عرض: إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

يكتسب كتاب "الحرب" أهميته من اعتبارين رئيسيين، أولهما مؤلف الكتاب وهو بوب ودورد، وهو صحفي استقصائي ومؤلف أمريكي مرموق، اشتهر بعمله في صحيفة "واشنطن بوست" ودوره في كشف فضيحة ووترجيت في السبعينيات، إلى جانب كارل بيرنشتاين. وقد أكسبه هذا التحقيق الرائد في الأنشطة غير القانونية لإدارة نيكسون استحساناً واسع النطاق وجائزة بوليتزر، مما عزز مكانته كواحد من أكثر المراسلين تأثيراً في التاريخ الحديث. ويرتبط الاعتبار الثاني بطبيعة الموضوعات المطروحة في الكتاب؛ حيث يناقش الكتاب تعامل بايدن وفريقه للأمن القومي مع الأزمات الدولية، من الانسحاب من أفغانستان إلى حرب أوكرانيا مروراً بحرب غزة ووصولاً إلى "الحرب السياسية داخل الولايات المتحدة وانتخابات 2024". وبحسب الكتاب، فقد ساهمت الولايات المتحدة بدور فعال في دعم أوكرانيا في مواجهة روسيا، كما التزمت بضمان أمن إسرائيل ضد تهديدات حزب الله وحماس وإيران.

كما لفت الكتاب الانتباه إلى الخلافات التي برزت على السطح بين نتنياهو وبايدن بخصوص توسيع العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد المدنيين في غزة ولبنان، دون إجراءات تهدف لحماية الأطفال والنساء في الضربات الإسرائيلية، كما أقدمت إدارة بايدن على الضغط على نتنياهو لمنع توسيع الحرب منعاً لتورط واشنطن في التدخل عسكرياً في الشرق الأوسط. وافترض الكتاب أن الحرب في غزة أعادت تأكيد أهمية منطقة الشرق الأوسط بالنسبة لواشنطن، كما سعت الولايات المتحدة إلى دعم علاقاتها مع دول المنطقة.

تحركات ترامب

يشير الكتاب إلى أن الرئيس الأمريكي السابق سعى إلى تعزيز نفوذه الداخلي خلال السنوات الماضية، وذلك بالرغم من الإشكاليات التي نجمت عن هذه السياسات بالنسبة لواشنطن. وبوجه عام، يمكن تناول أهم هذه التحركات على النحو التالي:

1- الإشارة إلى مسؤولية "ترامب" عن أحداث مبنى "الكابيتول": أشار الكتاب إلى مسؤولية "ترامب" بشأن أحداث الكابيتول؛ حيث كان الرئيس السابق - بحسب ودورد - شاهداً على اقتحام أنصاره مبنى الكابيتول، بسبب رفضهم فوز بايدن في انتخابات 2020. وتناول الكتاب تفاصيل الأزمة حيث حاول زعيم الأقلية الجمهورية حينها في مجلس النواب "كيفن مكارثي" الاتصال بالبيت الأبيض عدة مرات، وطلب من مساعديه ربطه بـ"ترامب" لحث أنصاره على التوقف بعد أن تم نقل "مكارثي"، ورئيسة مجلس النواب آنذاك "نانسي بيلوسي"، وزعماء الكونجرس، إلى "فورت ماكنير"، وهو موقع للجيش الأمريكي على بعد بضعة مبانٍ من ملعب "واشنطن ناشيونالز" للبيسبول، لكن موظفيهم كانوا لا يزالون هناك مختبئين في أماكن مختلفة. وكان من بين مثيري الشغب زعماء الجماعات اليمينية المتطرفة المؤيدة لـ"ترامب"، بالإضافة إلى منظري المؤامرة من مجموعات مثل QAnon"".

2- عدم إدراك "ترامب" لخطورة الموقف إبّان أحداث "الكابيتول": قدر مكتب التحقيقات الفيدرالي أن أكثر من 2000 شخص دخلوا مبنى الكابيتول، حيث توفي 5 أشخاص، وأصيب 172 من رجال الشرطة، وأُلقي القبض على أكثر من 500، وتجاوزت تكلفة الأضرار التي لحقت بمبنى "الكابيتول" التاريخي 2.7 مليون دولار، واستغرق الأمر من "ترامب" حينها 187 دقيقة لنشر تغريدة يطلب من أنصاره فيها العودة إلى ديارهم. وفي 13 فبراير 2021 تمت تبرئة "ترامب" في مجلس الشيوخ، ففي حين صوتت أغلبية أعضاء المجلس، بما في ذلك 7 جمهوريين، لإدانة الرئيس السابق؛ إلا أنهم فشلوا في الوصول إلى الثلثين اللازمين للإدانة.

