إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية


        
<p><strong>فشلت الأحزاب السياسية الإيطالية في 25 يناير 2022 لليوم الثاني على التوالي في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وكان البرلمان قد بدأ في الرابع والعشرين من يناير، عملية الانتخاب للبحث عن خليفة للرئيس الحالي سيرجيو ماتاريلا، فيما أعلن رئيس الوزراء الإيطالي السابق سيلفيو برلسكوني، في 22 يناير، انسحابه من هذا السباق الرئاسي، بعد أن أعلن مساعدوه في حزب "فورزا إيطاليا" الذي ينتمي إلى يمين الوسط، عن نيته الترشح للرئاسة الإيطالية. فلقد كان لدى "برلسكوني" خطة جريئة للحصول على الدعم الكافي بين أعضاء البرلمان الإيطالي، لخلافة الرئيس الحالي، لكن تلك الخطة انهارت بعد شهور من المفاوضات العصيبة والتكهنات الجامحة حول المستقبل السياسي للمرشح المنسحب المرتبط ارتباطاً وثيقاً في الغالب بالحفلات الجنسية وفضائح الفساد. وفيما برر برلسكوني انسحابه من السباق الرئاسي بأن إيطاليا تحتاج الآن إلى الوحدة لمكافحة جائحة كوفيد–19 وأنه يريد تجنب أن يثير اسمه الانقسام؛ فإن ثمة عوامل عديدة ساهمت في تضاؤل فرص السياسي الإيطالي البارز، ودفعته إلى محاولة الحصول على نصيب من السلطة عبر لعب دور سياسي جديد.</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">السياق الانتخابي</span></strong></p>



<p><strong>تشهد إيطاليا اقتراع بين المشرعين من أجل انتخاب رئيس جديد للبلاد؛ وذلك في سياق انتخابي يمكن تناول أبرز ملامحه على النحو التالي:</strong></p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– فشل البرلمان ليومين في حسم منصب الرئيس: </strong>لم تنجح محاولات البرلمان في 25 يناير الجاري، في اختيار رئيس جديد للبلاد. وكان البرلمان الإيطالي قد بدأ في 24 يناير الجاري انتخاب رئيس جديد للبلاد، ليخلف الرئيس الحالي سيرجيو ماتاريلا. ومن المقرر أن يدلي نحو 1009 أعضاء من مجلسي النواب والشيوخ، بالإضافة إلى ممثلين عن المناطق والأقاليم التي لديها حكم ذاتي، بأصواتهم في تلك الانتخابات. ويشترط لفوز المرشح حصوله على أغلبية الثلثين، خلال أول ثلاث جولات من التصويت، وبعد ذلك تكون الأغلبية المطلقة (50%+1) كافية، كما أنه لا يمكن للمشرعين إجراء سوى تصويت واحد في اليوم، وهو ما يجعل إمكانية معرفة الفائز في اليوم الأول من التصويت أمراً صعباً. ومن المتوقع عدم إعلان الرئيس الجديد لإيطاليا قبل 27 يناير الجاري.</p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– اقتراب نهاية ولاية الرئيس الإيطالي الحالي: </strong>تقترب فترة ولاية الرئيس الإيطالي الحالي سيرجيو ماتاريلا، التي استمرت سبع سنوات، من نهايتها، وهو ما يطرح ضرورة الاستعداد لانتخاب رئيس جديد للبلاد؛ حيث بدأ الناخبون الإيطاليون عملية التصويت لاختيار رئيس الدولة المقبل، ووُضعت الاستراتيجية التي سيتم اعتمادها خلال جولة التصويت الأولى، بينما لا يزال النقاش مستمراً حول أسماء المرشحين.</p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3–</strong> <strong>انتخاب غير مباشر للرئيس في إيطاليا: </strong>يتم انتخاب الرئيس الإيطالي من قِبل أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب في البرلمان وعدد من النواب المحليين، عن طريق الاقتراع السري؛ أي أنه بدلاً من التسابق العلني على المنصب، يتم اختيار المرشحين من خلال مفاوضات غامضة بين الأحزاب. ولكن، عادةً ما يبقى أولئك الذين يطمحون إلى الحصول على المنصب، بعيدين عن الأنظار ويتجنبون التحدث صراحةً عن طموحاتهم.</p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4– الإعلان عن ترشُّح "برلسكوني" للرئاسة: </strong>كسر رئيس الوزراء السابق سيلفيو برلسكوني، هذه المرة، جميع الأعراف التقليدية للانتخابات الإيطالية، من خلال إعلان مساعديه في حزب "فورزا إيطاليا" الذي ينتمي إلى يمين الوسط، عن نيته الترشح للرئاسة؛ حيث عمل مساعدو "برلسكوني" على إقناع المستقلين بدعمه في الانتخابات. وقبل أشهر، وبشيء من الجرأة المعتادة، بدأ فريق "برلسكوني" في استدعاء أعضاء البرلمان لإشراكهم وحشدهم في الجهود الانتخابية؛ حيث تم إرسال كُتيبات حملة "برلسكوني" الانتخابية إلى كل ناخب، ومنهم ممثلو "الحزب الديمقراطي" المنافس. وقد عرض فريق المرشح الرئاسي على أحد أعضاء البرلمان أموالاً مقابل تصويته لبرلسكوني، حسبما ذكرت صحيفة "الحقيقة اليومية Il Fatto Quotidiano" الإيطالية، وهو الأمر الذي لم يُقابَل بالمفاجأة أو الاستغراب، بالنظر إلى أن "سيلفيو برلسكوني" قد أُدين بالجريمة نفسها في عام 2015.</p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">انسحاب مبكر</span></strong></p>



