أ.د حمدي عبد الرحمن حسن

لقد بات واضحاً أثناء القمة التي عقدت في أديس أبابا يومي 17 و18 فبراير 2024، أن الاتحاد الأفريقي يقف عند منعطف حرِج في تاريخه. وعلى الرغم من أن الاتحاد لديه التزامات مؤسسية طامحة، وأدوات للوساطة وحفظ السلام، فإنه يفتقر، في كثير من الأحيان، إلى الإرادة السياسية، والتمكُّن المالي لتحقيق أقصى استفادة من هذه الالتزامات. ومع اشتعال التوترات بين الدول الأعضاء، كما هو الحال في منطقة البحيرات العظمى، والصراع على سواحل البحر الأحمر، فضلاً عن تهديد التحديات الاقتصادية بعرقلة جهود التنمية؛ أصبحت الحاجة إلى الإصلاح الشامل داخل الاتحاد الأفريقي أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى.ومن جهة أخرى تُظهِر التطورات الأخيرة، مثل تعليق السودان عضويته في الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيجاد)، وانسحاب بوركينا فاسو ومالي والنيجر من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)؛ أن التعاون الإقليمي ينهار؛ ما يجعل أدوات الاتحاد الأفريقي التقليدية لتسوية الصراعات أقل فاعليةً.ولعل السؤال الذي يطرح نفسه يتعلق بمدى فاعلية الاتحاد الأفريقي ودوره في معالجة القضايا الملحة المتعلقة بالسلام والأمن والحكم والتنمية الاقتصادية.أولاً وقبل كل شيء، يتعيَّن على الاتحاد الأفريقي أن يعطي الأولوية لتعزيز آليات السلام والأمن لديه. إن التصعيد الأخير للتوترات بين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، بجانب الصراعات المستمرة في السودان والصومال ومنطقة الساحل، يُسلِّط الضوء على الحاجة الماسة إلى تسوية ناجعة للصراعات واستراتيجيات الوقاية منها؛ إذ ينبغي تنشيط مجلس السلام والأمن التابع للاتحاد الأفريقي حتى يتمكن من الاستجابة السريعة والحاسمة للأزمات في مختلف أنحاء القارة. بالإضافة إلى ذلك، يتعيَّن على الاتحاد الأفريقي تعزيز قدرته على عمليات حفظ السلام وجهود الوساطة، والعمل في تعاون وثيق مع المجموعات الاقتصادية الإقليمية والشركاء الدوليين، بيد أن الإشكالية الكبرى تتمثل في ضعف ميزانية الاتحاد الأفريقي التي لا تتجاوز 600 مليون دولار سنوياً، كما أن العديد من مكاتبه تعاني من نقص الموارد.ويتجلى تراجع الاتحاد الأفريقي في مشاركته المحدودة في تهدئة التوترات بمنطقة البحيرات الكبرى. وعلى الرغم من الاتهامات المستمرة بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا فيما يتعلق بدعم الجماعات المتمردة، فإن الاتحاد الأفريقي لم يتخذ أي إجراء حاسم. وقد اعتُبرت المحاولات السابقة التي بذلتها مجموعة شرق أفريقيا لنشر القوات غير فعَّالة؛ ما أدى إلى انسحابها وإطلاق عملية نيروبي لإجراء محادثات مع الجماعات المسلحة.إن الجهود التي تبذلها أنجولا للحفاظ على قنوات الاتصال من خلال عملية لواندا، تسلط الضوء على المبادرات الإقليمية، بيد أن التدخل الأخير لقوة مجموعة التنمية للجنوب الأفريقي (سادك) لتحل محل قوات جماعة شرق أفريقيا، يُظهر التحديات المستمرة، وخاصةً ضد جماعات التمرد، مثل حركة 23 مارس. وعليه فإن افتقار الاتحاد الأفريقي إلى التدخل أو التأثير على تصرفات مجموعة تنمية الجنوب الأفريقي، يسلط الضوء على دوره المتضائل في جهود السلام الإقليمية.إن المشاركة العاجلة للاتحاد الأفريقي في محادثات السلام، وإدانة دعم جماعات التمرد من خلال الحرب بالوكالة، والمشاركة مع أصحاب المصلحة المعنيين؛ ضرورية خلال مؤتمرات القمة المقبلة لمعالجة التوترات المتصاعدة بأسلوب فعَّال. ومع ذلك، فإن الوجود المتضائل لشخصيات مؤثرة، مثل أولوسيجون أوباسانجو المبعوث الخاص للاتحاد الأفريقي إلى القرن الأفريقي، يثير المخاوف بشأن الجيل القادم من صانعي السلام، وقدرة الاتحاد الأفريقي على التوسط في الصراعات بأسلوب فعال.