د. حمدي بشير

اتجهت موريتانيا نحو تعزيز قدراتها العسكرية من خلال زيادة إنفاقها العسكري. ففي 27 سبتمبر 2024، أعلنت موريتانيا رفع ميزانية الدفاع بنسبة 10% من موازنة الدولة. ويأتي الإعلان عن رفع ميزانية الدفاع في موريتانيا في أعقاب فوز الرئيس الموريتاني "محمد ولد الشيخ الغزواني" بولاية رئاسية ثانية في الانتخابات الرئاسية التي أُجريت في 29 يونيو 2024، ما يشير إلى اهتمامه بتحسين الأوضاع وتطوير القدرات داخل الجيش. ويأتي ذلك في الوقت الذي تتصاعد فيه حدة التحديات الأمنية الإقليمية التي تواجه موريتانيا، نتيجة تفاقم حالة عدم الاستقرار السياسي والاضطراب الأمني في منطقة الساحل، واتساع نطاق نفوذ التنظيمات الإرهابية في بعض دول الساحل، فضلاً عن استمرار الحرب بين الجيش المالي المدعوم من مجموعة "فاجنر" الروسية والحركات الأزوادية في شمال مالي، وتزايد أنشطة شبكات الجريمة غير المنظمة التي تنخرط في عمليات تجارة المخدرات وتهريب المهاجرين عبر الحدود.محفزات عديدةيبدو أن ثمة جملة من المحفزات التي دفعت موريتانيا إلى رفع ميزانية الدفاع، يمكن تناولها على النحو التالي: 1- تطلع "الغزواني" لتعزيز نفوذه داخل الجيش: يسعى "الغزواني"، منذ توليه مقاليد السلطة في موريتانيا، إلى تعزيز سلطاته الداخلية من خلال تحييد أو استقطاب حلفاء الرئيس السابق داخل الجيش، وتوسيع نطاق نفوذه في الدوائر العسكرية، نظراً لتمتع الجيش بنفوذ داخل موريتانيا. ولذلك، يركز الرئيس على ضمان ولاء الجيش له عن طريق زيادة الإنفاق العسكري الذي لا يخصص فقط لشراء الأسلحة والمعدات العسكرية، وإنما أيضاً يذهب جزء منه إلى رفع الرواتب ومنح المزيد من الامتيازات للضباط والجنود.2- إعادة هيكلة الجيش وتعزيز قدراته العسكرية: اتجه الرئيس الموريتاني الحالي إلى إعادة هيكلة الجيش وتعزيز قدراته العسكرية وزيادة الإنفاق على تسليحه بشكل يضمن، في رؤيته، رفع مستوى أدائه القتالي في مواجهة التحديات الخارجية. ففي 18 يوليو 2024، كشف الجيش الموريتاني، خلال إجرائه مناورات عسكرية بالقرب من العاصمة نواكشوط، عن اقتنائه صواريخ مضادة للطائرات وأخرى مضادة للدروع. كما أعلن الجيش عن مجموعة من المسيّرات المقاتلة والأسلحة الجديدة، وهي المرة الأولى التي يكشف فيها الجيش عن امتلاك مسيّرات مقاتلة منذ أن أعلنت دول مجاورة عن امتلاكها لها.3- تصاعد سباق التسلح في منطقة الساحل: كان لافتاً أن دول منطقة الساحل قامت خلال المرحلة الماضية برفع مستوى قدراتها العسكرية عبر شراء الأسلحة الحديثة، بما في ذلك طائرات الاستطلاع والهجوم من دون طيار. وفي تقرير نشره موقع Military Africa، في 15 أبريل 2024، تم الكشف عن امتلاك موريتانيا 4 وحدات من الطائرات من دون طيار، على نحو يضعها في المرتبة الثامنة والعشرين على مستوى أفريقيا والمرتبة الأخيرة على مستوى منطقة المغرب العربي، بعد كل من المغرب، والجزائر، وتونس. ومن ثمّ يمكن قراءة هذا التوجه الموريتاني في سياق سباق التسلح المتنامي في هذه المنطقة، حيث اتجهت دول مثل مالي والنيجر وبوركينا فاسو، بعد التحولات السياسية التي طرأت على الساحات الداخلية لها، خلال الأعوام الأخيرة، إلى تغيير أنماط تحالفاتها العسكرية بسبب رغبتها في الحصول على أسلحة جديدة من روسيا والصين وتركيا وإيران، والاستعاضة عن تراجع مستوى التعاون العسكري مع الدول الغربية بعد انسحاب بعضها مثل فرنسا والولايات المتحدة من المنطقة.4- توجيه رسائل ردع للخصوم في المنطقة: كشفت موريتانيا عن أحدث أسلحتها خلال المناورات والتدريبات العسكرية التي أجرتها في 18 يوليو 2024، على نحو يشير إلى رغبة نواكشوط في توجيه رسائل ردع إلى الخصوم ومنعهم من العمل على تهديد مصالحها، وهو ما لا يمكن فصله عن تصاعد حدة التوتر على الحدود الموريتانية- المالية جراء الاختراقات المتكررة من جانب مجموعة "فاجنر" المتحالفة مع الجيش المالي، للحدود الموريتانية لتعقب كوادر وعناصر الحركات