د. محمد عباس ناجي


        
<p>عقد وزراء خارجية دول جوار أفغانستان (طاجاكستان، أوزبكستان، كازاخستان، باكستان، إيران، الصين)، إضافة إلى روسيا؛ اجتماعهم الثاني على مستوى وزراء الخارجية في طهران، في 27 أكتوبر 2021، برئاسة محمد مخبر؛ نائب الرئيس الإيراني، بعدما عُقد الاجتماع الأول بباكستان، في 8 سبتمبر الفائت، لمناقشة التطورات السياسية والميدانية التي تجري على الساحة الأفغانية، عقب سيطرة حركة "طالبان" على الحكم في منتصف أغسطس 2021.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>في الواقع، يمكن القول إن إيران تسعى، عبر المشاركة في تلك الفعاليات واستضافة بعضها، إلى تحقيق أهداف عديدة، يتمثل أبرزها فيما يلي:</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– السعي إلى ممارسة ضغوط على حركة "طالبان": </strong>تُبدي إيران قلقاً واضحاً من السياسة التي تبنتها حركة "طالبان" منذ وصولها إلى السلطة مجدداً في منتصف أغسطس 2021؛ فرغم التفاهمات التي توصل إليها الطرفان خلال الفترة الماضية، فإن ذلك لا يبدو أنه وصل إلى مستوى التنسيق السياسي فيما يتعلق بما يمكن أن تتبناه الحركة من سياسة عقب وصولها إلى الحكم. ومن هنا، فوجئت إيران بإصرار الحركة على الانفراد بالحكم وإدارة شؤون الدولة؛ إذ كانت هناك تصورات في طهران بأن حرص الحركة على توجيه رسائل طمأنة إلى الأطراف الداخلية والقوى الإقليمية والدولية المعنية بالملف الأفغاني، سوف يدفعها إلى إشراك المكونات المجتمعية الأخرى في السلطة، إلا أن الحركة استبعدت مجمل تلك الأطراف، وأصرت على إخضاع كل أقاليم الدولة لسيطرتها.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وهذا قد يفسر اهتمام إيران بمتابعة معارك إقليم بانشير بين حركة طالبان وجبهة الخلاص الوطني، التي قادها أحمد مسعود؛ حيث يضم الإقليم قومية الطاجيك ثاني أكبر قومية في أفغانستان، وهي من أصول إيرانية؛ حيث اعتبرت إيران أن نتائج هذه المعارك سوف تحدد إلى درجة كبيرة مدى قدرة الحركة على تطبيق سياستها بإخضاع كامل أقاليم الدولة لسيطرتها واستبعاد القوى الأخرى من السلطة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وعندما نجحت "طالبان" في السيطرة على إقليم بانشير، بدأت إيران تبحث عن خيارات أخرى للتعامل مع تلك التطورات الميدانية لتفادي مواجهة مأزق "البدائل المحدودة" الذي واجهته عام 1998 عندما كادت تنخرط في حرب مباشرة ضد "طالبان" بسبب اغتيال بعض دبلوماسييها في مدينة مزار شريف. ومن ثم، كان الخيار هو رفع مستوى التنسيق مع دول الجوار؛ من أجل ممارسة أعلى مستوى من الضغوط على حركة "طالبان" لتغيير سياستها الداخلية بإعادة إدماج أطراف ومكونات أخرى داخل السلطة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>ومن هنا، اعتبر وزير الخارجية الإيراني؛ حسين أمير عبد اللهيان، خلال لقائه نظيره الباكستاني شاه محمود قريشي، في 26 أكتوبر الجاري، أن تشكيل حكومة شاملة بمشاركة جميع القوميات في أفغانستان هو السبيل السياسي الأهم أمام الجميع، مؤكداً مواصلة إيران اتصالاتها بجميع الأطراف في أفغانستان كما في السابق.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– رفع مستوى التنسيق الأمني مع دول الجوار الأفغاني:</strong> لا تستبعد طهران عودة التنظيمات الإرهابية إلى توسيع نطاق نشاطها مجدداً داخل أفغانستان في المرحلة القادمة، رغم توجيه حركة طالبان رسائل طمأنة في هذا السياق. وهنا، فإن إيران ترى أنها قد تكون أحد الأطراف المستهدفة من جانب تلك التنظيمات. وقد ادعت طهران، في الفترة الماضية، أنها سعت إلى محاربة تلك التنظيمات في سوريا قبل أن تصل إلى أراضيها أو أراضي دول الجوار، عبر المشاركة في العمليات العسكرية بجانب النظام السوري، والميليشيات التي قامت بتكوينها وتدريبها في الفترة الماضية. ومن هنا، فإن إيران تسعى إلى رفع مستوى التنسيق على الصعيد الأمني مع دول الجوار، لا سيما باكستان؛ لتقليص احتمالات تعرضها لعمليات إرهابية من جانب تلك التنظيمات خلال المرحلة القادمة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>ويبدو في هذا السياق، أن إيران تمنح أولوية خاصة للتنسيق الأمني مع باكستان تحديداً؛ من أجل دفعها لمنع أي عمليات إرهابية قد تنطلق من أراضيها؛ حيث سبق أن اتهمت طهران السلطات الباكستانية بالتغاضي عن الأنشطة التي تقوم بها بعض الجماعات المسلحة التي تنتمي إلى القوميات العرقية الإيرانية، مثل جماعة جيش العدل.