د. يوسف داوود

مع تزايد التهديدات السيبرانية العالمية، برزت الصين كأحد أهم الأطراف الفاعلة في هذا المجال، ما أثار قلقاً واسعاً في الأوساط الأمنية الأمريكية. واستجابة لهذه التهديدات، اتخذت إدارة بايدن مؤخراً خطوة إضافية بتشكيل فريق طوارئ سيبراني متخصص للتصدي للاختراقات السيبرانية الصينية، والتي تستهدف البنية التحتية الحيوية والشركات الكبرى. وتتمثل فلسفة تدشين هذا الفريق في كونها الخط الأول للدفاع في مواجهة هجمات سيبرانية معقدة، في محاولة لحماية الاقتصاد الأمريكي والأمن القومي من التأثيرات الضارة لتلك العمليات، وذلك عن طريق إضافة طبقة حماية خاصة بالتهديدات القادمة من الصين، باعتبارها –من وجهة النظر الأمريكية– الأكثر خطورة.أبعاد رئيسيةيرتبط القرار الأمريكي بتشكيل فريق طوارئ سيبراني متخصص للتصدي للاختراقات السيبرانية الصينية بعدد من الأبعاد الرئيسية المتمثلة فيما يلي:1- تصاعد التهديدات السيبرانية الصينية: شهدت الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة تصاعداً في الهجمات السيبرانية الصينية، أبرزها اختراق شبكات شركات الاتصالات الكبرى مثل Verizon وAT&amp;T، حيث يُعتقد أن هذه الهجمات تستهدف جمع المعلومات الاستخباراتية. فعلى سبيل المثال، اخترقت مجموعة Salt Typhoon الصينية المتقدمة شبكات شركات أمريكية في 2024، وهو ما اعتبره مسؤولون أمنيون خرقاً كبيراً للأمن القومي، إذ أثرت الهجمات على نحو 10 إلى 12 شركة اتصالات، وفقاً لتقارير صحفية.2- تعدد الوكالات المرتبطة بفريق الطوارئ السيبراني الجديد: أعلنت إدارة بايدن عن تشكيل فريق طوارئ "متعدد الوكالات" للتصدي للهجمات السيبرانية الصينية، حيث يضم الفريق ممثلين من وكالات حكومية متعددة، مثل: وكالة الأمن السيبراني وأمن المعلومات (CISA)، ومكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI)، ووكالة الاستخبارات الوطنية. ويعتبر الهدف الرئيسي للفريق هو توحيد جهود هذه الوكالات لضمان استجابة سريعة ومنسقة لحالات الاختراق التي تهدد البنية التحتية والشركات الكبرى، مثل حالة شركة Lumen Technologies التي تأثرت بشكل كبير.3- تزايد الاستثمارات الأمريكية في مجال الدفاع السيبراني: استثمرت إدارة بايدن ما يقرب من 10 مليارات دولار لتعزيز جهود الدفاع السيبراني خلال عامي 2023 و2024، مع تخصيص جزء كبير من هذه الميزانية لتشكيل فريق الطوارئ المُشار إليه. وتشمل هذه الميزانية دعم تطوير أنظمة الدفاع السيبراني القائمة، وتحسين كفاءة الفرق العاملة على حماية شبكات الشركات والمؤسسات الحكومية. بالإضافة إلى ذلك، يتم تطوير شراكات مع شركات التكنولوجيا مثل "مايكروسوفت" لضمان تحقيق التناغم بين أنظمة الشركات العملاقة وبرامج الدفاع الحكومية.4- الكشف عن نقاط ضعف في المؤسسات الأمريكية: دفع تزايد هجمات التجسس السيبراني الصيني، مثل تلك التي قامت بها مجموعة Salt Typhoon، الإدارة الأمريكية إلى اتخاذ خطوات عاجلة لتعزيز الدفاعات السيبرانية. في السياق ذاته، تشير التقارير إلى أن هذه الهجمات تستهدف بشكل خاص الأنظمة التي تتعقب الطلبات الفيدرالية للتنصت، مما يعرض عمليات المراقبة الأمريكية للخطر. ويعتقد أن هذه الاختراقات موجهة أو مدعومة من قبل الحكومة الصينية، ما يعزز الحاجة إلى إنشاء هذا الفريق المتخصص، الذي من شأنه مجابهة الخروقات التي تتعرض لها الأجهزة الأمنية الأمريكية ذاتها.ورغم الجهود المبذولة، لا يزال هناك قلق بشأن قدرة القراصنة الصينيين على الاستمرار في تطوير أساليب اختراق أكثر تعقيداً. وتشير توقعات إلى أن التكاليف المرتبطة بالهجمات السيبرانية عالمياً ستصل إلى 10.5 تريليون دولار بحلول عام 2025، وتظهر الهجمات الأخيرة على شركات الاتصالات الأمريكية مدى التعقيد الذي يمكن أن تصل إليه عمليات القرصنة الصينية، مما يتطلب تعزيزاً مستمراً للأنظمة الدفاعية واستخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.تداعيات واسعةينطوي تشكيل فريق طوارئ سيبراني أمريكي جديد على عدد من التداعيات المتمثلة فيما يلي:1- تعزيز حماية الشركات الكبرى وبياناتها الحساسة: من المتوقع أن يؤدي تشكيل هذا الفريق إلى تعزيز حماية الشركات الكبرى وبياناتها الحساسة، في ظل أن الشركات الأمريكية، خاصة في مجالات التكنولوجيا مثل "مايكروسوفت" و"أمازون"، أصبحت هدفاً رئيسياً للهجمات الصينية.