نهلة عبد المنعم 

مع حلول الذكرى السنوية العاشرة لتأسيس الخلافة الداعشية المزعومة، تكثر التساؤلات حول فرص استعادة التنظيم نفوذه في العراق في ظل التطورات الأمنية والسياسية التي تشهدها المنطقة، وما يعتريها من خلافات إزاء تقييم وضع النشاط المسلح المُتصاعد في البلاد؛ فمن جهته، يرى رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني أن الإرهاب لم يَعُد يشكل خطراً على بلاده، مشيداً في 10 يونيو 2024 بترابط الشعب مع الجيش في القضاء على عصابات داعش؛ وذلك في إطار رغبة الحكومة في انسحاب قوات التحالف الدولي، بينما يقدم التنظيم محتوى إعلامياً مكثفاً خلال الفترة الأخيرة حول تنفيذه هجمات استهدفت عناصر من الجيش والكتائب الموالية لإيران في العراق.مؤشرات الخطريُمكن مناقشة أبرز العوامل التي تحيط بالمشهد الأمني والسياسي في العراق خلال الوقت الحالي، ومدى تأثيرها على فرص داعش في ترميم نفوذه؛ وذلك عبر المحاور التالية:1– استمرار معضلة الدواعش الأجانب في المخيمات والسجون: إن بقاء مخيمات العناصر الداعشية في المنطقة يمثل تحدياً أمنياً للسلطات العراقية؛ لذلك تناشد الحكومة الدول المعنية أن تتحمل مسؤولياتها وأن تستعيد مواطنيها لفض تلك الإشكالية؛ فمن جانبه، طالب مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي، في 10 مايو 2024، الدول التي لها رعايا بالمخيمات باستعادتهم، مشيراً إلى أن مخيم الهول الواقع على الحدود مع سوريا يوجد به 60 جنسية مختلفة، وأن 24 دولة فقط هي التي بدأت تستعيد مواطنيها.وتجدر الإشارة إلى أن الكثير من دول الاتحاد الأوروبي لا تزال تتحفظ على استعادة الدواعش من مخيمات الشرق الأوسط؛ لأسباب أمنية، وفقاً لما هو مُعلن؛ ما يزيد تعقيدات المشهد، ويعرقل فرص تصفية هذه المعسكرات الخطرة.2– احتفاظ نزلاء مخيمات داعش بالمعتقدات التكفيرية: يُشكل استمرار المخيمات أعباء إضافية على صناعة القرار السياسي بالعراق؛ لاحتفاظ العناصر بعقيدة داعش التكفيرية؛ إذ تُظهر المتابعات الإخبارية التي أُجريت مع بعض العناصر المحتجزة بالمخيمات، وبالأخص النساء والأطفال، تمسكاً بالأفكار العنيفة التي بنى عليها التنظيم استراتيجياته الأيديولوجية لتوسعة نفوذه بالمنطقة، ومن ثم فإن تطور العنف لدى الأطفال ونزلاء المخيمات بشكل عام يهدد الأمن حيال حدوث أي اضطراب في إجراءات الرقابة.كما أن احتمالات إدارة عناصر المخيمات خلايا سرية بالمنطقة تبقى واردة ما دامت تحافظ على ارتباطها بالعقيدة الداعشية. وفي أغسطس 2022، اعتقلت القوات 27 إرهابياً من مخيم الهول للاشتباه بكونهم العقول المُدبرة لهجمات إرهابية تُنفذ في المنطقة.3– تكثيف دعاية داعش في العراق استغلالاً لحرب غزة: تشهد الفترة الأخيرة تكثيف تنظيم داعش نشاطه الإعلامي توظيفاً للظروف الراهنة – وأبرزها حرب غزة – مدخلاً للاستغلال الحركي؛ إذ يسعى التنظيم إلى استغلال الحرب مادةً دعائيةً لتحريض عناصره على مضاعفة أنشطتهم أملاً في تقوية نفوذه. ونظراً إلى أن العراق من دول المنطقة العربية التي تأثرت بالانعكاسات الخارجية للحرب بين حماس وإسرائيل، يجتهد داعش للاستحواذ على نصيب في هذا الإطار عبر حشد دعائي يخدم أهدافه.