راي تقية


        
<p><strong>تواجه إيران أزمات وجودية متصاعدة تطرح تساؤلات حول مستقبل النظام الذي أفرزته الثورة الإسلامية منذ نحو أربعة عقود، خاصةً في ظل تزايد أزمات الداخل مع تأزم الوضع الاقتصادي إلى جانب سوء الإدارة وتداعيات ما بعد الجائحة، علاوةً على العقوبات المفروضة على طهران. ومن جانب آخر، فإن هناك تحولاً في حجم وطبيعة التأييد الذي يحظى النظام الإيراني به في الداخل، علاوةً على وجود تضارب داخل النخبة المتشددة المسيطرة على المشهد السياسي الحالي، وفي ضوء هذا نشر موقع "فورين بوليسي"، تقريراً بعنوان "تقويض القادة الإيرانيين لنظام الثورة الإسلامية"؛ إذ يبرز التقرير مواجهة الرئيس الإيراني "إبراهيم رئيسي" انشقاقاً داخلياً بين مكونات النخبة الحاكمة، وتصاعد الغضب الشعبي، فضلاً عن الارتدادات السلبية لإدارة الملفات الحيوية، وهو ما يجعل عدم إحداث تغيير جذري لمعالجة تلك المعضلات بمنزلة بداية النهاية للنظام الإيراني الحالي. ويمكن تناول أبرز ما جاء في التقرير على النحو التالي:</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– طموحات غير منطقية لإنعاش الاقتصاد الإيراني: </strong>أشار التقرير إلى أنه بعد أشهر قليلة من تولي الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي مهام منصبه، فإنه أصبح في مأزق بالفعل. فلقد تضرر الاقتصاد الإيراني، بسبب مزيج من سوء الإدارة، وتفشي الجائحة، وفرض العقوبات؛ حيث يبلغ معدل التضخم نحو 40%، كما فقدت العملة الوطنية الكثير من قيمتها. في غضون ذلك، يتعهد رئيسي بمعدل نمو 8% وخلق ما يقرب من مليوني وظيفة، في العامين المقبلين. بالطبع تلك آمال خيالية؛ إذ لا يمكن إنعاش الاقتصاد الإيراني دون تخفيف العقوبات، حينها فقط، يمكن لإيران بيع المزيد من نفطها وإعادة أموالها المجمدة في البنوك الأجنبية. </p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– محدودية جدوى الاعتماد على الصين لدعم الاقتصاد: </strong>وفقاً للتقرير، فإن الأمل في أن تحافظ التجارة مع الصين، على قوام أمة يبلغ عدد سكانها 85 مليون نسمة، هي فكرة معيبة بقدر الآمال الخيالية السابقة؛ حيث إن بيع نحو نصف مليون برميل من النفط يومياً، إلى الصين، بأسعار مخفضة، ليس بخطة اقتصادية حكيمة. كذلك يروج المسؤولون الإيرانيون لصفقة الـ25 عاماً التي أبرموها مع الصين، لكن حتى الآن، فإن الاستثمارات الموعودة لم تتحقق بعد؛ إذ كانت بكين مترددة في ضخ مبالغ ضخمة في إيران الخاضعة للعقوبات. وبناءً عليه، فإنه بالنسبة إلى نظام إسلامي يصر على مفاهيم الاكتفاء الذاتي والاعتماد على الذات، فإن التحول إلى دولة تابعة للصين، لا يعزز فرصه السياسية.</p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3– تحول الطبقة العاملة إلى شرائح معارضة للنظام: </strong>على الرغم من الانطباعات عن الاستقرار الاستبدادي، فإن إيران تعتبر أرضاً خصبة للتظاهرات والإضرابات؛ ففي السنوات القليلة الماضية، انضمت الطبقة العاملة التي كانت في يوم من الأيام بمنزلة ركيزة دعم موثوقة للنظام، إلى شرائح المعارضة. وقد شهدت فترة رئاسة رئيسي القصيرة نسبياً بالفعل، نصيبها من التوترات، وفق ما ذكر التقرير. فلقد اشتكى المزارعون في مدينة أصفهان، في نوفمبر الماضي، من تحويل الحكومة المياهَ اللازمة لمحاصيلهم. وكالعادة، سرعان ما تحولت المظالم الاقتصادية إلى السياسة مع هتافات تدعو بـ"الموت لخامنئي". في غضون ذلك، نزل المعلمون إلى الشوارع في أكثر من 50 مدينة؛ للمطالبة بزيادة المرتبات. ولكن قمعت الحكومة كل هذه الاحتجاجات بالاستخدام الوحشي للقوة؛ ما زاد من تقويض شرعيتها الممزقة أصلاً.