ميرال حسين

على الرغم من تميز العلاقات بين الولايات المتحدة وكندا منذ فترة طويلة بالاحترام المتبادل والتعاون نظراً لعدة اعتبارات أهمها القرب (التلاصق) الجغرافي، إلا أنه مع اقتراب تنصيب الرئيس المنتخب "دونالد ترامب" في 20 يناير 2025، والمعروف بخطابه غير التقليدي وموقفه العدواني بشأن التجارة، أثيرت العديد من التساؤلات، خاصةً وأن "ترامب" أثار مخاوف بشأن سيادة كندا من خلال التهديدات بالرسوم الجمركية، فضلاً عن اقتراح مثير بجعل كندا "الولاية رقم 51". وقد أجبرت هذه التصريحات كندا على أن تكون بين شقي رحى؛ فمن ناحية تريد الحفاظ على العلاقات الاقتصادية الحاسمة مع جارتها الجنوبية، ومن ناحية أخرى تتمسك بحماية استقلاليتها. وبالتالي، تجلت العديد من المخاوف بشأن ملامح السياسة المتوقعة لـ"ترامب" تجاه كندا، وتأثير ذلك على مستقبل العلاقات بين الدولتين.ملامح متشابكةوفقاً لتصريحات "ترامب" المثيرة والمتواصلة، فمن المتوقع أن تتسم السياسة التي سينتهجها "ترامب" تجاه كندا بمزيج من الضغوط والتحديات، إلى جانب النهج الدبلوماسي القائم على المعاملات التجارية، وذلك على النحو التالي:1- تنامي الضغوط الاقتصادية والتوترات التجارية: يشير استخدام "ترامب" مراراً وتكراراً للنفوذ الاقتصادي، بما في ذلك التهديد بالرسوم الجمركية، إلى أنه ينوي أن يكون الاقتصاد أداة أساسية في التعامل مع كندا، مما يعكس عقليته المعاملاتية؛ حيث ينظر إلى كل تفاعل على أنه لعبة محصلتها صفر، لأن "ترامب" يعتقد أن الولايات المتحدة لا ينبغي لها أن تدعم دولاً أخرى، بما في ذلك كندا، وأن الولايات المتحدة تخسر في اتفاقيات التجارة.وبالتالي، فإن إعادة التفاوض على اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية وتحويلها إلى اتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا (USMCA) هي مثال واضح على هذه الاستراتيجية. على الرغم من أن كندا حصلت على بعض الفوائد بموجب الاتفاقية الجديدة، إلا أن تهديدات "ترامب" الدورية بفرض رسوم جمركية على الصناعات الكندية مثل الألومنيوم والصلب تشير إلى أن العلاقات الاقتصادية ستظل محفوفة بالتوتر.2- تصاعد خطاب تقويض السيادة الكندية: تعكس تعليقات "ترامب"، مثل تلك التي تشير إلى أن كندا قد تصبح "الولاية رقم 51"، ووصف رئيس وزراء كندا "جاستن ترودو" بأنه حاكم ولاية كندا، تجاهلاً لسيادة كندا. وهي الفكرة التي عارضها العديدون.وعلى الرغم من أن هذا الخطاب يقدم على سبيل الدعابة، إلا أنه يمثل تحدياً أساسياً لاستقلال كندا وسلامة أراضيها. وبالتالي، فإن مثل هذه التصريحات، إلى جانب السياسات التي تؤكد على هيمنة الولايات المتحدة، تخلق بيئة تشعر فيها كندا بأنها مضطرة إلى تقديم تنازلات غير مريحة في سياساتها الخارجية والداخلية لتجنب تصعيد التوترات مع جارتها الجنوبية.3- تزايد الضغوط على كندا لتوسيع التعاون الأمني: في ظل إدارة "ترامب" الأولى، دفعت الولايات المتحدة نحو تعاون أعمق في القضايا الأمنية، وخاصةً في مكافحة الاتجار بالمخدرات وأزمة الفينتانيل. وفي حين حافظت كندا على درجة من الاستقلال في مسائلها الأمنية، فإن خطاب "ترامب" الحالي، وخاصةً وضع كندا مع المكسيك في قضايا مثل الفينتانيل، يشير إلى دفعة محتملة لمزيد من النفوذ الأمريكي في إنفاذ القانون الكندي. وقد يتخذ هذا شكل زيادة العمليات الأمريكية داخل كندا، على غرار