د. محمد عباس ناجي

أشار بعض الكتاب والصحفيين القريبين من تيار المحافظين الأصوليين على مدار شهر فبراير الجاري إلى أن استقالة بزشكيان أصبحت احتمالاً قائماً، على غرار الكاتب غلام رضا صادقيان الذي نشر مقالاً في صحيفة "جوان" التابعة للحرس الثوري بعنوان "يجب على الحكومة ألا تضيع الوقت" كما نشر بعض الصحفيين والنشطاء السياسيين تغريدات على مواقع التواصل الاجتماعي، لا سيما موقع "إكس"، يطالبون فيها الرئيس بعدم استكمال فترته الرئاسية، إلا أن رئيس شؤون الإعلام في رئاسة الجمهورية أحمد طيبا نيا نفى في تغريدة على موقع "إكس" إمكانية حدوث ذلك في الوقت القريب، مشيراً إلى أن الحكومة ماضية في مهامها رغم كل الأكاذيب التي يتم ترويجها، فيما أكد الرئيس بزشكيان في 13 فبراير 2025 بقاءه في منصبه.سياق مُحفّزيمكن تفسير تجدُّد الجدل حول إمكانية استقالة بزشكيان من منصبه في ضوء اعتبارات عديدة على النحو التالي:1- توافق الإصلاحيين والأصوليين على انتقاد بزشيكان: تجددَ الحديث مرة أخرى داخل إيران حول استقالة الرئيس مسعود بزشكيان بعد مرور نحو نصف عام على توليه مهام منصبه في بداية أغسطس 2024، ورغم أنها ليست المرة الأولى التي يثار فيها الجدل حول مدى إقدام بزشكيان على تلك الخطوة، التي سوف تسبب في حالة حدوثها أزمة سياسية قوية داخل إيران في توقيت صعب، إلا أن هذا الجدل اكتسب أهمية وزخماً خاصاً في الفترة الحالية لاعتبارين رئيسيين، أولهما أن الدعوات التي وجهت إلى الرئيس بالاستقالة من منصبه جاءت هذه المرة من جانب التيارين الرئيسيين الإصلاحي والأصولي، بما يعني أنها لم تقتصر على خصومه، بل امتدت إلى حلفائه أيضاً، وثانيهما أن السبب الرئيسي الذي أدى إلى تصاعد الجدل مجدداً حول الاستقالة لا يعود إلى اعتبارات داخلية فقط، رغم أهميتها بالطبع، وإنما يعود أيضاً إلى عوامل خارجية طرأت على الساحتين الإقليمية والدولية خلال الشهور الأخيرة.2- رفض تماهي الرئيس الإيراني مع المرشد الأعلى: وجّه بعض قادة وكوادر تيار الإصلاحيين انتقادات قوية إلى الرئيس مسعود بزشكيان بسبب حرصه، خلال الفترة الأخيرة، على التماهي مع تصريحات وتوجهات المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي، خاصة فيما يتعلق برفض إجراء مفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية، على نحو اعتبره هؤلاء تراجعاً واضحاً من جانب الرئيس عن الوعود التي قطعها وأعلن عنها حتى قبل فترة وجيزة من تصريحات خامنئي.فقد أشار المرشد، في 7 فبراير 2025، إلى أن المفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية غير ذكية ولا مشرفة، في رد واضح على الدعوة التي وجهها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى إيران لإجراء مفاوضات، خلال لقائه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 4 فبراير 2025. وكان لافتاً أن الرئيس بزشكيان أكد على الأمر نفسه، في التصريحات التي أدلى بها خلال الاحتفال بحلول الذكرى السادسة والأربعين لاندلاع الثورة الإيرانية، في 10 من الشهر نفسه، حيث شكك في جدية ترامب في إجراء مفاوضات، مستنداً إلى العقوبات وسياسة الضغوط القصوى التي أعاد تطبيقها ضد إيران باعتبار أنها تمثل دليلاً على عدم رغبته في التفاوض.وفي حين أشاد المرشد خامنئي ووسائل الإعلام القريبة من مكتبه ومن تيار المحافظين الأصوليين بتصريحات بزشكيان، فقد تعرض الأخير لحملة قوية من جانب حلفائه من تيار الإصلاحيين، الذين اعتبروا أن هذه التصريحات تعد مؤشراً على تراجع الرئيس عن تنفيذ وعوده بإجراء مفاوضات مع واشنطن للوصول إلى تسوية للخلافات العالقة بين الطرفين ورفع العقوبات المفروضة على إيران، وقد اتهم بعض الإصلاحيين الرئيس بالتناقض وتبني سياسة مزدوجة الهدف منها هو الحصول على "رضا" المرشد والمحافظين الأصوليين، خاصة أنه سبق أن أبدى رغبة واضحة في التفاوض مع الولايات المتحدة الأمريكية خلال حواره مع شبكة "NBC" الأمريكية في منتصف يناير 2025.3- تصاعد حدة الأزمات الداخلية في عهد بزشكيان: لم تنجح حكومة الرئيس بزشكيان حتى الآن في التعامل مع ما يمكن تسميته بـ"عوارض" الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها إيران منذ سنوات. ورغم أن الوقت ربما يكون مبكراً على تقييم أداء الحكومة بعد مرور ستة أشهر فقط على توليها مهامها، إلا أن بعض أقطاب تيار الإصلاحيين والمحافظين الأصوليين، قاموا بشن حملة قوية ضد الحكومة، أولاً بسبب مشكلة انقطاع الكهرباء في فصل الشتاء نتيجة موجة الثلوج الكثيفة التي اجتاحت العديد من المحافظات والمدن الإيرانية مثل محافظة لرستان بالقرب من الحدود العراقية فضلاً عن تزايد استهلاك الغاز، وثانياً بسبب ارتفاع مستوى التضخم وانهيار العملة الوطنية.