3- قدرة "دونالد ترامب" على فرض نفسه على مشهد الانتخابات الرئاسية 2024: أورد الكاتب ما اعتبره زيادة في التكهنات بشأن خطط "دونالد ترامب" للترشح للرئاسة مرة أخرى في عام 2024، بحلول نهاية عام 2021، حيث استمر "ترامب" في فرض نفوذه القوي على السياسة الجمهورية، وكان العديد من أعضاء الحزب متلهفين لإعلانه عن حملته الرئاسية الجديدة.

وبالرغم من شعبيته الواسعة، واجه "ترامب" عدة تحديات قد تعرقل نجاح حملته لعام 2024، بما في ذلك المعارك القانونية المستمرة والانقسام الداخلي في الحزب الجمهوري. ومع ذلك، ظل نفوذه على قاعدة الحزب قوياً، حيث لا تزال تجمعاته الجماهيرية تستقطب أعداداً كبيرة من المؤيدين، وعلى غرار ذلك وجد قادة الحزب الجمهوري أنفسهم في موقف حرج بين ضرورة الاحتفاظ بدعم قاعدة "ترامب" الجماهيرية، ومحاولة الابتعاد عن بعض أفعاله المثيرة للجدل، ولا سيما تمرد 6 يناير بينما كان هدف ترامب واضحاً وهو الانتقام لهزيمته في انتخابات 2020، حيث واصل الترويج لفكرة أن الانتخابات سُرقت منه، وصاغ حملته المحتملة على أنها معركة لاستعادة "العظمة الأمريكية" وفقاً لرؤيته، مما عزز قبضته على الحزب الجمهوري.

4- تصاعد الجدل حول فرص "ترامب" في الفوز بالانتخابات الرئاسية 2024: بدأ "ترامب" في أواخر يناير 2022، في إحياء فكرة الترشح مرة أخرى للرئاسة خلال محادثاته مع السيناتور "ليندسي جراهام"، واضعاً استراتيجية للتعامل مع نقاط الضعف المحتملة لدى "بايدن"، حيث أراد "ترامب" أن يظهر بمظهر القوة والهدوء، معتقداً أن هذه الاستراتيجية ستعطيه الأفضلية في المنافسة، وشجع السيناتور "ليندسي جراهام" ترامب على الترشح للرئاسة مرة أخرى، ودفع بفكرة أن الفوز في عام 2024 سيسمح لترامب بإعادة كتابة إرثه.

ويشير ترامب إلى أنه "حقق 90 بالمائة من النجاح"، لكنه يعرب عن مخاوفه بشأن العواقب التجارية والمالية المترتبة على الترشح، وذكر الكتاب أن جراهام أكد أن الفصل الثاني لترامب في السياسة قد يكون تاريخياً إذا فاز، مما يمكنه من إعادة صياغة السرد حول الترامبية وجعلها حركة سياسية دائمة. ومع ذلك، يحذر جراهام ترامب من أن التركيز المستمر على انتخابات 2020 من شأنه أن يُنفر الناخبين في المستقبل.

تحديات الداخل

تناول "ودورد" في الكتاب تزايد التحديات السياسية الداخلية في الولايات المتحدة، والتي تتبلور ملامحها فيما يلي:

1- تزايد النزعة العدائية ووجود تهديدات لرموز سياسية أمريكية: مع مواجهة ترامب لقضايا قضائية متعددة، أصبحت لغته أكثر تقلباً وعدوانية. وفي هذا السياق، واجه الجنرال المتقاعد مارك ميلي، الذي لعب دوراً رئيسياً في الحفاظ على النظام الدستوري خلال رئاسة ترامب، تهديدات بالقتل تُعزَى - إلى حد كبير- إلى خطاب ترامب التحريضي. فقد فكر ترامب في استدعاء ميلي وضباط عسكريين متقاعدين آخرين لمحاكمتهم عسكرياً بتهمة الخيانة. وفي المقابل، اتخذ ميلي احتياطات شخصية، بما في ذلك تركيب نوافذ واقية من الرصاص، لحماية نفسه من هذه التهديدات.

