ستيفن والت

عرض: إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجيةمع تحول مسار المعركة ضد أوكرانيا، ووسط شكوك حول إذا ما كان الكونجرس الأمريكي سيوافق على جولة جديدة من المساعدات، فإن الخبراء المؤثرين مثل الأمين العام السابق لحلف الناتو أندرس فوج راسموسن، والسفير الأمريكي السابق لدى الناتو إيفو دالدير كرروا دعواتهم السابقة لضم أوكرانيا إلى حلف (الناتو) بشكل عاجل. ويتم تسويق هذه الخطوة باعتبارها وسيلة لإقناع روسيا بأن حملتها العسكرية لا يمكنها أن تبقي أوكرانيا خارج الحلف، وباعتبارها بحاجة إلى توفير الأمن الكافي لأوكرانيا عندما تنتهي الحرب في نهاية المطاف.وفي هذا الصدد، نشر موقع فورين بوليسي مقالاً مهماً للكاتب " ستيفن والت" أستاذ روبرت ورينيه بيلفر للعلاقات الدولية في جامعة هارفارد، بعنوان "لا ينبغي لحلف الناتو أن يقبل أوكرانيا.. من أجل أوكرانيا"، يجادل فيه بأن ضم كييف إلى حلف شمال الأطلسي الآن يعد فكرة سيئة من شأنها أن تطيل أمد الحرب وتترك أوكرانيا في وضع أسوأ بمرور الوقت، ويفند&nbsp;عدة أسباب تدعم حجته.افتراضات مهمةفي حين ينظر البعض إلى سياسة "الباب المفتوح" الحالية التي ينتهجها الناتو على أنها التزام رسمي بفتح الباب أمام أي دولة تطمح إلى الانضمام إلى الناتو بمجرد استيفائها لمعايير العضوية، يؤكد المقال أن المعاهدة الأصلية تقول إن الباب مغلق حتى يتفق الأعضاء الحاليون بشكل جماعي على أن ضم عضو جديد "سيعزز مبادئ المعاهدة ويسهم في أمن منطقة شمال الأطلسي". ويعتبِر الكاتب أن هذا التمييز مهم؛ حيث إن المعاهدة الأصلية لا تخلق أي افتراض بأن التحالف ملتزم فعلياً بالتوسع. وبالنسبة إلى أوكرانيا، يعتقد "والت" أن ضمها إلى حلف شمال الأطلسي الآن (أو في المستقبل القريب) أمر غير حكيم: وذلك بناءً على عدة افتراضات:1- عدم قدرة كييف على تحسين وضعها في المعركة بدون دعم الغرب: يرى الكاتب أن أوكرانيا غير قادرة على عكس الوضع في ساحة المعركة واستعادة الأراضي التي فقدتها ما لم تحصل على المزيد من الأسلحة ولديها الوقت لإعادة تشكيل قواتها بعد النكسات التي منيت بها العام الماضي؛ فهي تعاني من نقص حاد&nbsp;في القوة البشرية، كما أن الجمع بين مُسيرات الاستطلاع، والمدفعية، والتحصينات الروسية الواسعة النطاق سيجعل من الصعب بل ربما من المستحيل على كييف أن تحقق تقدماً إقليمياً كبيراً. ويعترف "والت" بأن داعمي أوكرانيا في الغرب كانوا مخطئين في الربيع الماضي عندما قدموا توقعات متفائلة بشأن الهجوم المضاد المرتقب آنذاك، ويرى أنهم يكررون هذا الخطأ من خلال الإشارة إلى أنه لا يزال أمام أوكرانيا الكثير من السبل لتحويل دفة الأمور.2- موسكو أكثر اهتماماً من الغرب بمصير&nbsp;كييف: تشير الفرضية الثانية للكاتب إلى أن قادة روسيا يهتمون بمصير أوكرانيا أكثر من الغرب؛ فهذه المصلحة بالنسبة إليهم أكثر أهمية من مصلحة الزعماء والشعوب في أغلب دول حلف الناتو. ويستشهد المقال بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وأتباعه كانوا على استعداد لإرسال آلاف الجنود للقتال والموت في أوكرانيا، في حين لا ترغب أي دولة في الناتو في القيام بأي شيء من هذا القبيل ولو عن بعد؛ فعلى سبيل المثال، عندما أثار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بشكل غير متوقع إمكانية إرسال الناتو لقوات، تعرض للتوبيخ على الفور من قبل المستشار الألماني أولاف شولتز والأمين العام للناتو ينس ستولتنبرج. ويوضح المقال أن هذا لا يعني أن الحلف ليس لديه مصلحة في مصير أوكرانيا، بل يعني أن روسيا تهتم أكثر منه.3- تبرير موسكو الحرب بمنع كييف من الانضمام إلى الحلف: يفترض "والت" أيضاً