د. أحمد أمل


        
<p><strong>تشهد غينيا محاولة انقلابية لم تتكشف مآلاتها بعد، وذلك في أعقاب قيام عناصر قوات المهام الخاصة بالجيش، في 5 سبتمبر الجاري، بإلقاء القبض على الرئيس ألفا كوندي، وإعلان تعطيل العمل بالدستور وحل مؤسسات الدولة. وقد جاء هذا التطور بعد ساعات من الاضطرابات التي شهدتها العاصمة كوناكري. وترجع هذه المحاولة الانقلابية إلى عددٍ من الأسباب، تتضمن السخط الشعبي العام في أعقاب الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وكذا تنامي انخراط الجيش في الأزمات الداخلية والإقليمية، ووجود سوابق قريبة لتمرد عسكري تم إحباطه، فضلًا عن التأثر بموجة الانقلابات الإقليمية التي تشهدها دول متعددة في جوار غينيا أحدثها مالي وتشاد.</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">مسار الأزمة :</span></strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>بدأت الأحداث في التطور السريع منذ صباح الخامس من سبتمبر 2021، حيث تواترت العديد من الأنباء عن وجود مظاهر استثنائية، انتهت بإذاعة لقطات مصورة للرئيس ألفا كوندي خاضعًا لمجموعة من العناصر العسكرية المسلحة، وتمثلت أبرز التطورات في غينيا في الآتي:</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1- اضطراب أمني في العاصمة كوناكري:</strong> في الثامنة من صباح الأحد أفاد شهود عيان بانتشار جنود يحملون أسلحة آلية في شوارع منطقة كالوم التي يوجد بها القصر الرئاسي في العاصمة الغينية كوناكري، وذلك بعد سماع دوي إطلاق نار كثيف، مع رصد وصول رتلين من العربات المدرعة والشاحنات الصغيرة إلى ميناء كوناكري. كما تم رصد إطلاق نار في مناطق متعددة من المدينة.</p>



<p>وثبت بعد ذلك أن إطلاق النار شارك فيه أفراد غاضبون من القوات الخاصة، وهي وحدة للنخبة في الجيش. وبمرور الوقت تم إغلاق الجسر الوحيد الذي يربط البر الرئيسي بحي كالوم، الذي يضم معظم الوزارات والقصر الرئاسي، وتمركز العديد من الجنود -بعضهم مدجج بالسلاح- حول القصر، كما بدأ سقوط ضحايا بين المدنيين في مناطق متفرقة من العاصمة كوناكري.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2- إعلانات متضاربة من مراكز رئيسية بالدولة: </strong>مع تصاعد التوتر في العاصمة الغينية أصدرت وزارة الدفاع الغينية بيانًا أعلنت فيه أن الحرس الرئاسي تصدى لهجوم شنته قوات خاصة على قصر الرئاسة، مضيفة أن قوات الأمن استعادت النظام، حيث أشارت إلى أن المتمردين أثاروا الرعب في كوناكري، غير أن الحرس الرئاسي مدعومًا بقوات الدفاع والأمن والقوات الموالية قد احتووا التهديد وصدوا مجموعة المعتدين.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>لكن -في المقابل- أصدرت المجموعة المسلحة التي داهمت القصر الرئاسي مقطعًا مصورًا بثّته على منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، وليس على التلفزيون الرسمي، أعلنت فيه القبض على رئيس الجمهورية ألفا كوندي، مع بث مقاطع فيديو تُظهر الرئيس رهن الاحتجاز. كما أعلنت المجموعة المسلحة التي تنتمي للقوات الخاصة بالجيش الغيني عن حل مؤسسات الدولة في غينيا، وإبطال العمل بالدستور القائم، وحل الحكومة، وإغلاق الحدود البرية والجوية. ويقود المجموعة التي ألقت القبض على الرئيس قائد وحدة المهام الخاصة في الجيش الغيني مامادي دومبويا الذي يُعد عضوًا سابقًا في الفيلق الأجنبي الفرنسي، وهو ما أهله لرئاسة وحدة المهام الخاصة منذ تشكيلها عام 2018. وقد دعا دومبويا في كلمته المسجلة التي تم بثها عبر التلفزيون الرسمي -خلافًا للبيان الأول- العناصر العسكرية إلى البقاء في ثكناتهم، محملًا الحكومة المسؤولية عن تردي الوضع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، والإساءة لنظام العدالة، وانتهاك حقوق المواطنين، وعدم احترام المبادئ الديمقراطية، وتسييس المسائل الإدارية، بالإضافة إلى الفساد. كذلك قال دومبويا في كلمته المصورة، إن المجموعة العسكرية تعتزم تشكيل حكومة انتقالية، على أن يعلن عن التفاصيل في وقت لاحق.