مجموعة مؤلفين


        
<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">عرض: د. إيمان أحمد عبدالحليم</span></strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>دفعت الحرب الأوكرانية صُنَّاع القرار الأمريكيين نحو محاولة إعادة ترتيب أولويات الأمن القومي، خاصةً مع تصاعد التهديد الذي تمثله روسيا على حلفاء واشنطن، واعتبار ما يحدث في أوكرانيا تهديداً مباشراً للنظام العالمي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة منذ انتهاء الحرب الباردة، وهو ما يتطلَّب ضرورة أخذ المتغيرات الجديدة في الاهتمام من أجل صياغة استراتيجية أمريكية أكثر قدرةً على مواجهة وتحجيم التهديدات الناشئة والمتصاعدة. وفي ضوء هذا، نشر موقع "فورين بوليسي" تقريراً بعنوان "الاستراتيجية الكبرى للولايات المتحدة بعد أوكرانيا.. كيف ستُغير الحرب السياسة الخارجية لواشنطن؟" ، ويعرض التقرير رؤى سبعة من أبرز المفكرين في مجال السياسة الخارجية، منهم المفكر "ستيفن والت"، حول تأثير الحرب في أوكرانيا على "استراتيجية الدفاع الوطني" الأمريكية التي تحدد نهج واشنطن في التعامل مع التحديات الأمنية الخارجية الطويلة المدى، بعد أن كانت هذه الاستراتيجية مرتكزة بالكامل، قبل نحو شهر، على مواجهة التحدي الذي تمثله الصين بالأساس في منطقة المحيطين الهندي والهادئ؛ حيث تم تأجيل إعلانها لوضع التحديات الجديدة التي تم الكشف عنها مع الحرب الروسية ضد أوكرانيا في الاعتبار.</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">متغيرات استراتيجية</span></strong></p>



<p><strong>طرحت الحرب الأوكرانية العديد من المتغيرات الاستراتيجية إزاء تفاعلات الدول، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:</strong></p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><a><strong>1– إعادة كتابة مخطط الأمن القومي الأمريكي بسبب اندلاع الحرب:</strong></a><strong> </strong>أشار التقرير إلى أن التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا مثَّل أول حرب عدائية شاملة في أوروبا منذ عام 1945، وقد دفعت صدمة هذه الحرب إدارة الرئيس الأمريكي "جو بايدن" إلى إعادة كتابة مخططها الخاص بالأمن القومي، الذي يتبلور في "استراتيجية الدفاع الوطني" لوزارة الدفاع الأمريكية، التي تحدد نهج واشنطن في التعامل مع التحديات الأمنية الطويلة المدى. فهذه الاستراتيجية التي كان مقرراً أن تصدر في فبراير الفائت، وبدت قبل نحو شهر مرتكزة بالكامل تقريباً على مواجهة التحدي الذي تمثله الصين بالأساس في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، تأخر إصدارها لإتاحة الوقت اللازم لتضمين التحديات الجديدة التي تم الكشف عنها مع الحرب الروسية تجاه أوكرانيا في الاعتبار.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><a><strong>2– تبني الولايات المتحدة سياسة الضغط الاقتصادي لإخضاع روسيا:</strong></a><strong> </strong>بحسب ما ذكر التقرير، كان لافتاً كذلك النهج الذي التزمته الولايات المتحدة مع حلفائها الأوروبيين في مواجهة الحرب الروسية في أوكرانيا؛ فبدلاً من الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة مع روسيا تترتب عليها تبعات أمنية خطرة على العالم بأجمعه، تم في المقابل تطوير مجموعة من الأدوات الاقتصادية غير المسبوقة لتكثيف حدة العقوبات المفروضة على روسيا. لم يكن هذا النهج مجرد رد فعل محسوب لتجنب التصعيد مع روسيا النووية، بل كان أيضاً توجُّهًا جريئًا في الابتعاد عن تجربة قرون سابقة من خوض الحروب لتحديد مكانة القوة العظمى. وبدلاً من الاحتلال المادي، فإن نهج الولايات المتحدة كان فرض القهر المالي والاذلال الاقتصادي؛ بهدف الضغط على روسيا للتراجع والخضوع.