د. صدفة محمد محمود


        
<p><strong>توعَّد الرئيس لأمريكي جو بايدن بفرض مزيد من العقوبات على كوبا أواخر يوليو 2021؛ إذ تُعد كوبا من البلدان التي تكاد مشاهد التظاهرات المناهضة للحكومة تنعدم فيها، ومع ذلك فقد شهدت على مدار الفترة الماضية تظاهرات حاشدة للمرة الأولى منذ ثلاثين عامًا من حدوث الأزمة الاقتصادية الخانقة، المشابهة للأزمة الاقتصادية الحالية، التي تأتي –بصورة أساسية– نتيجة التداعيات السلبية التي خلَّفها فيروس كورونا، لا سيما في الجانب الاقتصادي.</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">تفسيرات مختلفة:<br></span>تباينت آراء الخبراء والمراقبين بشأن التظاهرات والاحتجاجات التي شهدتها كوبا خلال الأيام الماضية، وتم طرح تفسيرات مختلفة لها، ومنها ما يلي:<br>1–</strong> <strong>تراجع اقتصادي هو الأكبر منذ ثلاثة عقود: </strong>كان الاحتجاج على الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها كوبا من التفسيرات الرئيسية للتظاهرات التي اندلعت في عدد من مدنها. وتواجه كوبا أزمة اقتصادية حادة تفاقمت بفعل جائحة كورونا، التي أضرت بقدر كبير بقطاع السياحة، الذي تعتمد عليه البلاد بشدة، بالإضافة إلى تراجع إنتاج قصب السكر، وهو ما أدى إلى تقلص الاقتصاد بنسبة 11% العام الماضي، وهو التراجع الأكبر على مدى ثلاثة عقود. وبالرغم من محاولات الحكومة اتخاذ حزمة من الإجراءات للتخفيف من وطأة الأزمة، فقد تفاقمت المشكلات الخاصة بارتفاع الأسعار وانقطاع الكهرباء وندرة الأدوية والغذاء.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– تفاقم الوضع الصحي في البلاد: </strong>شهد الأسبوع الأول من شهر أغسطس 2021، تصاعدًا في أعداد الإصابة بفيروس كورونا؛ إذ تفاقم الوضع الصحي في كوبا، التي سجلت في العام الماضي حالات قليلة نسبيًّا من الإصابة بفيروس كورونا، لكنها تسجل حاليًّا ما يقرب من 9000 حالة يوميًّا. وتأتي كافة هذه التحديات الصحية في ظل وجود رئيس للبلاد –وهو "ميغيل دياز كانيل"– يفتقر إلى التاريخ الثوري والكاريزما التي تميز بها الأخوان "فيدل وراؤول كاسترو" اللذان حكما البلاد من قبله، وهو ما يُضعف شعبيته بقدر ملحوظ بين المواطنين.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3–</strong> <strong>المطالبة بضرورة تحقيق الديمقراطية: </strong>ارتبطت بعض المطالب التي نادى بها الكوبيون خلال التظاهرات، بإسقاط الدكتاتورية وتحقيق الديمقراطية؛ حيث يحكم البلاد حزب واحد. وقد صنفت منظمة "Freedom House" في تقريرها الصادر عام 2021، كوبا باعتبارها دولة "ليست حرة"، في ظل حظر الدولة الشيوعية، التعددية السياسية، ووسائل الإعلام المستقلة، وقمع المعارضة، والتقييد التشديد للحريات المدنية الأساسية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4–</strong> <strong>مؤامرة صُنعت برعاية أمريكية:</strong> اعتبر الرئيس الكوبي أن الاحتجاجات التي اندلعت في وقتٍ تواجه فيه البلاد أزمة اقتصادية حادة؛ قد تفاقمت بسبب العقوبات الأمريكية، ونظر إليها كجزء من مؤامرة أجنبية لـ"كسر" الثورة الشيوعية التي أطلقها الزعيم الكوبي "فيدل كاسترو" عام 1959. ورغم إقرار رئيس كوبا بوجود محتجين لديهم مطالب مشروعة، فإنه اتهم من سمَّاهم "المافيا الكوبية الأمريكية"، بمحاولة تصدير صورة فوضى كاملة في البلاد، ورأى أن المحتجين مرتزقة تستأجرهم الولايات المتحدة من أجل زعزعة استقرار البلاد.