الأزوادية، وهو ما أثار مخاوف موريتانيا من تهديدات "فاجنر" المتكررة، بشكل كان له دور في اتجاهها نحو تعزيز قدراتها العسكرية.5- مواجهة مخاطر تمدد النشاط الإرهابي: تواجه موريتانيا تحديات أمنية متنامية نتيجة تصاعد النشاط الإرهابي في منطقة الساحل، حيث شهدت مالي على سبيل المثال، في 17 سبتمبر 2024، هجوماً من جانب تنظيم "القاعدة" للسيطرة على أحد المطارات في العاصمة. وتخشى نواكشوط من تمدد نشاط هذه التنظيمات داخل أراضيها في ظل ضعف سيطرة مالي على حدودها جراء انخراطها في حرب طويلة مع الحركات الأزوادية. وتتزايد هذه المخاوف بعد انضمام موريتانيين إلى هذه التنظيمات الإرهابية، فضلاً عن تصاعد أنشطة الجريمة غير المنظمة، ولاسيما تجارة المخدرات وعمليات الهجرة غير النظامية التي تجعل موريتانيا عرضة للضغوط والانتقادات من جانب الدول الغربية.تحديات ماثلةعلى الرغم من اتجاه موريتانيا نحو زيادة إنفاقها العسكري وتعزيز قدراتها العسكرية في مواجهة التهديدات الأمنية التي تشهدها المنطقة، فإن هذه التوجهات الأمنية لموريتانيا لا تزال تواجه العديد من التحديات، التي يتمثل أبرزها فيما يلي:&nbsp;1- التأثير السلبي لرفع ميزانية الدفاع على ميزانية باقي القطاعات: من المتوقع أن يؤدي رفع ميزانية الدفاع إلى التأثير سلبياً على ميزانية قطاعات حكومية أخرى، حيث تضمنت الميزانية الجديدة تقليص المبلغ المخصص لنحو 20 قطاعاً حكومياً، من بينها قطاعات سيادية مثل وزارات الخارجية والعدل والداخلية والاقتصاد والمالية. ويعود هذا التراجع إلى ضعف إيرادات القطاعات الضريبية، بالإضافة إلى الاعتماد بشكل كبير على عائدات قطاع المعادن، وبشكل خاص الحديد والذهب. وتفرض هذه الضغوط الاقتصادية تحديات أمام موريتانيا للاستمرار في سياسة الإنفاق العسكري ما لم تتمكن من زيادة إيراداتها وتحسين أدائها الاقتصادي خلال المرحلة القادمة.&nbsp;2- ضعف مستوى التنسيق والتعاون الأمني بين دول الساحل: أدى انسحاب دول تحالف الساحل (مالي وبوركينا فاسو والنيجر) من مجموعة الساحل الخماسية، بعد الانقلابات العسكرية التي شهدتها في الأعوام الأخيرة،&nbsp;وخروج القوات الفرنسية والأمريكية من المنطقة، إلى تراجع مستوى التنسيق الأمني بين دول المنطقة، على نحو أتاح الفرصة للتنظيمات الإرهابية -لاسيما "القاعدة" و"داعش"- لتصعيد عملياتها الإرهابية، وهو ما يفرض تحديات لا تبدو هينة أمام موريتانيا، لا سيما أن توجيه المزيد من الإنفاق العسكري لشراء أسلحة ومعدات متطورة لا يكفي وحده لضمان الحفاظ على استقرار موريتانيا وحماية أمنها في مواجهة الإرهاب.3- اعتماد موريتانيا المفرط على الغرب لتعزيز قدراتها العسكرية: حرصت موريتانيا خلال المرحلة الماضية على الاحتفاظ بسياسة متوازنة تجاه العديد من الصراعات التي تشهدها المنطقة، على غرار الصراع المغربي- الجزائري، فضلاً عن التنافس الروسي- الغربي الذي تصاعد عقب الانقلابات العسكرية التي شهدتها بعض دول الساحل، وذلك لتوسيع هامش الحركة والخيارات المتاحة أمامها للتعامل مع التطورات المختلفة. لكن تعزيز قدراتها العسكرية بالاعتماد على قوى دولية محددة، مثل الدول الغربية وخاصةً الولايات المتحدة الأمريكية، قد يؤثر على هذه السياسة المتوازنة، وبالتالي قد يؤدي إلى اتساع نطاق خلافاتها مع العديد من تلك القوى، على نحو لا يتوافق مع حساباتها ومصالحها في الفترة الحالية، خاصةً أن تلك القوى قد تتجه إلى تبني سياسات مضادة لتلك التي تتبعها نواكشوط.تعزيز القدراتإجمالاً، يمكن القول إنه رغم هذه التحديات التي يتسع نطاقها تدريجياً، فإن موريتانيا لن تتراجع خلال الفترة القادمة عن جهود تعزيز قدراتها العسكرية، خاصةً أن التحديات التي تواجهها، فضلاً عن التهديدات التي تفرضها التطورات الطارئة على الساحة الإقليمية لا تبدو هينة، ولا يمكن تحييد تداعياتها بالقدرات الموريتانية الحالية.

لماذا اتجهت موريتانيا لرفع ميزانية الدفاع وزيادة إنفاقها العسكري؟