</p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><a><strong>3– فك الارتباط الروسي–الصيني يمثل تحدياً رئيسياً لواشنطن:</strong></a><strong> </strong>وفقاً للتقرير، فإنه بالرغم من أهمية العقوبات غير المسبوقة التي فُرضت أمريكياً وأوروبياً على روسيا بسبب تدخلها العسكري في أوكرانيا، وبهدف عزل روسيا عن النظام المالي الدولي لإجبارها عن التراجع عن الحرب، فإن تلك الجهود يواجهها تحدٍّ رئيسي يجب وضعه في الاعتبار، يتمثل في علاقات موسكو الاستراتيجية مع بكين التي رفضت إدانة التدخل الروسي رسمياً، وبررته بالتهديدات التي يمثلها "حلف الناتو" للأمن الروسي.<strong></strong></p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><a><strong>4– الاعتراف بالحاجة للبرجماتية الجيوسياسية لتجنُب الحرب:</strong></a><strong> </strong>وفق ما ذكر التقرير، فإن الدرس المستفاد لاستراتيجية الولايات المتحدة من حرب روسيا في أوكرانيا هو أن البراجماتية الجيوسياسية قد تكون أفضل للحفاظ على السلام من وجهة النظر الأخلاقية المطلقة بأن كل بلد يجب أن يكون حراً في اختيار مصيره، بغض النظر عن العواقب الجيوسياسية. فحتى مع أهمية إدانة العملية الروسية، فإن الذين دافعوا بقوة عن عضوية أوكرانيا في "حلف الناتو" وتسريع شُحنات الأسلحة الغربية إلى البلاد، يتحملون كذلك بعض المسؤولية عما آلت إليه الأوضاع؛ فقد كان من الممكن تجنب كل ذلك لو تم الاستماع إلى بعض النصائح البراجماتية الجيوسياسية بعدم إثارة حنق روسيا.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">الملامح المتوقعة</span></strong></p>



<p><strong>في ضوء ما فرضته الحرب الأوكرانية من متغيرات جديدة، وما كشفت عنه من دروس استراتيجية، فإن "استراتيجية الدفاع الوطني" لوزارة الدفاع الأمريكية، من المرجح أو المفترض –وفقاً للتقرير– أن تشمل عدداً من الاتجاهات أبرزها ما يأتي:</strong></p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><a><strong>1– مواصلة التركيز على الخطر الاستراتيجي الذي تُمثله الصين:</strong></a><strong> </strong>ركزت الاستراتيجية الكبرى للولايات المتحدة الأمريكية، لأكثر من قرن، على المساعدة في الحفاظ على توازنات مواتية للقوى في أوروبا وشرق آسيا، غير أن صعود الصين مثَّل التحدي الأكبر لهذه الاستراتيجية، بحسب ما يوضح "ستيفن والت"، الذي يشدد على أن الحرب الروسية في أوكرانيا لا يجب أن تُغير هذه الحقيقة؛ فإن كانت روسيا تحت حكم "فلاديمير بوتين" تلوح باعتبارها تحدياً قصير المدى، ستظل الصين تمثل التهديد المهيمن على المديين المتوسط والطويل؛ حيث تواصل مساعيها لتضييق فجوة القوة مع الولايات المتحدة، وستحاول أن تتصرف كدولة أكثر مسؤولية حتى في الوقت الذي تتقرب فيه من روسيا، لكنها وإن عملت على تأكيد أنها ليست دولة خارجة عن القانون مثل روسيا، فإنها ستواصل مضاعفة جهودها لتوسيع مجال نفوذها من خلال وسائل الإكراه غير العسكري، وهو النهج الذي تتبعه بالفعل.