</p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4– استعداء النظام الإيراني لأنصاره السابقين: </strong>وفقاً لما ذكره التقرير، تعتبر الجمهورية الإسلامية ماهرة في تحويل أنصارها المخلصين إلى منشقين؛ ففي أعقاب الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها عام 2009، اتُّهمت حركة الإصلاح بالترويج للفتنة، وتم استبعاد السياسيين الأكثر شعبيةً في إيران من السياسة. كما أحبط القادة المتشددون أهداف قادة الحركة الإصلاحية المتمثلة في خلق نظام ديمقراطي من الناحية العملية، لكنه ديني الطابع. فمشكلة الحكومة الإيرانية، أن قادة الحركة الإصلاحية لا يزالون هم السياسيين الأكثر شعبيةً في طهران. لذلك، كانت الطريقة الوحيدة التي يمكن للحكومة من خلالها منعهم من الفوز في الانتخابات، هي الاستبعاد الجماعي لمرشحيهم.</p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وفي مواجهة دبلوماسية رئيسي، أصدرت الحركة الإصلاحية خطاباً تم تداوله على نطاق واسع، مؤكدةً أنه في الوقت الذي تواجه فيه إيران استنزافاً اقتصادياً، فإن التأخير في العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة سيزيد من إلحاق الضرر بالبلاد. وقد انضم إلى هذه الدعوة، حزب "الثقة الوطنية" الوسطي الذي أنشأه مهدي كروبي رئيس البرلمان السابق والمرشح الرئاسي لعام 2009 الذي لا يزال يعاني من الإقامة الجبرية؛ حيث حذر إسماعيل جرامي أحد الشخصيات البارزة في الحزب، رئيسي من أن حكومته تخاطر باضطراب جماعي، قائلاً: "من الطبيعي أنه عندما يقع الأفراد تحت خط الفقر، فإنهم سيختارون الاحتجاج". وكالعادة، تم تجاهل تلك الخطابات وغيرها.</p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>5– تضييق دائرة النخبة السياسية الإيرانية باستمرار: </strong>أشار التقرير إلى أن الانتخابات الرئاسية الإيرانية لعام 2021، كانت واحدة من أكثر الانتخابات أهميةً في تاريخ الجمهورية الإسلامية؛ حيث انقلب النظام على نفسه، من خلال استبعاد المحافظين ذوي التاريخ الطويل في خدمة الحكم الديني "الثيوقراطي". ويكشف مأزق اثنين من أنصار الثورة الإيرانية (وهما رئيس البرلمان السابق علي لاريجاني، والرئيس السابق حسن روحاني) عن كيفية تضييق دائرة النخبة الإيرانية. فبالنسبة إلى "لاريجاني" فقد كان عضواً موثوقاً به في الفصيل المحافظ، وخلال فترته الطويلة في الحكومة، شغل العديد من المناصب الهامة. ومع ذلك، تم استبعاده من الترشيح للرئاسة بسبب تعليقاته خلال ثورة 2009، ودعمه الاتفاق النووي الإيراني. وبذلك، للمرة الأولى في حياته المهنية، يقف لاريجاني خارج مجالس السلطة دون أي أمل حقيقي في الرجوع. في المقابل، يجد روحاني نفسه في موقف مماثل لا يُحسد عليه؛ حيث تمنح الجمهورية الإسلامية عادةً، رؤساءها السابقين، قدراً من الاحترام من خلال تعيينهم في مختلف الهيئات الحكومية، ولكن بعيداً عن حصوله على مثل هذه الأوسمة، يتعرَّض روحاني للتهديد بالمقاضاة من قبل البرلمان. وكما هو الحال مع لاريجاني، فقد فصل روحاني نفسه عن النظام إلى حد كبير.