عرض: صباح عبدالصبور

يتبنى حلف الناتو مقاربة تجاه الأزمة الأوكرانية، قائمة في الأساس على عدم الانخراط المباشر، ومنع تصعيد العمليات العسكرية في أوكرانيا، وهو ما أكده الأمين العام لحلف شمال الأطلسي "ينس ستولتنبرج"، والمستشار الألماني "أولاف شولتس"، خلال مؤتمر صحفي بينهما في 17 مارس 2022، وهي مقاربة لا تنفي رغبة أعضاء الحلف في تقديم الدعم للجانب الأوكراني من أجل رفع تكلفة الحرب على روسيا. وفي هذا الإطار، نشر موقع "فورين بوليسي" تقريراً بعنوان "ستة خيارات يمكن لحلف الناتو القيام بها لمساعدة أوكرانيا في الوقت الحالي" في مارس 2022. ويقدم التقرير ستة خيارات بديلة لحلف الناتو؛ حيث سيكون كل خيار أقل تصعيداً بكثير من خيار فرض منطقة حظر طيران، وبحيث يُزوِّد القوات العسكرية الأوكرانية بمساعدة سريعة وقيِّمة. كما تستند هذه الخيارات إلى سوابق تاريخية مقنعة، وستسمح لحلف الناتو بإدارة المخاطر من خلال استغلال تكتيكات المنطقة الرمادية التي طالما عاملها النقَّاد على أنها مجال حصري للروس.

التدريب العسكري

يتمثَّل الخيار الأول الذي أشار إليه التقرير في تدريب المتطوعين الأوكرانيين على استخدام منظومة الدفاع الجوي المحمولة؛ وذلك على النحو الآتي:

1- ضرورة إرسال الصواريخ المحمولة إلى كييف: يعتقد التقرير أن إرسال الغرب الأسلحة إلى أوكرانيا أمر مستحق، بما في ذلك الصواريخ المضادة للدبابات، والصواريخ المضادة للطائرات التي تشتد الحاجة إليها؛ إذ تعد الصواريخ التي تُحمل على الكتف على وجه الخصوص، ضرورية لإحباط الهجمات الجوية، خاصةً إذا كانت قدرات الدفاع الجوي التقليدية غير متوافرة أو تعمل في أماكن أخرى.

2- تدريب المتطوعين الأوكرانيين المغتربين: يشير التقرير إلى أن أوكرانيا لديها نقص في الأطقم المدربة لتشغيل هذه الأسلحة؛ لذلك يمكن للدول الغربية سد هذه الفجوة بتدريب المتطوعين الأوكرانيين المغتربين على أنظمة الصواريخ المحمولة قبل عودتهم إلى بلادهم، على غرار التدريب الذي قدمته الجيوش الغربية بالفعل للقوات الأوكرانية داخل البلاد.

3- تقديم دورات تدريبية مكثفة للمغتربين: يشير التقرير إلى إمكانية تقديم دورات تدريبية قصيرة ومكثفة في القواعد العسكرية الأوروبية لاستخدام صواريخ "جافلين" و"ستينجر" وغيرهما من الصواريخ المحمولة للمغتربين الأوكرانيين في أوروبا والولايات المتحدة، وخاصةً الذين تلقوا تدريباً عسكرياً سابقاً، والذين يرغبون في العودة إلى بلادهم. ويمكن أن يمتد ذلك ليشمل منصات الذخائر الأخرى، والتدريب الإضافي حسب الحاجة.

الأنشطة السيبرانية

يجادل التقرير بأهمية تسهيل الأنشطة السيبرانية المدنية؛ وذلك في ضوء ما يأتي:

1- استهداف "أنونيموس" أهدافاً روسية: وفقاً للتقرير، قامت مجموعات القرصنة المدنية، بما في ذلك "أنونيموس"، باستهداف روسيا وبيلاروسيا كل منهما على حدة، عن طريق تعطيل المواقع الحكومية، وتسريب الوثائق المصنفة، واختراق وسائل الإعلام التي تديرها الدولة.

