د. أحمد عسكر


        
<p>يمثل اكتشاف المتحور الجديد "أوميكرون" في دولة جنوب إفريقيا تحدياً متنامياً أمام الدول الإفريقية التي لم تتعافَ اقتصاداتها بعدُ من آثار تفشي جائحة كورونا في عام 2020، خاصةً مع الإجراءات الاحترازية الجديدة التي اتخذتها دول الاتحاد الأوروبي وغيرها بهدف احتواء هذا المتحور الجديد؛ فمن المتوقع أن تتأثر اقتصادات الدول الإفريقية سلباً إذا استمرت حالة الإغلاق وحظر السفر من بعض الدول الإفريقية وإليها مع احتمالية توسيع عدد الدول المحظورة وَفقاً لسرعة انتشار المتحور الجديد. كما يُتوقع أن تتأثر بعض القطاعات المحورية، مثل النفط والسياحة، نتيجة تلك الإجراءات. ومن المتوقع كذلك أن تعمل بعض القوى الدولية الفاعلة على تعزيز نفوذها في القارة من خلال تفعيل دبلوماسية اللقاحات والدبلوماسية الطبية، لا سيما الصين والولايات المتحدة الأمريكية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">دلالات مقلقة</span></strong></p>



<div style="height:12px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>جاء إعلان دولة جنوب إفريقيا عن اكتشاف متحور جديد من فيروس كورونا يطلق عليه اسم "أوميكرون" ليعكس عدداً من الدلالات، يمكن تناولها على النحو التالي:</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– تحوُّل القارة الإفريقية إلى بؤرة لتفشي فيروس كورونا:</strong> ظهر المتحور الجديد في إحدى مقاطعات جنوب إفريقيا التي أبلغت منظمة الصحة العالمية في 24 نوفمبر 2021 برصده، وأطلقت عليه اسم "أوميكرون"، وقد يكون موجوداً بالفعل في المقاطعات الثماني الأخرى في البلاد.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>مع العلم بأن أول تسجيل للمتحور كان في بوتسوانا في 11 نوفمبر الجاري. وقد تم رصد السلالة الجديدة لدى مجموعات من الشباب المصابين في جنوب إفريقيا؛ حيث بلغ عدد المصابين في البلاد نحو 22 شخصًا، ثم اكتشفت إصابات جديدة في دول بوتسوانا وإسرائيل وبلجيكا وهونج كونج؛ حيث رُصدت نحو 28 إصابة مؤكدة بالمتحور الجديد في تلك الدول، حسب صحيفة "جارديان" البريطانية. وهذا المتحور الجديد لم يكن الأول الذي يتم رصده في جنوب إفريقيا؛ حيث شهدت البلاد متحوراً خلال الموجة الثالثة لجائحة كورونا قد ظهر في مايو 2021 أطلق عليه اسم (C.1.2) وانتشر في سبع دول إفريقية أخرى وفي آسيا والمحيط الهادئ.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– قلق عالمي متصاعد من خطورة عدوى "أوميكرون":</strong> تشير التقديرات إلى أنه لم يسبق لأي متحور من فيروس كورونا المستجد أن أثار هذا القدر من القلق حول العالم، منذ ظهور المتحور "دلتا". وتصف منظمة الصحة العالمية هذا المتحور بأنه الأشد عدوى بين كل متحورات كورونا حتى الآن، وأنه متحور مثير للقلق. وتتشكل خطورة "أوميكرون" في كونه مجموعة من الطفرات تثير المزيد من القلق؛ حيث تحمل السلالة الجديدة تحورات من المحتمل أن تتفادى الاستجابة المناعية الناتجة عن كل من العدوى السابقة والتطعيم؛ ما يجعلها أكثر قابليةً للانتقال والانتشار.