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><a><strong>2– قلة التعويل على دعم آسيوي موحد ضد الصين:</strong></a><strong> </strong>بحسب التقرير، من الخطير في آسيا تبني وجهة نظر أخلاقية مطلقة بأن شعب تايوان يجب أن يكون حراً في اختيار مصيره؛ فإذا أعلنت تايوان الاستقلال من جانب واحد، وعرضت واشنطن عليها الاعتراف الدبلوماسي بوصفها دولة حرة وذات سيادة، فإن الصين على الأغلب ستعلن الحرب عليها، وهذا هو السبب في محدودية دعم الدول الآسيوية لاستقلال تايوان. ومن ثم يتوقع في تلك الحالة، وعلى عكس الرد الغربي القوي على العملية العسكرية الروسية بأوكرانيا، أنه لن يكون هناك رد آسيوي موحد مماثل إذا تدخلت الصين عسكرياً في تايوان.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><a><strong>3– تسليم مهام الأمن الأوروبي لحلفاء الناتو بدرجة أكبر:</strong></a><strong> </strong>لا يجب أن تسمح إدارة "بايدن" للأحداث المروعة في أوروبا بتحويلها عن المهمة الكبرى المتمثلة في إعادة بناء القوة في الداخل وتحقيق التوازن بين القوة الصينية في الخارج؛ ما يستدعي أن يكون للقوى الأوروبية دور أكبر في تنظيم قضايا الأمن لأوروبا؛ الأمر الذي تزداد أهميته في ضوء مسار الحرب في أوكرانيا التي كشفت كذلك أن تحمُّل أوروبا مسؤولية أكبر عن أمنها ليس مرغوباً فحسب، بل ممكن أيضاً، بحسب الرؤية التي عرضها "ستيفن والت". فلدى أعضاء "الناتو" الأوروبيين إمكانات قوة كامنة أكبر بكثير من التهديد الذي تمثله روسيا، مع ما يقرب من أربعة أضعاف عدد سكان روسيا، وأكثر من 10 أضعاف ناتجها المحلي الإجمالي. وحتى قبل الحرب، كان الأعضاء الأوروبيون في "الناتو" ينفقون ثلاثة إلى أربعة أضعاف ما تنفقه روسيا على الدفاع كل عام. ومع ما كشفت عنه الحرب في أوكرانيا من إخفاق روسيا في تثبيت الأوضاع العسكرية في أوكرانيا لصالحها، فإن ذلك يجب أن يدفع نحو زيادة الثقة بقدرة أوروبا على الدفاع عن نفسها بدرجة كبيرة. ولتكون الحرب في أوكرانيا لحظة مثالية للتحرك نحو تقسيم جديد للعمل بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، بحسب وجهة النظر التي عرضها "والت"، والتي تركز على أهمية تكريس الولايات المتحدة اهتمامها لآسيا، على أن يتولى شركاؤها الأوروبيون المسؤولية الأساسية في دفاعهم عن القارة الأوروبية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><a><strong>4– بناء علاقات عالمية انطلاقاً من الشراكة عبر الأطلسي:</strong></a><strong> </strong>مع إعطاء الدول الأوروبية مساحة أكبر للقيام بالدور المنوط بها في بناء الأمن الأوروبي، وفي سياق تحقيق التوازن الاستراتيجي المطلوب ضد الصين، فإنه لا ينبغي للاستراتيجية الأمنية الأمريكية إغفال دعم روابط العلاقة القائمة عبر الأطلسي لبناء علاقات عالمية أوسع وأكثر قوة، وهو ما يكون، بدايةً، من خلال بناء أجندة اقتصادية وسياسية وأمنية واجتماعية عبر المحيط الأطلسي، وتوسيعها قدر الإمكان عبر نصف الكرة الأطلسي بأكمله، في الشمال والجنوب، على أن تشجع الولايات المتحدة وتدعم بناء العلاقات والروابط الأوروبية مع دول في جنوب الكرة الأرضية، ربما مع دوائر متقاطعة ومتداخلة للتعاون الدفاعي بين مجموعات من الدول، أسوةً بنموذج "أوكوس" على سبيل المثال، وفق ما ذكره التقرير.