وفي الوقت الذي يتوقع فيه أن يزيد مستوى التعاون بين المؤسسات الفيدرالية المعنية بالأمن السيبراني والشركات الخاصة محل الحماية، فإن هناك تحديات موازية مرتبطة بفكرة مستوى انكشاف هذه الشركات على الجهات الحكومية، وما يحمله ذلك من مخاطر توسيع دائرة القائمين على أعمال الحماية السيبرانية الأكثر خطورة.2- توحيد الجهود بين الوكالات الحكومية: يعمل فريق الطوارئ السيبراني على توحيد جهود وكالات مثل وكالة الأمن السيبراني (CISA)، ومكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI)، والوكالات الاستخباراتية. هذا ومن المتوقع أن يُسهم هذا التنسيق في جعل الاستجابة أكثر فاعلية للأزمات السيبرانية، نتيجة معالجة الفجوات في التنسيق بين الوكالات، مثلما حدث مسبقاً في حالة حادثة اختراق "سولار ويندز" في 2020، حيث أرجع مسؤولو الشركة الفشل في التصدي لهذا الاختراق لبطء التنسيق بين الوكالات المعنية.3- دعم الابتكار في الدفاع السيبراني: لا تسهم الميزانية المخصصة للفريق التي تبلغ 10 مليارات دولار في تطوير تكنولوجيا دفاعية جديدة فحسب، بل قد يشجع هذا المبلغ الضخم على تعزيز الابتكار في مجال الدفاع السيبراني. فعلى سبيل المثال، ستساعد هذه المبالغ على تطوير أنظمة تعتمد على تكنولوجيا التعلم الآلي المتقدمة لرصد التهديدات في الوقت الفعلي، ما يمكن الفريق من منع الهجمات بشكل أسرع وأكثر كفاءة.4- تعزيز الثقة الاقتصادية: يساعد تشكيل الفريق في تعزيز ثقة الأسواق والشركات في قدرة الولايات المتحدة على حماية بياناتها وأصولها الرقمية؛ حيث أضعفت العديد من الهجمات السيبرانية الثقة في الأمن السيبراني الأمريكي، مما أثر سلباً على قيمة الأسهم وعمليات الاستثمار. وبوجود هذا الفريق، من المتوقع أن تزيد الثقة في الحماية المستقبلية، وهو ما يعزز المناخ الاستثماري.5- حماية الشبكات الفيدرالية والبنية التحتية: من المتوقع أن يسهم فريق الطوارئ الجديد في حماية هذه الشبكات الحساسة بشكل أفضل، لضمان عدم تسرب البيانات الحيوية، حيث تستهدف الهجمات الصينية غالباً الشبكات الفيدرالية الأمريكية، مع سعيها للوصول إلى معلومات استخباراتية حساسة. وقد أشار تقرير صادر عن "فاير آي" إلى أن بعض الهجمات تستهدف مباشرة الأنظمة التي تديرها وكالات فيدرالية، مثل وزارة الدفاع، ومن ثمّ فإن اختراقها يمسّ مباشرة الأمن القومي الأمريكي.6- دعم التعاون الدولي في مواجهة التهديدات السيبرانية: يساهم تشكيل هذا الفريق أيضاً في تعزيز التعاون الدولي، حيث تسعى الولايات المتحدة إلى بناء تحالفات مع دول مثل اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا، نظراً لأهمية التعاون السيبراني في مواجهة التهديدات العابرة للحدود. ففي عام 2024، أبرمت اتفاقيات لتعزيز تبادل المعلومات السيبرانية بين هذه الدول، وهو ما سيسهم في التصدي لهجمات أكثر تعقيداً في المستقبل.7- تعديل استراتيجيات خصوم واشنطن: قد يؤدي تشكيل إدارة بايدن لفريق طوارئ سيبراني لمواجهة الهجمات الصينية إلى تعديلات على استراتيجيات الدول المناوئة، حيث قد تسعى هذه الدول لتعزيز تقنيات الاختراق السيبراني الخاص بها لمواكبة الدفاعات الجديدة. فقد تكثف الصين، على سبيل المثال، تطوير قدرات الذكاء الاصطناعي والهجمات السيبرانية المعقدة لتعويض التقدم الأمريكي. كما قد تدفع هذه الخطوة الدول الأخرى مثل روسيا وكوريا الشمالية إلى تحسين تقنيات التسلل والهجمات التخريبية لزيادة الضغوط على البنية التحتية الحيوية الأمريكية وحلفائها.الخلاصة، في ضوء تشكيل إدارة بايدن فريقَ الطوارئ السيبراني لمواجهة الهجمات الصينية، يتضح أن هذه الخطوة تعزز القدرات الدفاعية ضد التهديدات المتزايدة، خاصة في حماية البنية التحتية الحيوية والشركات الكبرى. وتمثل هذه المبادرة خطوة هامة نحو تأمين البيانات الرقمية، لكنها تأتي أيضاً بتحديات مستقبلية. فمن جانب، تعزز الابتكار في الدفاعات السيبرانية وتوفر استجابة أسرع للهجمات. ومن جانب آخر، تواجه التحدي المستمر لتطور تقنيات الهجمات السيبرانية المعقدة، وتفرض تساؤلات هامة حول درجة انكشاف هذه الشركات أمام الوكالات الفيدرالية.

دلالات تشكيل إدارة بايدن فريق طوارئ لمواجهة الاختراقات السيبرانية