كرم سعيد

في الوقت الذي يحتدم فيه المشهد السياسي والأمني في إقليم كردستان العراق على خلفية استمرار تعطيل عملية تشكيل حكومة جديدة، وكثافة الغارات العسكرية التركية على مناطق شمال العراق في إطار جهود تحييد نشاط حزب العمال الكردستاني، بالإضافة إلى التطورات التي يشهدها الإقليم، خاصةً بعد سقوط النظام السوري، وصعود الفصائل الموالية لتركيا إلى صدارة المشهد؛ أجرى رئيس إقليم كردستان مسرور بارزاني زيارة إلى تركيا في 7 يناير 2025. والتقى بارزاني خلال زيارته الرئيس رجب طيب أردوغان، وعدداً من المسؤولين الأتراك، من بينهم وزير الخارجية هاكان فيدان. وتزامنت الزيارة مع وصول رئيس حزب "حراك الجيل" الفائز في الانتخابات التشريعية التي أجريت في الإقليم بــ15 مقعداً، إلى تركيا.دوافع متعددةترتبط زيارة رئيس إقليم كردستان إلى تركيا، ولقاء الرئيس أردوغان مع بارزاني في التوقيت الحالي بالرغبة في تعزيز التفاهمات بشأن جملة من الملفات الحيوية، ويتمثل أبرزها فيما يلي:1– تحييد قدرات حزب العمال الكردستاني شمال العراق: لا ينفصل لقاء بارزاني وقادة تركيا عن رغبة الطرفين في تنسيق المواقف بشأن تحييد قدرات حزب العمال الكردستاني شمال العراق، خاصة بعد إعلان تركيا في مطلع يناير 2025 عن إطلاق عملية عسكرية في سوريا. وفي رؤية الطرفين، فإن التطورات في سوريا بعد هيمنة هيئة تحرير الشام الموالية لتركيا على مفاصل السلطة، وكذلك التغيير الحاصل في الموقف الرسمي العراقي من وجود مسلحي حزب العمال داخل الأراضي العراقية، يمثل فرصة لتقطيع أوصال مشروع حزب العمال الكردستاني في المنطقة؛ حيث ينظر الطرفان "الحزب الديمقراطي الكردستاني" العراقي، وتركيا إلى حزب العمال الكردستاني على أنه خصم مشترك.2– توظيف الدعم التركي لتشكيل حكومة الإقليم: تتصاعد حدة الخلافات بين القوى الكردية في إقليم كردستان العراق بشأن تشكيل حكومة جديدة منذ إعلان نتيجة الانتخابات التشريعية في نهاية أكتوبر 2024. وعلى ضوء ذلك، فإن ثمة اتجاهات عديدة في الإقليم – في الصدارة منها تيار بارزاني – تُعوِّل على توظيف النفوذ التركي لإقناع الأحزاب الكردية القريبة من تركيا بدعم بارزاني في عملية تشكيل الحكومة، وخاصة "حراك الجيل الجديد" الحاصل على خمسة عشر مقعداً. وهنا، يمكن تفسير زيارة رئيس حزب حراك الجيل إلى تركيا، ولقائه نوح يلماز نائب وزير الخارجية التركي؛ وذلك بالتزامن مع وجود بارزاني في تركيا في زيارة رسمية.&nbsp;3– تنسيق الضغوط ضد حزب الاتحاد الوطني الكردستاني: في ظل مساعي تركيا إلى محاصرة المشروع الكردي في الإقليم، فإنها تستهدف تقليم أظافر حزب الاتحاد الوطني في إقليم كردستان العراق، باعتباره شوكة في خاصرة التحركات العسكرية التركية شمال العراق ضد عناصر حزب العمال المحظور، كما يظل مهماً من وجهة نظر تركية تحجيمُ دور "حزب الاتحاد" في الإقليم، وتقزيم نفوذه في السلطة الاتحادية العراقية. وظهر ذلك، على سبيل المثال، في مساعي تركيا لمنع حزب طالباني من تولي إدارة الحكومة المحلية في محافظة كركوك الغنية بالنفط من خلال توظيف نفوذ حليفها التيار التركماني داخل المحافظة. وعلى ضوء ذلك، ترى أنقرة أن مواصلة التنسيق مع حزب بارزاني يمكن أن يشكل ضغطاً شديداً على الاتحاد الوطني الكردستاني الذي تجمعه علاقات متوترة مع أنقرة، على خلفية تحالفه مع حزب العمال الكردستاني، ومناهضته المقاربة التركية تجاه شمال العراق، ناهيك عن كونه يعد امتداداً لنفوذ إيران إقليم كردستان العراق.4– حل معضلة إعادة صادرات نفط الإقليم عبر تركيا: يعد حل أزمة إعادة تصدير نفط الإقليم عبر تركيا إلى أوروبا مسألة حيوية بالنسبة إلى رئيس إقليم كردستان العراق، وخاصةً في ظل حاجة الإقليم إلى الموارد المالية من الصادرات النفطية. وهنا، يمكن فهم تأكيد بارزاني، خلال لقائه الرئيس التركي، أهمية إزالة العقبات التي تعترض تصدير نفط الإقليم عبر ميناء جيهان التركي.