إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية


        




<p><br><strong>بدأ الرئيس الأمريكي "جو بايدن" في 20 مايو الجاري جولة آسيوية لمدة 4 أيام، تشمل كلّاً من كوريا الجنوبية واليابان، في أول زيارة لكلتَيْهما منذ توليه مهام منصبه في أوائل العام الماضي. وبوجه عام، ركزت تلك الجولة على 4 ملفات بارزة هي: تعزيز التقارب بين الحلفاء الأمريكيين، ودفع سيول للانضمام إلى تحالف "كواد"، وبحث التطورات في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وتشديد العقوبات على روسيا. وقد تباينت دلالات تلك الجولة بين من يدفع بكونها تحذيراً للصين من الحضور الأمريكي القوي في المنطقة، ومن يجادل بكونها رداً عالمياً على الحرب الروسية–الأوكرانية، ومن يرى أنها لحظة اغتنمها "بايدن" لتأكيد القيادة الأمريكية وتلبية الطموحات الأمريكية في المنطقة، ومن يجادل بأنها صورة لما يمكن أن يكون عليه العالم إذا اجتمعت الديمقراطيات والمجتمعات المنفتحة لإملاء قواعد العمل تبعاً لتوجهات القيادة الأمريكية.</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">أهداف مأمولة</span></strong></p>



<p><strong>تمثلت أهداف "بايدن" من جولته الآسيوية في تعزيز دور الولايات المتحدة بآسيا في مواجهة نفوذ الصين المتزايد من ناحية، ومُجابَهة المخاوف من التجارب النووية التي تُجريها كوريا الشمالية من ناحية ثانية. وبوجه عام، يمكن إجمال الأهداف الأمريكية من تلك الجولة في النقاط الآتية:</strong></p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– تطويق التوسعات الإقليمية لبكين</strong>: وصف الرئيس الأمريكي الصين بـ"النظام الاستبدادي" المنخرط في منافسة عالمية ضد الدول الديمقراطية، وهي المنافسة التي تنصرف إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ؛ لذا هدف "بايدن" إلى تعزيز الحضور الأمريكي في المنطقة بالتعاون مع حلفاء الولايات المتحدة التقليديين ممثلين في كوريا الجنوبية واليابان، وهو ما يطال بتداعياته المنطقة بأسرها. وفي هذا السياق، تبرز أهمية المبادرة الأمريكية الجديدة للتجارة الإقليمية و"إطار العمل الاقتصادي لمنطقة الهندي–الهادئ من أجل الازدهار" التي تعد – على حد وصف "بايدن" – اتفاقاً اقتصاديّاً جديداً للقرن الحادي والعشرين، ونموذجاً لحل المشكلات الحديثة (بما في ذلك وضع قواعد الاقتصاد الرقمي، وضمان استدامة سلاسل التوريد).</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– مجابَهة تهديد كوريا الشمالية النووي</strong><strong>: </strong>يرى "بايدن" أنبيونج يانج تمثل تهديداً متزايداً، ومن ثم تستلزم مجابهتُها توسعةَ نطاق وحجم التدريبات العسكرية المشتركة مع كوريا الجنوبية. وهنا يأتي التعزيز المحتمل لها ردّاً على اختبارات الأسلحة المتتالية التي أجرتها كوريا الشمالية هذا العام في اتجاه مضادٍّ للعقوبات الدولية. وعليه ناقش رئيس كوريا الجنوبية "يون سوك يول"، والرئيس الأمريكي "بايدن" طبيعة التدريبات اللازمة للاستعداد لهجوم نووي وشيك، وشدَّدا على تزايد الحاجة إلى طائرات وصواريخ مقاتلة؛ ما يعني أن مظلة الردع النووي الأمريكي لم تَعُد كافية؛ ما يزيد مخاوف سيول التي أرادت واشنطن طمأنتها من خلال جولة "بايدن".</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3– استمالة الهند نحو الموقف الأمريكي</strong><strong>: </strong>هدفتجولة "بايدن" الآسيوية بحث سبلتعميق العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية مع حلفاء واشنطن في آسيا من ناحية، واستمالة الهند نحو التوجهات الأمريكية بالمنطقة من ناحية ثانية، لا سيما عقب موقفها من الحرب الروسية–الأوكرانية؛ إذ تحاول واشنطن التأثير في موقفها من تلك الحرب باستغلال التوتر بينها وبين الصين بهدف دعم أوكرانيا وتضييق الخناق على موسكو.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4– تفعيل التحالف الرباعي</strong>: هدفت جولة "بايدن" أيضاً إلى دفع كوريا الجنوبية للانضمام إلى التحالف الاستراتيجي لدول منطقة المحيطَين الهندي والهادئ "كواد"، وهي مجموعة تضم الولايات المتحدة وأستراليا والهند واليابان؛ بهدف مواجهة تزايد النفوذ الصيني في المنطقة؛ إذ تضع الإدارة الأمريكية تلك المنطقة في صلب سياستها الخارجية والدفاعية من أجل الحد من صعود بكين التي تتهمها واشنطن بالهيمنة على الطرق التجارية الدولية، فيما تتزايد المخاوف من تراجع الاهتمام الأمريكي بتلك المنطقة بسبب الحرب الروسية–الأوكرانية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">مخرجات الجولة</span></strong></p>