2-دعم الناتو الهجمات الإلكترونية المدنية: رغم أن هذه الهجمات الإلكترونية على مستوى القاعدة الشعبية، لافتة للنظر، فإن من غير المرجح –بحسب التقرير– أن تُخفِّف هذه الهجمات حدة الجهود الحربية الروسية على نحو أساسي؛ وذلك فقط لأنه يتم تنفيذها من قبل مجموعة واسعة من النشطاء الإلكترونيين الذين يمتلكون مستويات عالية من المهارات التقنية، ولكنهم في الوقت ذاته يفتقرون إلى معرفة السياق الذي يمكنهم من خلاله تعظيم الضرر الناجم عن جهودهم. وفي هذا الإطار، يرى التقرير أنه يمكن لحلف الناتو أن يساعد في سد هذه الفجوة عن طريق إيجاد طرق للمساعدة بأسلوب غير مباشر أو "التوجيه الخلفي" لتنسيق ما قد يرقى إلى سلسلة من الهجمات المتباينة وغير المنسقة.

3-الاستفادة من تجارب دعم الاستخبارات للهاكرز المحليين: بحسب ما ذكر التقرير، تتبنى روسيا هذا النهج بدرجة كبيرة من خلال توظيف جهات فاعلة خاصة كمساعدين إلكترونيين. وخلال الهجمات الروسية على إستونيا عام 2007، قدَّمت وكالات الاستخبارات الروسية برامج وإرشادات للمواطنين العاديين أو "الهاكرز الوطنيين" الذين أرادوا معاقبة إستونيا على إزالة تمثال من حقبة الحرب العالمية الثانية لإحياء ذكرى انتصار الجيش الأحمر على ألمانيا النازية.

4-ضرورة أخذ مخاوف "الهاكرز" بعين الاعتبار: يؤكد التقرير ضرورة اتباع الناتو نهجاً مختلفاً؛ فنظراً إلى أن العديد من الهاكرز، خاصةً المرتبطين بمجموعات مثل أنونيموس، لا يثقون بشدة بسلطة الدول، فلا ينبغي لحلف الناتو تجنيد ناشطين إلكترونيين للعمل لدى الوكالات الحكومية الأمريكية أو الأوروبية.

5- حماية "الهاكرز" المحليين من المساءلة القانونية: أشار التقرير إلى أهمية تبنى نهج عملي يزيد من إمكانية الإنكار المقبول، ويتجنَّب استعداء الهاكرز الذين لديهم مشاعر مناهضة للحكومات. ويجب على الدول الأعضاء في الناتو أيضاً أن تبدأ في النظر في سبل حماية الهاكرز العاملين على أراضيها من المساءلة القانونية والمقاضاة من قبل روسيا وحلفائها.

6- تسهيل عمليات نقل المعرفة السيبرانية لمساعدة "الهاكرز": نصح التقرير بتسهيل عمليات نقل المعرفة، من خلال إيجاد طرق إبداعية لتسريب أجزاء من التعليمات البرمجية أو ثغرات يوم الصفر التي يمكن أن تساعد الهاكرز في هندسة الهجمات على الشبكات الروسية.

7-اقتراح "الناتو" أهدافاً إلكترونيةً روسيةً استراتيجيةً: جادل التقرير بأهمية اقتراح أهداف إلكترونية ذات أهمية استراتيجية خاصة بدلاً من توظيف الهاكرز وتوجيه عملياتهم. على سبيل المثال، يمكن للوحدات الإلكترونية التابعة لحلف الناتو إنشاء منظمات واجهة تحدد الوكالات الحكومية الروسية الأقل شهرةً، والشركات الروسية التي تُنتِج مكونات عسكرية، والمُنظَّمات المعروفة بأنها واجهات للأنشطة الإلكترونية الروسية.

توفير المُسيَّرات

وفقاً للتقرير، فإن الخيار الثالث هو توفير طائرات قتالية بدون طيار؛ وذلك لعدة اعتبارات، منها:

1- دور مهم للمُسيَّرات التركية في الحرب: تعتبر المُسيَّرات التركية من طراز "بيرقدار تي بي2" هي فعليّاً المنصة الوحيدة المحمولة جواً التي تضرب بها أوكرانيا القوات البرية الروسية بنجاح. وهذا أمر جيد –بحسب التقرير– بالنظر إلى الدفاعات الجوية الروسية التي نجحت في تحييد الطائرات المقاتلة الأوكرانية المأهولة، وأعداد صغيرة من "مُسيرات تي بي 2". ونظراً إلى مدى تشوُّش الأعمدة المُدرَّعة الروسية، ومدى ضعف دفاعاتها الجوية القصيرة المدى، فإن توفير المزيد من الطائرات بدون طيار، والذخائر التي تحملها الطائرات بدون طيار؛ يمكن أن يُحدث فرقاً في اعتراض خطوط الإمداد، وإبطاء التحركات الروسية، كما أن أي مستودعات إمداد أمامية للوقود أو الذخيرة أنشأها الروس على الأراضي الأوكرانية يمكن أن تكون أهدافاً مغرية أيضاً.

