– خلافات إيرانية متزايدة مع روسيا في عدة ملفات: لفت المتحدث الرئيسي إلى وجود العديد من الأصوات المنتقدة لروسيا داخل الأوساط الإيرانية، في ظل خلافات إيرانية–روسية في الساحة السورية، وفي عدد من الملفات الرئيسية الأخرى. ولم تُدن روسيا كذلك العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد إيران، بالإضافة إلى عدم تسليم منظومات دفاع جوي روسية جديدة إلى طهران ولا مُقاتلات "سوخوي–35" التي تريدها إيران، فضلاً عن الخلافات بين الطرفين بسبب ممر زنجزور.

توقعات محتملة

طرح المتحدث الرئيسي عدداً من التوقعات الرئيسية فيما يتعلق بالسياسة الإيرانية وتحدياتها المحتملة، في فترة ما بعد الـ100 يوم الأولى من تولي "بزشكيان" مهام الحكم، وعلى رأس تلك التوقعات ما يلي:

1– احتمالية تجدد الاحتجاجات الاجتماعية في إيران: يرى المتحدث الرئيسي أن احتمالات تجدد الاحتجاجات الاجتماعية في إيران لا تزال قائمة، بالنظر إلى الأزمات المعيشية التي تُعانيها إيران، مع ترجيح تفاقم مشكلة انقطاع الكهرباء خلال فصل الصيف، وكذلك توقعات رفع أسعار الوقود.

ومع وجود شرائح اجتماعية يمكن أن تُحفزها الأزمات المعيشية ضد النظام، لفت المتحدث الرئيسي أيضاً إلى أن الخصوصية الدينية للنظام الإيراني تجعل هناك شرائح مجتمعية مؤيدة للنظام على الجانب الآخر، بالنظر إلى وجود "تابعين" و"مُقلدين" دينيين للمرشد الإيراني، يلتزمون بتعليماته وسياساته أياً كانت الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في البلاد.

2– محدودية فُرص نجل "خامنئي" في خلافة والده: لفت المتحدث الرئيسي إلى غموض مستجدات النقاشات داخل إيران حول خلافة "خامنئي"؛ نظراً إلى حساسية ذلك الملف، لكنه أكد حدوث مثل تلك المشاورات، خاصةً في ظل القلق الإيراني من محاولة إسرائيل اغتيال المرشد الإيراني. ورغم أن نجل المرشد الإيراني من أبرز الأسماء المطروحة على الساحة، يلفت الخبير في الشؤون الإيرانية إلى ما يواجهه "مجتبى خامنئي" من تحديات تحد من فرص وراثته منصب والده، على رأسها ما يتعلق بمرتبته الدينية التي لا تؤهله لهذا المنصب، ومحدودية خبرته السياسية في إدارة شؤون الحكم.

3– استهداف إسرائيل منشآت نووية وصاروخية إيرانية: أشار المتحدث الرئيسي إلى احتمالية وجود تحضيرات إسرائيلية لجولة عسكرية جديدة ضد إيران، خاصةً أن التصريحات الإسرائيلية تُشير إلى أن إيران في حاجة إلى عام لإعادة بناء منظومتها الدفاعية، وهو ما تراه إسرائيل فرصة سانحة للاستمرار في استهداف إيران، خاصةً منظومتها الدفاعية والصاروخية والنووية، باعتبار أن الأجواء الإيرانية ستكون مُتاحة على مدار عام كامل للقيام بهجمات داخل إسرائيل.

وبعدما استهدفت إسرائيل منظومات الدفاع الجوي "إس 300"، ومنشآت إنتاج الصواريخ الباليستية، ومُفاعل أبحاث نووية في منشأة "بارشين"، يتوقَّع المتحدث الرئيسي إمكانية فتح إسرائيل جبهة لاستهداف المنشآت النووية الإيرانية حال تسوية الحرب في قطاع غزة، واستغلال وجود الرئيس "ترامب" في البيت الأبيض للضغط في ملف البرنامج النووي الإيراني، بالنظر إلى كون عام 2025م عاماً حاسماً في أزمة الملف النووي الإيراني، وتحذير تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية من تنامي أنشطة التخصيب الإيرانية إلى مستويات أكثر خطورةً.

وفي هذا السيناريو، توقَّع المتحدث الرئيسي أن تعمل إسرائيل على تنفيذ ضربات عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية، أو أن تدعو واشنطن إلى شنها، مع احتمالية تنفيذ عمليات استخباراتية تخريبية وتجسسية سرية تجاه المنشآت النووية الإيرانية، مثلما حدث من قبل باختراق مفاعلات إيرانية مثل نطنز، وكذلك الاستيلاء على الأرشيف النووي الإيراني عبر عمليات سرية من داخل إيران، واغتيال علماء ذرة إيرانيين مثل "محسن فخري زاده".