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">تداعيات معقدة<br></span>من المرجح أن يكون للتظاهرات التي شهدتها كوبا، في حال اتساع نطاقها الجغرافي وامتدادها إلى قطاعات مختلفة من المجتمع الكوبي، تداعيات مختلفة، منها:<br>1–</strong> <strong>تعميق الأزمة الداخلية: </strong>من المتوقع أن تُسهم حالة عدم الاستقرار السياسي في كوبا إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد، بالإضافة إلى إمكانية زيادة الاحتقان والانقسام المجتمعي بين الكوبيين، في ظل ما شهدته البلاد من انقسام المحتجين بين مؤيد ومعارض للتظاهرات، خاصةً مع دعوة الرئيس الكوبي –في كلمة متلفزة– أنصارَه إلى الخروج إلى الشوارع والدفاع عن الثورة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2–</strong> <strong>تفاقم الانقسامات الإقليمية: </strong>من المرجح أن يكون للاحتجاجات في كوبا تأثير قوي على العلاقات اللاتينية–اللاتينية، على نحو يؤدي إلى تعميق الانقسامات السياسية والأيديولوجية بين الحكومات اليسارية واليمينية في الإقليم. وكان ذلك واضحًا من ردود أفعال رؤساء أمريكا اللاتينية على التظاهرات الكوبية؛ ففي حين أيد رؤساء البرازيل وبيرو وتشيلي وأوروجواي حق المتظاهرين في التعبير السلمي عن الرأي، ودعَوا الحكومة الكوبية إلى تلبية مطالب المحتجين؛ ألقى رؤساء فنزويلا والأرجنتين وبوليفيا والمكسيك –في المقابل– اللوم على الحصار الأمريكي على كوبا في إثارة الاضطرابات، ورفضوا أي تدخل خارجي في شؤونها الداخلية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3–</strong> <strong>الضغط على إدارة "بايدن": </strong>بينما تُلقي هافانا اللوم على الولايات المتحدة في إثارة الاحتجاجات، فإن أولويات إدارة "جو بايدن" للسياسة الخارجية تركز –في الأساس– على الصين وروسيا. ومع ذلك، فإن الإدارة الأمريكية تواجه ضغوطًا سياسية متزايدة، لصياغة رد يتجاوز مجرد المطالبة بضمان حق الكوبيين في التعبير والاحتجاج السلمي؛ إذ أكد الرئيس الأمريكي بايدن أواخر يوليو 2021، فرضَ المزيد من العقوبات على هافانا؛ وذلك عقب فرض عقوبات جديدة، شملت الشرطة الثورية الوطنية الكوبية، واثنين من قادتها.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4–</strong> <strong>ترسيخ التنافس الأمريكي–الروسي:</strong> مثَّلت كوبا ساحة مهمة من ساحات التنافس الأمريكي–السوفييتي خلال حقبة الحرب الباردة، بل كادت تتسبب في اندلاع حرب نووية بين البلدين. ومن المتوقع أن تُسهم احتجاجات كوبا في زيادة حدة التنافس الأمريكي–الروسي في أمريكا اللاتينية، خاصةً أن موسكو تعتبرها حليفًا مهمًّا لها في منطقة أمريكا اللاتينية، وهو ما دفعها إلى الدخول على خط الأزمة الأخيرة للمطالبة بعدم التدخل الخارجي في شؤونها الداخلية، رافضةً أي إجراءات يمكن أن تزعزع استقرارها، وأيدت موسكو في موقفها كلٌّ من الصين وإيران.