إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية


        
<p>ثمة مخاوف جدية داخل الولايات المتحدة بشأن التداعيات الأمنية المحتملة للتعاون المتصاعد بين إسرائيل والصين؛ وذلك في ضوء ارتفاع مستوى العلاقات التجارية والاستثمارية، وتصاعد وتيرة التبادل التعليمي والسياحي بين البلدين، وتجاوُز البلدين الاختلافات في أولوياتهما الإقليمية. ومع جعل إدارة الرئيس الأمريكي؛ جو بايدن، مواجهة النفوذ الصيني في مقدمة أولوياتها، وتحسُّسها تجاه أي تقارب صيني مع أي من حلفائها الاستراتيجيين؛ فإن من المهم إلقاء الضوء على دوافع التقارب الإسرائيلي الصيني، والمخاوف الأمريكية من أن يتسع هذا التقارب ليشمل أبعاداً أمنية واستراتيجية، ومستقبل التقارب بين إسرائيل والصين في ضوء تلك المخاوف والتحفظات الأمريكية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">دوافع التقارب</span></strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>شهدت العلاقات الصينية الإسرائيلية تطوراً متسارعاً خلال السنوات الأخيرة؛ الأمر الذي يعكس دوافع قوية لتطوير هذه العلاقات، يمكن تناول أبرزها فيما يلي:</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– تعزيز القدرات التكنولوجية: </strong>تنجذب الصين إلى قطاع التكنولوجيا الإسرائيلي بشكل أساسي؛ حيث تستثمر بكثافة في الشركات الناشئة في مجالات الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا النانو وتكنولوجيا المركبات الذاتية القيادة. وتنظر الصين بشكل متزايد إلى إسرائيل كبديل واعد لتقديم التكنولوجيا المتقدمة في ظل تشديد القيود التجارية الأمريكية على نقل التكنولوجيا إليها. ويرتبط ذلك بخطة الصين الاستراتيجية البعيدة المدى "الصين 2050″، التي تشمل السيطرة التدريجية على سوق الاتصالات في العالم.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– تشجيع التبادل التجاري</strong>: تسعى إسرائيل إلى توسيع علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع الصين باعتبارها الاقتصاد الأسرع نمواً في العالم، وتستهدف تنويع أسواق التصدير ومصادر الاستثمار بحيث لا تقتصر على شركائها التقليديين: الولايات المتحدة وأوروبا. وقد بلغت قيمة التجارة بين البلدين من 1992 إلى 2019 نحو 12.5 مليار دولار، وهو رقم صغير مقارنة بتجارة الصين مع الولايات المتحدة أو أوروبا. ومنذ نهاية عام 2018، وجد معهد التصدير الإسرائيلي، أن الصين هي أكبر شريك تجاري لإسرائيل في آسيا، وثاني أكبر شريك تجاري لها في العالم بعد الولايات المتحدة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3– توسيع مبادرة الحزام والطريق: </strong>تتمتع الشركات الصينية بسجل جيد وخبرة قوية في مجال إنجاز مشروعات تطوير البنية التحتية في إسرائيل بتكلفة أقل وفي أطر زمنية قصيرة. وبالرغم من أنها ليست دولة شريكة بصورة رسمية في مبادرة الحزام والطريق الصينية؛ فقد أصبحت إسرائيل عضواً في بنك الاستثمار الآسيوي للبنية التحتية الذي تقوده بكين في عام 2015. ويمكن أن يجعل موقع إسرائيل الجغرافي، والمشاركة الاقتصادية الصينية المهمة فيها، واتفاقيات السلام الإقليمية معها، من تل أبيب جزءاً رئيسياً في مبادرة الحزام والطريق الصينية، وهو ما يتيح فرصاً اقتصادية واسعة للشركات الإسرائيلية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4– ضمان الأمن الغذائي: </strong>كانت الزراعة على وجه الخصوص هدفاً رئيسياً للاستثمار الصيني، نظراً إلى أن الأمن الغذائي أمر بالغ الأهمية للأمن القومي. وبين عامي 2007 و2017، استثمرت الصين أكثر من 5 مليارات دولار في المشروعات الزراعية والغذائية الإسرائيلية، بما في ذلك عمليات الاستحواذ على الشركات، وتأسيس شركات مشتركة في مجال الصناعات الغذائية، وكذلك الاستثمار في التكنولوجيا الزراعية المتقدمة.</p>