2- أهمية الاستفادة من دروس حرب "ناجورنو كاراباخ": وفقاً للتقرير، استخدمت أذربيجان المُسيَّرات على نطاق واسع خلال حرب "ناجورنو كاراباخ" عام 2020 لهزيمة جيش أرمينيا المصمَّم على الطراز الروسي؛ إذ تم تدمير كميات كبيرة من المعدات العسكرية والقوافل الأرمينية؛ ما أدى في النهاية إلى شل العمليات، كما كان الأرمن يتحصَّنون للتمويه بدلاً من المخاطرة بضربات جوية من خلال العمل في العراء أو إعادة إمداد وحداتهم.

3-إمكانية توفير مُسيَّرات أمريكية حديثة لأوكرانيا: بحسب التقرير، ستكون "مُسيرات تي بي2" هي الأولوية القصوى؛ فالجيش الأوكراني على دراية جيدة بتشغيلها، لكنها ليست الخيار الوحيد؛ إذ يعد بيع أو إقراض أو منح المُسيَّرات الأمريكية "إم كيو–1 بريداتور" و"إم كيو–9 ريبر" إلى أوكرانيا خياراً قابلاً للتطبيق، إذا قامت وزارة الخارجية الأمريكية بإزالة قيود التصدير المفروضة، التي تستند إلى كيفية تفسيرها لنظام التحكم في تكنولوجيا الصواريخ، والموافقة على المبيعات التجارية المباشرة لهذه الطائرات التي يتم التحكم فيها عن بُعد.

4-شراء مُسيَّرات صينية بأسلوب غير مباشر: يمكن للدول الغربية أيضاً أن تزود أوكرانيا بنماذج صينية الصنع، مثل مركبات "وينج لونج Wing Loong" أو خيارات تجارية مثل "مافيك "Mavic أو "فانتوم Phantom". ويزعم التقرير أن عدداً من الدول –بما في ذلك السعودية والإمارات ونيجيريا– اشترت مُسيَّرات من طراز "وينج لونج" بعد أن رفضت الولايات المتحدة تصدير مُسيَّرات بريداتور المسلحة إليها. لذلك يرى التقرير أنه يمكن لأعضاء الناتو شراء بعض هذه المُسيَّرات من طراز "وينج لونج" بأسلوب غير مباشر لنقلها إلى أوكرانيا، مع الوعد بتقديم أنظمة طائرات بدون طيار أمريكية أو إسرائيلية أفضل في المقابل. كما يمكن لطائرات "فانتوم Phantom" أيضاً زيادة جمع المعلومات الاستخبارية للجيش الأوكراني، بالإضافة إلى زيادة قدرتها على تنفيذ عمليات ناجحة، وتوثيق الهجمات الروسية التي قد تتم مقاضاتها كجرائم حرب.

توفير المقاتلات

بجانب الطائرات المُسيَّرة، يطرح التقرير خيار توفير طائرات مقاتلة بديلة؛ وذلك في ضوء ما يأتي:

1- مرونة ملحوظة للقوات الجوية الأوكرانية: يرى التقرير أن سلاح الجو الأوكراني أظهر مرونة ملحوظة، ولا يزال يقلل من افتراضات التفوق الجوي الروسي؛ ما يعوق قدرة روسيا على شن غارات جوية وإنشاء جسور جوية لإعادة إمداد قواتها البرية الأمامية. ومع ذلك، فإن أوكرانيا تتكبد خسائر كبيرة، ومن المرجَّح أن تنفد الطائرات قبل نفاد الطيارين.

2- حاجة أوكرانية ماسَّة إلى الطائرات المقاتلة: على الرغم من صعوبة الحصول على البيانات في الوقت الفعلي، لكن التقارير المفتوحة المصدر تشير إلى أن أوكرانيا فقدت أقل من 10% من نحو 100 طائرة مقاتلة مأهولة كانت تمتلكها في بداية الحرب. بالإضافة إلى ذلك، عندما يتم استخدام الطائرات المقاتلة في القتال وبكثرة، فإنها تتعطَّل وتتطلَّب صيانة مكثفة. وبناءً على ذلك، فإن الجيش الأوكراني في حاجة ماسَّة إلى طائرات مقاتلة لدعم قوته الجوية.

