إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية


        
<p><strong>أعلن سعادة الشامي، نائب رئيس الحكومة اللبنانية، مساء الأحد الموافق الثالث من أبريل 2022، أن "الدولة مفلسة وكذلك مصرف لبنان، والخسارة وقعت"، وقد تداولت وسائل إعلام عدة تلك التصريحات، ليخرج رياض سلامة، حاكم مصرف لبنان المركزي ويؤكد أن البنك لا يزال يمارس دوره الموكل إليه بموجب القانون، وأن ما يتم تداوله حول إفلاس البنك غير صحيح.</strong> وبالتزامن مع تلك التصريحات، فإن المدير الإقليمي لدائرة المشرق في البنك الدولي ساروج كومار جا، في الرابع من أبريل الجاري، قد وصف الأزمة التي يشهدها لبنان حالياً بأنها الأسوأ في تاريخه، واعتبرها من بين أسوأ ثلاث أزمات في العالم. يأتي ذلك على خلفية ما تُكابده الدولة اللبنانية من أزمة اقتصادية خانقة منذ عامين، أسفرت عن انهيار مادي وخسائر جمة تكبدها القطاع المصرفي بنحو 69 مليار دولار، علاوة على زيادة حجم الانكماش الاقتصادي بمعدل 60%، اعتباراً من 2021، وفق تقديرات الحكومة اللبنانية. <strong>وفي ظل بلبلة التصريحات المتزامنة، يعود التساؤل والنقاش من جديد حول الأزمة الاقتصادية في لبنان، وكيف وصلت إلى تلك المرحلة وأبرز تداعياتها على الاقتصاد اللبناني.</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">أزمات متلاحقة</span></strong></p>



<p>تعود خلفية تلك الأزمة إلى قرار ما بعد الحرب الأهلية في أواخر التسعينيات من القرن الماضي، بربط العملة اللبنانية بالدولار الأمريكي؛ فحينها وعد البنك المركزي بأن يظل دائماً الدولار الأمريكي معادلاً لـ1507 ليرات. في البداية، كانت البنوك اللبنانية لسنوات قادرة على جذب ما يكفي من الدولارات للسماح لأصحاب الحسابات بالتبادل بهذا المعدل، لكن ذلك لم يدم. إذ على مدار السنوات العشر الأخيرة، تشابك عدد من الظروف والملابسات المحلية والإقليمية والدولية التي أدت بالاقتصاد اللبناني إلى ما هو عليه في اللحظة الراهنة، نتناولها فيما يلي<strong>:</strong></p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1- التداعيات السلبية لثورات الربيع العربي: </strong>بعد عام 2011، أدت الحرب السورية، والتوترات في كافة أنحاء المنطقة العربية، إلى إبطاء تدفق الاستثمارات بالدولار الأمريكي إلى لبنان. ذلك الأمر دفع الدولة حينها نحو اللجوء إلى تكتيكات أخرى، زادت من تأزم الوضع. فبدأت البنوك في رفع أسعار الفائدة لتتراوح بين 15-20% للمودعين، غير أن النقد اللازم لدفع العائد لم يكن متاحاً، مما اضطرها للدفع في ذلك الوقت من ودائع المستثمرين الجدد.