<p><strong>5– تكثيف التعاون العسكري:</strong> بدأت إسرائيل منذ الثمانينيات تزود الصين بالتكنولوجيا العسكرية، سواء التي تلقتها من "علاقتها الخاصة" مع الولايات المتحدة، وكذلك التكنولوجيا التي تطورها إسرائيل بنفسها. ومع ذلك، ونتيجة مزاعم نقل إسرائيل تكنولوجيا عسكرية حساسة إلى الصين، وبسبب القلق بشأن استخدام الصين المحتمل لأنظمة رادار الإنذار المبكر المحمولة جواً، فقد قامت واشنطن بثَني تل أبيب عن بيع الأسلحة إلى بكين بين عامي 2000 و2005.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">مخاوف أمريكية</span></strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>يُثير التعاون الاقتصادي المتنامي بين الصين وإسرائيل، مخاوف أمنية قوية داخل الولايات المتحدة، وكذلك لدى بعض الدوائر العسكرية الإسرائيلية؛ وذلك للأسباب التالية:</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– مخاطر التجسس على المنشآت الأمنية: </strong>تتركز المشاركة الصينية في مشروعات البنية التحتية الإسرائيلية المجاورة لبعض المنشآت الأمنية الحساسة، مثل ميناء حيفا؛ حيث يرسو الأسطول السادس الأمريكي ويُجرِي تدريباته، كما يوجد الميناء بالقرب من قاعدة سلاح البحرية وقاعدة الغواصات الإسرائيلية، وهو ما يُثير مخاوف أمريكية تتعلق بالأمن السيبراني وخصوصية البيانات والتجسس والمراقبة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– شن الهجمات السيبرانية: </strong>تُعد الشركات الإسرائيلية هدف تجسس جذابًا؛ فقد تمَّ الكشف في أغسطس 2021، عن تعرض العديد من السفن وشركات الملاحة البحرية والشركات العاملة في مجال تكنولوجيا المعلومات، ومؤسسات أمنية وأكاديمية إسرائيلية، لهجمات سيبرانية صينية، بهدف جمع معلومات تكنولوجية وصناعية وعسكرية ذات أهمية خاصة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3– حيازة التكنولوجيا الدفاعية:</strong> يُقدر بعض المسؤولين الأمريكيين أن بكين تسيطر بشكل مباشر أو لديها نفوذ على ما يصل إلى ربع صناعة التكنولوجيا الإسرائيلية. وتسعى بكين إلى شراء التكنولوجيا الدفاعية الإسرائيلية بشكل غير قانوني.. وليس هذا فحسب، بل تستخدم الاستثمارات القانونية في البنية التحتية الإسرائيلية والشركات الناشئة للوصول إلى التكنولوجيا الإسرائيلية المدنية التي يمكنها استثمارها أو تكييفها للأغراض العسكرية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4– تقويض النفوذ الأمريكي: </strong>تستهدف جهود الصين لتعزيز العلاقات مع إسرائيل (الحليف الرئيسي للولايات المتحدة) تقويض التحالف العالمي لواشنطن، وإضعاف الشراكات المرتبطة به. وهناك مخاوف أمريكية جدية من احتمال ترجمة القوة الاقتصادية الصينية داخل إسرائيل إلى نفوذ سياسي ملحوظ على مدار السنوات المقبلة، قد يكون له تأثير استراتيجي على العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>5– دعم التنظيمات الإرهابية: </strong>هناك مخاوف من أن تؤدي الأنشطة الاقتصادية الصينية في إسرائيل إلى نقل التقنيات العسكرية أو ذات الاستخدام المزدوج إلى الصين، ومنها إلى إيران ومنها إلى التنظيمات الإرهابية التابعة لها في المستقبل، خاصة أن الولايات المتحدة سبق أن كشفت عن تورط شركات تكنولوجية صينية في بيع معدات المراقبة إلى إيران، في انتهاك للعقوبات الدولية المفروضة عليها.