أن أحد الأسباب الرئيسية لشن بوتين هجومه في فبراير 2022 هو منع أوكرانيا من الانجذاب نحو الغرب والانضمام في النهاية إلى الناتو؛ فقد أثار الكشفُ عن التعاون المتزايد بين وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وأجهزة المخابرات الأوكرانية، وأثارت كذلك جهود الغرب لتعزيز دفاعات أوكرانيا بعد عام 2014، والتزام (الناتو) المتكرر بضم أوكرانيا إلى الحلف، مخاوفَ موسكو، أو ما تسمى "المعضلة الأمنية". وفي حين قد تعكس تصرفات بوتين أيضاً معتقدات معينة حول الوحدة الثقافية بين الأوكرانيين والروس، يرى المقال أنه من المستحيل إنكار الأدلة التي تشير إلى أن احتمال انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو هو الدافع لتصرفاته. وقد اعترف ستولتنبرج بذلك علانية في أكثر من مناسبة.خمسة أسبابوفي ضوء هذه الافتراضات الثلاثة، يشير "والت" إلى أهم 5 أسباب وراء عدم انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو؛ وذلك على النحو التالي:1- عدم استيفاء كييف معايير العضوية: إذ لا تزال أوكرانيا دولة ديمقراطية هشة؛ حيث لا يزال الفساد متوطناً، وتم تعليق الانتخابات منذ بداية الحرب، ولا تزال هناك عناصر مؤثرة في المجتمع الأوكراني أصبح التزامها بالمعايير الديمقراطية موضع شك. لهذه الأسباب وغيرها، صنف مؤشر الديمقراطية البلاد العام الماضي على أنها "نظام هجين". فضلاً عن ذلك فإن أوكرانيا لم تستوفِ بعد شروط خطة العمل المعيارية لعضوية منظمة حلف الناتو. وإدراكاً لهذه الحقيقة، وافق الحلف على التنازل عن هذا المعيار في قمته السنوية في الصيف الماضي؛ الأمر الذي أدى إلى تغيير عملية عضوية أوكرانيا من "عملية من خطوتين إلى عملية من خطوة واحدة". ومن خلال تخفيف معايير الانضمام إلى التحالف، يشكل هذا القرار– وفقاً لوالت – "سابقة سيئة محتملة في المستقبل".2- معضلة تنفيذ التزامات المادة الخامسة من ميثاق الحلف: تُلزم المادة الخامسة الدولة العضو باعتبار الهجوم على دولة ما بمنزلة هجوم على الجميع، ثم اتخاذ "مثل هذه الإجراءات التي تراها ضرورية"، فيما يرى المقال أن هذا البند يُفسَّر على نطاق واسع باعتباره التزاماً بالدفاع عن أي عضو يتعرض للهجوم، ومن ثم فإن الفشل في مساعدة أي دولة عضو في حالة وقوع غزو خطير من شأنه أن يضع الحلف بالكامل موضع شك.لذلك يشدد المقال على أنه قبل ضم أي عضو جديد، يتعين على بقية أعضاء الحلف أن يفكروا طويلاً وبجدية في مدى استعدادهم لتعريض قواتهم للخطر في حالة تعرضهم لهجوم. ومن جانب آخر، ليس من الواضح أن مجلس الشيوخ الأمريكي سيصدق على عضوية أوكرانيا؛ إذ يتطلب التصديق على المعاهدة أغلبية الثلثين، وقد يكون من الصعب جمع عدد كاف من الأصوات؛ ففي حين أن 70 عضواً في مجلس الشيوخ صوتوا لصالح حزمة المساعدات الأخيرة، فإن مشروع القانون هذا كان مرتبطاً أيضاً بمساعدات إضافية لإسرائيل، وربما يكون ذلك قد أدى إلى التأثير على بعض الأصوات. والأهم من ذلك أن الزعيم الفعلي للحزب الجمهوري دونالد ترامب ربما يعارض ضم أوكرانيا، ومن الممكن أن تقنع معارضته عدداً كافياً من أعضاء مجلس الشيوخ من الحزب الجمهوري بالتصويت بالرفض وجعل التصديق بعيد المنال؛ وذلك وفقاً للمقال.3- عضوية الناتو ليست "درعاً سحرية" لمنع روسيا من استكمال الحرب: يشير المقال إلى أن السبب المنطقي الرئيسي لضم أوكرانيا بشكل عاجل هو أن القيام بذلك من شأنه أن يثني روسيا عن استئناف الحرب في وقت لاحق؛ إذ تفترض هذه الحجة أن الانضمام إلى الحلف يشكل درعاً سحرية من شأنها أن تردع أي عمل عسكري روسي في ظل كل الظروف تقريباً، فيما يعتقد المقال أن هذا الافتراض نفسه هو الذي دفع إلى اتخاذ قرارات سابقة بتوسيع الناتو إلى مناطق معرضة للخطر مثل دول البلطيق.