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3- تنديد الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي بالانقلاب: </strong>وفي رد فعل سريع، نددت الأمم المتحدة -بشدة- بـأي استيلاء على السلطة بقوة السلاح في غينيا، وذلك عقب الإعلان عن اعتقال الرئيس ألفا كوندي وحل المؤسسات الرسمية، حيث دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش في تغريدة على صفحته الرسمية على موقع تويتر إلى الإفراج الفوري عن الرئيس ألفا كوندي، موضحًا أنه يراقب عن كثب الوضع في هذا البلد.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>ومن جانبه، أدان الرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي، رئيس الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي ورئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فكي محمد، أي استيلاء على السلطة بالقوة في غينيا. كما دعا تشيسكيدي -في بيان صحفي- إلى الإفراج الفوري عن رئيس غينيا ألفا كوندي. كما دعا رئيس الاتحاد الإفريقي، ورئيس مفوضية مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي، إلى الاجتماع بشكل عاجل لبحث الوضع الجديد في غينيا كوناكري، واتخاذ الإجراءات المناسبة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">دوافع الانقلاب العسكري:</span></strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>يُمكن إرجاع المحاولة الانقلابية الأخيرة التي شهدتها غينيا إلى عددٍ من الدوافع الرئيسية التي تتضمن ما يلي:</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1- أزمة التعديلات الدستورية والانتخابات الرئاسية: </strong>في الثاني والعشرين من مارس 2020 أجرت غينيا استفتاءً على تعديل الدستور شارك فيه 58% من الناخبين، ووافق عليه 89% من المشاركين في التصويت. وقد جرى الاستفتاء الدستوري الذي عُقد بالتزامن مع الانتخابات التشريعية في ظل مقاطعة جزء كبير من أحزاب المعارضة وتنظيمات المجتمع المدني المنضوية تحت راية موحدة حملت اسم "الجبهة الوطنية للدفاع عن الدستور"، والتي اتهمت نظام ألفا كوندي بالسعي لتمكين الرئيس من الترشح لولاية ثالثة بعد انتهاء ولايتين دستوريتين امتدتا لعشر سنوات.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وقد فجّرت التعديلات الدستورية موجة احتجاجية سقط خلالها قتلى وجرحى. وبالفعل، أعقب الانتخابات الرئاسية التي نُظمت في 18 أكتوبر موجة من أعمال العنف خلفت أكثر من عشرين قتيلًا، وذلك على إثر إعلان المترشح المعارض سيلو دالين جالو فوزه في الانتخابات، لتستمر الصدامات بين أنصاره وقوات الأمن لمدة أسبوع في أنحاء مختلفة من البلاد، قبل أن تعلن لجنة الانتخابات فوز الرئيس ألفا كوندي بولاية ثالثة من 6 سنوات.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2- وجود مؤشرات تمرد بالمؤسسة العسكرية: </strong>لا تشكل المحاولة الانقلابية الأخيرة في غينيا ظاهرة مفاجئة، ففي السابع عشر من أكتوبر 2020 قامت مجموعات من جنود القوات المسلحة الغينية بتطويق جميع الطرق المؤدية إلى حي كالوم (المركز الإداري للعاصمة كوناكري) مطالبين الراجلين وسائقي السيارات والدراجات النارية المتجهين إلى المنطقة بالعودة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وقد كان هذا الإجراء جزءًا من محاولة