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2-</strong> <strong>تعرُّض النظام المصرفي لهزات متلاحقة: </strong>في صيف عام 2019، كانت عمليات سحب الدولار محدودة، وفي ظل الاحتجاجات ضد السلطة الحاكمة في لبنان، تم إغلاق البنوك، وعندما أعيد فتحها، لم يتمكن الناس من سحب أموالهم. فيما ظهرت سوق سوداء لليرة، مما ورط لبنان في دوامة تضخم مفرط، واستمرت منذ ذلك الوقت حتى بلغ سعر السوق السوداء في وقت سابق من العام الجاري حوالي 33 ألف ليرة للدولار.<strong></strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3- ارتدادات أزمة (كوفيد-19): </strong>منذ بداية الجائحة تعمقت الأزمة الاقتصادية في لبنان بصورة أكبر، حتى انكمش الاقتصاد اللبناني بنسبة 21.4% في عام 2020، وذلك نتيجة حالة الإغلاق وتعطُّل سلاسل الإمداد التي شهدها العالم في النصف الأول من العام 2020، والتي كان لها تداعياتها السلبية على الاقتصاد اللبناني.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4- أضرار مختلفة لانفجار مرفأ بيروت</strong>: أسفر انفجار مرفأ بيروت في أغسطس لعام 2020، عن تدمير صوامع الحبوب المهمة في الميناء، فيما أودى بحياة نحو 218 شخصاً، وتسبب في أضرار لا تقل عن 5 مليارات دولار، في توقيت كان الاقتصاد اللبناني فيه يئن فعلياً جرّاء تفشي جائحة (كوفيد-19)، ليتشاركا معاً المسؤولية عن تفاقم الأزمة سوءاً في عام 2020.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>5- مفاقمة الحرب الأوكرانية حدة الأزمة: </strong>لم يستطع الاقتصاد اللبناني التقاط أنفاسه من تداعيات الجائحة الاقتصادية، إلا وجاءت الحرب الروسية على أوكرانيا لتزيد من عمق أزمة الغذاء في لبنان. فوفق "بوجار هوكسها"، المدير القطري لـCare International، فإنه في الفترة بين 24 فبراير إلى 21 مارس، ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 14%، وبينما بلغت نسبة ارتفاع أسعار الخبز نحو 27%، ارتفعت أسعار السكر الأبيض بحوالي 72%، فيما قدرت الزيادة في زيت عباد الشمس بنحو 83%. مما دفع الحكومة لمطالبةالولايات المتحدة والجهات المانحة الأخرى بتقديم المساعدة وتوفير احتياطيات القمح للبنان، التي تأثرت بفعل الاضطرابات في سلاسل الإمدادات جرّاء العقوبات الاقتصادية على روسيا.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">تراجع اقتصادي</span></strong></p>