2- الترويج لبعض الإخفاقات الخارجية في عهد بايدن: يواجه الديمقراطيون بعض التحديات في الانتخابات القادمة وخاصة مع استدعاء بعض الإخفاقات الخارجية لإدارة بايدن، من وجهة نظر الكثيرين داخل الولايات المتحدة. ومن النماذج التي يطرحها الكتاب هنا، ملف الانسحاب الأمريكي من أفغانستان. وبحسب "ودورد" تحول انسحاب إدارة "بايدن" من أفغانستان إلى فوضى، ففي يوليو 2021 انسحبت القوات الأمريكية المتبقية سراً من قاعدة "باغرام" الجوية، مما ترك السفارة الأمريكية في كابول لا تزال تعمل مع أكثر من 1400 أمريكي يحميهم 650 من مشاة البحرية والجنود فقط، وفي الشهر نفسه سقطت كابول وسيطر مقاتلو طالبان على القصر، واحتشد الآلاف من المدنيين الأفغان على مدرج مطار كابول الدولي.

وفي 26 أغسطس 2021، أسفر تفجير انتحاري نفذه تنظيم "داعش" في "آبي جيت" على مشارف المطار عن مقتل أكثر من 170 شخصاً، من بينهم 13 من أفراد الخدمة الأمريكية. وفي 29 من الشهر نفسه، نفّذت الولايات المتحدة غارة بطائرة بدون طيار في كابول استهدفت عميلاً مشتبهاً به من "داعش"، مما أثار انتقادات واسعة بسبب سوء إدارة عملية الانسحاب حيث دعا "ترامب" "بايدن" إلى الاستقالة بسبب ما سمح بحدوثه في أفغانستان.

3- تأثير محاولات اغتيال ترامب: في 13 يوليو 2024، أطلق مسلح النار خلال تجمع انتخابي لترامب، مما أدى إلى إصابة ترامب ومقتل أحد المتفرجين. هز الحدث المشهد السياسي وأثار مخاوف أمنية للمرشحين. وعلى الرغم من إصابته، قلل ترامب من أهمية الحادث، وعاد بسرعة إلى مسار الحملة، على الرغم من أن الحدث أثر عليه بشكل واضح. وقد أدت محاولة الاغتيال إلى إعادة تقييم تركيز الحملة، حيث خفف ترامب من خطابه مؤقتاً قبل العودة إلى أسلوبه العدواني.

4- تصاعد المخاوف من أزمة الحدود الجنوبية: في الفترة التي سبقت انتخابات 2024، أكد السيناتور ليندسي جراهام والرئيس السابق ترامب على نقاط الضعف المتعلقة بالأمن القومي، وخاصة المخاوف من الهجمات الإرهابية وأزمة الحدود الجنوبية المستمرة. وقد صعّد ترامب من خطابه، مدعياً أن الشباب من الدول المعادية كانوا يعبرون الحدود الجنوبية، واعتبر ذلك تهديداً وشيكاً للأمن القومي.

5- تزايد تهديدات داعش-خراسان: أفاد مدير وكالة المخابرات المركزية وليام بيرنز بأن داعش-خراسان كانت تخطط بنشاط لشن هجمات إرهابية على الأراضي الأمريكية، مما أثار مخاوف بشأن احتمال اندلاع أعمال عنف قبل انتخابات عام 2024. ويشير الكتاب إلى أن المؤامرات العنيفة المرتبطة بداعش-خراسان قد تم إحباطها بالفعل في العديد من الدول الأوروبية، مما يشير إلى الانتشار العالمي المتزايد للمجموعة.

