ياسمين أيمن

في ظل تحالف رجل الأعمال "إيلون ماسك"، المسؤول عن إدارة كفاءة الحكومة، مع الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" لتخفيض نفقات الوكالات الفيدرالية، تتزايد التصريحات الرسمية بشأن رغبة الإدارة الجديدة في حل العديد من المؤسسات، بما في ذلك وزارة التعليم والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية. كما يظهر توجه عام من "ترامب" وفريقه لدفع عدد من المسؤولين للاستقالة من مختلف الهيئات الفيدرالية، بما في ذلك وزارة الخزانة، بعد طلب "ماسك" الحصول على معلومات حساسة تتعلق بنظام المدفوعات المرتبط بنفقات الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية والضرائب، رغم سرية هذه المعلومات المتعلقة بملايين الأمريكيين.وتأتي هذه التحركات الانتقامية من "ترامب"، لتسفر عن إقالة ما يصل إلى 20 ألف موظف فيدرالي، مما يُنذر بفقدان العديد من الموظفين في المؤسسات الأمريكية وظائفهم خلال الأشهر القادمة. وفي ضوء ذلك، يمكن تسليط الضوء على ملامح استهداف المؤسسات الأمريكية، وتداعيات هذا الاستهداف على مستقبل المؤسسات الأمريكية الراسخة منذ عقود طويلة.ملامح الاستهدافتتجلى ملامح استهداف "ترامب" وحليفه "إيلون ماسك" لمؤسسات الولايات المتحدة الأمريكية الراسخة منذ عقود في محاولاتهما لتفكيكها وإفراغها من موظفيها، منذ عودة "ترامب" إلى البيت الأبيض. وفيما يلي أبرز هذه الملامح:1- الانتقاد المتواصل للقضاء الفيدرالي الأمريكي: ينشط "دونالد ترامب" وحليفه "إيلون ماسك" في انتقاد مؤسسات القضاء الفيدرالي الأمريكي، مؤكدين أن القضاء بحاجة إلى عمليات تطهير. هذه النغمة تصاعدت حدتها بعد قرارات المحاكم الفيدرالية التي عارضت العديد من الأوامر التنفيذية التي أصدرها "ترامب". ومن بين تلك القرارات كان شراء وظائف ما يزيد على 20 ألف موظف في الوكالات الفيدرالية من خلال تنازل الموظفين عن وظائفهم مع الاستمرار في الحصول على رواتبهم وامتيازاتهم حتى سبتمبر 2025.فضلاً عن قرار القضاء الفيدرالي الذي رفض منح وزارة الخزانة الإذن لموظفي إدارة الكفاءة الحكومية بالاطلاع على بعض أنظمة الدفع التي تتضمن معلومات حساسة، بحجة أن ذلك ينتهك خصوصية المواطنين الأمريكيين. وقد دفع هذا الأمر "ماسك" للتصريح عبر منصته للتواصل الاجتماعي "إكس" بأنه يجب تسريح 1% من القضاة الفيدراليين غير المؤهلين سنوياً للحفاظ على المؤسسات الأمريكية.2- المساعي الحثيثة لإيقاف تمويلات الوكالات الأمريكية: وقّع الرئيس "ترامب" على أوامر تنفيذية متعددة، من بينها أمرٌ يقضي بإيقاف تمويلات الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وتحويل إشرافها إلى وزارة الخارجية، مع تعيين وزير الخارجية "ماركو روبيو" بمنصب القائم بأعمال الوكالة بشكل مؤقت، وتسريح آلاف الموظفين. كما تم تخفيض عدد الموظفين من أكثر من 10 آلاف موظف إلى نحو 300 موظف، في إشارة إلى أن الوكالة أصبحت غير مفيدة للولايات المتحدة، بالرغم من نشاطها في أكثر من 120 دولة حول العالم، وتخصيصها مليارات الدولارات سنوياً للمساعدة في عمليات التنمية في الدول المختلفة، كجزء من جهود واشنطن للحفاظ على مصالحها الحيوية في مختلف مناطق العالم.