ياسمين أيمن

ينظر الرئيس المنتخَب دونالد ترامب إلى الصين باعتبارها المنافس الأول للولايات المتحدة، الذي يجب التصدي له، محذراً – خلال حملته الانتخابية طوال الصيف المنصرم، وبعد فوزه في الانتخابات الرئاسية التي أُجريت في الخامس من نوفمبر 2024 – بأنه يجب تحجيم نفوذ الصين، وردع قوتها العسكرية.وفي السياق ذاته، قيَّمت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون)، خلال تقريرها المنشور في شهر ديسمبر الجاري، القدرات العسكرية الصينية، التي بالرغم من تأكيد التقرير تناميها خلال السنوات الأخيرة، فإنه سلَّط الضوء على بعض العيوب التي تعاني منها القوات الصينية على المستويات اللوجستية والعسكرية.قدرات بكينكشف تقرير وزارة الدفاع الأمريكية، عن مجموعة من الأمور المرتبطة بالقدرات العسكرية الصينية. وفيما يلي يمكن تسليط الضوء على أبرز ما جاء في التقرير:1– خلل في قدرات القوات العسكرية الصينية: أفاد التقرير بأن بكين على الرغم من حجم الإنفاق الكبير الذي توجهه لتطوير وتنمية قدراتها العسكرية على مستويات التسليح، وعلى مستوى تطوير القدرات التكنولوجية وقدرات الردع، فإن ذلك لن يكون كافياً لها للدخول في حرب طويلة المدى، بالنظر إلى وجود نقص في الخبرة المتعلقة بكيفية تقديم الخدمات اللوجستية للقوات على المدى الزمني الطويل من جهة، وعدم قدرة القوات الصينية على التعامل مع الحروب في الأماكن الحضرية من جهة أخرى.2– تنامي القدرات النووية الصينية: أفاد تقرير البنتاجون السنوي، الذي تم تقديمه إلى مشرعي الكونجرس الأمريكي، بأن القدرات النووية الصينية في تنامٍ غير مسبوق، مشيراً إلى أن بكين نجحت في امتلاك ما يزيد عن 600 رأس نووي خلال عام 2024، مع توقعات بتضاعف أعداد الرؤوس النووية بحلول عام 2035، وأن ذلك إنذار خطير لواشنطن التي يجب عليها اللحاق بهذا السباق عن طريق تخصيص المزيد من الموارد المالية لتنمية قدراتها النووية؛ لمواجهة قدرات الردع الصينية التي ستتنامى بشكل أكبر خلال الأعوام القادمة؛ علماً بأن بكين قد أكدت أن واشنطن هي من لا تتحمل مسؤوليتها في وقف سباق التسلح النووي العالمي، وأن عزم الصين على تطوير قدراتها النووية ما هو إلا مسعى من مساعيها المختلفة للحفاظ على أمنها القومي عبر تعزيز قدرات الردع لديها.3– استشراء الفساد داخل المؤسسة العسكرية الصينية: سلط التقرير الضوء على وجود فساد داخل المؤسسة العسكرية الصينية، مرجحاً أن أهداف الصين العسكرية بشأن تطوير القدرات العسكرية والتكنولوجية التي يتم استخدامها في الجيش حتى عام 2027، قد تكون تعطلت في ظل هذا الفساد، مدللاً على وجهة نظره بحملات الإقالة التي وقعت في الجيش الصيني خلال عام 2023؛ حيث تم فصل ما يزيد عن 15 ضابطاً رفيع المستوى ومديراً تنفيذياً في قطاع الدفاع الصيني؛ وذلك خلال الفترة من يوليو حتى ديسمبر 2023، فضلاً عن وقف مسؤول عسكري رفيع المستوى عن عمله، والتحقيق معه خلال شهر نوفمبر 2024 بتهمة ارتكاب "انتهاكات خطيرة لقواعد الانضباط" في الجيش.