4– احتمالية شن إيران هجوم "الوعد الصادق 3": بعدما نفذت إيران هجومَين عسكريَّين عُرفا بـ"الوعد الصادق 1" في أبريل 2024م، و"الوعد الصادق 2" في أكتوبر 2024م، لفت المتحدث الرئيسي إلى تحضيرات وتهديدات إيرانية بشن عملية "الوعد الصادق 3"، لتأكيد أن نتائج الهجمات الإسرائيلية مبالغ فيها، ونفي تقديرات إضعاف القدرات العسكرية الإيرانية، والاحتفاظ كذلك بورقة ضغط لمساومة الإدارة الأمريكية الجديدة. ومن المرجح أن تستخدم طهران خلال العملية الجديدة صواريخ أكثر كفاءةً وسُرعةً.

ويرتبط هذا الهجوم المتوقع أيضاً برغبة إيران في توجيه رسائل بأنها لا تزال تلعب دوراً وتمتلك نفوذاً مهماً لا يمكن تجاهله في كلٍّ من سوريا ولبنان، وهو ما يمكن من خلاله أيضاً فهم إرسال "علي لاريجاني" مستشار المرشد الإيراني إلى سوريا ولبنان، بالتوازي مع طرح أفكار للتسوية في لبنان؛ حيث تعمل الحكومة الإيرانية على ضمان عدم إقصائها من أي تسويات إقليمية، وخاصةً في لبنان، والتلويح بالخيار العسكري من أجل تحقيق ذلك.

5– فُرص بناء تفاهمات بين حكومة "بزشكيان" وإدارة "ترامب": توقع رئيس تحرير دورية "مختارات إيرانية" أن تتسم بدايات فترة حكم "دونالد ترامب" بتطبيق سياسة الضغوط القصوى على إيران، وتقويض عمليات تهريب النفط الإيراني، بدلاً من التفاهمات مع إدارة "بايدن" التي كانت تتغاضى عن عمليات تهريب النفط الإيراني.

ولكن ترى أصوات داخل إيران إمكانية عقد مفاوضات مع الرئيس الأمريكي المنتخب، وترى أن وصول "ترامب" إلى البيت الأبيض قد لا يكون نهاية المطاف بالنسبة إلى إيران، خاصةً مع وجود خبرة إيرانية سابقة في تحقيق تفاهمات مع الجمهوريين، مثل التفاهمات الإيرانية مع إدارتي "ريجان" و"بوش". وهناك مؤشرات بالفعل على عقد محادثات غير مباشرة بين طهران وفريق "ترامب"، مثل التقارير التي تتحدث عن لقاء "إيلون ماسك" مع مندوب إيران بالأمم المتحدة "سعيد إيرواني".

6– أزمة متوقعة في البرنامج النووي الإيراني خلال عام 2025: يتوقع المتحدث الرئيسي أن يشهد عام 2025م أزمة كبيرة في البرنامج النووي الإيراني، خاصةً مع اقتراب ما يُسمى "يوم النهاية" في 18 أكتوبر 2025، الذي من المفترض أن تُرفع فيه العقوبات، التي اكتفى الاتفاق النووي بتعليقها فقط؛ لذلك من المحتمل أن تلجأ الدول الغربية إلى تفعيل ما تسمى "آلية الزناد" لتفعيل العقوبات من جديد، بما يعني انهيار الاتفاق النووي. ويتزامن ذلك مع تهديدات إيرانية بتغيير العقيدة النووية في حالة تعرُّض وجودها للخطر، واحتمالية تعديل الفتوى التي أصدرها "خامنئي" في عام 2003م بتحريم تخزين وإنتاج السلاح النووي.

وختاماً، لفت المتحدث الرئيسي إلى أن الرئيس الإيراني قد رفع سقف التوقعات فيما يتعلق بأجندته خلال الـ100 يوم الأولى، بينما تشير النتائج الواقعية إلى محدودية قدرة الحكومة الجديدة على معالجة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية المزمنة، مع الاصطدام بواقع إقليمي ومُتغيرات دولية صعبة، في ظل ثغرات أمنية تعاني منها طهران ووكلاؤها، وهو ما يعمِّق التحديات أمام حكومة "بزشكيان" التي لم تستطع الوفاء بتعهدات الـ100 يوم الأولى، ولا يزال أمامها الكثير من التحديات الداخلية والخارجية، خاصةً أن رفع مستوى التوقعات والتعهدات بما يفوق قدرة الحكومة يؤثر على معدلات الرضا الشعبي عنها، وقد يدفع نحو اضطرابات سياسية واجتماعية.

تحولات السياسة الداخلية والخارجية الإيرانية (حلقة نقاش)