وتأتي هذه الخطوة انطلاقاً من رؤية مفادها أن هذه الوكالة تتعارض مع أجندة "أمريكا أولاً" التي يتبناها "ترامب"، حيث يُعطي الأولوية للمصالح الداخلية على المصالح الخارجية. كما توجد نوايا أخرى تشمل إلغاء وزارة التعليم الأمريكية، وإيقاف الوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ، حيث يرى "ترامب" وفريقه أن السلطات المحلية هي التي يجب أن تتحكم في سبل تمويل ومواجهة الكوارث الطبيعية، وأن الوكالة تحصل على تمويلات كبيرة مشكوك في أوجه إنفاقها.وعلى صعيد آخر، يرى مدير مكتب الإدارة والميزانية، "راسل فوجت"، ضرورة تحجيم الأموال الممنوحة لمكتب حماية المستهلك المالي، حيث صرح في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي بتاريخ 8 فبراير 2025، قائلاً: "إن الرصيد الحالي للمكتب البالغ 711.6 مليون دولار يعد مفرطاً في البيئة المالية الحالية. وقد تم الآن إغلاق هذا الصنبور، الذي ساهم لفترة طويلة في عدم مساءلة مكتب حماية المستهلك المالي".3- إقالة الموظفين الذين تم تعيينهم في الإدارات السابقة: يقوم "ترامب" بإقالة عدد من كبار الموظفين في مختلف المناصب الفيدرالية الهامة، رغبةً منه في تنصيب شخصيات يختارها هو بنفسه، على الرغم من أن العديد من الشخصيات التي تمت إقالتها لم يحن موعد انتهاء ولايتها بعد، ولم يتم تعيينهم جميعاً خلال ولاية الرئيس السابق "جو بايدن". ومن بين الموظفين الذين قام "ترامب" بإقالتهم كان رئيس مكتب حماية المبلغين عن المخالفات الحكومية، "هامبتون ديلينجر"، الذي عينه الرئيس السابق "بايدن". كما قام "ترامب" خلال فبراير 2025 بإقالة رئيسة لجنة الانتخابات الفيدرالية "إيلين وينتراوب" من الخدمة، والتي عينها الرئيس الأسبق "جورج دبليو بوش الابن" في عام 2002.تداعيات التفكيك من المتوقع أن يكون لتحركات "ترامب" و"ماسك" بشأن إحداث تغييرات جذرية في المؤسسات الأمريكية مجموعة من التداعيات، التي يمكن الإشارة إليها فيما يلي:1- تعيين الموظفين الفيدراليين وفقاً لعامل الولاء السياسي: من المتوقع أن تؤدي تدخلات "ترامب" و"ماسك" في تشكيل تركيبة الموظفين بالمؤسسات الفيدرالية الأمريكية إلى تغيير جذري في تلك المؤسسات، وذلك مع تعيين شخصيات قد تركز أكثر على الولاء السياسي بدلاً من الكفاءة المهنية في بعض المناصب. وعادةً ما تعتمد هذه التعيينات على العلاقات الشخصية والمعرفة السابقة بالأفراد، وهو ما يدفع "ترامب" لتعيين أشخاص من خلفيات تجارية أو غير تقليدية، بدلاً من اختيار موظفين ذوي خلفيات دبلوماسية أو حكومية تقليدية. ويظهر هذا بوضوح في بعض الترشيحات لمناصب مثل سفراء الولايات المتحدة في دول مختلفة.2- غياب المؤسسات القادرة على ضبط سلوكيات الرئيس: مع توجه "ترامب" وأنصاره للتدخل في سياسات ولوائح تنظيم مختلف المؤسسات