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3– زيادة التعاون الاقتصادي مع دول آسيا الوسطى:</strong> تسعى إيران خلال المرحلة الحالية إلى توسيع نطاق العلاقات الاقتصادية مع دول آسيا الوسطى. وفي هذا السياق وقَّعت منظمة تنمية التجارة الإيرانية وشركة بحر الخزر الملاحية، في 14 أكتوبر 2021، على اتفاق لتسيير 6 خطوط بحرية مع كازاخستان وروسيا في بحر قزوين بصورة منتظمة، يقضي بتشغيل 6 خطوط بين موانئ شمال إيران وميناءي أستراخان وماخاج قلعة في روسيا، وميناء أكتاو في كازاخستان، اعتباراً من 21 أكتوبر 2021. ويتوقع أن تزداد تلك الخطوط إلى ثمانية خلال الشهور القادمة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وقد كان لافتاً، في السياق ذاته، أن تقديرات إيرانية عديدة أشارت إلى ارتفاع معدل التبادل التجاري مع بعض دول تلك المنطقة؛ فقد قال روح الله لطيفي المتحدث باسم مصلحة الجمارك الإيرانية، في 24 أكتوبر 2021، إن حجم التبادل التجاري بين إيران وأعضاء منظمة شانجهاي للتعاون سجَّل أكثر من 387.26 مليون طن من السلع في النصف الأول من السنة المالية الإيرانية التي بدأت في 21 مارس الماضي حتى 20 سبتمبر الفائت.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>كما أشار لطيفي، قبل ذلك في 19 أكتوبر 2021، إلى تسجيل حجم التبادل التجاري مع دول أعضاء منظمة التعاون الاقتصادي "إيكو" 3.15 مليون طن بقيمة 255.7 مليار دولار في النصف الأول من السنة المالية الجارية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4– انتقال الثقل الاستراتيجي إلى آسيا الوسطى:</strong> تتابع إيران التحركات الدولية الحالية بدقة، وتحاول تقييم تداعياتها على مصالحها وموقعها في التوازنات الدولية. وفي رؤيتها، فإن الثقل الاستراتيجي ينتقل تدريجيّاً من منطقة الشرق الأوسط، إلى وسط آسيا والقوقاز، فضلاً عن منطقة التقاء المحيطين الهادئ والهندي "إندو–باسيفيك". ومن هنا، فإنها تعتبر أن أي تأخر في الانخراط في التفاعلات التي تجري في هذه المنطقة، قد لا يتوافق مع مصالحها وأمنها القومي، لا سيما في ظل تزايد مخاوفها من اتجاه بعض القوى المناوئة لها –على غرار إسرائيل– إلى تعزيز موقعها في هذه المنطقة، وهو ما يبدو جليّاً في التصعيد الأخير بين إيران وأذربيجان الذي لم تكن إسرائيل بعيدة عنه.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>5– محاولة للرد على الضغوط والعقوبات الأمريكية: </strong>لم تعد إيران تعول كثيرًا على العوائد التي يمكن أن تحصل عليها في حالة الوصول إلى صفقة جديدة في مفاوضات فيينا التي تجريها مع قوى "4+1" بمشاركة أمريكية غير مباشرة. وقد بدأت واشنطن تدرك ذلك، كما باتت ترى أن إيران تماطل في استئناف المفاوضات بالتوازي مع تصعيد نشاطها النووي على نحو مثير للقلق. ومن هنا، بدأت في الحديث عن خيارات أخرى قد تلجأ إليها في حالة عدم استئناف المفاوضات أو وصول الاتفاق النووي إلى مرحلة يصعب معها الاستمرار في تطبيقه. ومن هنا، باتت إيران ترى أن توسيع نطاق العلاقات مع دول الجوار يمثل خياراً استراتيجيّاً بالنسبة إليها، أيّاً كان المسار الذي سوف تنتهي إليه المفاوضات في فيينا.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>وختاماً، يبدو أن رفع مستوى التعاون مع دول آسيا الوسطى خلال المرحلة القادمة، سوف يكون توجه أساسي في السياسة الخارجية الإيرانية في عهد الرئيس إبراهيم رئيسي، على نحو يوحي بأن إيران سوف تسعى خلال المرحلة القادمة إلى تعزيز دورها في تلك المنطقة، وربما تفكر، في هذه اللحظة، في الأدوات التي سوف تستند إليها في هذا السياق، على غرار الميليشيات التي استخدمتها في الصراع السوري، وينتمي بعضها إلى دول في تلك المنطقة.</strong><strong></strong></p>

      

دلالات استضافة إيران اجتماع دول جوار أفغانستان