كرم سعيد

لا يبدو أن المواجهات التي تدور بين الفصائل الموالية لتركيا وقوات سوريا الديمقراطية "قسد" شمال شرق سوريا سوف تتراجع خلال المرحلة المقبلة، وهو ما قد يزيد من حدة التهديدات التي تواجه الإدارة السورية الجديدة، بيد أن الارتدادات المحتملة لهذه المواجهات لا تقتصر على ما سبق؛ إذ بدأت اتجاهات عديدة في إطلاق تحذيرات من احتمال تأثير هذه المواجهات على مدى استمرار السيطرة على مخيمات التطرف، وخاصةً "الهول"، الذي يقع في محافظة الحسكة، ويضم أعداداً كبيرة من نساء وأطفال التنظيمات الإرهابية، وبخاصة "داعش". وزادت تلك المخاوف بعد إحباط الأجهزة الأمنية التابعة لــ"قسد" في 18 يناير 2025 والمكلفة بتأمين المخيم، محاولة فرار لعائلات مرتزقة "داعش" من داخل "الهول".ويُشار في هذا الصدد إلى دعوة وزير الخارجية التركي "هاكان فيدان" في 2 يناير 2025 إلى تسليم عناصر تنظيم "داعش" الموجودين في معسكرات سوريا إلى الدول التي يحملون جنسياتها، وتسليم الحكومة السورية إدارة هذه المعسكرات، فضلاً عن تأكيد أنقرة في 17 يناير 2025 أنه في حال حدوث عملية عسكرية على "قسد"، يمكن لها إدارة هذه السجون في إطار القانون الدولي، والاستمرار في احتجاز السجناء فيها، على نحوٍ يطرح تساؤلات عديدة حول التداعيات المحتملة للمواجهات الحالية شمال شرق سوريا على أمن مخيمات التطرف.تحركات مقلقةثمة العديد من التحركات والتطورات التي تزيد من الشكوك والمخاوف بشأن تأثير المواجهات الحالية بين "قسد" وأنقرة، على تأمين معسكرات الاحتجاز لعناصر التنظيمات الإرهابية شمال شرق سوريا، ويتمثل أبرزها فيما يلي:1– تفاقم الخلافات بين "قسد" ووزارة الدفاع السورية: على الرغم من إعلان "قسد"، في 9 يناير 2025، عن أهمية الوحدة وسلامة الأراضي السورية، ورفض أي مشاريع انقسام تهدد وحدة البلاد، بالإضافة إلى رفع الأكراد السوريين، بعد سقوط "الأسد"، علم الاستقلال الذي تعتمده فصائل المعارضة، على مؤسساتهم؛ فإن التوتر لا يزال العنوان البارز في علاقة الطرفين، الذي وصل إلى مستوى غير مسبوق، بعد رفض وزير الدفاع في الإدارة السورية الجديدة "مرهف أبو قصرة" في 19 يناير 2025 طلب "قسد" الاحتفاظ بتكتل خاص داخل القوات المسلحة السورية، كما اتهم "مظلوم عبدي" قائد "قسد" بأنه يماطل في تعامله مع المسألة.2– تحشيد تركيا وإدارة العمليات العسكرية السورية ضد "قسد": تشير التطورات الميدانية في شمال شرق سوريا إلى احتمال تنفيذ عملية عسكرية مشتركة بين تركيا وإدارة العمليات العسكرية السورية بقيادة "أحمد الشرع" ضد قوات سوريا الديمقراطية "قسد". ويكشف عن ذلك، دفع الجيش التركي، في 18 يناير 2025، بمعدات عسكرية ومدرعات وذخيرة من منطقة سروج في ولاية شانلي أورفا بجنوب البلاد إلى حدود مدينة عين العرب "كوباني" السورية، بالإضافة إلى تحريك إدارة العمليات العسكرية السورية، بعض قواتها العسكرية باتجاه مناطق "قسد".3– تصاعد المواجهات بين الفصائل المدعومة من تركيا و"قسد": وصلت المواجهات العسكرية بين فصائل "الجيش الوطني السوري" المدعومة من تركيا وقوات سوريا الديمقراطية "قسد" إلى مستوى غير مسبوق في التوقيت الحالي، وخاصةً شرق حلب، ومحور "سد تشرين" وجسر "قره قوزاق"، وهو ما دفع "قسد" إلى سحب جانب من عناصر تأمين مخيمات الاحتجاز للمشاركة في العمليات العسكرية ضد تركيا والفصائل الموالية لها.4– توجه "داعش" لإعادة بناء نفوذه في الشمال السوري: ثمة العديد من التقديرات التي تثير المخاوف بشأن وضعية مخيمات احتجاز عناصر التنظيمات الإرهابية في الشمال السوري، وخاصة الموالين لــ"داعش" الذي تمكن من إعادة بناء نفوذه في سوريا من خلال توظيف حالة الفراغ السياسي والأمني الحاصل بعد سقوط نظام "الأسد" في 8 ديسمبر 2024؛ إذ وفر الانهيار السريع والمفاجئ للنظام بيئة خصبة لإنعاش آمال أنصار "داعش" والموالين له داخل مخيمات الاحتجاز التي تشرف عليها "قسد"، بعد استيلاء التنظيم على مخزونات من الأسلحة والمعدات التي خلفها الجيش السوري والميليشيات الموالية له. وتجدر الإشارة إلى أن بعض العناصر الموالية لـ"داعش" في مخيم الهول سعت خلال الآونة الأخيرة إلى تنفيذ عمليات هروب جماعي وفردي من المخيم.