إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

أجرى وزير الداخلية الجزائري "إبراهيم مراد"، برفقة المدير العام للأمن الوطني، زيارة إلى إسبانيا، في 24 فبراير 2025؛ حيث التقى نظيره الإسباني "فرناندو جراندي مارلاسكا جوماز"، وأكد خلال الزيارة أهمية التعاون الثنائي بين البلدين، وضرورة التشاور المستمر حول القضايا الأمنية التي تمس أمن البلدين. وتكتسب هذه الزيارة أهميتها من جهة كونها أول زيارة تأتي بعد نحو ثلاث سنوات من الخلاف الحاد بين البلدين في مارس 2022؛ وذلك عقب إعلان مدريد دعمها مخطط الحكم الذاتي الذي طرحه المغرب لحل النزاع مع جبهة البوليساريو حول الصحراء الغربية، أو فيما يتصل بعودة التطور في العلاقات التجارية بين البلدين، لا سيما بعد قرار الجزائر في نوفمبر 2024 إعادة فتح عمليات التجارة الخارجية من إسبانيا وإليها.مؤشرات كاشفةجاءت زيارة وزير الداخلية الجزائري إلى إسبانيا في وقت شهدت فيه العلاقات المشتركة تطوراً لافتاً خلال الآونة الأخيرة، وهو ما يمكن بيانه على النحو التالي:1– تبني الحكومة الجزائرية خطاباً تصالحياً تجاه إسبانيا: تبنت الجزائر خلال الآونة الأخيرة خطاباً تصالحياً مع مدريد. وكان لافتاً، هنا، وصف الرئيس الجزائري "عبد المجيد تبون" إسبانيا بـ"الدولة الصديقة"؛ وذلك في سياق برقية تهنئة وجهها في 19 فبراير 2025 إلى الروائي الجزائري "محمد مولسهول"، الذي حاز جائزة أدبية من جمعية الكُتاب في برشلونة. ويحمل توصيف "تبون" رسالة مهمة مفادها أن الجزائر تخلت عن خطابها الحاد ضد إسبانيا، كما كشفت بعض التحليلات عن أن حديث "تبون" ربما يلمح إلى إمكانية عودة العمل بـ"معاهدة الصداقة وحسن الجوار" الموقعة في عام 2002، التي علَّقتها الجزائر في إطار الرد على الدعم الإسباني للمقاربة المغربية بشأن الصحراء الغربية.2– تزايد الزيارات المتبادلة بين مسؤولي الدولتين: شهدت الأشهر الأخيرة زيارات متبادلة لكبار المسؤولين في البلدين؛ حيث زار وزير الداخلية الجزائري برفقة مدير الأمن الوطني إسبانيا في 24 فبراير 2025. وفي المقابل، أجرى وفد إسباني في 17 ديسمبر 2024 زيارة إلى الجزائر للعمل على تعزيز العلاقات بعد رفع القيود الجزائرية على الصادرات إلى إسبانيا.كما سبقت هذه الخطوةَ زيارةُ وزير الخارجية الإسباني إلى الجزائر في فبراير 2024، وهي الزيارة التي شكَّلت فرصة لتفكيك الأزمة الدبلوماسية بين البلدين؛ لكونها كانت الأولى منذ تجميد العلاقات في عام 2022. وفي سياق متصل، التقى وزير الخارجية الجزائري "أحمد عطاف" نظيره الإسباني، في 20 فبراير 2025، على هامش قمة مجموعة العشرين في جوهانسبرج بجنوب أفريقيا؛ حيث أكدا الوزيران أهمية تعزيز العلاقات بين البلدين.3– رفع الجزائر الحظر التجاري على إسبانيا: أعلنت الجزائر في نوفمبر 2024 عن رفع الحظر التجاري الكامل على إسبانيا بعد نحو عامين ونصف العام من العقوبات الاقتصادية، من خلال إصدار البنك المركزي الجزائري تعميماً لكل المؤسسات المالية والمصارف المعتمدة في البلاد، تضمَّن ضوءاً أخضر لإعادة فتح عمليات التجارة الخارجية من إسبانيا وإليها.4– استمرار وتيرة صادرات الغاز الجزائري إلى إسبانيا: على الرغم من حالة التوتر بين البلدين خلال العامين الماضيين، فإن الجزائر حافظت على وتيرة صادراتها من الغاز إلى إسبانيا؛ حيث احتلَّت الجزائر صدارة قائمة أكبر مصدِّري الغاز إلى إسبانيا في عام 2024، بنسبة 38.5%، لتصل إلى نحو 131.2 تيراواط/ساعة، بعد أن سجلت 116.3 تيراواط/ساعة في عام 2023.5– محورية دور الجزائر في تحرير الرهينة الإسباني: لعبت الجزائر دوراً استراتيجياً في تحرير مواطن يحمل الجنسية الإسبانية "نافارو كندا خواكيم"، تم اختطافه في 14 يناير 2025 من طرف جماعة مسلحة بجنوب الجزائر، وتم نقله بعد ذلك إلى مالي. وكان وزير الداخلية الإسباني قد أعرب، خلال لقائه مع نظيره الجزائري، عن عرفانه العميق للجهود التي بذلتها الأجهزة الأمنية الجزائرية التي أدت إلى تحرير المواطن الإسباني.