حرب أوكرانيا

تطرق الكتاب إلى ملامح التفاعل الأمريكي مع الحرب الأوكرانية وذلك على النحو التالي:

1- الضغط المسبق على موسكو لإيقاف خطط الهجوم العسكري: ففي الشهر الثالث من رئاسة "بايدن" في إبريل 2021، كان مستشار الأمن القومي "جيك سوليفان" يُناقش مع "بايدن" ما لاحظته الإدارة الأمريكية من صور الأقمار الصناعية التي أظهرت 110 آلاف جندي روسي غير مسبوق يحتشدون على حدود أوكرانيا، وصور نقل الدبابات والمدفعية والصواريخ وسفن الإنزال البحرية الروسية إلى شبه جزيرة القرم، على الساحل الشمالي للبحر الأسود، وعلى طول الحدود البرية بين روسيا وأوكرانيا، والشكل الذي ينبغي أن تبدو عليه سياسة الإدارة تجاه روسيا والتي يرغب "بايدن" أن تكون مستقرة ويمكن التنبؤ بها.

وفي هذا الصدد، حذرت واشنطن موسكو من الإقدام على مهاجمة أوكرانيا. فعلى سبيل المثال، اتصل "بايدن"، في 13 إبريل 2021، بالرئيس بوتين وأكد على التزام الولايات المتحدة بسيادة أوكرانيا وحذر "بوتين" من بدء توغل عسكري جديد في أوكرانيا.

2- كشف الاستخبارات الأمريكية الاستباقي عن خطة "بوتين" للهجوم على أوكرانيا: ألقى الكتاب الضوء على الفترة التي سبقت هجوم روسيا على أوكرانيا، وذلك عندما حصلت واشنطن على تقارير استخباراتية في شهر أكتوبر عام 2021 تثبت نية موسكو "غزو" كييف باستخدام 175 ألف جندي. ومن جانبه، اتفق الرئيس الأمريكي "جو بايدن" ومستشاروه على أن الخطة كانت "جدية" للغاية، وفي هذه الأثناء ذكر مؤلف الكتاب "بوب ودورد" أنه "كان الأمر كما لو أنهم دخلوا سراً إلى خيمة قائد العدو، وكانوا يتأملون الخرائط، ويتفحصون عدد وحركة الألوية، والتسلسل المخطط بالكامل لغزو روسيا لأوكرانيا"، مضيفاً أن "هذه كانت ضربة استخباراتية مذهلة من أجهزة الاستخبارات الأمريكية، بما في ذلك وجود مصدر بشري داخل الكرملين". وأشار "ودورد" إلى أن مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية "ويليام بيرنز"، كشف لـ"بايدن" "ما يخطط بوتين للقيام به في أوكرانيا"، وهو ما جعل "بايدن" يقول إن "هذا سيكون جنوناً للغاية"، مضيفاً: "الآن عليّ أن أتعامل مع ابتلاع روسيا لأوكرانيا".

3- تحذير واشنطن كييف من هجوم روسي وشيك: أرسل "بايدن" مدير وكالة المخابرات المركزية "بيرنز" للقاء الرئيس الأوكراني "زيلينسكي"، محذراً إياه من غزو روسي وشيك وشامل، والذي يتضمن تهديدات بالاغتيال وخطط للاستيلاء العسكري، كما حذر "بيرنز" من نية روسيا استخدام مطار "هوستوميل" شمال غرب كييف كمنصة لشن الهجوم. ورغم خطورة التحذيرات، أعرب "زيلينسكي" عن قلقه من أن التنبؤات العلنية الأمريكية قد تؤثر سلباً على الاقتصاد الأوكراني، متشككاً بشأن إمكانية تنفيذ روسيا لهذه الخطة بالكامل، مستنداً إلى المحادثات الخاصة مع القادة الأوروبيين والادعاءات الروسية بعدم وجود نية للغزو.

4- تأكيد "بايدن" عدم إرسال قوات أمريكية إلى أوكرانيا: أكد الرئيس "بايدن" علناً في 8 ديسمبر 2021 أن الولايات المتحدة لن ترسل قوات إلى أوكرانيا في حالة الغزو الروسي، موضحاً أن الالتزام الأمريكي تجاه حلفاء الناتو بموجب المادة 5 لا ينطبق على أوكرانيا التي ليست عضواً في الحلف، حيث فضل "بايدن" الشفافية لتجنب ضغط محتمل لإرسال قوات بعد بدء الحرب، واستند هذا القرار إلى تجاربه السابقة مع حروب مثل فيتنام وأفغانستان.