<p><strong>مع إعلان رئيس الوزراء الإيطالي السابق سيلفيو برلسكوني، قبل يومين من بدء الاقتراع الانتخابي، انسحابه من السباق الرئاسي في إيطاليا، فإن هناك عدة عوامل يمكن عبرها فهم دوافع هذا القرار، ومنها:</strong></p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– ادِّعاء تجنُّب إثارة الانقسام في الداخل:</strong> انسحب رئيس الوزراء الإيطالي السابق سيلفيو برلسكوني، في 22 يناير الجاري، من الترشح للرئاسة الإيطالية قبل وقت قصير من بدء التصويت؛ حيث أعلن قراره في بيان بعدما عقد حزبه "فورزا إيطاليا" اجتماعاً افتراضياً في اليوم ذاته مع "ماتيو سالفيني" زعيم حزب الرابطة المناهض للمهاجرين، و"جيورجيا ميلوني" زعيمة حزب "إخوة إيطاليا" اليميني المتطرف. وبرر المرشح الرئاسي قراره بأن إيطاليا تحتاج اليوم إلى الوحدة لمكافحة جائحة فيروس كوفيد–19، وأنه يريد تجنُّب إثارة الانقسام.</p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– تأثير تاريخ برلكسوني على فرصه السياسية:</strong> لفترة قصيرة، بدا أن حلم برلسكوني أصبح خياراً شبه قابل للتطبيق، وبدأ المراقبون يأخذون محاولته للوصول إلى المقعد الرئاسي على محمل الجد، ويراقبون المؤيدين المحتملين في البرلمان. ولكن في نهاية المطاف، فشل "برلسكوني" في الحصول على أصوات كافية، وفقاً لأحد مساعديه المكلفين بإقناع النواب بدعمه. <strong>و</strong>على مدار ما يقرب من 20 عاماً قضاها المرشح الرئاسي على قمة السياسة الإيطالية، اتسمت مسيرة "برلسكوني" السياسية بالفضائح الجنسية التي تم الإبلاغ عنها على نطاق واسع، وتضارب المصالح، وإساءة استخدام السلطة؛ حيث يُعتبر أن "برلسكوني" يمثل –على نطاق واسع في إيطاليا– كل ما كان خطأ في البلاد.  كذلك وخلال أحلك أيام أزمة الديون السيادية الأوروبية في عام 2011، اضطر "سيلفيو برلسكوني" إلى الاستقالة من منصب رئيس الوزراء تحت ضغط من البنك المركزي الأوروبي؛ حيث أدت الاضطرابات إلى مزيد من عدم الاستقرار المالي في إيطاليا، وحلَّ مكانَ "برلسكوني" مفوض الاتحاد الأوروبي السابق ماريو مونتي الذي تم تكليف حكومته التكنوقراطية بتنفيذ الإصلاحات الهيكلية، التي فشلت فيها الإدارات السابقة خلال السنوات الخمس عشرة الماضية.