&nbsp;ويُعد هذا الملف من الملفات الشائكة التي تتطلب متابعة خاصة من إقليم كردستان، لا سيما أن قيام حكومة الإقليم بإعادة تصدير النفط بواسطة الصهاريج إلى دول الجوار، لم يحقق مصالح مالية لخزينة الإقليم، وإنما حقق مصلحة الشركات الأجنبية العاملة في قطاع النفط بالإقليم؛ ولذلك يمثل حل ملف تصدير نفط الإقليم عبر تركيا أولوية استراتيجية لبارزاني. وتجدر الإشارة إلى أن صادرات نفط كردستان قد توقفت منذ مارس 2023، بعد أن دعمت محكمة التحكيم الدولية موقف حكومة العراق الاتحادية، وألزمت تركيا بدفع تعويضات تُقدَّر بـ1.5 مليار دولار بسبب نقل نفط الإقليم عبر خط أنابيب ميناء جيهان، من دون الحصول على إذن بغداد.تداعيات محتملةمن المحتمل أن تسفر زيارة بارزاني إلى تركيا عن جملة من التداعيات، يمكن بيانها على النحو التالي:1– ترسيخ القوة ضد خصوم تركيا في كردستان: في ظل إصرار تركيا على توظيف العصا الغليظة في مواجهة المشاريع الكردية في المنطقة، يرجح أن يساهم لقاء بارزاني–أردوغان في تعزيز التفاهمات بشأن توظيف القوة الصلبة ضد نشاط حزب العمال الكردستاني شمال العراق، خصوصاً بعد رفض قيادات الحزب في جبال قنديل، مبادرة الزعيم الكردي عبد الله أوجلان، الذى أعلن في ديسمبر 2024 عن استعداده للدخول في حوار سياسي غير مشروط مع الحكومة التركية، مؤكداً أن القضية الكردية أصبحت "غير قابلة للتأجيل".2– تعزيز النفوذ الإقليمي لإقليم كردستان العراق: يُعد حزب البارزاني أكبر المستفيدين من التطور الحاصل في الإقليم، وبخاصة على الساحة السورية، بحكم العلاقة التي تربط الحزب الديمقراطي الكردستاني مع تركيا. وهنا يمكن تفسير رسالة البارزاني في منتصف ديسمبر 2024 إلى قائد إدارة العمليات العسكرية في سوريا "أحمد الشرع"؛ حيث رحب فيها بوصف "الشرع" الشعب الكردي بأنه جزء من الوطن، وشريك في "سوريا القادمة"، كما أعرب بارزاني عن أمله أن تكون هذه الرؤية بداية تصحيح المسار وإنهاء "الممارسات المجحفة المرتكبة بحق أكراد سوريا"، مشيراً إلى أن هذا المنظور "يمهد لبناء سوريا قوية وديمقراطية".ووفقاً للعديد من التقديرات، فإن هذه الرسالة جاءت كاشفة عن رغبة البارزاني في استثمار الضغوط الراهنة على الإدارة الذاتية الكردية بعد سقوط الأسد، لدعم قوى مجلس القوى الوطني الكردي في سوريا المقرب منه، وتثبيت موقعه في المعادلة السياسية السورية المقبلة؛ وذلك على حساب تهميش دور قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، كما يسعى البارزاني من جانب آخر إلى تسويق نفسه كقائد كردي عابر للحدود، وإثبات حضوره كمرجعية سياسية للكرد في دول الإقليم، ناهيك عن إمكانية لعب دور الوسيط حين يسمح الوقت، سواء بين أنقرة والإدارة الذاتية الكردية، أو بين الأخيرة والسلطة الجديدة في سوريا.3– دفع حالة الاستقرار السياسي في الإقليم: في إطار مساعي تركيا إلى توظيف الأحداث الإقليمية الراهنة لمواجهة المشاريع الكردية في المنطقة، فإنها تعمل على تأمين حالة الاستقرار في إقليم كردستان العراق، ودعم نفوذ بارزاني باعتباره نقطة استناد استراتيجية في مكافحة حزب العمال الكردستاني. وعلى ضوء ذلك، قد تساهم زيارة بارزاني الأخيرة إلى تركيا، في دفع الأخيرة نحو تكثيف تحركاتها تجاه الأحزاب والقوى الموالية لها في الإقليم، بجانب مواصلة ضغوطها على حزب الاتحاد الوطني؛ وذلك لمواجهة التحديات التي يفرضها الأخير أمام تشكيل حكومة جديدة.4– تعزيز المصالح الاقتصادية للإقليم مع تركيا: وهي التي تفسر، في جانب منها، أسباب حرص رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني على تعزيز العلاقة مع تركيا، باعتبار أن لديه مصالح واسعة مع الحكومة التركية، من أبرزها تنامي معدلات التبادل التجاري؛ حيث أعلنت غرفة التجارة في إقليم كردستان، أن حجم التبادل التجاري بين الإقليم وتركيا وصل إلى نحو 10 مليارات دولار بنهاية سبتمبر 2024، بالإضافة إلى مشاريع الطاقة، كما يسعى الإقليم إلى توظيف النفوذ التركي الحالي على الساحة السورية لدعم فوز شركات الإقليم بحصة في عقود إعادة الإعمار في سوريا.ختاماً، يمكن القول إن تركيا وإقليم كردستان يحاولان في التوقيت الحالي استثمار التطورات الإقليمية، وخاصةً على الساحة السورية لخدمة مصالحهما السياسية والاقتصادية والأمنية، لكن ذلك لا ينفي أن تكون هناك حسابات داخلية لها دور في حرص تركيا على تطوير علاقاتها مع البارزاني، خاصةً فيما يتعلق بحشد قوى إقليم كردستان العراق وتأمين مشاركته في عملية مكافحة حزب العمال الكردستاني.

ما أبعاد زيارة رئيس إقليم كردستان العراق إلى تركيا؟