ووعد "بايدن" بتقديم أسلحة ودعم للجيش الأوكراني لمساعدته في الدفاع عن نفسه، حيث تعهدت الولايات المتحدة بتقديم أكثر من 2.5 مليار دولار من المساعدات الأمنية لأوكرانيا بما في ذلك التدريب المتخصص من قبل القوات الأمريكية والبريطانية؛ إلا أنه كان حذراً في نوعية الأسلحة التي سيرسلها بسبب الخوف من أن تقع التكنولوجيا المتطورة في أيدي الروس في حالة سقوط أوكرانيا سريعاً، وخاصة بعد الدروس المستفادة من الانسحاب الفوضوي من أفغانستان حيث وقعت بعض المعدات الأمريكية في أيدي طالبان.

5- مواصلة "بوتين" مسار التصعيد بالرغم من الضغط الأمريكي: أعلن "بوتين" في 22 فبراير 2022، استقلال منطقتي دونيتسك ولوهانسك، في اجتماع متلفز مع كبار المسؤولين الروس، وتعتبر هذه اللحظة مفصلية، حيث إنها وضعت روسيا على المسار الذي يؤدي إلى غزو أوكرانيا في وقت لاحق، مما أثار ردود فعل دولية واسعة النطاق وأدى إلى فرض عقوبات شديدة على موسكو. وعقب الإعلان أصدر الرئيس الأمريكي "جو بايدن" أمراً تنفيذياً يحظر جميع الأنشطة الاقتصادية في هاتين المنطقتين، كما أعلنت ألمانيا أن مشروع خط أنابيب الغاز "نورد ستريم 2" بقيمة 11 مليار دولار مع روسيا لن يمضي قدماً. على الجانب الآخر، أشاد "ترامب" بخطوة "بوتين" ووصفها بأنها "عبقرية"، مشيراً إلى القوات الروسية باعتبارها "قوات حفظ السلام"، بينما يستعد "بايدن" وقادة الغرب للأسوأ.

6- مساعي زيلينكسي للحصول على الدعم الغربي عقب الهجوم الروسي: أعلنت موسكو رسمياً في 24 فبراير 2022، عن "العملية العسكرية الخاصة" في أوكرانيا، وشنّت القوات الروسية غزواً متعدد الجوانب من بيلاروسيا في الشمال، ودونباس في الشرق، وشبه جزيرة القرم في الجنوب، محذراً من أن أي محاولة لعرقلة روسيا أو تهديدها ستواجه رداً فورياً، مشدداً على قوة روسيا كواحدة من الدول النووية الكبرى. واختار الرئيس الأوكراني "زيلينسكي" البقاء على الرغم من حثه على مغادرة البلاد من أجل السلامة وقيادة المقاومة من كييف ومواصلة عمله في التواصل مع القادة العالميين، حيث اتصل برئيس الوزراء البريطاني حينها "بوريس جونسون" والرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" وكذلك "بايدن"، موجهاً نداءات عاطفية للحصول على الدعم الدولي.

7- سعي "بايدن" لاستكشاف آفاق توسيع الناتو رداً على الهجوم الروسي: أكد الكاتب أن "بايدن" سعى لاستكشاف فكرة توسيع الناتو كرد مباشر على هجوم روسيا على أوكرانيا؛ حيث بدأت فنلندا والسويد، غير المنحازتين تاريخياً، في إظهار اهتمام قوي بالانضمام إلى الناتو بعد الحرب، كما ارتفع الدعم العام للانضمام إلى الناتو في كلا البلدين إلى مستويات غير مسبوقة؛ حيث أكد "بايدن" لقادة الدولتين أنه سيضمن زيادة التدريبات العسكرية المشتركة لحمايتهما خلال الفترة الانتقالية، كما قدمت المملكة المتحدة ضمانات للأمن العام، وكذلك تم تقديم ضمانات للنرويج والدنمارك وأيسلندا. من جانبها، ردت روسيا على هذه الخطوة بالتهديدات، بما في ذلك النشر المحتمل للأسلحة النووية في منطقة البلطيق إذا انضمت فنلندا والسويد إلى حلف الناتو، الذي أجرى بدوره مناورات عسكرية كبرى في منطقة البلطيق.

