إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية


        
<p><strong>شكَّلت الحرب الأوكرانية فرصة للأطراف المنخرطة فيها انخراطاً مباشراً وغير مباشر لاستدعاء "مسألة الأسلحة النووية" في خضم التفاعلات المرتبطة بتلك الحرب، ولعلّ آخرها تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، في 3 مارس 2022، بأن الزعماء الغربيين يفكرون في حرب نووية في صراعهم مع روسيا؛ وهو ما يأتي في ظل تصاعد المخاوف بشأن المنشآت النووية في أوكرانيا مع كثافة الهجمات العسكرية الروسية، إذ يتزايد الجدل حول العالم في ظل الحديث عن إمكانية توظيف الأسلحة النووية في خضم الحرب الأوكرانية الدائرة، حتى إن بعض المسؤولين الروس، حذروا من اندلاع "حرب عالمية ثالثة نووية"، في وقت لوَّحت فيه موسكو بوضوح بوضع أسلحتها النووية في حالة التأهُّب، وهو ما أثار انتقادات واسعة ضد القيادة الروسية، كما أثار مخاوف من إمكانية اتساع دائرة الحرب الأوكرانية إلى حرب نووية، وما لذلك من تبعات كارثية على الأمن والاستقرار في العالم أجمع.</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">العامل الروسي</span></strong></p>



<p><strong>هناك العديد من المؤشرات التي توضح وجود ارتباط قائم بين الحرب الأوكرانية ووجود حالة من حالات الجدل المرتبطة بالتسلُّح النووي في العلاقات الدولية، وهو ما يمكن توضيحه على النحو الآتي:</strong></p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– وضع بوتين القوات النووية في حالة تأهُّب:</strong> أثار قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في السابع والعشرين من فبراير الماضي، وضعَ قوات الردع الاستراتيجي الروسية في حالة تأهب خاصة –وهي قوة تشمل عنصراً نوويّاً– &nbsp;قلقاً دوليّاً بالغاً، كما أثار انتقادات أوروبية وأمريكية شديدة للرئيس الروسي. وقد أعرب الأمين العام لحلف الناتو "ينس ستولتنبرج"، عن قلقه البالغ إزاء قرار الرئيس بوتين، فيما نددت الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، لا سيما ألمانيا بذلك القرار. وقد يكون قرار بوتين يستهدف في الأساس التأثير على المفاوضات مع الجانب الأوكراني، وخاصةً أن القرار جاء متزامناً مع دعوات للقاء بين البلدين للتباحث حول التصعيد في أوكرانيا.</p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– تحذير روسي من حرب عالمية ثالثة نووية:</strong> حذر وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، في الثاني من مارس 2022، من أن "الحرب العالمية الثالثة ستكون نووية ومدمرة"، وأكد لافروف أن الأسلحة النووية سوف تُستخدَم. وقد جاء التحذير الروسي في ظل ادِّعاءات من جانب موسكو بمساعي كييف إلى الحصول على أسلحة نووية؛ إذ قال وزير الخارجية الروسي إن بلاده لن تسمح لأوكرانيا بامتلاك أسلحة نووية، وإنها لا تزال تملك تكنولوجيا سوفييتية ووسائل لصنع مثل هذا الأسلحة.</p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3– الاعتراض على نشر أسلحة نووية أمريكية</strong>: أحد المطالب الأمنية الروسية التي أدت إلى تبرير هجومها على أوكرانيا، تحذير موسكو من استضافة بعض الدول الأوروبية أسلحة نووية أمريكية؛ إذ تعتبر موسكو ذلك يضر أمنها القومي مباشرةً، وفي هذا الإطار فإن هناك دولاً أوروبيةً مثل بلجيكا وألمانيا وإيطاليا وهولندا، تستضيف أسلحة نووية أمريكية، في إطار سياسة المشاركة النووية المرتبطة بحلف الناتو، وهو ما تنتقده روسيا بشدة، وتعتبره أمراً غير مقبول. وفي سياق متصل، فإن الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، كان قد أعلن في 27 فبراير الماضي، السماح لروسيا بنشر أسلحة نووية في بلاده، إذا تم نشر أسلحة نووية في بولندا أو ليتوانيا المجاورتين.</p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4– مخاوف تأثر المنشآت النووية في أوكرانيا:</strong> أعرب الاتحاد الأوروبي، في 2 مارس 2022، عن قلقه البالغ من الأضرار المحتملة لأي منشأة نووية في أوكرانيا، في ظل التصعيد العسكري الروسي، فيما أبدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تخوفها من إمكانية حدوث تسريب إشعاعي نووي بسبب العمليات العسكرية في أوكرانيا، وأن ذلك قد يؤثر على الأمن النووي؛ بسبب احتمالية الوصول إلى مواد ومرافق نووية، فيما طلبت أوكرانيا من الوكالة حماية منشأة تشيرنوبيل النووية، في وقت حذرت فيه وكالة تنظيم الطاقة النووية في أوكرانيا من أنه تم الكشف عن مستويات أعلى من المعتاد لإشعاعات نووية في منطقة قريبة من تشيرنوبيل بعد سيطرة الجيش الروسي عليها.</p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">دوافع واضحة</span></strong></p>



