ياسمين أيمن


        
<p>قدمت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) استراتيجية الدفاع الوطني الجديدة السرية لعام 2022 إلى الكونجرس، التي تضمنت "مراجعة للوضع النووي، وللدفاع الصاروخي في محاولة للموازنة بين الموارد المتاحة وحماية المصالح الوطنية الحيوية الأمريكية المتمثلة في حماية الشعب الأمريكي، وتعزيز رخاء الولايات المتحدة، وحماية القيم الديمقراطية الأمريكية والدفاع عنها". ومن المنتظر، فيما بعد، إصدار استراتيجية غير سرية معلنة للجمهور. وقد تم تقديم النسخة السرية من الاستراتيجية إلى الكونجرس في محاولة لتبرير أسباب تخصيص 773 مليار دولار للدفاع في الميزانية للعام المالي 2023، التي تقدم بها البيت الأبيض؛ وذلك بعدما أجَّلت الإدارة الأمريكية طرح استراتيجيتها المتعلقة بالدفاع والأمن القومي؛ بسبب قرار وزارة الدفاع الأمريكية التعديل على الاستراتيجية في الوقت الأخير مراعاةً للتطورات العالمية، ولا سيما مع العمليات العسكرية الروسية ضد أوكرانيا التي تدخل شهرها الثاني، وما تمثله من تهديد لأمن وسلامة القارة الأوروبية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">بنود الاستراتيجية </span></strong></p>