8- الخلافات الغربية حول الدعم العسكري لأوكرانيا: أشار الكاتب إلى أن إحجام ألمانيا عن تزويد أوكرانيا بدبابات ليوبارد 2 أصبح نقطة خلاف رئيسية بين الحلفاء؛ حيث ضغط بلينكن وآخرون في الحكومة الأمريكية على ألمانيا للسماح بنقل هذه الدبابات إلى أوكرانيا، نظراً لأهميتها الاستراتيجية. ومع ذلك، ظل المستشار الألماني شولتز متردداً، وفي النهاية تم التوصل إلى حل وسط؛ حيث وافقت الولايات المتحدة على إرسال دبابات أبرامز إلى أوكرانيا في المستقبل، مما يسمح لألمانيا بالمضي قدماً في توريد دبابات ليوبارد 2 في الأمد القريب، كما أقر الكونجرس حزمة مساعدات ضخمة بقيمة 40 مليار دولار لأوكرانيا، مع تخصيص 19 مليار دولار للدعم العسكري وذلك رغم الخلافات بين الديمقراطيين والجمهوريين في الكونجرس.

حرب غزة

يتطرق الكتاب إلى تفاعلات الإدارة الأمريكية مع حرب غزة، حيث كشف هذا التفاعل عن عدد من الدلالات الرئيسية:

1- تقديم الدعم الفوري لإسرائيل بعد هجمات "طوفان الأقصى": في 7 أكتوبر 2023، شنت حماس هجوماً هائلاً وغير متوقع على إسرائيل، بما في ذلك إطلاق 3000 صاروخ وتسلل عبر الحدود. فاجأ الهجوم إسرائيل. وفي ضوء ذلك، اجتمع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع مستشاريه بسرعة في تل أبيب لتنسيق رد إسرائيل. أدى الهجوم إلى إعلان حرب واسعة النطاق. وقد أعربت الولايات المتحدة، من خلال بريت ماكجورك، منسق البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، عن دعمها القوي لإسرائيل وأدانت هجوم حماس.

2- إعادةُ تموضع الأصول العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط: رداً على تصاعد الصراع في إسرائيل، أشرف جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأمريكي، على إعادة تموضع مجموعة يو إس إس جيرالد ر. فورد نحو شرق البحر الأبيض المتوسط، في إشارة واضحة لدعم الولايات المتحدة لإسرائيل ولردع حزب الله في حال تدخله في الحرب. وقد أدار الرئيس بايدن بحذر الاستجابة الأمريكية، بهدف إرسال رسالة قوية تؤكد على الردع، دون الانجرار إلى تصعيد الصراع نحو حرب إقليمية أوسع. واعتُبر قرار إعادة تموضع الأصول العسكرية بمثابة "توازن مثالي" لإظهار الدعم دون استفزاز إضافي.

3- محاولة "بايدن" تحجيم توسيع الهجمات الإسرائيلية ضد حزب الله: في 11 أكتوبر 2023، سعى نتنياهو للحصول على دعم الولايات المتحدة لضربة استباقية ضد حزب الله، خوفاً من أن الحزب، المدعوم من إيران، يخطط لهجوم من لبنان. وقد تصدى الرئيس بايدن لخطة نتنياهو، محذراً من أن الضربة الاستباقية على حزب الله قد تؤدي إلى حرب إقليمية أوسع نطاقاً، تجتذب إيران وجهات فاعلة أخرى. وأكد بايدن على المخاطر التي تنطوي عليها والأضرار المحتملة التي قد تلحق بمدن إسرائيل إذا رد حزب الله. فكما أوضح بايدن، بدعم من تقييمات الاستخبارات الأمريكية، أنه لا يوجد دليل ملموس على هجوم وشيك لحزب الله. وساعد موقفه الحازم في ثني نتنياهو عن شن الضربة الاستباقية، وتجنب تصعيد كارثي محتمل.

وفي 11 أكتوبر 2023، كانت القيادة الأمنية الإسرائيلية في حالة تأهب قصوى، معتقدةً أن هجمات حزب الله كانت وشيكة. وقد سارع جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأمريكي، وفريقه إلى منع ضربة استباقية إسرائيلية، خوفاً من أن تؤدي إلى إشعال حرب إقليمية. ففي وسط التوترات المتزايدة، كانت إسرائيل تتلقى تقارير متضاربة حول هجمات حزب الله المحتملة، بما في ذلك الإنذارات الكاذبة بشأن الطائرات الشراعية والمُسيرات. ولقد دحضت الاستخبارات الأمريكية هذه الادعاءات، مما ساعد في منع ضربة عسكرية إسرائيلية مبكرة على حزب الله.