<strong></strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">مستقبل التعاون</span></strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>يمكن أن يتحدد مستقبل العلاقات الصينية الإسرائيلية بناءً على عدة عوامل ومتغيرات؛ منها:</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– تفاقم التوتر الأمريكي الصيني:</strong> تنظر الولايات المتحدة إلى الصين باعتبارها منافساً رئيسياً، يُشكل تهديداً خطيراً لأمنها القومي ومكانتها الدولية. وهذا التوجه يحظى باتفاق الحزبين الديمقراطي والجمهوري على السواء. وفي ظل اهتمام الرئيس الأمريكي "جو بايدن" بمواجهة النفوذ الصيني المتصاعد، فإن من غير المرجح أن يتراجع الضغط الأمريكي على إسرائيل، بل سوف تستمر واشنطن في المطالبة بتقييد بعض جوانب العلاقات الاقتصادية الإسرائيلية الصينية، مع التركيز بوجه خاص على التكنولوجيا.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– نمط الاستجابة الإسرائيلية:</strong> تنظر إسرائيل إلى الولايات المتحدة كحليف استراتيجي لا بديل له، وركيزة أساسية لأمنها القومي، وقد استجابت للمخاوف الأمريكية بشأن الاستحواذ الصيني على التكنولوجيا العسكرية الإسرائيلية، وأوقفت مبيعاتها من الأسلحة إلى الصين، وأنشأت أيضاً في عام 2019 آلية لفحص الاستثمار الأجنبي في الصناعات التي يحتمل أن تكون حساسة، خاصةً ما له صلة بالصين.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>ومع ذلك، فإن إسرائيل لم تقم إلا بتعديلات طفيفة في السياسة الخاصة بالتكنولوجيا المدنيَّة وذات الاستخدام المزدوج، ورفضت مؤخراً طلباً أمريكياً بإجراء تفتيش على ميناء حيفا الذي تشارك شركة صينية في عملية توسعته. ويمكن أن يؤدي التراخي الإسرائيلي في الاستجابة للمخاوف الأمريكية بشأن العلاقة مع الصين، إلى إعاقة الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، وإحداث توتر في العلاقات الثنائية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3– موقف الصين تجاه القضايا الإقليمية: </strong>أكدت بكين، خلال الأشهر الأخيرة، أنها قد ترد بشدة على الخطوات الإسرائيلية التي يُنظر إليها على أنها "انحياز إلى الجانب الأمريكي"؛ فخلال الصراع الأخير مع حماس، أدانت بكين تل أبيب في مجلس الأمن الدولي؛ وذلك رداً على تصويت إسرائيل غير المسبوق في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، في يونيو 2021، وانتقاد سياسات الصين في شينجيانغ. ومع ذلك، فإن الصين وإسرائيل تحرصان على تجنُّب ربط علاقاتهما الاقتصادية بمواقف البلدين من بعض القضايا الإقليمية، مثل الموقف من فلسطين أو العلاقة بإيران.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">توازن دقيق</span></strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>إجمالاً؛ فإنه يمكن القول إن الشبكة الواسعة من العلاقات التجارية بين الصين وإسرائيل توفر فوائد اقتصادية وعسكرية وتكنولوجية كبيرة لكلا الجانبين، ومن غير المرجَّح أن تتخلى إسرائيل أو الصين عن هذه المزايا حتى تحت الضغط الأمريكي.. ربما تلغي إسرائيل من حين إلى آخر بعض الصفقات مع الصين كمحاولة لإرضاء واشنطن، لكن مع استمرار التوترات بين الولايات المتحدة والصين، سيكون على إسرائيل إثبات قدرتها على الحفاظ على توازنها الدقيق بين حاجتها إلى الشراكة الاستراتيجية مع واشنطن ورغبتها في الاستفادة من منافع الشراكة الاقتصادية مع بكين.</p>

      

مخاوف واشنطن من الشراكة الصينية - الإسرائيلية