وفي 28 مارس 2024، نشر التنظيم كلمة صوتية للمتحدث الرسمي أبي حذيفة الأنصاري بمناسبة مرور 10 سنوات على تأسيس داعش، ادعى خلالها أن داعش لا يزال موجوداً في الموصل ويتمدد في ضواحي العراق والشام، داعياً أتباعه إلى تحرير العناصر المحتجزة بالسجون لصالح تعزيز نفوذ التنظيم؛ ما يمثل خطراً مع وجود عشرات المحتجزين من عناصره في سوريا والعراق.4– تأثر الأمن بنشاط الميليشيات المدعومة إيرانياً: تشن الكتائب الموالية لإيران هجمات ضد القوات الأمريكية الموجودة ضمن تشكيلات التحالف الدولي؛ ما دفع واشنطن إلى التدخل العسكري ضد هذه الميليشيات دون التنسيق مع بغداد؛ ما أحدث خلافاً بين الحكومتين الأمريكية والعراقية تعززت على إثره مطالبات الأخيرة بانسحاب قوات التحالف الدولي من البلاد. وتدفع تلك العوامل باتجاه تصعيد المخاوف الأمنية المرتبطة بمدى سيطرة الحكومة العراقية على الأوضاع وقدرتها على الحفاظ على الاستقرار الداخلي وفقاً للأجندة الوطنية.5– المنافسة الحركية بين داعش والكتائب المدعومة من إيران: تبقى المنافسة بين الجماعات المسلحة أمراً حاسماً في متغيرات الحشد والنفوذ الجغرافي. ومع تسليط الدعاية على ما تمارسه الميليشيات الإيرانية في المنطقة، يحاول داعش بث رسائل إعلامية مفادها أن التنظيم أولى بالدفاع عن قضايا المسلمين بدلاً من طهران التي تخدم أجندة غير شرعية وفقاً لبياناته، ومن المرجح أن يؤثر هذا الطرح على نفوذ التنظيم بالمنطقة.6– امتلاك داعش جيوباً سريةً في بعض المناطق: إن العمليات التي نفذها تنظيم داعش مؤخراً، وأبرزها الهجوم ضد نقطة عسكرية بمحافظة صلاح الدين في منتصف مايو 2024 وراح ضحيتها 5 من عناصر الجيش، تشي بامتلاك التنظيم جيوباً سرية ببعض المناطق داخل العراق؛ ما يُعقد عمليات الملاحقة والتتبع الأمني وسط استمرار الحشد العقائدي للتنظيم.7– اتساع شبكات التمويل الخاصة بداعش: بات التنظيم يمتلك فروعاً هامة في بقاع مختلفة مثل أفريقيا؛ ما يوفر له شبكة تمويل تُمكِّنه من تعزيز نفوذه بالمناطق الهشة، فضلاً عن استغلال أتباعه بعض المواقع الأوروبية لتنفيذ تحويلات مالية مشبوهة إلى جيوبه السرية في العراق والشام. وفي 10 يونيو 2024 اعتقلت القوات التركية 11 شخصاً بتهمة تمويل التنظيم في مناطق النزاع.8– تأثير الصراع الإقليمي حول ملف الأكراد: يشكل الصراع الإقليمي حول ملف الأكراد متغيراً مؤثراً على فرص نفوذ داعش بالمنطقة؛ نظراً إلى سيطرة قوات سوريا الديمقراطية على مخيم الهول الذي يقع على مقربة من الحدود العراقية، ومن ثم فإن أي تصعيد من حكومات المنطقة – سواء من العراق أو تركيا أو إيران – ضد الأكراد، سيؤدي إلى اضطرابات تهدد السيطرة الأمنية على مناطق احتجاز الدواعش، فيما يُمكن أن يتحول ملف المخيمات الداعشية إلى أداة ضغط سياسي تحت وطأة النزاعات الإقليمية.9– السيولة الأمنية في بعض دول الجوار للعراق: يواجه العراق أزمة على مستوى تماسك الأمن على حدوده الوطنية؛ نظراً إلى هشاشة بعض المناطق المجاورة وتأثرها بالنزاعات كسوريا، فضلاً عن رغبة إيران في استمرار التواصل مع ميليشياتها على امتداد المناطق الجغرافية التي تضم الهلال الشيعي.