<div style="height:12px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>يأتي إصدار الاستراتيجية في وقت تواجه فيه الولايات المتحدة جملة من التحديات المختلفة، في مقدمتها العمليات العسكرية الروسية ضد أوكرانيا، التي بدأت في 24 فبراير 2022، فضلاً عن التهديدات الصينية، والطموح النووي لإيران وكوريا الشمالية، والجماعات الإرهابية والمتطرفة، بجانب التهديدات الناجمة عن التغيرات المناخية، والجريمة المنظمة العابرة للحدود، والأوبئة المحتملة، وهو الأمر الذي يجعل الولايات المتحدة وجيشها بحاجة إلى التحرك بخطوات سريعة وفعَّالة لمواجهة مختلف التهديدات بسبل عديدة؛ من بينها تعزيز التعاون مع الشركاء، بما في ذلك أوكرانيا. وتتمثل أبرز ما تضمنته الاستراتيجية فيما يأتي:</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1- اعتبار الصين عدواً استراتيجياً على المدى الطويل:</strong> تركز الاستراتيجية تركيزاً أساسياً على سبل التصدي للتهديدات المتنوعة التي تواجهها الولايات المتحدة من جانب الخصوم الرئيسيين، وعلى رأسهم الصين؛ ولذلك تولي الاستراتيجية –وفقاً للمطلعين عليها– اهتماماً كبيراً لتعزيز القدرات، وترتيب الأولويات، بحيث يتم التركيز بدايةً على التنافس الصيني مع الولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ثم على تدخلات روسيا داخل أوروبا، التي سيتم وصفها داخل الاستراتيجية باعتبارها تهديداً خطيراً للولايات المتحدة، وستزيد واشنطن قوتها عبر تعزيز التعاون مع الشركاء داخل حلف شمال الأطلسي (حلف الناتو)، بجانب بناء قوة مشتركة ونظام دفاعي مرن لتعزيز القدرة على الصمود والتعافي السريع من الاضطرابات المختلفة المحتملة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>ويشير المراقبون إلى أن البنتاجون قد حدد ميزانيته منذ فبراير 2022؛ أي قبل الغزو الروسي لأوكرانيا؛ لذلك فإن الميزانية ترتبط بدرجة كبير بالتهديدات الصينية للولايات المتحدة، مشيرين إلى أن تلك الاستراتيجية السرية ترى أن موسكو لا يمكنها أن تمثل تهديداً طويل الأمد للولايات المتحدة، خاصةً أنها من المتوقع أن تخرج أكثر ضعفاً من الحرب الأوكرانية من جراء الضغوط الغربية المفروضة عليها، لكن الصين على جانب آخر، ستمثل تهديداً طويل الأمد يجب التعامل معه بفاعلية، خاصةً أنها دأبت على تسريع وتيرة تعزيز قدراتها المتنوعة، سواء الاقتصادية أو العسكرية؛ ولذلك يركز البنتاجون عليها بقدر أكبر.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2- مراعاة اهتمامات الحلفاء في بناء الخطط الدفاعية:</strong> انطلاقاً من إدراك واشنطن ضرورة تعزيز الشراكات العالمية للحصول على قوة إضافية تساعدها على حماية مصالحها الوطنية؛ ستحرص وزارة الدفاع الأمريكية –وفقاً للوثيقة– على النظر في وجهات نظر الحلفاء والشركاء والكفاءات في كافة مراحل التخطيط الدفاعي؛ للخروج بخطط دفاعية وطنية أكثر شمولاً وكفاءة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3- تبني استراتيجية الردع المتكامل في مواجهة الخصوم:</strong> ستحاول الولايات المتحدة تعزيز أسلوب الردع لديها من خلال تسخير كافة نقاط القوة المتاحة لديها، وتطويعها داخل مجالات القتال المختلفة، سواء كانت جوية أو بحرية أو برية أو فضائية أو سيبرانية، مع تعزيز الشراكات والتحالفات العالمية، وسيكون ذلك لاحقاً لتعزيز قدرات الردع النووي الأمريكية بجانب أدوات القوة الوطنية الأخرى، بما في ذلك تحسين قدرات الأفراد داخل وزارة الدفاع الأمريكية، وتسريع عملية التطور التكنولوجي، مع تطويع استخدام العقوبات والأدوات الإلكترونية لردع الخصوم. ويمكن إدراك ذلك بالنظر إلى تقسيم الميزانية التي ينوي البنتاجون إنفاقها؛ حيث سيخصص 7,2 مليار دولار على تطوير الأسلحة الطويلة المدى، والأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت؛ بحيث تكون متاحة للاستخدام من جانب القوات الأمريكية بحلول عام 2028، وقادرة على منافسة الأسلحة الصينية؛ وذلك بجانب تخصيص 6,1 مليار دولار لتمويل الأنشطة العسكرية الأمريكية داخل منطقة المحيط الهادئ، فضلاً عن 4,2 مليار دولار لتعزيز القوات الأمريكية داخل أوروبا، بما يعني اهتمام واشنطن بالدفاع عن الحلفاء.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">تحديات تطبيقية </span></strong></p>