وقد أثار ما تضمنه التقرير حفيظة الصين، التي خرجت منددةً به من خلال وزارة الخارجية الصينية التي وصفته بأنه "غير مسؤول"، موضحةً أن صدور هذا التقرير في هذا التوقيت وتضمُّنَه تلك المحتويات، يؤكد مساعي الولايات المتحدة للحفاظ على هيمنتها العالمية على المستويات العسكرية. وقال تشانج شياو كانج المتحدث باسم وزارة الدفاع الوطني الصينية إن "التقرير تدخُّل بشكل صارخ في الشؤون الداخلية للصين ... وبالغ فيما يسمى التهديد العسكري الذي تمثله الصين"، موضحاً أن "الولايات المتحدة دأبت على مدار أكثر من 20 عاماً، على نشر مثل هذه التقارير المخادعة والمنافقة عاماً بعد عام حيث تهدف إلى إيجاد ذرائع لتطوير قدراتها العسكرية الخاصة وتضليل الرأي العام.4– تزايد الإنفاق الدفاعي الصيني: أضاف التقرير أن الصين منذ عام 2012 اتجهت نحو زيادة مستويات الإنفاق الدفاعي، واضعةً مجموعة من الأهداف الاستراتيجية نصب أعينها، وهي الأهداف التي يتمثل أبرزها في التأهب للدخول في حرب مع تايوان لغزوها في عام 2027، فضلاً عن القدرة على حماية حدودها في ظل وجود صراعات حدودية مستمرة بينها وبين القوات الهندية في منطقة جبال الهيمالايا، وهي صراعات تتجدد بين الحين والآخر، لكنها توقفت في الوقت الحالي من خلال اتفاق على حل النزاع في أكتوبر 2024.سياسات متوقعةبعد عودة ترامب إلى البيت الأبيض في 20 يناير القادم، تزداد المخاوف من احتمالية توجهه للدخول في حرب مباشرة مع بكين، خاصةً أن تصريحاته وتصريحات مسؤوليه تشير إلى أنه سينتهج سياسات متشددة تجاه بكين على النواحي الاقتصادية، وعلى مستويات الردع العسكرية. وفي هذا الصدد، يمكن تسليط الضوء على السياسات المتوقعة التي قد ينتهجها ترامب مع بكين على المستويات العسكرية أخذاً في الاعتبار تقرير البنتاجون الأخير، وهي السياسات التي تتمثل فيما يلي:1– الحفاظ على اتصال مستمر بين القادة العسكريين الأمريكيين والصينيين: يشير الخبراء العسكريون إلى أنه لن يكون من مصلحة الولايات المتحدة الدخول في حرب طويلة المدى مع بكين، حتى لو دفع الرئيس المنتخب ترامب بذلك؛ علماً بأن الرئيس المنتخب لن يدعم خطوة إقحام واشنطن في حرب طويلة المدى مع بكين بالنظر إلى حجم الخسائر الاقتصادية التي قد تقع على عاتق واشنطن. وبالنظر إلى نظرته وتقييمه للأمور من زاوية رجال الأعمال، وتقييم الأمور من الزاوية الاقتصادية، فإنه سيدعم مسألة الإبقاء على اتصالات مستمرة بين القيادات العسكرية الصينية والأمريكية؛ للحيلولة دون نشوب صراع ووقوع حرب بين البلدين. وهناك بالفعل قنوات اتصال قائمة بين البلدين خلال إدارة جو بايدن، لكن ترامب قد يسعى إلى تغييرها لتكون من صنعه هو. وما يدعم هذا التوجه هو أن الصين تعرب في كل مناسبة عن رغبتها في التعاون وليس الصدام، وهو ما أكدته خلال وثيقة أصدرتها القنصلية الصينية في لوس أنجلوس، قالت خلالها: "إن بكين ستلتزم بالاحترام المتبادل والتعايش السلمي والتعاون المربح للجانبين الأمريكي والصيني".2– زيادة الضغط على حلفاء واشنطن لتعزيز قدراتهم العسكرية: يضغط ترامب على حلفاء الولايات المتحدة داخل حلف شمال الأطلسي (الناتو) وخارجه لزيادة مستويات الإنفاق على الجانب الدفاعي في ميزانياتهم السنوية، مؤكداً أن واشنطن سترفع يدها عن حماية تلك الدول ما لم تتحمل مسؤوليتها المالية، بل ستشجع موسكو على غزو أوروبا إذا لم تنفذ دول الحلف توجيهات ترامب.