3- تشجيع عودة القوات الجوية إلى القتال: بحسب ما ذكر التقرير، فإنه عادةً ما تحتفظ القوات الجوية الأوروبية بطيارَيْن على الأقل لكل طائرة؛ لذلك سيكون بمقدور نسبة من الطيارين العودة إلى القتال إذا تم تدمير طائراتهم؛ إما لتدميرها على الأرض غير مأهولة، أو لتمكُّن الطيار من النجاة والخروج منها قبل تدميرها في الهواء.

4-توفير طائرات روسية قديمة تُناسب خبرة الأوكرانيين: يعتقد التقرير أن الخيار الأفضل هو توفير الطائرات التي يعرف الطيارون الأوكرانيون بالفعل كيفية تشغيلها، ومنها مقاتلات "ميج 29″، وطائرة الهجوم الأرضي من طراز "إس يو–25". وعلى سبيل المثال، فإن بولندا لديها 28 مقاتلة من طراز ميج 29 متاحة للنقل على الفور إلى أوكرانيا. وعلى الرغم من أنه قد يبدو من الغريب تزويد أوكرانيا بالطائرات القديمة، فإن هذه هي المنصات هي التي يعرف الطيارون الأوكرانيون بالفعل كيفية تشغيلها، وفقاً للتقرير، ويعرف المهندسون الأوكرانيون كيفية إصلاحها. ونظراً إلى أن طائرات "ميج 29″ و"إس يو– 25" هي طائرات من الحقبة السوفييتية، فليس لدى الناتو طرازات أحدث منها. كما سيتطلب تزويد أوكرانيا بطائرات "إف– 16" أو غيرها من الطائرات التي ينتجها الناتو، من الطيارين والمهندسين الأوكرانيين على السواء، الخضوع لتدريب مكثف قبل أن يتمكنوا من استخدامها في القتال.

5-وضع خطط لنقل طائرات عبر الحدود البولندية: بحسب التقرير، جذبت إحدى الخطط مؤخراً لإرسال طائرات بولندية إلى أوكرانيا، الكثير من اهتمام وسائل الإعلام قبل أن تمنعها الولايات المتحدة. ومع ذلك، لا يزال من الممكن إنجاز مثل هذا النقل بهدوء وبطريقة تقلل مخاطر التصعيد. ونظراً إلى أن بولندا وأوكرانيا تشتركان في الحدود، يمكن للبولنديين نقل طائرات "ميج 29" الخاصة بهم إلى الطرق المجاورة لأوكرانيا، ويمكن للأوكرانيين بعد ذلك سحبها عبر الحدود. وبحسب التقرير، فإن هذه الطريقة لا تختلف عن الطريقة التي تحايلت بها الولايات المتحدة على قوانين الحياد في عام 1940 من خلال وضع الطائرات على طول الحدود الكندية؛ حيث تم جرُّها إلى كندا ثم بعد ذلك إلى المملكة المتحدة.

تجنيد متطوعين

الخيار الخامس، وفقاً للتقرير، هو تجنيد طيارين متطوعين وأطقم متابعة على الأرض، وهو ما يمكن تناوله على النحو الآتي:

1- توفير طيارين متطوعين من أوروبا الشرقية: يرى التقرير أنه بالإضافة إلى الطائرات، ستحتاج القوات الجوية الأوكرانية إلى المزيد من الطيارين وأطقم المتابعة على الأرض لمواصلة العمل. ويمثل هذا معضلة؛ حيث يستغرق تدريب الطيارين وطواقم الصيانة وقتاً طويلاً، ولا يمكن للمتطوعين المحليين أو غيرهم من الأفراد العسكريين القيام بهذه الأدوار بسهولة، بل يجب أن يتطابق تدريبهم أيضاً مع الطائرة التي سيتم نشرهم فيها أو صيانتها. وعلى الرغم من أن الناتو والحكومات الغربية الأخرى ستتردد في إمداد الطيارين العسكريين مباشرةً، فإنه لا يزال بإمكانهم المساعدة بطرق أقل تصعيداً وأكثر قابليةً للإنكار؛ وذلك بتسهيل المتطوعين من أوروبا الشرقية.

