د. أحمد عبدالعليم حسن

فرضت الطائرات المُسيَّرة نفسَها بوضوح على مسارح العمليات العسكرية حول العالم خلال السنوات الأخيرة، وأصبحت واسعة الانتشار بقدر كبير، سواء بين الدول أو حتى بين الفاعلين المسلحين من غير الدول، خاصةً في ظل ما توفره تلك الطائرات من مزايا عسكرية متعددة، سواء من خلال جمع المعلومات الاستخبارية والاستطلاع، أو حتى من خلال توظيفها في عمليات عسكرية هجومية، وهو ما حدا بالعديد من الدول إلى تعزيز الاهتمام بالتقنيات المتعلقة بمكافحة هذا النوع من الطائرات؛ لتحقيق الردع الكافي في أي حروب مستقبلية، وهو ما قد ينعكس بنسبة كبيرة على الصراعات في منطقة الشرق الأوسط، خاصةً في ظل توظيف الطائرات المُسيَّرة من جانب بعض الميليشيات والتنظيمات الإرهابية.







اهتمام مكثف:



يتصاعد الاهتمام الدولي والإقليمي بتطوير التقنيات المضادة للطائرات المُسيرة لاسيما الصغيرة منها، وذلك على النحو التالي:







1– زيادة الإنفاق الأمريكي على البحث والتطوير: تعمل وزارة الدفاع الأمريكية على تطوير قدرات الأنظمة المضادة للطائرات المُسيَّرة الصغيرة الحجم للاستخدام في الولايات المتحدة، وكذلك في الدول التي تستضيف قواعد عسكرية بجانب مناطق الصراع المختلفة. ومن المتوقع الإعلان عن أحد الأنظمة المتطورة في أبريل 2021. وتخطط وزارة الدفاع الأمريكية لتدشين أكاديمية في قاعدة فورت سيل بأوكلاهوما بحلول السنة المالية 2024؛ بهدف التدريب على تكتيكات مكافحة الطائرات المُسيَّرة العسكرية.



إذ انتشرت الطائرات المُسيَّرة المسلحة انتشارًا كبيرًا خلال الأعوام الأخيرة، وسعت العديد من الدول إلى امتلاكها بجانب بعض الفاعلين المسلحين من غير الدول، خاصةً أنها تكنولوجيا منخفضة التكلفة وتتيح إمكانات متعددة متعلقة بمناطق الصراع، بما في ذلك الاستطلاع والاستخبارات ومراقبة الخصوم، وهو ما حدا وزارة الدفاع الأمريكية إلى إنفاق نحو نصف مليار دولار في البحث والتطوير لمكافحة الطائرات المُسيَّرة خلال العام المالي 2021.







2– تسارع روسي للاستعداد لحروب المستقبل: اتجهت روسيا إلى تطوير طائرة هليكوبتر مُسيَّرة؛ لمساعدة أنظمة الأسلحة المضادة للطائرات المُسيَّرة؛ إذ كشف الصراع بين أرمينيا وأذربيجان منتصف عام 2020، على أهمية تطوير تلك التكنولوجيا من أجل تعزيز القدرات العسكرية الروسية. ومن المرجح أن تعزز تلك التكنولوجيا الروسية من تعقُّب الطائرات المُسيَّرة الصغيرة، وهي قيد التطوير منذ نوفمبر 2020؛ إذ عززت موسكو جهود البحث والتطوير لمواكبة المخاطر المتصاعدة المرتبطة بتلك النوعية من الطائرات.



ولذا تُطوِّر موسكو أكثر من نموذج مضاد للطائرات المُسيَّرة؛ وذلك في ظل الدور المهم الذي تلعبه الطائرات المُسيَّرة في الحرب الحديثة، سواء كان ذلك متعلقًا بعمليات الاستطلاع وجمع المعلومات الاستخبارية أو حتى الضربات الهجومية؛ ولذا فإن تعزيز أدوار مكافحة الطائرات المُسيَّرة ينبع في الأساس من أهمية ذلك في الحروب المستقبلية؛ إذ ستعمل تلك التقنيات كغطاء مهم للقوات البرية من خلال ردع أي هجوم جوي مُسيَّر.







3– تطوير صيني لتقنيات مضادة للطائرات المُسيَّرة: تُعَد الصين منتجًا رئيسيًّا للطائرات المُسيَّرة في العالم، خاصةً لما يرتبط بذلك من تحقيق عوائد اقتصادية كبيرة، ومزايا عسكرية مهمة، حتى إن بعض التقديرات تشير إلى امتلاك الصين نحو 70% من حصة السوق العالمية من تلك الطائرات. وفي ذات السياق، فقد سعت بكين إلى تطوير التقنيات المضادة للطائرات المُسيَّرة، فتم الإعلان في سبتمبر 2020 عن تدشين أول نظام مضاد للطائرات المُسيَّرة القتالية.



وهو في الأساس ضد الطائرات المُسيَّرة الصغيرة التي تحلق على ارتفاعات منخفضة، والتي باتت تشكل خطرًا متصاعدًا على الأمن العالمي. ويمكن للنظام الذي يعتمد بقدر كبير على الذكاء الاصطناعي، القيام بدوريات مراقبة، خاصةً للمواقع الحكومية والعسكرية والمحطات النووية ومستودعات النفط. ويمكن لهذا النظام استخدام التشويش الإلكتروني لتعطيل الطائرات المُسيَّرة المسلحة.