<div style="height:12px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>يواجه تطبيق استراتيجية وزارة الدفاع الأمريكية الجديدة للدفاع الوطني العديد من التحديدات، يتمثل أبرزها في عدد من النقاط يمكن تناولها على النحو الآتي:</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– تسارع وتيرة التطورات العالمية المتلاحقة: </strong>من المحتمل أن تواجه الاستراتيجية الجديدة تحديات مختلفة أثناء تنفيذها تتعلق بالتطورات العالمية المتلاحقة التي يشهدها العالم، والتي تخلق حالة من اللايقين في البيئة الاستراتيجية العالمية، وتجعل الفاعلين الدوليين غير قادرين على اتخاذ قرارات طويلة المدى في ظل وجود احتمالية بحدوث حدث مفاجئ يقلب موازين الأمور، ولا سيما أن النظام الدولي لم يعد نظاماً قائماً على القواعد، بل على فرض الأمر باستخدام القوة. هذا مع الأخذ في الاعتبار بأن الأوبئة العالمية والتغيرات المناخية قد خلقت تحديات جديدة أمام الجيش الأمريكي، أضحت بحاجة إلى معالجات غير تقليدية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– اشتعال بؤر التوتر والصراع حول العالم:</strong> ستكون الاستراتيجية الجديدة بحاجة إلى مراعاة احتمالية اندلاع صراعات جديدة بسبب تحركات إيران الأخيرة لزيادة تخصيب اليورانيوم، وتعزيز قدرات الصواريخ الباليستية لكوريا الشمالية، وزيادة تجارب الصواريخ وتهديد أمن الكوريتين، فضلاً عن احتمالية استغلال الصين الوضع الراهن عبر القيام بخطوة عسكرية مماثلة للخطوة الروسية في أوكرانيا، ضد تايوان، بجانب خطر عودة ظهور الإرهاب في أفغانستان وباكستان مع سيطرة طالبان على الحكم.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3– صعوبة مساعدة واشنطن للحلفاء: </strong>أرسلت الولايات المتحدة أكثر من 6000 جندي أمريكي لتعزيز الجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي، فضلاً عن طائرات مقاتلة F–35. ويفيد البعض بأن عمليات الانتشار هذه ستكون دائمة، وليس مرتبطة بالغزو الروسي لأوكرانيا فقط؛ ما سيحد قدرة البنتاجون لاحقاً على تقديم الدعم لمختلف الحلفاء، بما في ذلك حلفاء واشنطن في آسيا، ومن ثم ستصعب مساعدتهم على مواجهة التهديدات الصينية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4– تحديث القوة العسكرية الصينية: </strong>تسعى بكين حالياً إلى تعزيز قدراتها الدفاعية عبر تسريع عملية تحديث جيشها، وبناء أكبر قوة بحرية عالمية، ونشر مقاتلات الشبح، مع التخطيط لزيادة مخزونها من الرؤوس الحربية النووية بما يصل إلى أربعة أضعاف، بجانب الدمج السريع لمجموعة متنوعة من التقنيات العسكرية، على غرار الأسلحة التي تفوق سرعة الصوت، وتلك التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي. وبالمثل، تحاول روسيا تعزيز ورفع قدراتها العسكرية والنووية؛ ما يعني أن واشنطن وحلفاءها أمام خطر حقيقي يتطلب خطوات واقعية ملموسة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>5– رغبة التقدميين في تقليص نفقات الدفاع: </strong>يضغط التقدميون على الرئيس الأمريكي جو بايدن، لتقليل الانتشار العسكري الأمريكي داخل بعض المناطق؛ لذلك فهم يرغبون في تقليل ميزانية الدفاع الأمريكية، مشيرين إلى أن الحرب الأوكرانية لا يجب أن تكون سبباً لزيادتها، بل يجب معالجة الحرب ودعم الأوكرانيين باستخدام مستوى النفقات الحالية. ومن جانب آخر، يدعمون فكرة توجيه الدعوة للحلفاء من أجل إنفاق المزيد للدفاع عن أنفسهم، وإذا نجحوا في مساعيهم المتعلقة بنفقات الدفاع –وإن كان ذلك احتمالاً ضعيفاً– فإنه بالتبعية سيكون من الصعب على البنتاجون تنفيذ استراتيجياته الدفاعية التي تتطلب تمويلات كبيرة لتحقيق ما ورد بها.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">اعتبارات الواقعية</span></strong></p>



<div style="height:12px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>وختاماً، يمكن القول إنه إذا نظرت استراتيجية الدفاع الأمريكية بواقعية إلى التطورات التي يشهدها النظام الدولي، ومحاولات الخصوم الدءوبة، لا سيما روسيا والصين، لرسم خريطتهما بما يتوافق مع مصالحهما الخاصة، من خلال خوض حرب هجينة ضد الولايات المتحدة، فإنها ستكون أكثر نجاحاً وقدرة على تحقيق مصالح واشنطن، ولكن إذا أخفقت تلك الاستراتيجية في مراعاة هذه الأمور، فإن مكانة الولايات المتحدة الدولية ستتراجع، وستحدث تغيرات في موازين القوى العالمية، وتهديدات مباشرة لمصالح الولايات المتحدة وحلفائها حول العالم.</strong><strong></strong></p>

      

ما هي محددات وتحديات استراتيجية الدفاع الوطني الأمريكية 2022؟