<p><strong>هناك العديد من الدوافع التي أعادت الاهتمام بالتسلح النووي في ظل الحرب الأوكرانية المتفاقمة، واستمرار التصعيد العسكري الروسي في الأراضي الأوكرانية، وهو ما يمكن توضيحه على النحو الآتي:</strong></p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– الإرث النووي القديم المرتبط بالدولة الأوكرانية: </strong>من أبرز تفسيرات عودة الاهتمام النووي في العلاقات الدولية، في ظل تطورات الحرب الأوكرانية، أن أوكرانيا كانت إحدى الدول النووية السابقة؛ إذ إنها تخلت عن ترسانتها النووية باتفاق أُبرم مع روسيا والولايات المتحدة وبريطانيا في عام 1994، في إطار ما يُعرف بمذكرة بودابست. وقد تخلت كييف عن نحو 1800 رأس نووي كانت تعد آنذاك ثالث أكبر ترسانة نووية في العالم، في مقابل استقلال وسيادة الحدود المعلنة للدولة الأوكرانية.</p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– ارتباط أكبر كارثة نووية بالحالة الأوكرانية:</strong> ترتبط أوكرانيا في المخيلة العالمية على نحوٍ ما، بأكبر كارثة نووية في العالم، التي حدثت في تشيرنوبيل عام 1986، وهو أمر عاد إلى الأذهان مرة أخرى مع مساعي القوات الروسية إلى السيطرة على محطة الطاقة النووية في تشيرنوبيل، وسط تحذيرات من ارتفاع مستويات الإشعاع. وكانت القوات الروسية قد نجحت في السيطرة على تلك المحطة النووية المُعطَّلة بعد معركة شرسة مع القوات الأوكرانية. وقال الرئيس الأوكراني لجنوده في ذلك التوقيت: "قاتلوا من أجل الدفاع عن تشيرنوبيل؛ حتى لا تتكرر مأساة 1986".</p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3– تلويح بعض الدول بامتلاك سلاح نووي:</strong> ألمح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، على هامش حضوره في مؤتمر ميونخ للأمن في منتصف فبراير الماضي، إلى إمكانية استعادة الوضع النووي لبلاده، وهي تصريحات كانت متزامنة مع التحشيد العسكري الواسع على الحدود الأوكرانية. ومن جانب آخر، صوَّت الشعب البيلاروسي، في 28 فبراير 2022، على استفتاء تضمَّن خططاً لاعتماد دستور جديد يلغي وضع الدولة باعتبارها دولة غير نووية، وهو ما حدا مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل إلى وصف هذا الاستفتاء بأنه "مقلق بدرجة كبيرة". ومن ثم فإن أحد تفسيرات صعود الاهتمام النووي في العلاقات الدولية انطلاقاً من الحرب الأوكرانية الحالية، هو أن الدولتين المنخرطتَيْن مباشرةً في تلك الحرب، لديهما نوايا لامتلاك سلاح نووي، أو حتى إمكانية استضافة أسلحة نووية، وهو ما ينطبق على بيلاروسيا.</p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4– محاولة تصدير الضغط إلى الخصوم: </strong>تعكس حالة إعلان روسيا إمكانية توظيف الأسلحة النووية في حربها ضد أوكرانيا، إحدى وسائل تصدير الضغوط إلى الخصوم، خاصةً في ظل وجود تضامن غربي واسع لفرض عقوبات صارمة ضد موسكو، وفرض عقوبات نوعية تمثل ضربة قاصمة للاقتصاد الروسي، وهو ما يرتبط أيضاً بتوجُّه بيلاروسيا نحو إمكانية السماح باستضافة أسلحة نووية روسية، وكذلك تصريحات بعض المسؤولين الروس عن إمكانية دخول العالم حرباً عالميةً نوويةً. ومن ثم، فإنه وفق المُقارَبة الروسية، قد يوفر هذا التلويح النووي فرصة من أجل ردع الخصوم وتفادي تصعيد أكبر فيما يتعلق بمسألة العقوبات في المدى المنظور.</p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>وفي المجمل، فإن عودة التسلُّح النووي إلى صدارة الاهتمام في الأيام القليلة الماضية، بالتزامن مع التصعيد العسكري الروسي في الأراضي الأوكرانية، قد أعادت إلى الأذهان خطر توسُّع تلك الحرب لتُجاوز الحدود الأوكرانية إلى الحدود الأوروبية، ومنها إلى حرب عالمية ثالثة من شأنها أن تصبح نووية بحسب التحذير الروسي. ورغم ذلك، فإن من المستبعد أن يكون هناك أي استخدام لتلك الأسلحة، خاصةً في ظل وجود حالة من الردع النووي بين الدول التي تمتلك هذه النوعية من الأسلحة في النظام العالمي الحالي.</strong></p>

      

دوافع عودة التسلُّح النووي إلى العلاقات الدولية بعد أزمة أوكرانيا