فرص المواجهةعلى الرغم من التحديات التي تواجه العراق، فإن فرص إعادة إحياء داعش يُمكن محاولة تقويضها عبر بعض العوامل، ومن أبرزها:1– تصفية مخيمات الإرهاب: يحتاج العراق إلى مزيد من التعاون الدولي لتصفية المخيمات الداعشية على أرضه، وكذلك بسوريا؛ حتى لا تمثل أعباءً إضافيةً على المنظومة الأمنية في ظل الصراعات السياسية المحيطة، ومن ثم يقتضي المشهد إلزام الحكومات الغربية باستقبال رعاياها، سواء بعد محاكمات أو برامج دمج اجتماعي مُحكمة لتقليص الاستنزاف الأمني بالشرق الأوسط.2– تنفيذ هيكلة قانونية تستوعب التحديات الناشئة: يحتاج العراق إلى صياغة إجراءات تقاضي تواكُب التحديات الناشئة في هذا الملف مع معالجة أوجه القصور التي يُمكن أن تواجه إجراء محاكمات عادلة وملاحقات قضائية دقيقة للمتورطين في جرائم داعش إبان سيطرته على المنطقة؛ وذلك لتسهيل عمليات تصفية المخيمات ومعالجة التقرير الأممي الأخير بشأن جرائم التنظيم؛ إذ أصدرت الأمم المتحدة في 6 يونيو 2024 بياناً حول تسليمها 28 تيرابايت من البيانات إلى سفراء الدول الأعضاء بمجلس الأمن عن جرائم حرب وعمليات إبادة ارتكبها تنظيم داعش في العراق، وستُسلم النتائج النهائية لسلطات البلاد، ومن ثم فإن التحديث القانوني والقضائي سينعكس إيجابياً على توفير مردود للإجراءات المُتخذة في هذا الصدد.3– الالتزام بأجندة وطنية لمعالجة الإشكاليات العراقية: تحتاج المؤسسات العراقية إلى اتباع الأهداف الوطنية الخالصة حيال التعامل مع الملفات الحرجة مع إيجاد مخرج لإلزام قوى الداخل بهذه الأهداف بغض النظر عن الاختلافات العرقية أو الطائفية وسط الحاجة إلى تقويض المال السياسي.4– تقويض تدفق الأسلحة وتمويل الإرهاب: يرتبط وقف تدفق الأسلحة والتمويلات المشبوهة إلى تنظيم داعش بتقويض أنشطة الكتائب المسلحة في البلاد، أياً كانت مرجعيتها، بجانب قصر حمل السلاح على سلطات الدولة؛ لتوفير الأمن ومواجهة الاضطرابات وخفض معدل الملفات الشائكة بالعراق.سيناريوهات محتملةوختاماً، يُمكن أن تتأثر فرص تنامي داعش في العراق بعدة سيناريوهات، ومنها تحقيق رغبة الحكومة في انسحاب قوات التحالف الدولي المُحاربة للتنظيم قبل وضع خطط محكمة للجهات الأمنية المحلية تُمكنها من السيطرة عملياً واستخبارياً على المشهد في ظل استقطاب سياسي حاد وصراعات إقليمية واسعة وهشاشة حدودية متأثرة بالنزاعات، غير أن الخطر الذي يُمثله التنظيم للقوى الفاعلة بالمنطقة، كإيران وسوريا وروسيا، يُمكن أن يعزز تقويض أنشطته خوفاً من إعادة استفحال نفوذه، وعلى اختلاف التوجهات فإن مخيمات داعش بالمنطقة إذا لم تتم تصفيتها فستبقى أداةً سياسيةً للتلاعب وفقاً للمصالح.

ما فرص داعش في إعادة ترميم نفوذه في العراق؟