2- دروس تاريخية من تجربة "النمور الطائرة": وفقاً للتقرير، فإنه قبل أن تدخل الولايات المتحدة رسميّاً الحرب العالمية الثانية، سمح الرئيس الأمريكي "فرانكلين دي روزفلت" لطياري سلاح الجو والبحرية ومشاة البحرية بالجيش الأمريكي، باستخدام طائرات أمريكية الصنع لصالح الصين ضد اليابان. وتم تسريح 99 طياراً أمريكياً كانوا يشكلون في الأصل مجموعة المتطوعين الأمريكية (المعروفة باسم "النمور الطائرة") من القوات المسلحة الأمريكية، وقد وظَّفتهم الشركة المركزية لتصنيع الطائرات، ثم سافروا إلى الخارج إلى الصين. وقد حصل هؤلاء الطيارون على رواتب أفضل من الطيارين الأمريكيين والصينيين، وقاموا بهذه الخطوة على أساس الفهم الواضح بأنهم سيكونون موضع ترحيب للانضمام إلى القوات المسلحة الأمريكية بعد ذلك. وقد ساعدت "النمور الطائرة "في نهاية المطاف على إعاقة العمليات اليابانية والتفوق الجوي الياباني.

3- وضع خطة للدفع بطيارين متطوعين من دول الناتو: بحسب ما ذكر التقرير، يمكن اعتماد نموذج مماثل لمساعدة أوكرانيا؛ إذ يمكن للطيارين المتطوعين والأطقم الأرضية من دول الناتو التي تشغل طائرات مماثلة لتلك التي تستخدمها أوكرانيا (مثل بلغاريا وبولندا وسلوفاكيا)، الحصول على أوراق الغياب من قواتها المسلحة أو قوات الاحتياط الوطنية، ويتم تعيينهم من قبل الجيش الأوكراني، ويُزوَّدون برتب وجوازات سفر أوكرانية. وعلى الرغم من أن روسيا قالت إنها ستعامل المقاتلين الأجانب كمرتزقة، فإن القيام بإسقاط طيار يرتدي زيّاً أوكرانيّاً ويحمل جواز سفر أوكرانيّاً، يمثل انتهاكاً لاتفاقيات جنيف، لكن لتقليل مثل هذه المخاطر، يجب أن يقتصر أعضاء أي مجموعة من المتطوعين في الناتو على مهام الطيران خلف الحافة الأمامية لمنطقة المعركة؛ لذلك إذا تم إسقاطهم، فسوف يهبطون جيداً داخل الأراضي التي تسيطر عليها أوكرانيا. وإذا استمر الصراع، يمكن توسيع هذا البرنامج ليشمل التدريب الطيارين والأطقم الأرضية الذين ليس لديهم خبرة بطائرات الحقبة السوفييتية.

دعم الحكومة

تناول التقرير مسألة دعم استمرارية الحكومة الأوكرانية؛ وذلك على النحو الآتي:

1- دور مهم للرئيس الأوكراني في استمرار المقاومة: يرى التقرير أن أحد مفاتيح إطالة أمد المقاومة الأوكرانية، هو الاستعداد لاحتمال أن تقع كييف عاصمة أوكرانيا في أيدي الروس. وقد أدى قرار الرئيس الأوكراني "فولوديمير زيلينسكي" البقاء في كييف والدفاع عن عاصمته إلى تنشيط المقاومة الأوكرانية، واكتسب دعماً دوليّاً واسع النطاق.

2- وضع خطة بديلة لحكومة موازية في غرب أوكرانيا: وفقاً للتقرير، أعطت روسيا منذ بداية غزوها الأولوية للقبض على كبار القادة السياسيين والعسكريين في أوكرانيا أو قتلهم. وقد تحقق القوات الروسية هذا الهدف بشكل جيد للغاية في معركتها القادمة من أجل كييف. لذلك تحتاج الحكومة الأوكرانية إلى وضع خطة للحكومة وضمان استمرارها؛ لمواجهة السيناريو غير المستحيل الذي تجد فيه روسيا طريقة للقبض على زيلينسكي ومرؤوسيه أو قتلهم. وبطبيعة الحال، فمن غير المرجَّح أن يغادر زيلينسكي العاصمة ما دامت المقاومة ممكنة. لذلك فإن هناك حاجة إلى خطة واقعية من أجل إنشاء حكومة موازية في جزء آمن نسبياً (وغير معلوم) من غرب أوكرانيا، وعلى استعداد لتولي مهام الرئيس ووزرائه على الفور في حالة غياب أحدهم أو جميعهم.

3- التخطيط لاستمرارية عمل المقاومة بـ"جبال الكاربات": بحسب ما ذكر التقرير، يضمن التخطيط القوي لاستمرارية الحكومة أن ينظر الشعب الأوكراني إلى السلطات التي ستخلفها على أنها سلطات شرعية، فلا تستطيع موسكو إنهاء النزاع حتى مع توجيه ضربة ناجحة إلى "الرأس"، وهي استراتيجية عسكرية لإزالة القيادات والسيطرة على الحكومات المعادية. وبالمثل، يجب أن تبدأ أوكرانيا في التخطيط لاستمرار المقاومة المنظَّمة في المناطق ذات التضاريس التي يمكن الاحتماء بها، على الأرجح في مكان ما بجبال الكاربات في غرب أوكرانيا.