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>إذ يتخوف البعض من قدرة المتحور الجديد على التهرب من اللقاحات، أو على الانتشار بوتيرة أسرع من متغير دلتا السائد الآن؛ ما قد يشكل تهديداً على العالم. فوفقاً لوكالة الأمن الصحي البريطانية، تصل قيمة رقم التكاثر بالنسبة للمتحور الجديد في مقاطعة "جوتنج" في جنوب أفريقيا إلى الرقم (2) وهو مستوى انتقال لم يتم تسجيله منذ بداية تفشي جائحة كورونا، إذ إن تجاوز الرقم (1) يعني نمو الوباء وانتشاره بشكل كبير؛ ما يجعله أسوأ متحور منذ انتشار فيروس كورونا.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3– عزل بعض الدول الإفريقية في ظل الإجراءات الاحترازية: </strong>بمجرد إعلان منظمة الصحة العالمية عن المتحور الجديد، سارعت معظم دول العالم إلى اتخاذ إجراءات استباقية لاحتوائه ومنع وصوله إلى أراضيها؛ حيث فرضت دول الاتحاد الأوروبي حظراً على السفر، وعلقت الرحلات الجوية وأغلقت الحدود أمام الوافدين من معظم دول الجنوب الإفريقي، وهي: جنوب إفريقيا، وناميبيا، وليسوتو، وإسواتيني، وبوتسوانا، وزيمبابوي.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وفي سياق متصل، حذرت منظمة الصحة العالمية من الإسراع في فرض قيود على السفر، وأوصت باتباع نهج علمي قائم على إدارة المخاطر، كما يرى المركز الإفريقي لمكافحة الأمراض والوقاية منها أن فرض حظر السفر على البلدان الإفريقية التي أبلغت عن المتحور الجديد، لن يسفر عن نتيجة ذات مغزى؛ وذلك بناءً على التجارب السابقة منذ تفشي الجائحة في أوائل عام 2020، فيما تجد جنوب إفريقيا نفسها معزولة على المستوى الدولي بدرجة متزايدة بعد إعلانها اكتشاف المتحور الجديد؛ حيث اعتبرت ردود الفعل غير مبررة، كما اعتبرت سلسلة الإجراءات الدولية الأخيرة بشأن حظر السفر من البلاد وإليها بمنزلة عقاب دولي جماعي لها.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4– معضلة قلة نسب توزيع اللقاحات بين دول القارة: </strong>تشير التقديرات إلى أن أقل من 6% من الأفارقة قد تلقوا لقاحات كورونا؛ حيث حصلت قارة إفريقيا على 2% فقط من اللقاحات المضادة لفيروس كورونا، في حين حصلت بقية دول العالم على أكثر من 5.7 مليار جرعة لقاح.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وحسب منظمة الصحة العالمية، فإن دولتين إفريقيتين فقط في القارة التي تضم 1.2 مليار نسمة، قد تمكنتا من تلقيح نحو 40% من السكان بلقاحات كورونا، وهو ما يمثل أدنى مستوى في العالم، كما لم يحصل الملايين من العاملين في القطاع الصحي في الدول الإفريقية على جرعة واحدة من اللقاح؛ الأمر الذي قد ينذر بمخاطر تسريع انتشار الفيروس وما يصاحبه من زيادة أعداد الإصابات به؛ ما يوفر المزيد من فرص ظهور متحورات جديدة مثل أوميكرون، وهو ما يثير تساؤلات للمجتمع الدولي حول عدم المساواة في طرح اللقاحات.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">تداعيات كارثية</span></strong></p>