علاوةً على ذلك، يتعين على الاتحاد الأفريقي أن يتصدى لتحديات الحكم التي تهدد استقرار وشرعية الدول الأعضاء. إن عودة الانقلابات العسكرية، والعنف الانتخابي، والأزمات الدستورية في دول مثل الجابون والنيجر والسنغال، كلها من أعراض العجز الأعمق في الحكم الذي ابتُليت به القارة. وينبغي للاتحاد الأفريقي أن يعزز الحكم الديمقراطي، ويدعم سيادة القانون، ويُحمِّل الدول الأعضاء المسؤولية عن دعم المبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان. ويشكل إصلاح العمليات الانتخابية، وتعزيز الهيئات القضائية المستقلة، ومكافحة الفساد خطوات أساسية نحو تعزيز الحكم الرشيد والاستقرار السياسي.ولعل ذلك كله يستوجب إعادة النظر في قيادة مفوضية الاتحاد الأفريقي. وقد أعرب رايلا أودينجا رئيس الوزراء الكيني السابق، بالفعل، عن اهتمامه بتولي رئاسة مفوضية الاتحاد الأفريقي بعد انتهاء فترة موسى فكي خلال هذه الفترة القارية العصيبة.وبالإضافة إلى السلام والأمن وإصلاح الحكم، يتعيَّن على الاتحاد الأفريقي أن يعطي الأولوية للتنمية الاقتصادية وجهود بناء القدرة على الصمود. إن التداعيات الاقتصادية الناجمة عن جائحة كوفيد–19، بجانب تغير المناخ، وانعدام الأمن الغذائي، وتفاقم أزمات الديون، تفرض تحديات كبيرة على الآفاق الاقتصادية لأفريقيا.لقد كان للصدمات الاقتصادية التي حدثت منذ عام 2020 تداعيات خطيرة؛ حيث دفعت بأكثر من 55 مليون شخص إلى مستويات الفقر الدنيا؛ ما أدى إلى عكس عقود من التقدم في الحد من الفقر في جميع أنحاء أفريقيا، كما تواجه تسعة اقتصادات أفريقية، بما في ذلك إثيوبيا، ضائقة الديون، في حين يصنف 15 اقتصاداً آخَر في مرتبة "عالي المخاطر"، و14 اقتصاداً "متوسط المخاطر" بالنسبة إلى الاستثمار. وقد تخلَّفت بالفعل بلدان مثل زامبيا وغانا وإثيوبيا عن سداد ديونها؛ الأمر الذي أدى إلى تفاقم عدم الاستقرار الاقتصادي في مختلف أنحاء القارة.وفي هذه الحالة يتعين على الاتحاد الأفريقي أن يتبنى نهجاً شاملاً في التصدي لهذه التحديات، مع التركيز على تعزيز التنمية المستدامة، وتعزيز التجارة البينية الأفريقية، وتنويع الاقتصادات. وسيكون الاستثمار في البنية التحتية والتعليم والرعاية الصحية حاسماً لتعزيز النمو الشامل والحد من الفقر في جميع أنحاء القارة.وفي الختام، يتعين على الاتحاد الأفريقي أن يقلل من اعتماده على التمويل الخارجي، وأن يعزز استدامته المالية. ورغم أن الدعم المقدم من الشركاء الدوليين، مثل الاتحاد الأوروبي والصين والولايات المتحدة، يشكل قيمة كبيرة، فإن حشد الموارد المحلية من خلال زيادة مساهمات الدول الأعضاء في ميزانيته، من شأنه أن يعزز استقلالية الاتحاد الأفريقي وفاعليته في متابعة التزاماته، بعيداً عن التأثير غير المبرر أو الشروط التي تفرضها الجهات الخارجية.يعني ذلك أن ضرورة الإصلاح داخل الاتحاد الأفريقي تبدو واضحة وملحة. وبينما تعاني القارة من الصراعات المتصاعدة من كل حدب وصوب، وتحديات الحوكمة، والأزمات الاقتصادية، يجب على الاتحاد الأفريقي أن يرقى إلى مستوى الحدث ويقود جهوداً متضافرة لمعالجة هذه القضايا الملحة. ومن خلال تعزيز آليات السلام والأمن، وتعزيز الحكم الرشيد، وتعزيز التنمية الاقتصادية، وتعزيز الاستدامة المالية، يستطيع الاتحاد الأفريقي تحقيق رؤيته لأفريقيا التي تنعم بالسلام والأمن والتنمية. لقد حان وقت الإصلاح اليوم، ويتعين على حكماء الاتحاد الأفريقي اغتنام هذه الفرصة لتمهيد الطريق لمستقبل أكثر إشراقاً لكل الأفارقة.

تراجع دور الاتحاد الأفريقي في وقت الأزمات