<p><strong>أسفرت جولة الرئيس الأمريكي "جو بايدن" الآسيوية عن جملة من المخرجات يمكن الوقوف عليها على النحو الآتي:</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– عرض المساعدات الطبية على الخصوم:</strong> عرض "بايدن" ورئيس كوريا الجنوبية "يون" مساعدة بيونج يانج بعد أن شهدت مؤخراً تزايداً حادّاً في حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد، في إقرار غير معهود من جانبها بتفشي الفيروس. ومن ثم أعرب البيان المشترك بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية عن مخاوف عدة حيال الحالة الوبائية في كوريا الشمالية، ليعرض الجانبان – بالتعاون مع المجتمع الدولي – تقديم المساعدات الطبية اللازمة لها لمكافحة الفيروس. وقد عرض الجانبان تقديم اللقاحات اللازمة لمجابهة الفيروس؛ ليس لكوريا الشمالية فقط، بل وللصين أيضاً.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– دعم الاقتصاد الأمريكي:</strong> في ظل ارتفاع معدلات التضخم الأمريكي، سعت جولة "بايدن" إلى تقوية الاقتصاد الأمريكي من خلال إقناع الشركات الأجنبية مثل "هيونداي" بتكثيف إنتاجها في الولايات المتحدة. وقد تعهَّدت تلك الشركة بالفعل باستثمار نحو 10 مليارات دولار على الأقل فيها. ومن قاعدة "أوسان" الجوية، توجه "بايدن" إلى مصنع أشباه الموصلات التابع لشركة "سامسونج" الكورية العملاقة في "بيونجتايك" في جنوب سيول؛ ذلك أنها أضحت حجر الزاوية في صناعة معظم الأجهزة الحديثة من الهواتف إلى السيارات؛ ما أجَّج المنافسة العالمية عليها، لا سيما بين الجانبَين الصيني والأمريكي، في ظل سعي بكين إلى الاستحواذ على أكبر حصة من سلاسل إمدادها العالمية في وقت تحاول فيه واشنطن إعادة بناء صناعتها الوطنية. وفي هذا الإطار، قال مستشار الأمن القومي الأمريكي "جيك سوليفان" إن "استثمار سامسونج في تكساس سيعني وظائف ذات رواتب جيدة للأمريكيين، والأهم من ذلك أنه سيعني المزيد من مرونة سلسلة التوريد".</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3– إظهار التضامن الأمريكي مع الحلفاء</strong>: عكست جولة "بايدن" شكلاً من أشكال التضامن مع الحلفاء الآسيويين المُتشكِّكين في الالتزامات الأمنية الأمريكية والمُهدَّدين بالأسلحة النووية لكوريا الشمالية، وهي الشكوك التي تعمَّقت بوضوح في فترة رئاسة الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب". وقد تجلَّت مظاهر التضامن تلك في زيارة الرئيس الأمريكي إلى قاعدة "أوسان" الجوية قبل وصوله إلى العاصمة اليابانية (طوكيو)؛ حيث يراقب الآلاف من الجنود الأمريكيين والكوريين الجنوبيين التهديد النووي لكوريا الشمالية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4– مناقشة سبل تطوير التحالفات الثنائية:</strong> تمكَّنت جولة "بايدن" من إعادة توجيه الموقف الدفاعي والمناورات العسكرية المشتركة بين سيول وواشنطن إلى مسارها الصحيح، وخاصةً بعد توقفها بأمر من الرئيس السابق "مون جيه–إن" بسبب جهود إدارته لتسهيل الحوار مع بيونج يانج. من ثم ركزت كوريا الجنوبية على استئناف التدريبات العسكرية، وإعادة تنشيط المجموعة الاستراتيجية والاستشارية للردع التي جرى تعليق عملها سلفاً، كما أعادت الولايات المتحدة تأكيد التزامها بنشر أصولها الاستراتيجية إن لزم الأمر في الوقت المناسب.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">تحديات متفاقمة</span></strong></p>