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">سيناريوهات مستقبلية<br></span>يمكن صياغة مجموعة من السيناريوهات المستقبلية لمآلات الاحتجاجات التي شهدتها كوبا، ومنها ما يلي:<br>1– تغيير مفاجئ للنظام:</strong> إذا وصلت الاحتجاجات إلى كتلة حرجة تقوض سيطرة الدولة على أدوات القوة القسرية، أو أدت أعمال العنف القمعي إلى إضعاف شرعية الحكومة على نحو جذري؛ فإن المعارضة ستكون قادرة على إسقاط النظام الحاكم. ولا يبدو أن هذه النتيجة مرجحة –على الأقل في الوقت الحالي– خاصةً أن الاحتجاجات كانت بلا قيادة واضحة، ولم تكن منظمة بقدر كافٍ، علاوة على عدم امتلاك المعارضة أسلحة أو معلومات استخبارية أو موارد مالية كبيرة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2–</strong> <strong>اندلاع الحرب الأهلية:</strong> إذا اتسع النطاق الجغرافي للاحتجاجات، لتشمل مختلف المدن الكوبية، وزادت أعداد المنخرطين فيها بقدر ملحوظ، بحيث تشمل أفرادًا ينتمون إلى النظام الشيوعي، ورفض النظام الحاكم تقديم تنازلات ملموسة للمعارضة، ولم يكن أي من المتنافسين على استعداد للتنازل أو إيجاد حل وسط مقبول لكل منهما– فيمكن أن تخرج الأمور عن السيطرة، وربما تندلع حرب أهلية داخل كوبا.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3–</strong> <strong>التدخل الأجنبي المباشر: </strong>ادَّعى عمدة ميامي "فرانسيس سواريز"، أن الضربات العسكرية الأمريكية ضد كوبا يجب أن يفكر فيها البنتاجون بجدية. ومع ذلك، فإن هذا الخطاب التحريضي هو –في الغالب– للاستهلاك المحلي. ويمكن أن يتحقق هذا السيناريو إذا تسببت تطورات الأوضاع في كوبا في تهديدات جدية للأمن الإقليمي، على نحو قد يدفع الجيش الأمريكي إلى التدخل من أجل تجنب حدوث فوضى عارمة أو فراغ سياسي يمكن أن تملأه القوى الموالية للصين وروسيا.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4–</strong> <strong>استمرار النظام الكوبي:</strong> بالرغم من التكهنات باحتمال سقوط النظام الشيوعي الحاكم في كوبا، فلا يمكن أن يغيب عن الأذهان حقيقة أنه نظام شديد المرونة، وقد تمكن من البقاء برغم كافة التحديات الخطيرة التي واجهته، مثل أزمة الصواريخ الكوبية، والتوترات الجيوسياسية القوية خلال الحرب الباردة، والتهديد المستمر بالتدخل العسكري الأمريكي، وانتشار الفقر والركود الاقتصادي. ومن المرجح أن يحدث هذا السيناريو إذا نجح النظام الكوبي في إيجاد حزمة من الحوافز والتنازلات لاستيعاب مطالب المحتجين، وسيكون عليه المسارعة في معالجة المخاوف الشعبية الأكثر إلحاحًا (أي تلك المتعلقة بتوافر اللقاحات وتلبية الاحتياجات الاقتصادية الأساسية).</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><br><strong>وختامًا، وفي ضوء ما سبق، يمكن القول إنه من السابق لأوانه ترجيح سيناريو مستقبلي لتطور الاحتجاجات في كوبا. ويظل الأمر مرهونًا بالإجراءات التي يمكن أن تقوم بها الحكومة للاستجابة لمطالب المحتجين، والتي شرعت في تنفيذ عدد منها، مع إعلانها السماح للمسافرين الذين يصلون إلى البلاد بإحضار الطعام والأدوية والضروريات الأخرى دون دفع رسوم الاستيراد، ودون حد أقصى. ويرتبط مستقبل هذه الاحتجاجات أيضًا بمدى التزام المواطنين بمواصلة التظاهر وتوسيع نطاق مطالبهم، وكذلك بحجم الدعم الإقليمي والدولي الذي يمكن أن يحظوا به.</strong></p>

      

سيناريوهات الحراك الاحتجاجي في كوبا