4- الرد على هجوم المُسيّرات الإيرانية: في 25 ديسمبر 2023، هاجمت مُسيرة قاعدة أربيل الجوية في العراق، مما أدى إلى إصابة ثلاثة من أفراد الخدمة الأمريكية بجروح خطيرة. بعد هذا الهجوم عقد الرئيس بايدن اجتماعاً مع فريقه للأمن القومي وقرر رداً عسكرياً محسوباً بعناية يستهدف مواقع محددة تستخدمها المليشيات المدعومة من إيران. وفي هذا الصدد، نفّذ الجيش الأمريكي غارات جوية سرية ضد ثلاثة مواقع للمليشيات، متجنباً وقوع إصابات بين المدنيين مع إرسال رسالة واضحة إلى إيران.

5- تزايد القلق الأمريكي من الضربات الإسرائيلية على مسؤولين إيرانيين: كانت الضربة الجوية الإسرائيلية على قائد الحرس الثوري الإيراني محمد رضا زاهدي في دمشق بسوريا تصعيداً كبيراً في التوترات الإسرائيلية الإيرانية، حيث كان زاهدي شخصية رئيسية في الحرس الثوري الإيراني وشريكاً مقرباً للمرشد الأعلى الإيراني. وقد ازدادت مخاوف الولايات المتحدة بشأن التصعيد، إذ لم يتم إبلاغ واشنطن مسبقاً بالضربة، وكان المسؤولون مثل بريت ماكجورك قلقين من أن هذا قد يؤدي إلى رد فعل إيراني واسع النطاق، ربما يشمل حزب الله. وقد أرسلت إيران رسالة تحمّل كلاً من إسرائيل والولايات المتحدة المسؤولية عن الضربة، مما يشير إلى إمكانية الانتقام.

6- ضبط النفس الاستراتيجي أمام التصعيد الإيراني الصاروخي: في أبريل 2024، أطلقت إيران "عملية الوعد الصادق"، وهو هجوم صاروخي واسع النطاق لاستهدف إسرائيل. وكان هذا أحد أهم التصعيدات في المنطقة. وقد نجحت الولايات المتحدة وحلفاؤها في اعتراض العديد من الصواريخ، مما أدى إلى تجنب الدمار الواسع النطاق. وعلى الرغم من الهجوم، نصح بايدن نتنياهو بالامتناع عن المزيد من التصعيد، مع التركيز على الآثار الأوسع للصراع على الاستقرار الإقليمي.

معضلة "نتنياهو"

اتساقاً مع طبيعة التفاعلات الأمريكية مع حرب غزة، أشار الكتاب إلى استمرار الخلافات بين الرئيس الأمريكي "بايدن" ورئيس الوزراء الإسرائيلي "نتنياهو" وهو ما تجلت ملامحه فيما يلي:

1- تزايد التوترات بين بايدن ونتنياهو بشأن الأزمة الإنسانية في غزة: أعرب الرئيس بايدن، بحسب الكتاب، عن إحباطه من رئيس الوزراء الإسرائيلي "نتنياهو" بشأن العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة. إذ أكد بايدن على ضرورة استمرار المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين، لكن نتنياهو ظل يركز على استمرار العمليات العسكرية. وبحسب الكتاب، فقد أبلغ بلينكن بايدن أن إسرائيل تفتقر إلى خطة لحماية المدنيين في رفح بغزة؛ حيث يعيش حوالي 1.4 مليون شخص في ظروف مزرية. وطالبت الولايات المتحدة إسرائيل بتقديم خطة موثوقة قبل مواصلة أي عمل عسكري.

2- مواجهة مأزق توقف المفاوضات وتعقيد الصراع بين إسرائيل وحماس: وصلت المفاوضات بين إسرائيل وحماس بشأن إطلاق سراح الرهائن إلى طريق مسدود. وقد واصل بايدن وإدارته الضغط من أجل وقف إطلاق النار الإنساني وإطلاق سراح المزيد من الرهائن.