تمرد بدأت في معسكر كينديا على يد جنود من الشباب استولوا على أسلحة، وسعوا لإطلاق سراح زملاء لهم مسجونين منذ مارس 2020 بسبب إقدامهم على محاولة انقلابية سابقة عشية الانتخابات الرئاسية والتشريعية. وقد تمكن الجنود من قتل مامادي كوندي آمر ثكنة كيمي بوراما في معسكر كينديا، قبل أن يتمكنوا من الاستيلاء على أسلحة ثقيلة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3- تنامي أهمية القوات المسلحة الغينية: </strong>يأتي الانخراط المتزايد من جانب القوات المسلحة في الشأن السياسي على خلفية الارتفاع الكبير في مكانة المؤسسة العسكرية داخليًا وإقليميًا، الأمر الذي دللت عليه العديد من المؤشرات. ففي الداخل شهدت الأيام الأخيرة من عام 2020 قتل ستة أشخاص على الأقل وإصابة العشرات بجروح في أعمال عنف طائفية دارت في مدينة ماسنتا بجنوب غينيا بين طائفتي توما مانيا ذات الأغلبية المسلمة وتوما التي يدين القسم الأكبر من أفرادها بالمعتقدات التقليدية، وقد أصيب العديد من العسكريين في الاشتباكات بعد إرسال تعزيزات عسكرية من مدينتي جويكيدو ونزيريكوري المجاورتين لماسنتا. أما على المستوى الخارجي، فقد أعلنت سفارة الولايات المتحدة في كوناكري، في مارس 2021، أن معسكر ساموريا في كينيديا سيتسلم دعمًا عينيًا بقيمة مليوني دولار أمريكي في صورة منحة من الحكومة الأمريكية، مشيرة إلى أن سفارة الولايات المتحدة تعتز بدعم غينيا في مكافحة الإرهاب والعنف في إطار بعثة الأمم المتحدة المتكاملة متعددة الأبعاد لبسط الاستقرار في مالي (مينوسما).</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وقد تزامنت مراسم تسليم المنحة الأمريكية مع انطلاق تدريب وحدة "جانجان 7" التي سيتم نشرها في مالي في إطار البعثة الأممية. ومن الجدير بالذكر أنه في ظل الأهمية المتزايدة للمشاركة الغينية في مكافحة الإرهاب في مالي المجاورة باتت الوحدات العسكرية الغينية التي يتم نشرها في مالي تتلقى تدريبات عسكرية متقدمة على يد مدربين أمريكيين.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4- تفاقم عدوى الانقلابات في غرب إفريقيا: </strong>تأتي المحاولة الانقلابية الأخيرة في غينيا لتكمل ظاهرة لافتة تشهدها دول غرب إفريقيا وهي العودة القوية للانقلابات العسكرية، حيث عانت مالي من انقلابين متتالين في أغسطس 2020 ثم مايو 2021. وفي تشاد تولت المؤسسة العسكرية حكم البلاد بعد مقتل الرئيس إدريس ديبي.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وتمتد هذه الظاهرة لتشمل حالة بوركينافاسو في 2014 و2015، وقبلها مالي في عام 2012، بالإضافة إلى تدخل المؤسسة العسكرية الغينية لإدارة شؤون البلاد في أعقاب وفاة الرئيس السابق لانسانا كونتي. وتشير هذه المعدلات المتنامية للانقلابات في غرب إفريقيا إلى أزمة حقيقية في حكم هذه الدول الهشة التي تعيش في سياق إقليمي مأزوم بفعل الإرهاب والتدخلات الأجنبية وصراعات الموارد.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>ختامًا، لا يمكن الجزم بمستقبل المحاولة الانقلابية الأخيرة في غينيا، فإذا كانت المجموعة التابعة للقوات الخاصة قد ألقت القبض على الرئيس وعلقت الدستور وقامت بحل الحكومة؛ إلا أنه من المبكر القول بتمكنها من إحكام السيطرة على البلاد، وهو ما يرتهن ­-إلى حدٍّ بعيد- بقبول القيادات العسكرية الأخرى لهذه الخطوة، وكذا انفتاح المعارضة السياسية عليها بصورة إيجابية. لكن على كل حال تبدو المؤشرات قوية على انتهاء حكم ألفا كوندي الذي يرأس البلاد منذ عام 2010، لتدخل غينيا مرحلة انتقالية، مثلها في ذلك مثل مالي المجاورة وتشاد.</strong></p>

      

إلى أين تتجه المحاولة الانقلابية في غينيا؟