الأمريكية، يظهر غياب المؤسسات القادرة على ضبط سلوك الرئيس الأمريكي. ويُنذر هذا الوضع بأن "ترامب" قد يتحرك خلال هذه الولاية بصورة أكثر تذبذباً مقارنةً بولايته الأولى. إذ يعتمد في تحركاته على حقيقة أنه رجل أعمال يتفاوض مع منافسيه لتحقيق أكبر المكاسب، وليس رئيساً لدولة كبرى مثل الولايات المتحدة، التي تُعد من أبرز الدول المؤسسة للنظام الدولي بعد الحرب الباردة. ويضر هذا النهج بسمعة واشنطن من جهة، ويخلق اضطرابات أمنية على الصعيد الدولي من جهة أخرى.3- نشوء أزمة دستورية مهددة للديمقراطية الأمريكية: تشير مجموعة من التحليلات إلى أن استمرار "ترامب" وفريقه في نهجهم المتحدي للمؤسسات الأمريكية، والقانون الأمريكي والدستور، وخلطهم بين الصلاحيات المخولة له وتلك المتعلقة بالسلطة التشريعية، قد يؤدي إلى حدوث أزمة دستورية في الولايات المتحدة تهدد استقرار الديمقراطية الأمريكية القائمة على المؤسسات والدستور منذ قرون. ومن المتوقع أن تحدث هذه الأزمة ليس على المدى الطويل، بل على المدى المنظور، إذا استمرت الإدارة في تجاوز الدستور والقانون، كما حدث عندما وقع "ترامب" على أمر تنفيذي يمنع منح الجنسية الأمريكية لمن يولد على الأراضي الأمريكية لأبوين لا يملكان أوراق إقامة قانونية في الولايات المتحدة.علاوةً على ذلك، فإن محاولته إغلاق وإعادة هيكلة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، التي أنشأها الرئيس الراحل "جون كينيدي" في عام 1961، تواجه تحديات قانونية، حيث تقع هذه الوكالة تحت سلطة الكونجرس باعتبارها كياناً مستقلاً لا يخضع لسلطة الرئيس. ويعزز هذه الفكرة قانون إصلاح وإعادة هيكلة الشؤون الخارجية لعام 1998، الذي دعم استقلالية الوكالة وحد من سلطات الرئيس في التحكم بها. لذا فإن أي تحرك جديد من "ترامب" سيؤدي إلى صدام مع الكونجرس أولاً، ثم مع المحاكم الفيدرالية والمحكمة العليا ثانياً، لأنه لا يملك الصلاحيات الدستورية لإغلاق الوكالة.تحلل مؤسسيوختاماً، على الرغم من استمرار وجود بعض الكيانات في الولايات المتحدة القادرة على عرقلة تحركات الرئيس "ترامب"، مثل الكونجرس، والمحاكم الفيدرالية، والمحكمة العليا، وغيرها من المؤسسات الفيدرالية؛ فإن سيطرة الجمهوريين الحالية على الكونجرس ورغبتهم في التماهي مع تطلعات "ترامب"، بالإضافة إلى خوفهم من معارضته في الوقت الراهن، قد تساهم في إضعاف قدرة الكونجرس على التصدي له. أما على صعيد المحكمة العليا، فإن التركيبة المحافظة التي أسهم "ترامب" في تشكيلها قد تسهم بدورها في إضعاف المؤسسات الأمريكية، بالنظر إلى أنها قد تتماشى مع أجندة "ترامب". وحتى إذا تصدت بعض المؤسسات لقرارات "ترامب" على المدى القصير، فإن التغييرات الهيكلية التي يسعى لإدخالها في المؤسسات المختلفة قد تؤدي إلى دفع الرئيس المقبل للسير وفقاً لأهوائه الشخصية أيضاً، مما قد يؤدي إلى مزيد من التحلل المؤسسي في الولايات المتحدة.

هل تُسهم جهود "ترامب" و"إيلون ماسك" في تفكيك المؤسسات الأمريكية؟