أهداف عديدة تتمثل أبرز دوافع الجزائر للسعي إلى تعزيز العلاقات مع إسبانيا فيما يلي: 1– موازنة تحركات باريس في ملف الصحراء: يرتبط التحرك الجزائري تجاه مدريد، في جانب معتبر منه، بالرغبة في مواجهة الضغوط الفرنسية التي تستهدف دعم المقاربة المغربية في ملف الصحراء؛ حيث أعلن "ماكرون" عن دعمه مقترح الحكم الذاتي الذي طرحته الرباط باعتباره حلاً وحيداً للنزاع في منطقة الصحراء. وجددت باريس موقفها مؤخراً من خلال زيارة رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي "جيرار لارشيه" إلى الصحراء الغربية في 25 فبراير 2025، في إطار زيارة رسمية، كما سبقتها زيارة وزيرة الثقافة الفرنسية إلى مدينة العيون في الصحراء الغربية في 17 فبراير 2025.2– تعزيز التعاون في مجال مكافحة الإرهاب: لا ينفصل حرص الجزائر على التقارب مع إسبانيا عن الرغبة في دعم الجهود المتعلقة بمكافحة الإرهاب، وهو ما أكده وزير الداخلية الجزائري خلال زيارته إلى إسبانيا؛ حيث أشار إلى أهمية تكثيف تبادل المعلومات الاستراتيجية والاستخباراتية مع مدريد بهدف تمكين أجهزة الأمن في البلدين من التصدي للأنشطة غير المشروعة. وتشير تقديرات إلى أن تنظيم "داعش"، تمكَّن من فرض سيطرته في المنطقة الحدودية بين مالي والجزائر، مستفيداً من الانسحاب الفرنسي من مالي ودول الساحل والصحراء.3– تطوير التعاون بمجال مكافحة الهجرة غير الشرعية: تعد قضية الهجرة غير الشرعية ورقة ضاغطة على الجزائر، وتحولت إلى معضلة أمنية غير مسبوقة، بعد أن تحولت البلاد إلى دولة عبور بالنسبة إلى الكثير من الجنسيات الأفريقية، ومستقر للكثير من المهاجرين الأفارقة غير النظاميين. وتسعى الجزائر إلى تطوير التعاون في هذا الملف مع مدريد، التي تواجه بدورها ارتدادات سلبية لهذه المعضلة الجزائرية، من خلال تدفق العديد من المهاجرين غير الشرعيين، وتحول الجزائر إلى محطة انطلاق نحو إسبانيا، ومنها إلى دول الاتحاد الأوروبي، وهو ما انعكس على الأمن القومي الإسباني.وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن التقرير الصادر في عام 2024 عن المنظمة غير الحكومية الإسبانية "كامنندو فرونتيراس"، أكد أن الطريق البحري الذي يربط بين الجزائر والسواحل الإسبانية الشرقية، الممتد من ألميريا إلى فالنسيا، مروراً بأليكانتي حتى جزر البليار، شهد وفاة 517 مهاجراً غير شرعي، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 19% مقارنةً بعام 2023.4– استرجاع الأموال الجزائرية المنهوبة: مع تراجع مؤشرات الاقتصاد الجزائري خلال الفترة الماضية، أبدت الجزائر اهتماماً بالغاً بالسعي إلى استعادة الأموال الجزائرية المنهوبة، التي انتقل جزء معتبر منها إلى إسبانيا خلال فترة الرئيس السابق "عبد العزيز بوتفليقة"، والتي تُقدر بنحو 200 مليار دولار، أعلن الرئيس "تبون" في ديسمبر 2024 عن استرجاع نحو 30 مليار دولار منها.وعلى ضوء ذلك، تعي الجزائر أهمية التعاون القضائي مع مدريد في هذا الملف؛ لاعتبارين مهمين؛ أولهما أن استعادة الأموال المنهوبة مسار طويل ومعقد يتطلب تعاوناً سياسياً وقضائياً مع الشركاء في الضفة الأخرى للمتوسط، وخاصةً إسبانيا التي فرَّ جزء مهم من أموال الجزائر إليها خلال حقبة "بوتفليقة". وثانيهما أن مدريد تعد أكثر العواصم تعاوناً مع الجزائر، في قضايا استرجاع الأموال المنهوبة؛ حيث سبق للرئيس الجزائري "تبون" أن صرَّح في عام 2023، بأن إسبانيا وافقت على تسليم الجزائر 3 فنادق فخمة 5 نجوم كان يمتلكها أحد رجال الأعمال المحسوبين على النظام السابق.5– تفكيك الدعم الإسباني للمغرب: تستهدف الجزائر دفع مدريد نحو إعادة النظر في موقفها الداعم للمقاربة المغربية بشأن قضية الصحراء الغربية، أو على الأقل تبني الحيادية إزاء هذه الأزمة. وفي رؤية الجزائر، فإن ثمة إشارات إسبانية لضبط موقف مدريد من أزمة الصحراء، أهمها إعلان رئيس الحكومة الإسبانية في سبتمبر 2023 أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، تأييد بلاده التوصل إلى حل سياسي لقضية الصحراء الغربية، ويكون مقبولاً للمغرب والجزائر، ويتوافق مع ميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن، وهو ما عدَّته الجزائر خطوة مهمة على طريق تفكيك موقف إسبانيا من الأزمة.مصالح متقاطعة وختاماً، يمكن القول إن زيارة وزير الداخلية الجزائري إلى إسبانيا تعكس رغبة البلدين في دعم فرص التقارب خلال المرحلة المقبلة، وتعزيز التعاون في مجالات مختلفة تتقاطع مع مصالحهما، بيد أن المقاربة الإسبانية تجاه قضية الصحراء تظل تحدياً رئيسياً في هذا العلاقة، بالإضافة إلى توجه مدريد خلال الآونة الأخيرة لتعزيز تعاونها الاستراتيجي مع موريتانيا والمغرب على حساب الجزائر.

ما دوافع الجزائر لتعزيز العلاقات مع إسبانيا؟