د. محمد عباس ناجي


        
<p>أعلنت إيران، في 9 فبراير 2022، بمناسبة الاحتفال بـ"عشرة الفجر" (ذكرى قيام الثورة التي أطاحت بالشاه) عن صاروخ استراتيجي جديد بعيد المدى، يصل مداه إلى 1450 كيلومتراً، أطلقت عليه اسم "خيبر شكن" أو "كاسر خيبر"؛ وذلك خلال تفقد رئيس هيئة الأركان محمد باقري، وقائد القوة الجوفضائية التابعة للحرس الثوري أمير علي حاجي زاده؛ إحدى قواعد الصواريخ "أرض–أرض". ووفقاً للتقارير الإيرانية، فإن "خيبر شكن" هو أحد صواريخ الجيل الثالث التي أنتجها الحرس الثوري، ويمتاز بدقته في مهاجمة الأهداف، ووقوده من النوع الجامد، ويمتلك القدرة على المناورة خلال عملية الهبوط؛ من أجل تجاوز منظومات الدفاع الجوي. وهو ما لا يمكن فصله عن اقتراب المفاوضات التي تُجرى في فيينا حول الاتفاق النووي على الانتهاء؛ حيث تريد إيران الاستعداد مسبقاً لأي من السيناريوهات التي يمكن أن تنتهي إليها المفاوضات. لكن رغم أهمية ذلك، لا يمكن فصل هذه الخطوة، التي يتوقع أن تثير ردود فعل منددة من جانب الدول الغربية، عن الهجمات الإرهابية التي تنفذها المليشيات الموالية لإيران – لاسيما الحوثيين – ضد بعض دول الخليج العربي في الفترة الأخيرة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">دوافع عديدة</span></strong></p>