</p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3– استبعاد برلماني سابق بسبب التهرب الضريبي: </strong>بعد استقالة "سيلفيو برلسكوني" من رئاسة الحكومة الإيطالية، كان هناك شعور عارم بأن البلاد قد تخلصت أخيراً من أسوأ زعيم لها، منذ الدكتاتور بينيتو موسوليني. ولكن استمر "برلسكوني" في شغل مقعد برلماني حتى عام 2013، عندما أطيح به بعد إدانته بتهمة الاحتيال الضريبي، وهي الإطاحة التي أشاد بها منتقدوه باعتبارها تنفيساً سياسياً، على الرغم من استمرار "برلسكوني" في العمل السياسي زعيمًا لحزب "فورزا إيطاليا". ويشير التاريخ السياسي لبرلسكوني إلى أنه في كل مرة ينسحب فيها من الحياة السياسية، يعود مرة أخرى إلى الساحة عقب انسحابه؛ فبعد أن أدرك رئيس الوزراء السابق صعوبة وصوله إلى رئاسة الجمهورية، فإن برلسكوني يعمل الآن على الاحتفاظ ببعض السلطة، من خلال لعب دور "صانع الرؤساء" ومحاولة جعل نفسه وثيق الصلة بالمفاوضات المعقدة لانتخاب رئيس الدولة المقبل. فلعقود من الزمان، كان يتم اختيار الرئيس من قبل شخصيات يسار الوسط. ومن ثم، فإذا انتهى الأمر بالبرلمان الإيطالي إلى انتخاب شخص أيده برلسكوني، فسيكون ذلك انتصاراً تاريخياً له قد يُمكنه من تغيير التوازن السياسي في البلاد.</p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4– اتهامات بالتورط في ظهور اليمين المتطرف:</strong> يُنظر إلى برلسكوني في الداخل الإيطالي باعتباره متورطاً في ظهور اليمين المتطرف في البلاد؛ إذ تشير العديد من التقديرات إلى أن برلسكوني مسؤول بشكل مباشر عن حلفائه اليمينيين، مثل سالفيني وميلوني، كما أنه تسبب في منع ظهور جيل جديد من السياسيين، وهو ما أدى إلى ظهور قادة اليمين المتطرف، كذلك فقد ظهرت حركة النجوم الخمسة في الأصل كرد فعل على سياسات برلسكوني.</p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>ختاماً، ليس من الواضح حالياً من سيكون الرئيس الإيطالي المقبل، وإن كان رئيس الوزراء الحالي ماريو دراجي، يعتبر هو الأوفر حظاً؛ حيث ظل "دراجي" غامضاً عن قصد، بشأن ما إذا كان مهتماً بالرئاسة أو يُفضل بدلاً من ذلك الاستمرار في قيادة الحكومة الحالية، وفي المقابل فإن انسحاب برلسكوني من الانتخابات الرئاسية يعكس إدراك متأخر لتراجع حظوظه السياسية المباشرة في اقتناص منصب الرئاسة، دون أن ينفي ذلك رحيل الرجل بشكل كُلّي عن المشهد السياسي الإيطالي خلال المرحلة المقبلة.</strong></p>

      

لماذا انسحب "برلسكوني" من الانتخابات الرئاسية الإيطالية؟