<p><strong>أدت الأزمات المتلاحقة على لبنان، وحساسيتها الشديدة إزاء المجريات الإقليمية والدولية على مدار السنوات الماضية، إلى عدد من التداعيات، كالآتي:</strong></p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1- تفاقم مستمر لمعدل التضخم: </strong>بحسب أحدث الأرقام الرسمية، فإن معدل التضخم في لبنان قد ارتفع بنسبة 4.31% اعتباراً من يناير 2022، ليصل في فبراير الماضي إلى 215%. ويرجع ذلك الارتفاع في معدلات التضخم في جزء منه إلى عدم قدرة السلطات على مراقبة واحتواء أسعار التجزئة، فضلاً عن تدهور سعر صرف الليرة اللبنانية في السوق الموازية والرفع التدريجي للدعم عن المحروقات، وهو ما شجع تجار الجملة والتجزئة على انتهاز الفرصة ورفع أسعار السلع الاستهلاكية بوتيرة متسارعة وبشكل غير مناسب.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2- تهاوي قيمة الليرة اللبنانية: </strong>فقدت الليرة اللبنانية نحو أكثر من 90% من قيمتها منذ اندلاع الأزمة في عام 2019، فبعد أن كان يتم تداولها قبل الأزمة عند 1500 ليرة مقابل الدولار الأمريكي الواحد، أصبح التداول يتم عند 20000 ليرة. الأمر الذي دفع البنوك إلى تجميد حسابات الدولار الأمريكي للمدخرين، وتطبيق عمليات السحب بالعملة المحلية بسعر صرف غير مناسب يضيع نحو 80% من القيمة السوقية لمدخرات الدولار، فيما يساعد البنوك على تقليص خسائرها ونفقاتها.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3- ارتفاع قيمة الديون والتخلف عن السداد</strong>: يتخلف لبنان عن سداد ديونه التي تزيد على 90 مليار دولار، والتي تمثل الديون الدولية ما يزيد على 30 مليار دولار منها، ويبلغ الدين الإجمالي نحو 183% من الناتج المحلي ليكون بذلك رابع أعلى نسبة مديونية في العالم بعد اليابان والسودان واليونان. وفي هذا الصدد، بدأ لبنان محادثات الإنقاذ مع صندوق النقد الدولي، من أجل صياغة خطة لإعادة هيكلة رصيد ديونه بالكامل، وإجراء إصلاحات شاملة، وكذلك إعادة هيكلة قطاعه المصرفي، والحد من فائض الدين العام الضخم، في سبيل تأمين المساعدة المالية من الصندوق وفتح الباب للمساعدات بمليارات الدولارات من قبل المؤسسات المانحة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4- تضرُّر معظم القطاعات الاقتصادية: </strong>ألقت الأزمة بظلالها على قطاع النقل الذي ارتفعت تكاليفه بنسبة 510% في فبراير الماضي، مقارنة بالشهر ذاته من العام الماضي. يليه قطاع المطاعم والفنادق الذي ارتفعت أسعار خدماته بنحو 449%، ثم قطاع الصحة بنسبة 413%، فيما ارتفعت تكلفة المياه والكهرباء والغاز وباقي أنواع الوقود الأخرى بنسبة 372%. أما المواد الغذائية والمشروبات غير الكحولية، فقد شهدت ارتفاعاً في الأسعار بنسبة 396%.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>5- انخفاض الناتج المحلي الإجمالي: </strong>انخفض إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بنسبة 10.5% في عام 2021، على خلفية انكماش بنسبة 21.4 في عام 2020. وبذلك، يكون قد انخفض الناتج المحلي الإجمالي من حوالي 52 مليار دولار أمريكي في عام 2019إلى 21.8 مليار دولار أمريكي في عام 2021، وهو ما يُمثل انكماشاً بنسبة 58.1%، ليصبح الاقتصاد اللبناني هو الأعلى انكماشاً في قائمة تضم 193 دولة. وتتوقّع منصّة Trading Economics، أن يبلغ معدل النمو السنوي للناتج المحلي الإجمالي في لبنان -9.00% بنهاية هذا الربع، وأن يتجه معدل النمو السنوي للناتج المحلي الإجمالي في لبنان إلى حوالي -2.00% في عام 2022 و2.50% في عام 2023.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>6- تزايُد الطلب على العملات المشفرة: </strong>ارتفع الطلب على تداول البيتكوين في لبنان، خلال الآونة الأخيرة، لقدرة العملات المشفرة على جلب العملات الأجنبية التي تشتد الحاجة إليها، على وقع الضائقة المالية في الدولة. وبحسب تصريح لمارك إسكندر، المؤسس التنفيذي لشركة Magmamining للعملات المشفرة في بيروت، فإن نسبة متداولي البيتكوين في شركته قد زادت بنحو 67%، فيما شهدت شركته زيادة في الإيرادات بنسبة 145%.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>الخلاصة، يُواجه لبنان أزمة اقتصادية خانقة منذ عامين، جعلته من أكبر ثلاث أزمات في العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر، وفقاً للبنك الدولي. ولا يزال الاقتصاد اللبناني يُكابد الأزمة، في توقيت تحاول فيه الحكومة اللبنانية إنجاز المرحلة الأولى من المفاوضات الجارية مع صندوق النقد والتوصل إلى مذكرة تفاهم مبدئية، بالتوازي مع سعي رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي لاستعادة علاقاته مع دول الخليج وتجديد تعهده بمقتضيات تعزيز التعاون معهم، في محاولة لإيجاد ممولين للأزمة الاقتصادية في لبنان، وذلك قبل العبور للاستحقاق الانتخابي في الخامس عشر من مايو المقبل.</strong></p>

      

كيف يُمكن فهم الأزمة الاقتصادية في لبنان؟