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><a><strong>5– تحديث ترتيبات تقاسم الأعباء بين الحلفاء في آسيا وأوروبا:</strong></a><strong> </strong>وفقاً للتقرير، إذا كانت واشنطن تواجه الآن تحديات صينية وروسية مشتركة، فيجب عليها بالضرورة تحديث الترتيبات الخاصة بتقاسم الأعباء في آسيا وأوروبا، ولا سيما أن الاستراتيجية الكبرى لإدارة "بايدن" لديها مساحة لذلك؛ فتركيزها الخاص على بناء ما يسميه مستشار الأمن القومي الأمريكي "جيك سوليفان" بـ"شبكة من الشراكات المرنة، والمؤسسات، والتحالفات، ومجموعات الدول" قد اكتسب بالفعل زخماً كبيراً في آسيا، والمثال هو الشراكة الرباعية الأكثر ليونة مع أستراليا والهند واليابان. فإن لم تكن آسيا ولا أوروبا تستطيعان تحقيق التوازن مع الصين وروسيا بمفردهما في المستقبل المنظور، فإن بذل المزيد من الجهد الذاتي لأجل تعزيز أمنهما الخاص، يُمكن أن يُساعد في تعزيز الدعم السياسي المحلي للولايات المتحدة للالتزام العسكري المستمر إزاء المنطقتين.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><a><strong>6– تنامي الاعتماد على الحرب الاقتصادية حال نجاحها:</strong></a><strong> </strong>يشير التقرير إلى أن نتيجة الاعتماد على أدوات الحرب الاقتصادية غير مؤكدة؛ فنادراً ما أدى الاستخدام السابق للعقوبات إلى تغيير نظام أو إنهاء حرب، ولكن إذا انتصرت الولايات المتحدة، وأجبرت المعركة الاقتصادية الرئيس "بوتين" على التراجع العسكري، فإن هذا النهج سيساعد حينها في إعادة صياغة الاستراتيجية الأمريكية الكبرى في القرن الحادي والعشرين؛ ما ينذر بنوع جديد من سباق التسلح غير العسكري في العموم؛ حيث تتنافس الدول على إقامة أنظمتها الخاصة، والكتل التجارية الإقليمية، وإعادة تشكيل موازين القوى الاقتصادية لصالحها الخاص.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>وختاماً، لفت التقرير إلى أنه عندما يتم إصدار النسخة المنقحة لأهم وثيقة أمنية في واشنطن، سيتعيَّن أن تعكس الحقائق الجيوسياسية الجديدة، بعد أن غيَّرت الحرب الأوكرانية أسس ومفاهيم الأمن الأوروبي تغييراً أساسيّاً وبطرق لا تزال غير واضحة مع استمرار الحرب، وفي ظل حالة عدم اليقين بشأن المدى الذي يمكن أن تصل إليه، فضلاً عن أن هذه الحرب كشفت حالة التقارب بين بكين وموسكو في معارضة طبيعة النظام الدولي الليبرالي القائم. وفي المقابل، فإن استجابة الغرب للتدخل الروسي في أوكرانيا، ومن خلال شن حرب اقتصادية غير مسبوقة على موسكو، كشفت عن بُعد استراتيجي جديد ومهم للسياسة الخارجية الأمريكية، يقوم على تطوير مجموعة أدوات اقتصادية أوسع وأكثر فاعليةً يمكن الاستفادة منها أثناء التخطيط للتحديات المستقبلية.</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><u><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">المصدر:</span></u></strong></p>



<p>Anne–Marie Slaughter, Kishore Mahbubani, Stephen M. Walt, Toshihiro Nakayama, Shannon K. O’Neil, C. Raja Mohan, and Robin Niblett, U.S. Grand Strategy After Ukraine, <strong>Foreign Policy</strong>, March 21, 2022, accessible at: <a href="https://foreignpolicy.com/2022/03/21/us-geopolitics-security-strategy-war-russia-ukraine-china-indo-pacific-europe/">https://foreignpolicy.com/2022/03/21/us–geopolitics–security–strategy–war–russia–ukraine–china–indo–pacific–europe/</a></p>

      

كيف تنعكس الحرب الأوكرانية على الأمن القومي الأمريكي؟