إذ أدت العقوبات الجديدة التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية إلى تراجع سعر العملة الوطنية أمام الدولار الذي وصل إلى أكثر من 90 ألف تومان في السوق السوداء، فضلاً عن ارتفاع مستوى التضخم إلى نحو 32%، مع توقعات بزيادته خلال الربع الأول من العام الحالي. وقد أثار ذلك جدلاً متزايداً ودفع بعض المحللين إلى ترجيح اتجاه مجلس الشورى الإسلامي إلى ممارسة ضغوط لإقالة بعض الوزراء، مثل وزير الاقتصاد عبد الناصر همتي، فضلاً عن إقالة محافظ البنك المركزي محمد رضا فرزين، على نحو سوف يعرض الرئيس بزشكيان إلى ضغوط متزايدة، خاصة أن ذلك كله يتزامن مع تصاعد حدة الخلافات بين بعض الوزراء، مثل وزيري النفط محسن باك نجاد والطاقة على أكبر محرابيان، حول المسؤولية عن تفاقم أزمة انقطاع الكهرباء.4- عدم وفاء بزشكيان بتعهداته بإطلاق بعض السجناء: يتهم بعض قادة وكوادر تيار الإصلاحيين الرئيس مسعود بزشكيان بالفشل في تنفيذ التزاماته التي أعلن عنها خلال حملته الانتخابية بإنهاء الأزمة السياسية المزمنة التي تواجهها إيران منذ عام 2009، والتي أنتجها فرض الإقامة الجبرية على كل من مير حسين موسوي آخر رئيس وزراء لإيران، ومهدي كروبي رئيس مجلس الشورى الأسبق، بسبب قيادتهما ما يسمى بـ"الحركة الخضراء" التي رفضت الاعتراف بنتائج الانتخابات الرئاسية التي أجريت في هذا العام وأسفرت عن فوز الرئيس الأسبق محمود احمدي نجاد بفترة رئاسية ثانية.إذ رفض المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي وساطات عديدة لإطلاق سراح موسوي (وزوجته زهراء راهناوارد) وكروبي، مطالباً إياهم بالاعتذار عن الموقف السابق القائم على التشكيك في نتائج الانتخابات واتهام مجتبى خامنئي –نجل المرشد– بالتدخل فيها لصالح أحمدي نجاد. ورغم أن نائب الرئيس محمد رضا عارف قام بزيارة مهدي كروبي في 8 فبراير 2025، إلا أن هذا اللقاء لم يسفر عن نتائج واضحة، خاصة أن بعض المراقبين أشاروا إلى أن عارف ربما دعا كروبي إلى تنفيذ بعض المطالب من أجل تعزيز قدرة حكومة بزشكيان على إنهاء الإقامة الجبرية المفروضة عليه. ومن دون شك، فإن رفع الإقامة الجبرية سوف يعزز موقع الرئيس كثيراً ويزيد من قدرته على مواجهة خصومه.5- رغبة تيار الأصوليين في الإطاحة بالرئيس الإيراني: يسعى تيار المحافظين الأصوليين إلى تعزيز فرص الإطاحة بالرئيس مسعود بزشكيان من منصبه، حيث يشاركون بعض أقطاب تيار الإصلاحيين في توجيه انتقادات حادة لأداء الحكومة التي يترأسها، خاصة على المستوى الاقتصادي. وربما يتجه التيار –الذي يسيطر على مجلس الشورى الإسلامي- إلى تصدير أزمة جديدة للحكومة عبر التحرك من أجل حجب الثقة عن بعض وزرائها، لا سيما في المجموعة الاقتصادية، على غرار وزراء الاقتصاد والطاقة والنفط، إلى جانب محافظ البنك المركزي.ووفقاً لرؤية هذا التيار، فإن الظروف التي طرأت على الصعيدين الدولي والإقليمي، لا سيما فيما يتعلق بعودة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض بداية من 20 يناير 2025 وإعادته سياسة "الضغوط القصوى" ضد إيران، فضلاً عن تراجع النفوذ الإقليمي الإيراني، وتزايد احتمالات إقدام إسرائيل على توجيه ضربة عسكرية واسعة النطاق ضد المنشآت النووية الإيرانية، كل ذلك يفرض ضرورة وجود رئيس أكثر تشدداً في التعامل مع تلك الضغوط، في ظل السياسة "الرخوة" التي يرى هذا التيار أن الرئيس بزشكيان يتبناها، حتى بعد حرصه على التماهي مع التصريحات الأخيرة للمرشد التي رفض فيها التفاوض مع ترامب.ختاماً، رغم أن الرئيس بزشكيان حرص على نفي نيته الاستقالة من منصبه، إلا أن هذا الاحتمال لا يمكن استبعاده في كل الأحوال، إذ إن الخيارات المتاحة أمام الرئيس محدودة، خاصة للتعامل مع تداعيات الأزمة الاقتصادية التي تتفاقم حدتها تدريجياً كما أن إيران قد تتعرض لضربة عسكرية قوية من جانب إسرائيل أو الولايات المتحدة الأمريكية، على نحو سوف يزيد من حدة الضغوط التي سوف يتعرض لها خلال المرحلة القادمة، وبالطبع فإن انخراط تيار الإصلاحيين المؤيد له في شن حملة ضده كل ذلك قد يدفعه بالفعل إلى التفكير في هذا الخيار الذي سوف ينتج -في حالة حدوثه- أزمة سياسية حادة ربما تفرض عواقب سلبية على شرعية النظام التي تتعرض لاختبار صعب في المرحلة الحالية بعد مرور 46 عاماً على اندلاع الثورة في عام 1979.

هل يقدم الرئيس الإيراني استقالته من منصبه؟