</p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>6– تزايد دائرة الغضب الشعبي بشكل كبير: </strong>واجهت الجمهورية الإسلامية احتجاجات عامة على مدى عقود، من قبل طلاب الجامعات المتمردين، والأعضاء المحرومين من الطبقة الوسطى، ومؤخراً، فقراء الحضر؛ حيث تتراوح القضايا التي حرَّكت تلك الجماعات، بين تزوير الانتخابات والصعوبات المالية. ويبدو أن الجماهير تُدرك أن النظام لا يمكنه إصلاح نفسه؛ لأن سياساته صارمة للغاية، وقادته لا يقبلون بأي مساومة ولا يتزعزعون. ولكن، نجا النظام الإيراني من ذلك، ليس بسبب أجهزته الأمنية فقط، بل لأن التظاهرات قد تلاشت في النهاية، كما منح الافتقار إلى الهيكل التنظيمي، الحكومة اليد العليا في البلاد.</p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>7– خسارة النظام الإيراني مصادر بقائه تدريجياً: </strong>أكد التقرير انضمام العديد من الإصلاحيين إلى صفوف الساخطين؛ ما يعطي صوتاً للجماهير. وبالنسبة إلى المحافظين الذين تم استبعادهم، ستكون هذه رحلة أكثر صعوبةً، لكن عندما يصبح النظام أكثر استبعاداً في الداخل وتهوراً في الخارج، فإنهم سيشكلون دوائر المعارضة الخاصة بهم. لكن الواقع، أن خامنئي يقوم بإنشاء نظام تكون فيه المعارضة مستحيلة. وبالرغم من ذلك، يبدو أن خامنئي ورئيسي قد نسيا سبب طول عمر الحكم الثيوقراطي؛ فلم يكن بتاتًا نظاماً يُحَافَظ عليه فقط بالقوة الوحشية، وإنما قدمت الانتخابات للشعب خيارات متنوعاً أيضاً من السياسيين، ومن ثم عملت كصمام أمان للحكم. في غضون ذلك، كانت الدولة تربط الفقراء بالنظام. ولكن تخلت الحكومة الإيرانية الآن، عن كلا المصدرين لضمان سلطتها؛ حيث استنزفت العقوباتُ المواردَ المالية الإيرانية؛ ما أدى إلى صعوبة المحافظة على مستوى معيشي أساسي. ومن ناحية أخرى، صارت الانتخابات تُستخدم للمصادقة على خيارات خامنئي، عن طريق عمليات التطهير والاستبعاد؛ إذ كانت انتخابات 2021 الرئاسية هي الأقل تنافسيةً والأقل إثارةً للاهتمام في العقود الأربعة الماضية.</p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>وختاماً، رأى التقرير أن إيران لا يمكن أن تصمد في مواجهة القوى العظمى. ومن ثم، إذا اختارت طهران العودة إلى الاتفاق النووي، يمكنها استعادة جزء كبير من وضعها المالي واستعادة قدر من النمو الاقتصادي على الأقل. صحيح أن مثل هذه الخطوة لن تخفف من مشاكلها العديدة، لكنها قد تساعد في إخماد حركة المعارضة الوليدة التي تتشكل تدريجياً؛ فغالباً ما تنهار الأنظمة عندما تتجاهل أسرار بقائها، وتعكس الأزمات المتزايدة في الداخل الإيراني إمكانية الانفجار في أي لحظة، وتتمثل المعضلة الحقيقية في عدم الإدراك الجدّي من جانب النظام لديناميات الغضب الداخلي المتصاعدة.</strong></p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">المصدر:</span></strong></p>



<p>Ray Takeyh, Iran’s Revolution Is Eating Its Own, <strong>Foreign Policy</strong>, January 19, 2022, Accessible at: <a href="https://foreignpolicy.com/2022/01/19/iran-revolution-leaders-undermine-regime/">https://foreignpolicy.com/2022/01/19/iran-revolution-leaders-undermine-regime/</a></p>



<p><br></p>



<p></p>

      

هل يُقوّض قادة إيران نظام الثورة الإسلامية؟