تبعات محتملةربما تفرض المواجهات الحالية شمال شرق سوريا تداعيات عديدة على مراكز احتجاز عناصر التنظيمات الإرهابية، ومدى قدرة "قسد" على الاستمرار في تأمينها، ويمكن بيان ذلك على النحو التالي: 1– تزايد أعباء تأمين مخيمات الاحتجاز: من المرجح أن تزيد المعارك العسكرية بين الفصائل الموالية لتركيا وقوات "قسد" من صعوبة السيطرة الأمنية على مخيمات الاحتجاز، وتراجُع قدرات "قسد" في تأمين منافذها، خصوصاً أن عدد الموجودين فيها يصل في التوقيت الحالي إلى نحو 43 ألف شخص، معظمهم في مخيمي "الهول" و"روج". وقد أدت العمليات العسكرية التي تشنها الفصائل الموالية لتركيا منذ 30 نوفمبر 2024 تحت مسمى عملية "فجر الحرية" على شمال سوريا إلى تعرض المخيمات لضغوط أكبر، خاصةً بعد أن اضطرت "قسد" إلى سحب أعداد من مقاتليها المكلفين بحراسة المخيمات للانخراط في المواجهات المسلحة مع القوات التركية والميليشيات الموالية لها.2– تعزيز نفوذ التنظيمات الإرهابية بشمال سوريا: تشير اتجاهات عديدة إلى أن المواجهات العسكرية بين الفصائل الموالية لتركيا وقوات "قسد" ستساعد عناصر التنظيمات الإرهابية في مخيمات الاحتجاز شمال سوريا، وبخاصة تنظيم "داعش"، على استعادة وتعزيز سيطرتها ونفوذها في المنطقة، لا سيما أن تراجع حراسة المخيمات في التوقيت الحالي بفعل الضغوط العسكرية التي تواجهها "قسد" سوف يؤدي إلى توسيع هامش المناورة أمام العناصر المحتجزة في المخيمات، ومن ثم تسهيل إعادة تموضعها في الجغرافيا السورية.3– زيادة عمليات الفرار من المخيمات: قد تساهم المواجهات الحالية بين "قسد" والفصائل الموالية لتركيا، بجانب تهديد أنقرة بعملية عسكرية مشتركة مع غرفة العمليات السورية ضد الإدارة الذاتية الكردية، في زيادة عمليات الفرار من داخل المخيمات، وبخاصة مخيم الهول الذي يضم عدداً واسعاً من الأفراد تفوق طاقته الاستيعابية، وهي العمليات التي تزايدت وتيرتها خلال الآونة الأخيرة؛ وذلك رغم الإجراءات الأمنية التي تتخذها "قسد"، والتي تأثرت نسبياً بانخراطها في المواجهات المسلحة الحالية مع الميليشيات السورية المدعومة من تركيا. وتجدر الإشارة إلى أن ثمة تقديرات كردية محلية، كانت قد لفتت في التوقيت الحالي إلى أن مخيمي "الهول" و"روج" يشهدان بشكل شبه يومي محاولات تهريب عوائل مرتزقة "داعش" منهما منذ سقوط نظام "الأسد".4– استعادة الخلايا الإرهابية النائمة نشاطها: قد تعمل الخلايا النائمة الموالية لتنظيم "داعش" على توظيف حالة السيولة الأمنية، واتساع نطاق الاضطرابات العسكرية في الشمال السوري بجانب انشغال "قسد" بالتصدي للتوغل التركي، على إعادة تموضعها ميدانياً، من خلال استعادة نشاطها العملياتي على الساحة السورية. وكان بارزاً، هنا، إعلان مديرية المخابرات السورية في 11 يناير 2025 عن إحباط محاولة لتنظيم "داعش" لاستهداف "مقام السيدة زينب" في العاصمة دمشق.بيئة مواتية وختاماً، يمكن القول إن المواجهات الحالية شمال شرق سوريا ستؤدي إلى تعزيز حالة عدم الاستقرار في الشمال السوري، ويمكن أن تساعد في توفير بيئة مواتية لهروب عناصر التنظيمات الإرهابية من مخيمات الاحتجاز التي تتولى إدارتها العناصر الكردية، ومن ثم إعادة تموضع "داعش" في الساحة السورية.

ما تأثيرات المواجهات العسكرية شمال سوريا على مخيمات التطرف؟