بيد أنه بالنظر إلى الأهمية المحورية التي تمثلها هذه الدول إلى الولايات المتحدة على مستوى الاستخبارات العسكرية، فإن واشنطن لن تتخلى عنها كلياً؛ وذلك للحيلولة دون السماح لبكين بالتغلغل في أوروبا وغيرها من الدول الحليفة لواشنطن. ويدعم الخبراء العسكريون فكرة مفادها أن ترامب سيزيد الضغوط على تلك الدول لتعزيز قدراتها الدفاعية لتكون قادرة على مواجهة القدرات الصينية هي الأخرى؛ علماً بأن هناك توجهات ترى أن حلفاء واشنطن سيتبعون مبدأ التحوط للموازنة في العلاقات بين القوتين الصينية والأمريكية على غرار ما فعلت سنغافورة منذ عام 2010 – حيث حافظت على علاقتها الاقتصادية مع بكين والعسكرية مع واشنطن – خوفاً من تخلي واشنطن عنهم من الناحية العسكرية.3– الدفع نحو صيغة للتوافق مع بكين على المستوى العسكري: تؤكد بكين أنها لا تسعى إلى الدخول في صدام عسكري مع واشنطن في كل مناسبة، وتؤكد أنها تريد الوصول إلى مستوى علاقات ثنائية عسكرية تتسم بالاستقرار والتعاون. وفي ظل انتقاد إيلون ماسك حليف ترامب والمرشح لتولي إدارة الكفاءة الحكومية، لميزانية وزارة الدفاع الأمريكية، وإشارته إلى وجود إهدار في الأموال، وعدم قدرة وزارة الدفاع على تفسير أوجه تلك النفقات، وكذا قدرة بكين خلال السنوات الماضية، وتحديداً منذ عام 2010، على تخطي محاولات تضييق الخناق عليها من جانب واشنطن التي سعت إلى إقامة شراكات استراتيجية وعلاقات تعاونية مع دول آسيا؛ فإنه لن يكون هناك دعم من جانب الإدارة القادمة لتكبد المزيد من النفقات من أجل الدخول في حرب مباشرة مع الصين؛ ولذلك ستدفع الإدارة نحو تطوير القدرات العسكرية الأمريكية، لكنها لن تميل نحو الدخول في حرب مع بكين. وقد يتجه ترامب نحو إيجاد آلية تُمكِّنه من الحفاظ على تحقيق وعوده بشأن ردع بكين عسكرياً دون الاضطرار إلى الدخول في حرب مباشرة معها.4– تنامي الحرب الباردة بين بكين وواشنطن: بالرغم من أن أعضاء فريق ترامب للأمن القومي والسياسة الخارجية والدفاع – مثل ماركو روبيو المرشح لمنصب وزير الخارجية، وبيت هيجسيث المرشح لمنصب وزير الدفاع – يريدون اتباع نهج متشدد تجاه بكين، فإن التغيرات الجيوسياسية التي وقعت خلال الفترة من عام 2016 حتى عام 2024، ستجعل من الصعب على واشنطن الدخول في حرب مباشرة مع بكين؛ ولذلك من المتوقع خلال الفترة المقبلة أن تشهد الصين والولايات المتحدة استمراراً للحرب الباردة المشتعلة في الأساس بين البلدين؛ فبينما سيتجه ترامب نحو تخفيض أعداد المنح الأمريكية التي يتم تقديمها للطلاب الصينيين للدراسة في الولايات المتحدة، مع عزمه على رفع التعريفات الجمركية على الصناعات والواردات الخام الصينية، سترد عليه بكين بالنهج نفسه.وستستمر حرب التصريحات بين البلدين، التي سيتم إقحام فكرة استقلال تايوان بها، ودعم واشنطن لهذا الاستقلال، واتهام بكين لواشنطن على الجانب الآخر بدعم "الثورات الملونة" في مختلف أنحاء العالم، ورغبتها في بسط هيمنتها على كافة دول العالم من خلال استخدام قوتها العسكرية، حتى لو كان ذلك على حساب تهديد استقرار وسلامة النظام الدولي وقتل المدنيين الأبرياء.حرب أخرىختاماً، يمكن القول إن الرئيس ترامب مع رفعه شعار "أمريكا أولاً"، ورغبته في التركيز بشكل أكبر على قضايا السياسة الداخلية، والنأي بواشنطن عن الدخول في أي حرب جديدة تستنزف مواردها المالية والعسكرية التي تأثرت في الأساس بسبب الحرب الروسية الأوكرانية التي سيحرص ترامب على إنهائها فور دخوله البيت الأبيض؛ لن يسعى إلى الدخول في حرب عسكرية مباشرة مع الصين، ولكن ستستمر الحرب التجارية التكنولوجية الدائرة معها.

كيف سيتعامل الرئيس الأمريكي ترامب مع تنامي قوة بكين العسكرية؟