كما يجادل "والت" بأن عضوية الناتو قد تردع أي هجوم في العديد من الظروف، ولكنها ليست درعاً سحرية؛ فقد تزايدت مؤخراً الأصوات التي تقدم تحذيرات مثيرة للقلق بشأن التحدي الروسي المحتمل لحلف الناتو في الأعوام القليلة المقبلة، وهذا يعني أنه يتعين على الأعضاء الحاليين في الناتو أن يفكروا طويلاً وبجدية في تحديد مصالحهم الحيوية والبلدان التي يرغبون حقاً في القتال من أجل الدفاع عنها، وهو "ما يعيدنا إلى السبب الثاني".4- إمكانية تسبب عضوية الناتو في إطالة أمد الحرب:&nbsp;يفترض المقال أنه إذا كانت موسكو هاجمت بالأساس لمنع كييف من الانضمام إلى الناتو، فإن منح أوكرانيا&nbsp;العضوية الآن سيؤدي ببساطة إلى "إطالة أمد الحرب التي تخسرها البلاد حالياً"؛ فمن غير المرجح أن ينهي بوتين "عمليته العسكرية الخاصة" إذا كانت قواته تعمل بشكل جيد، وكان انضمام أوكرانيا إلى الناتو لا يزال مطروحاً على الطاولة. والنتيجة هي أن أوكرانيا سوف تتحمل المزيد من الضرر، وهو ما قد يعرض مستقبلها في الأمد البعيد للخطر. وبالأخذ في الاعتبار أن أوكرانيا كانت واحدة من أسرع الدول التي تشهد نزوحاً سكانياً في أوروبا قبل بدء الحرب، فسوف تؤدي تأثيرات القتال (الهروب من اللاجئين، وانخفاض الخصوبة، والوفيات في ساحة المعركة، وما إلى ذلك) إلى تفاقم هذه المشكلة.5- استمرار بعض الأبعاد الإيجابية للحياد: نظراً إلى تاريخ العلاقات الروسية الأوكرانية (بما في ذلك الأحداث التي شهدتها الأعوام العشرة الماضية)، ربما يكون السبب وراء عدم رغبة العديد من الأوكرانيين في قبول موقف الحياد مفهوماً، لكن ينوه "والت" إلى أن "الحياد ليس أمراً سيئاً دائماً، حتى بالنسبة إلى الدول القريبة من روسيا؛ فقد خاضت فنلندا حرباً مكلفة وغير ناجحة في نهاية المطاف ضد الاتحاد السوفييتي بين عامي 1939 و1940، واضطرت في النهاية إلى التنازل عن نحو ٩٪ من أراضيها قبل الحرب.ومثل أوكرانيا، فقد قاتل الفنلنديون ببسالة وجعلوا الاتحاد السوفييتي الأكبر حجماً يدفع ثمناً باهظاً مقابل انتصاره، وكانت النتيجة أن الزعيم السوفييتي آنذاك جوزيف ستالين لم يدمج فنلندا في الاتحاد السوفييتي أو يجبرها على الانضمام إلى حلف وارسو بعد الحرب العالمية الثانية. وبدلاً من ذلك، ظلت فنلندا دولة محايدة وديمقراطية، مع اقتصاد السوق والتجارة مع كل من الاتحاد السوفييتي والغرب. وهذا يشير –وفقاً للمقال – إلى أن الحياد الرسمي لا ينبغي أن يمنع أوكرانيا من تأسيس ديمقراطية قوية وإقامة علاقات اقتصادية واسعة النطاق مع الدول الغربية.ترتيبات بديلةوختاماً، يشير "والت" إلى أنه نظراً إلى كل هذه الأسباب، فإن انضمام أوكرانيا بشكل عاجل إلى حلف شمال الأطلسي ليس بالفكرة الجيدة. وبدلاً من ذلك، يتعين على أنصار أوكرانيا في الغرب أن يفكروا في الترتيبات الأمنية البديلة القادرة على طمأنة أوكرانيا في سياق هدنة ما بعد الحرب أو اتفاق السلام؛ إذ تحتاج كييف إلى أن تكون آمنة ضد تجديد موسكو للحرب، ولا يمكنها أن توافق على نزع سلاحها أو إرغامها على قبول الهيمنة الروسية بحكم الأمر الواقع. وفي حين أن معرفة كيفية توفير الحماية الكافية بطرق لا تستفز موسكو وتدفعها إلى تجديد الحرب لن يكون بالأمر السهل؛ يحذر المقال من الاندفاع نحو الانضمام إلى الناتو؛ إذ يرى أنه ليس الطريق الأفضل لجعل أوكرانيا أكثر أماناً؛ فمن المرجح أن يؤدي ذلك إلى إطالة أمد الحرب ويترك كييف في وضع أسوأ من أي وقت مضى.المصدر:- Stephen M. Walt, NATO Should Not Accept Ukraine—for Ukraine’s Sake, Foreign Policy, March 5, 2024.

لماذا لا ينبغي حصول أوكرانيا على عضوية الناتو؟