الوجود الأكثر شمولاً لإدارة مكافحة المخدرات في المكسيك.4- تراجع المعايير الدبلوماسية التقليدية في العلاقات بين الدولتين: تُظهر إدارة "ترامب" القليل من الاهتمام بالمعايير الدبلوماسية التقليدية؛ حيث تعطي الأولوية للمكاسب قصيرة الأجل على العلاقات طويلة الأجل. ففي حين كانت كندا والولايات المتحدة تاريخياً تربطهما رابطة تعاونية قوية، وخاصةً في قضايا مثل أمن الحدود والتجارة، فإن أسلوب "ترامب" في اتخاذ القرارات من جانب واحد يفرض ضغوطاً على كندا لموازنة التعاون مع الحاجة إلى حماية استقلاليتها، كما يبرز نهج "ترامب" في التعامل مع سياسات الحدود عن الانزعاج المتزايد في كندا إزاء تورط الولايات المتحدة بشكل أعمق في الشؤون الداخلية.تداعيات مقلقةمن المرجح أن تؤدي سياسة "ترامب" المتوقعة تجاه كندا إلى إجهاد العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية، مع عواقب طويلة الأجل على التعاون الثنائي، أبرزها ما يلي:1- توتر العلاقات الدبلوماسية الثنائية: من المرجح أن تؤدي نبرة خطاب "ترامب"، التي تتسم بالتصريحات الرافضة لسيادة كندا والتهديدات التجارية المستمرة، إلى توتر دبلوماسي طويل الأمد. ورغم أنه من غير المرجح أن تقطع كندا علاقاتها مع الولايات المتحدة بسبب الطبيعة المتشابكة لاقتصاديهما وترتيباتهما الأمنية، فقد تصبح العلاقة محكومة بالمعاملات بشكل متزايد، وتحددها المنافسة أكثر من التعاون. وقد يخلف هذا التحول عواقب طويلة الأمد على نبرة ومضمون المشاركات الدبلوماسية، مما يجعل التعاون المستقبلي أكثر صعوبة في تحقيقه.2- تزايد الجدل داخل كندا حول مسائل السيادة: إذا استمرت سياسات "ترامب"، فقد تواجه كندا ضغوطاً متزايدة للتنازل عن بعض السيطرة على القضايا المحلية، وخاصةً تلك المتعلقة بأمن الحدود، وإنفاذ القانون، وتدابير مكافحة المخدرات. وقد يتم اختبار استعداد كندا التاريخي للتعاون مع الولايات المتحدة في مسائل مثل السفر عبر الحدود من خلال مطالب الولايات المتحدة بمزيد من التكامل. وقد يؤدي هذا التآكل في السيادة إلى تأجيج المناقشات السياسية المحلية في كندا، مع قيام بعض الفصائل بالضغط ضد تدخل الولايات المتحدة في الشؤون الكندية.وفي هذا الصدد، قد يدفع نهج "ترامب" إلى إعادة النظر في الهوية الوطنية الكندية، وخاصةً في كيفية تعريف البلاد لسيادتها في مواجهة الضغوط الأمريكية. وقد يؤدي هذا إلى مشاعر قومية أقوى والدفع نحو سياسات تُعطي الأولوية للمصالح الكندية على الحفاظ على علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة. بالإضافة إلى ذلك، قد يواجه الزعماء السياسيون الكنديون ضغوطاً محلية متزايدة لتأكيد المزيد من الاستقلال عن النفوذ الأمريكي، مما قد يؤدي إلى سياسات خارجية أكثر حزماً أو إعادة تقييم محتملة للاتفاقيات طويلة الأمد، مثل اتفاقية التجارة الحرة بين كندا والولايات المتحدة أو التعاون الأمني.3- استمرار عدم اليقين الاقتصادي: يشكل عدم القدرة على التنبؤ بسياسات "ترامب" التجارية خطراً على اقتصاد كندا، وبالفعل أظهر استطلاع أجرته مجموعة الضغط Canadian Manufacturers and Exporters، أجري في الفترة بين 11 و18 ديسمبر 2024، أن الرسوم الجمركية التي هدد بها الرئيس الأمريكي المنتخب "دونالد ترامب" قد تكون مدمرة للشركات والعمال الكنديين؛ حيث وجد الاستطلاع أن ما يقرب من تسعة من كل 10 من الشركات المصنعة التي شملها الاستطلاع ستواجه تأثيرات كبيرة أو شديدة للغاية إذا فرضت الولايات المتحدة رسوماً جمركية على الواردات الكندية .