4- اهتمام إقليمي بردع الطائرات المُسيَّرة: اتجهت بعض دول المنطقة نحو امتلاك التكنولوجيا المضادة للطائرات المُسيَّرة، وعلى رأسها تركيا التي سعت كذلك إلى تصديرها؛ إذ أعلنت شركة أنظمة الدفاع الحربية التركية في أكتوبر 2020، عن تصدير طائرات مضادة للطائرات المُسيرة إلى بعض الدول، مثل قطر. وكذلك فإن السعودية، في ظل الاستهداف المتصاعد من جانب ميليشيا الحوثي لها، تسعى إلى امتلاك طائرات مُسيَّرة حديثة مع امتلاك التكنولوجيا الدفاعية المضادة لتلك الطائرات.



وفي ذات السياق، فقد أعلنت شركات صناعة الطيران والفضاء الإسرائيلية في مارس 2021 عن تعاونها مع شركة إيدج الإماراتية؛ من أجل تطوير نظام دفاعي متقدم مضاد للطائرات المُسيَّرة.







تداعيات نوعية:



من شأن تطوير أنظمة مضادة للطائرات المُسيَّرة أن تنعكس بنسبة كبيرة، على الصراعات في منطقة الشرق الأوسط. ويمكن توضيح أبرز تلك التداعيات على النحو التالي:







1– ردع الميليشيات المسلحة: قامت ميليشيا الحوثي بتنفيذ هجمات ضد المملكة العربية السعودية بنحو 400 طائرة مُسيَّرة خلال عام 2020، وهو رقم مُرجَّح للزيادة على نحو كبير خلال العام الجاري، في ظل تصاعد هجمات الميليشيا خلال الربع الأول من عام 2021؛ إذ يوفر ذلك النوع من الطائرات للميليشيا قدرة على تهديد الخصوم.



ولذا فإن تطوير أنظمة مضادة للطائرات المُسيَّرة من شأنه أن يُحجِّم الميليشيا، ويمثل فرصة ردع لها، وهو ما يمثل في المجمل فرصة لإعادة الدول الوطنية من جديد إلى صدارة المشهد الأمني وتحييد هجمات الفاعلين المسلحين من غير الدول، وما يرتبط بذلك من تعزيز حماية المناطق التي يوجد بها مدنيون، وكذلك المناطق التي يوجد بها منشآت نفطية، وبما يقلل الخسائر البشرية والاقتصادية بقدر كبير في المنطقة.







2– تحجيم التنظيمات الإرهابية: نجحت بعض التنظيمات الإرهابية، خلال السنوات الأخيرة، في تطوير تقنيات الطائرات المُسيَّرة من أجل توظيفها في العمليات الإرهابية، لا سيما تنظيم داعش الذي لجأ إلى استخدام تلك الطائرات منذ عام 2014 على الأقل؛ حيث تمكن التنظيم من التوسع في استخدام تلك الطائرات، سواءٌ في جمع المعلومات الاستخبارية، أو في الأفلام الدعائية، أو في مراقبة الحدود وتسليم المتفجرات بكافة أنواعها، وهو ما تزامن مع تقديرات تشير إلى أن نحو ستة تنظيمات مسلحة استخدمت الطائرات المُسيَّرة في الحرب الأهلية السورية، بما في ذلك تنظيم داعش بنسبة أساسية.



وقد أوضح تقرير لصحيفة "فاينانشيال تايمز"، في فبراير 2021، أن الجيش البريطاني قام بعمليات سيبرانية سرية من أجل شل طائرات مُسيَّرة امتلكها تنظيم داعش الإرهابي؛ ولذا فإن تطوير الأنظمة المضادة للطائرات المُسيَّرة سوف ينعكس بالإيجاب على الجهود الدولية والإقليمية المتصاعدة؛ لمنع تلك التنظيمات من إعادة التموضع من جديد في المنطقة.







3– تراجع الاختراق المناوئ: قامت تركيا بتوظيف الطائرات المُسيَّرة من أجل تعزيز نفوذها في بعض مناطق الصراع في الدول العربية، وهو ما اتضح بجلاء في ليبيا عبر دعم ميليشيات حكومة الوفاق، وكان له تأثير على تراجع الجيش الوطني الليبي من مناطق غرب ليبيا. وبالتبعية، فإن تعزيز الدفاعات المضادة للطائرات المُسيَّرة سوف ينعكس سلبًا على النفوذ التركي في المنطقة، بما يمثل فرصة مهمة من أجل تعزيز قوة وقدرة الجيوش الوطنية النظامية في مواجهة الميليشيات والمرتزقة الأجانب الذين يتم توظيفهم في مناطق الصراع المختلفة في الشرق الأوسط.







4– تعزيز فرص حلحلة الصراعات: في ظل القدرة على تحجيم وتحييد الفاعلين المسلحين من غير الدول، وإفقادهم واحدةً من أبرز نقاط قوتهم في المعارك، المتمثلة بنسبة كبيرة في امتلاك الطائرات المُسيَّرة المسلحة؛ فإن ذلك سوف ينعكس بنسبة أكبر على تعزيز فرص حلحلة الصراعات وإحلال السلام في منطقة الشرق الأوسط.







وفي المجمل، فإن تصاعد الاهتمام الدولي والإقليمي بامتلاك وتطوير أنظمة وتكنولوجيا مضادة للطائرات المُسيَّرة، سيكون له تداعيات إيجابية على منطقة الشرق الأوسط خلال المرحلة المقبلة، وهو ما يصب –في المقام الأول– في صالح الدول الوطنية، في ظل تحجيم الفاعلين المسلحين من غير الدول، الذين كان لهم دور سلبي كبير على الأمن والاستقرار في المنطقة على مدار العقد الماضي، مع ضرورة بذل جهود مضاعفة من أجل عدم امتلاك هؤلاء الفاعلين مثلَ تلك التكنولوجيا في المدى المنظور.

لماذا تصاعد تطوير القدرات المضادة للدرونز في الشرق الأوسط؟