<p><strong>واجه "بايدن" أثناء جولته جملة من التحديات أثرت بالسلب على أهداف الجولة، ومن أبرزها ما يأتي:</strong></p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– استمرار التعاون الاقتصادي بين سيول وبكين</strong>: أكد النائب الأول لوزير خارجية كوريا الجنوبية "جو هيون–دونج" أن إقامة شراكة اقتصادية وتكنولوجية أوثق بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة، لا تهدف إلى استبعاد دولة بعينها، وستُواصل سيول جهودها مع بكين لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع أكبر شريك تجاري لها؛ فعلى الرغم من جهود الولايات المتحدة لاحتواء الصين، فإن واقع الحال يشير إلى الترابط الاقتصادي الحادِّ بينها وبين كوريا الجنوبية؛ ما يؤثر تأثيراً بالغاً في سلاسل الإمداد العالمية على نحوٍ يُقوِّض المساعي الأمريكية لتطويق واحتواء الصين في المنطقة على الصعيد الاقتصادي على الأقل.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– إجراء مناورات عسكرية صينية: </strong>أطلقت الصين مناورات عسكرية في بحر الصين الجنوبي تزامناً مع جولة "بايدن" في المنطقة. وقد أتت تلك المناورات في وقت تحتجُّ فيه بكين على تدخُّلات كل من بروناي وماليزيا والفلبين وتايوان في بحر الصين الجنوبي، بالإضافة إلى الولايات المتحدة التي تُصرُّ على حرية العمل في ذلك البحر، فيما تصف الصين هذا الأمر بأنه "استفزازات مُتعمَّدة تُعرِّض السلام والاستقرار للخطر". ومنذ بداية الشهر الجاري، نفَّذت حاملة الطائرات الصينية "لياونينج" مهمة وصفتها وزارة الدفاع الصينية بأنها "تدريب روتيني في بحر اليابان على نحو يتماشى مع القانون الدولي والممارسات الدولية ذات الصلة".</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3– التنقيب الصيني عن الغاز في مناطق مُتنازَع عليها: </strong>بالتزامن مع جولة "بايدن" أيضاً اتجهت الصين إلى التنقيب عن الغاز الطبيعي في بعض المناطق المُتنازَع عليها مع اليابان؛ ما دفع وزارة الخارجية اليابانية إلى تقديم شكوى لسفارة الصين في طوكيو، متهمةً بكين بإقامة 17 منصة حفر آبار للتنقيب في حقول مُتنازَع عليها في قطاع تتداخل فيه المنطقتان الاقتصاديتان الخالصتان للبلدين في بحر الصين الشرقي دون ترسيم حدود المنطقتَين الاقتصاديتَين الخالصتَين والجرف القاري في بحر الصين الشرقي.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4– تشييد جسور صينية في الهند: </strong>أشعلت الصين أزمة جديدة إبان جولة "بايدن" في المنطقة، لتُشيِّدجسراً آخر فوق بحيرة "بانجونج" المُتنازَع عليها، وهي المنطقة التي ترى الهند أنها تخضع لاحتلال غير قانوني من قِبَل بكين منذ عقد الستينيات، وهو ما دفع المتحدث باسم وزارة الشؤون الخارجية الهندية "أريندام باغشي" إلى القول إنه "لن نقبل أبداً مثل هذا الاحتلال غير القانوني لأراضينا، ولن نقبل المزاعم الصينية غير المُبرَّرة أو أنشطة البناء تلك".</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>ختاماً.. تعددت جهود الولايات المتحدة لاحتواء الصين في منطقة نفوذها التقليدي (آسيا والمحيط الهادي) من خلال استعداء دول الجوار، والاستثمار في التوترات الثنائية، وإطلاق خطاب دولي مناهض لبكين، والتعويل على الأوراق الأمنية والعسكرية المُغلَّفة بالمصالح الاقتصادية، ضماناً لاستقرار سلاسل التوريد العالمية، وضخ دماء جديدة في الشراكات الاقتصادية والعسكرية في المنطقة التي يُحتمَل أن تكون ساحة معركة قادمة، لا سيما في ظل مخاوف اليابان من الوجود الصيني حول الجزر المُتنازَع عليها بين الجانبَين من ناحية، وتعدُّد التهديدات الصينية لتايوان من ناحية ثانية.</strong></p>

      

الملفات الرئيسية لجولة "بايدن" الآسيوية