وقد يؤدي التهديد المستمر بالرسوم الجمركية والحاجة إلى استجابة كندا للمطالب الأمريكية إلى خلق حالة من عدم اليقين في الأسواق الكندية. ومن المرجح أن تتسم العلاقات التجارية المستقبلية بعدم الاستقرار، حيث تحتاج الشركات وصناع السياسات الكنديون إلى التكيف مع المناخ الاقتصادي المتغير. وقد يؤدي هذا إلى دفع كندا إلى السعي إلى تنويع علاقاتها التجارية، وخاصةً مع قوى عالمية أخرى مثل الصين والاتحاد الأوروبي.4- تراجع الاستقرار السياسي في كندا: قد تساهم تكتيكات "ترامب" العدوانية في إضعاف قيادة "جاستن ترودو" في كندا، كما يتضح من تداعيات استقالة وزيرة المالية الكندية "كريستيا فريلاند"، ففي رسالة استقالتها اللاذعة استشهدت "فريلاند" بالخلافات مع حليفها القديم حول كيفية الرد على تهديد التعريفات الجمركية من "دونالد ترامب". ومع استمرار ارتفاع التوترات السياسية بالفعل ومواجهة الحكومة الكندية للانقسامات الداخلية، فقد يدفع هذا الوضع إلى تغيير القيادة. وقد يظهر زعيم أكثر محافظة أو شعبوية، وربما يتماشى مع سياسات ترامب، مما يعيد تشكيل الديناميكيات السياسية بين البلدين.5- تحرك كندا نحو توسيع خياراتها الخارجية لموازنة تحركات ترامب: قد تؤدي سياسة "ترامب" إلى إعادة تقييم الديناميكيات داخل أمريكا الشمالية. يمكن لكندا، التي تعمل بالفعل على تعزيز علاقتها مع المكسيك، أن تسعى إلى مزيد من التوافق مع جارتها الجنوبية، نظراً للتحديات المشتركة بينهما في التعامل مع مطالب الولايات المتحدة. وعلى العكس من ذلك، قد تركز كندا على تعزيز استقلالها عن كل من الولايات المتحدة والمكسيك، والسعي إلى تحالفات أو صفقات تجارية جديدة تحمي مصالحها الوطنية. وقد يؤدي هذا التحول إلى إعادة تعريف المشهد السياسي والاقتصادي في أمريكا الشمالية، وخاصةً إذا استمرت خطابات وسياسات ترامب.6- الضغط على كندا لتشديد سياسات الهجرة ومراقبة الحدود: تتضمن سياسة "ترامب" المتوقعة تجاه كندا الضغط على كندا لإدارة الهجرة غير الشرعية على نحو مماثل للمكسيك، حيث ربط سابقاً بين كندا وقضايا الهجرة على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك. وفي حين أن كندا لديها قواعد هجرة مختلفة، مثل اتفاقية الدولة الثالثة الآمنة، فإن خطاب ترامب يشير إلى أن الولايات المتحدة ستواصل دفع كندا إلى تبني سياسات أكثر صرامة بشأن طالبي اللجوء والهجرة لمنع الأفراد من دخول الولايات المتحدة عبر كندا.وإجمالاً لما سبق، من المرجح أن تؤدي سياسة "ترامب" المتوقعة تجاه كندا إلى إجهاد العلاقة، مع عواقب كبيرة على سيادة البلاد واستقرارها الاقتصادي واستقلالها الدبلوماسي. قد يدفع النهج الأمريكي المتطور في عهد "ترامب" كندا إلى ديناميكية أكثر تعقيداً وتحدياً، مما يجبرها على التعامل بحذر مع الضغوط للحفاظ على علاقات قوية مع الولايات المتحدة مع حماية استقلالها ومصالحها الدولية الأوسع. وبما أن البلدين تربطهما علاقات عميقة، فإنه من المتوقع أن يسود العلاقات بين الجانبين مستقبل يتسم بالتوترات الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية، وخاصة إذا حرص ترامب على مواصلة خطابه السلبي تجاه حلفاء واشنطن بما فيهم كندا.

ملامح السياسة المتوقعة لترامب تجاه كندا