<div style="height:12px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>يمكن القول إن ثمة اعتبارات عديدة دفعت إيران إلى الإعلان عن تلك الخطوة في هذا التوقيت تحديداً، يتمثل أبرزها في:</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– استباق الوصول إلى صفقة نووية محتملة:</strong> اقتربت المفاوضات التي تُجرى في فيينا حول الاتفاق النووي، من المرحلة النهائية؛ حيث عادت وفود التفاوض من عواصمها لاستئناف المباحثات التي يبدو أنها بدأت تركز على الصياغة التي كُتبت على الورق، في مؤشر على تقليص مساحة الخلافات بين الطرفين الإيراني والأمريكي. ومن هنا، فإن إيران تسعى، في حالة نجاح المفاوضات، إلى تأكيد أن القيود التي سوف يتضمنها الاتفاق الجديد لن تمتد إلى برنامج الصواريخ الباليستية، ولا إلى أي ملف خلافي آخر، وأن إيران سوف تواصل تطوير أنشطتها الصاروخية حتى إذا أدى ذلك إلى تفاقم الخلافات مع الدول الغربية. ومن دون شك، فإن إيران تحاول في هذا السياق تأكيد مقاربتها الخاصة بالبند المتعلق ببرنامج الصواريخ في الاتفاق النووي وقرار مجلس الأمن رقم 2231؛ حيث ترى أن دعوة الاتفاق والقرار إلى عدم إجراء أنشطة خاصة بتطوير الصواريخ لا تنطبق على الصواريخ التي تمتلكها، والتي تدعي أنها غير مصممة لحمل أسلحة نووية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– توجيه رسائل ردع حال فشل المفاوضات:</strong> رغم المناخ الإيجابي الذي تفرضه تصريحات المسؤولين المشاركين في المفاوضات، فإن إيران لا تستبعد فشلها، خاصةً أن هناك خلافات لا تزال عالقة حول بعض القضايا. وقد بدأت الدول المعنية تشير إلى أن المفاوضات قد تستمر حتى نهاية فبراير الحالي؛ حيث إن استمرارها بعد ذلك دون الوصول إلى صفقة يفرغ المفاوضات من مضمونها فتصبح بلا معنى. وهنا، فإن إيران بهذه الخطوة تسعى إلى تأكيد استعدادها لتصاعد حدة التوتر التي قد تتطور إلى نشوب مواجهة عسكرية، خاصةً أنها في هذه الحالة أيضاً سوف تواصل تطوير برنامجها النووي على نحو سوف يساهم في اقترابها من مرحلة امتلاك القدرة على إنتاج القنبلة النووية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3– التماهي مع "تصعيد الوكلاء" الأخير:</strong> تتزامن الخطوة التصعيدية الجديدة التي اتخذتها إيران مع استمرار الهجمات الإرهابية التي تشنها المليشيات الموالية لطهران ضد بعض دول الخليج العربي، وهي هجمات لم تقم إيران بإدانتها؛ حيث يبدو أن ذلك يمثل رسالة مباشرة من جانب إيران بأنها تتماهى مع السياسة الهجومية التي تتبناها الميليشيات الموالية لها، وأنها سوف تواصل تقديم الدعم لهذه الميليشيات رغم الضغوط القوية التي تتعرض لها من جانب القوى الإقليمية والدولية المعنية بتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة. وبالطبع، فإن الإمكانات التكنولوجية التي تمتلكها إيران في مجال صناعة الصواريخ وإطلاقها، قد نقلتها إلى تلك الميليشيات التي تفتقد القدرة على شن هجمات بهذا المستوى.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4– اتباع سياسة مزدوجة تجاه السعودية:</strong> أشارت إيران عدة مرات في الفترة الأخيرة إلى أنها مستعدة للوصول إلى مزيد من التفاهمات مع السعودية؛ من أجل تطوير العلاقات بين الطرفين، وصولاً إلى مرحلة عودة فتح السفارات، كما أعلنت عن انعقاد جولة خامسة من الحوار مع السعودية في الفترة القادمة. وفي الواقع، فإن الإعلان عن الصاروخ الجديد يخدم الأجندة والأهداف الإيرانية من انعقاد الحوار مع السعودية، خاصةً في إطار تأكيد عدم إقدام إيران على إجراء تغيير في سياستها، ولو أدى ذلك إلى فشل خيار الحوار مع الرياض. وقد كان لافتاً في هذا السياق أن السعودية حرصت في الفترة الماضية على توجيه انتباه المجتمع الدولي إلى أن المشكلات مع إيران لا تنحصر في البرنامج النووي، رغم أهميته بالطبع، بل تمتد إلى الملفات الخلافية الأخرى التي لا تقل خطورة، وفي مقدمتها التدخلات الإقليمية، وبرنامج الصواريخ الباليستية، خاصةً أنها سبق أن تعرضت لهجمات قوية، على غرار الهجمات التي شُنت ضد منشأة أرامكو، في سبتمبر 2019، واتهمت إيران بالمسؤولية عنها رغم نفيها ذلك، فضلاً عن اتهامها بالمسؤولية عن الهجمات التي تشنها الميليشيا الحوثية ضد أهداف عديدة على أراضيها.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>5– مراقبة تطور الحضور العسكري الأمريكي: </strong>ترصد إيران بدقة تطورات الحضور العسكري الأمريكي في المناطق القريبة منها، ويبدو أنها غير مطمئنة إلى هذا الحضور الذي قد يعزز احتمالات تعرضها لضربات عسكرية في مرحلة لاحقة، لا سيما في ظل استمرار الخلافات العالقة بين الطرفين، حتى في حالة الوصول إلى صفقة محتملة في مفاوضات فيينا. وكانت آخر الخطوات التي اتخذتها الولايات المتحدة الأمريكية في سبيل تعزيز حضورها العسكري "النوعي" في المنطقة هو الإعلان عن نقل سرب من المقاتلة F–22 Raptor إلى الإمارات في 8 فبراير الجاري، وهي المقاتلة التي تمتلك قدرات تكنولوجية فائقة؛ وذلك في إطار حرص واشنطن على توجيه رسائل مباشرة إلى حلفائها الإقليميين في المنطقة تفيد بالتزامها بالتعهدات التي تفرضها العلاقات الاستراتيجية بين الطرفين، وهو ما تحاول إيران الرد عليه عبر الإعلان عن مواصلة تطوير برنامجها للصواريخ الباليستية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">تصعيد متواصل</span></strong></p>



<div style="height:12px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>وختاماً، يكشف تعمد إيران الإعلان عن تلك الخطوة في هذا التوقيت عن أنها تتجه نحو اتخاذ مزيد من الإجراءات التصعيدية خلال المرحلة القادمة، على نحو يعني أن الوصول إلى صفقة نووية محتملة في مفاوضات فيينا قد لا يساهم في إجراء تغيير كبير في السياسة الإيرانية، وهو ما يضع بدوره حدوداً للمقاربة الجديدة التي تتبناها حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي، والتي تقوم في الأساس على تحسين العلاقات مع دول الجوار؛ حيث إن هذا التوجه لن يكون معناه في الغالب إقدام إيران على إبداء مرونة أكبر في الملفات الخلافية العالقة مع تلك الدول.</strong><strong></strong></p>

      

لماذا طورت إيران صاروخ "خيبر شكن" الجديد؟