وذكر "ودورد" أن "زعيم حركة حماس يحيى السنوار رفض بشكل قاطع العديد من العروض الإسرائيلية لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، مما أدى إلى تعقيد الجهود الرامية إلى تهدئة الصراع". وبعد مفاوضات مطولة، تم التوصل إلى اتفاق شهد إطلاق حماس سراح 50 رهينة مقابل إطلاق سراح أسرى فلسطينيين من قبل إسرائيل. وفرت الصفقة وقف إطلاق نار مؤقت، لكن الصراع الأوسع ظل دون حل. وعلى الرغم من نجاح تبادل الرهائن، استمرت العمليات العسكرية في غزة دون حل واضح في الأفق، وظل الوضع متقلباً، واستعد كلا الجانبين لمزيد من المواجهات.

3- استمرار معضلة عدم ثقة بايدن في نتنياهو: تصاعدت إحباطات الرئيس بايدن تجاه رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو في عام 2024، مما يعكس، بحسب الكتاب، العداء الشخصي بين الطرفين. فقد اتهم بايدن نتنياهو بإعطاء الأولوية لبقائه السياسي على المخاوف الاستراتيجية والإنسانية، وخاصة في غزة. كما انتقد بايدن نهج نتنياهو، ودفع نحو تغيير في الاستراتيجية العسكرية نتيجة التأثير المدمر للقصف الإسرائيلي على غزة، مع إسقاط عشرات الآلاف من القنابل وخسائر فادحة في صفوف المدنيين، وخاصة بين الأطفال. ومع استمرار الحرب وتفاقم الأزمة الإنسانية في غزة، زادت التوترات بين الولايات المتحدة وإسرائيل.

4- انتقاد سياسة الاغتيالات التي يقودها نتنياهو: اغتالت القوات الإسرائيلية "فؤاد شكر"، القائد العسكري الأعلى لحزب الله، في بيروت. وقد أسفرت العملية عن مقتل مدنيين وأدت إلى توتر إقليمي كبير. وقد برر نتنياهو الضربة بزعم أن حزب الله تجاوز الخط الأحمر بهجمات صاروخية قتلت أطفالاً إسرائيليين.

وقد أثار اغتيال شكر تهديدات انتقامية من إيران وحزب الله. وانتقد بايدن نتنياهو بشدة لتنفيذ الهجوم في بيروت بدلاً من بالقرب من الحدود، مما سلط الضوء على الخلاف المتزايد بين الولايات المتحدة وإسرائيل. وبعد فترة وجيزة، اغتالت إسرائيل زعيم حماس إسماعيل هنية في طهران، مما أدى إلى تعطيل المفاوضات الجارية لوقف إطلاق النار. وقد وبّخ بايدن نتنياهو، قائلاً إن إسرائيل يُنظر إليها بشكل متزايد على أنها دولة مارقة.

5- استنكار بايدن الضربات الإسرائيلية في بيروت وطهران: تسببت العمليات الإسرائيلية ضد حزب الله وقيادة حماس في تصعيد التوترات في الشرق الأوسط. وقد أدت هذه الإجراءات إلى تعقيد العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل. وقد أدان بايدن الإجراءات العسكرية لإسرائيل، معرباً عن قلقه بشأن العواقب الطويلة الأجل لمفاوضات السلام والاستقرار الإقليمي. إذ أدت قرارات الحكومة الإسرائيلية إلى تعطيل المحادثات الخلفية مع حماس لوقف إطلاق النار. وعلى الرغم من التوترات، استمرت الولايات المتحدة في تقديم الدعم العسكري لإسرائيل، ونشر قوات في المنطقة لردع أي ضربات انتقامية واسعة النطاق من إيران أو حزب الله.

خلاصة القول، يكشف الكتاب أن إدارة بايدن واجهت تحديات واسعة على المستويات الداخلية والخارجية، وخاصة مع تفاقم الانتقادات الجمهورية لسياسات بايدن، وبزوغ ترامب كمنافس رئيسي في الانتخابات الرئاسية القادمة، أضف إلى ذلك تحدي تفاقم العنف السياسي الداخلي. وبموازاة هذه التحديات الداخلية تعرضت الإدارة الأمريكية لإشكاليات خارجية عديدة، وخاصة مع اندلاع حربي أوكرانيا وغزة.

ملامح تفاعل إدارة الرئيس الأمريكي "بايدن" مع التحديات الداخلية والخارجية