<div style="height:12px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>تمثل التطورات الأخيرة المرتبطة بتفشي "أوميكرون" بين بعض بلدان القارة الإفريقية، علاوةً على مسارعة بعض الدول نحو عزل تلك الدول؛ خطراً بالغاً على الأوضاع الصحية وكذلك الاقتصادية في القارة التي تواجه أزمات ممتدة، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– الضغط على الأنظمة الصحية الإفريقية:</strong> يأتي ذلك نتيجة التوقعات بتضاعف أعداد الإصابات في الدول الإفريقية، في الوقت الذي يواجه فيه النظام الصحي الإفريقي بعض المعوقات التي تؤثر على أدائه، مثل ضعف التجهيزات الصحية، وتراجع البنية التحتية في القطاع الصحي، وتواضع الخدمات الصحية، وهو ما يهدد بانهيار تلك الأنظمة الصحية في القارة الإفريقية، وانعكاساته الكارثية على انتشار الجائحة بدرجة أكبر، كما يمثل ذلك عبئاً ثقيلاً على ميزانيات الدول الإفريقية نتيجة تزايد أعباء الإنفاق الصحي، لا سيما أنها تواجه أزمات اقتصادية منذ تفشي جائحة كورونا.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– تأزم الوضع الاقتصادي في الدول الإفريقية:</strong> من المُرجَّح أن يتأثر الوضع الاقتصادي سلباً في بعض دول القارة نتيجة القلق العالمي المتزايد من انتقال وانتشار المتحور الجديد في أراضيها، وهو ما ينعكس بالسلب على التبادل التجاري والاقتصادات الإفريقية؛ إذ ترى أوروبا –على سبيل المثال– قارةَ إفريقيا بمنزلة نقطة ضعف فيما يتعلق بجهود مكافحة فيروس كورونا؛ لكونها غير مستعدة للتعامل مع هذه الجائحة في ضوء ضعف القطاع الصحي في معظم دولها، ما لم تتحرك المؤسسات الدولية المعنية والقوى الدولية لتقديم المزيد من المساعدات للدول الإفريقية لمواجهة هذه الجائحة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>كذلك فإن الإجراءات بشأن عودة القيود والإغلاق التي اتخذتها معظم دول العالم تجاه بعض الدول الإفريقية، لا سيما جنوب إفريقيا التي تنتظر بدء موسم السياحة خلال الفترة المقبلة، من شأنها أن تلحق ضرراً كبيراً بالصناعات السياحية والشركات؛ الأمر الذي سيكون له تأثير سلبي على دخل الاقتصادات الإفريقية، لا سيما إيرادات النقد الأجنبي.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وفي سياق متصل، فإن انتشار المتحور الجديد مع ضعف البنية الصحية في معظم الدول الإفريقية وسط التوقعات بتزايد أعداد الإصابات، وفي ظل حالة الإغلاق التي من المحتمل أن تؤثر على سلاسل التوريد والإمداد العالمية وتتأثر بها إفريقيا؛ يَزيد من مخاوف الشركات الدولية؛ ما قد يؤدي إلى تعطل المزيد من المشروعات والاستثمارات الأجنبية في معظم الدول الإفريقية، فضلاً عن هروب قطاع كبير من المستثمرين نتيجة عدم توافر المناخ الملائم للاستثمار في البلدان الإفريقية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3– التأثير بشكل سلبي على صادرات النفط والغاز: </strong>إن تفشي المتحور الجديد أوميكرون والمخاوف بشأنه على المستوى العالمي، وما تبعه من إجراءات احترازية وإغلاق السفر أمام الوافدين من بعض الدول الإفريقية؛ من شأنه التأثير سلبياً على صادرات النفط والغاز التي تعتمد عليها معظم الاقتصادات الإفريقية؛ فقد تراجعت أسعار النفط بنسبة 2% بحيث تجاوزت قيمة التراجع 5 دولارات حتى 26 نوفمبر 2021 بسبب المخاوف من أن تُلحِق السلالة الجديدة من كورونا الضرر بالطلب على النفط خلال المرحلة المقبلة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4– تزايد نشاط التنظيمات الإرهابية في إفريقيا:</strong> تستفيد معظم التنظيمات الإرهابية من حالة الاضطراب التي يخلفها فيروس كورونا، بتعزيز نشاطاتها وزيادة عملياتها الإرهابية في معظم دول القارة، لا سيما تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" الذي ينشط في معظم مناطق القارة، مثل غربها ووسطها وجنوب شرقها خلال الفترة الأخيرة؛ الأمر الذي يعزز التحديات الأمنية التي تؤثر على استقرار الدول الإفريقية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>5– تنامي التنافس الدولي عبر دبلوماسية اللقاحات:</strong> وذلك من خلال تفعيل دبلوماسية اللقاحات؛ حيث يمثل انتشار المتحور الجديد فرصة جيدة للقوى الدولية الفاعلة في القارة الإفريقية، مثل الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا والهند، لتعزيز نفوذها وحضورها في القارة، من خلال تقديم المساعدات الطبية واللقاحات لمعظم الدول الإفريقية فيما يعرف بدبلوماسية اللقاحات؛ ما يعزز التنافس الدولي على القارة الإفريقية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>وإجمالاً، يشكل ظهور المتحور الجديد "أوميكرون" من فيروس كورونا تحدياً كبيراً للدول الإفريقية التي تعاني اقتصاداتها من التراجع منذ تفشي الجائحة، في ضوء الإجراءات الاستباقية التي اتخذتها معظم دول العالم، وهو ما ينعكس بالسلب على معظم القطاعات التي تشكل ركيزة للاقتصادات الإفريقية، مثل النفط والسياحة والبنية التحتية؛ الأمر الذي يتطلب تحركاً دوليّاً لمساندة الدول الإفريقية في تجاوز هذه الجائحة.</strong><strong></strong></p>

      

كيف يؤثر تفشي "أوميكرون" على مستقبل القارة الإفريقية؟