4- الاستفادة من دروس الحرب الفرنسية البروسية: يستدل التقرير بتجربة حكومة الدفاع الوطني الفرنسية خلال الحرب الفرنسية البروسية؛ فعندما حاول البروسيون الاستيلاء على باريس في عامي 1870 و1871، قسَّمت الحكومة الفرنسية نفسها إلى ثلاثة أجزاء؛ حيث ظل الرئيس الفرنسي آنذاك "لويس جول تروشو" في باريس المحاصَرة لإرضاء المدافعين عنها، وانتقلت الجمعية الوطنية بعيداً عن خطوط العدو إلى بوردو، واستقر وزير الداخلية آنذاك ليون غامبيتا في وادي اللوار؛ حيث أشرف على الجهود العسكرية من أجل تخفيف الضغط عن باريس. وبهذا الانقسام في الحكومة الفرنسية، لم يتمكن البروسيون من إنهاء الحرب من خلال الاستيلاء على أي جزء من الحكومة.

5- تعزيز الاتصالات وتقديم الدعم والمشورة للمقاومة: بحسب التقرير، فإن هناك كثيرًا من هذا العمل بشأن هذا الأمر، يجب على حكومة زيلينسكي القيام به. ومع ذلك يمكن للدول الغربية المساعدة من خلال تقديم المشورة بشأن التنفيذ، وتسهيل روابط الاتصال، وإرسال المعدات والموارد للمساعدة في تقوية الموقع البديل المختار. وينوه التقرير بأنه لا يوفر أي من هذه الإجراءات، في حد ذاته، ضمانةً تمنع الهزيمة العسكرية لأوكرانيا على يد روسيا، بل كل منها يأتي مع احتمال التصعيد. ومع ذلك، فإن التصعيد غالباً ما يكون خطوة ضرورية لإقناع الخصم بتغيير المسار. ووفقاً لذلك، يجب على الدول الأعضاء في الناتو والشركاء مراعاة هذه الاقتراحات عند تقييم كيفية مساعدة أوكرانيا. كما ينوه التقرير بأن من غير المُرجَّح أن تؤدي الإجراءات الحالية إلى ترجيح كفة الميزان العسكري لصالح أوكرانيا في الوقت الذي تعمل فيه على إطالة أمد النزاع فتزيد معاناة الأوكرانيين

6- توقيت استجابة دول الناتو حاسم في مسار الصراع: يؤكد التقرير أن خطر التصعيد موجود بغض النظر عن الإجراءات التي يتخذها الغرب لدعم أوكرانيا؛ فقد أظهر "بوتين" بالفعل أنه سوف يخلق ذريعة للصراع عندما يكون خصومه أذكى من أن يعطوه الذريعة؛ لذلك يجب أن يكون حلف الناتو مستعدّاً لاحتمال أن يختار بوتين النظر إلى الجهود الحالية على أنها سبب للحرب إذا كان يرغب في الدخول في صراع مباشر ضد الحلف. وحتى الآن، يعمل خطاب بوتين على ردع عمل الناتو أكثر مما يفعله الناتو لردع بوتين عن ارتكاب جرائم ضد الإنسانية؛ لذلك يؤكد التقرير أن استمرار تأجيل عمليات إدارة تصورات بوتين سيكون له عواقب وخيمة على الناتو.

وختاماً، لفت التقرير إلى أن استجابة الناتو في هذا التوقيت أمر حيوي؛ ففي الوقت الذي يجب على الغرب فيه أن يدرس بعناية استجابته لروسيا، يجب –في الوقت ذاته– أن يتذكر أن السماح لبوتين بالنجاح في حربه "القاسية" ضد دولة ديمقراطية مجاورة، سيكون له تأثير واسع على الأمن العالمي.

المصدر:

David A. Deptula, Marc R. DeVore, Emma Salisbury and Michael Hunzeker, Six Things NATO Can Do to Help Ukraine Right Now, Foreign Policy, March 16, 2022, accessible at: https://foreignpolicy.com/2022/03/16/nato–ukraine–support–russia–war–help–ideas

هل يملك حلف الناتو أدوات فاعلة لمساعدة أوكرانيا؟