إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية


        
<p>في الوقت الذي تفتح فيه معظم دول العالم حدودها وتخفف من قيود مكافحة كوفيد–19، تكافح الصين أسوأ تفشٍّ للفيروس منذ ظهوره لأول مرة في مقاطعة ووهان، قبل أكثر من عامين، وتفرض سلسلة من عمليات الإغلاق في مدينة شنغهاي ومدن صينية أخرى. ويأتي ذلك في إطار اتباع الصين نهجاً صارماً تجاه الجائحة، وتبنيها سياسة صفر كوفيد، التي تفرض بدورها عزل المصابين وإغلاق المدن التي يتفشى فيها الوباء. ويبدو أن من غير المرجح أن تتخلى الصين عن ذلك النهج مهما كلفها الأمر وزادت تكاليفه الاقتصادية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>فبعد تسجيل مدينة شنغهاي الصينية نحو 4500 حالة جديدة يوم الأحد الموافق 27 مارس الماضي، وهو ما يعد رقماً قياسياً جديداً للمدينة، اتجه المسؤولون إلى إغلاق المدينة على سكانها الذين يزيد عددهم عن 26 مليون نسمة. ورغم وعي الصين التام بأهمية المدينة اقتصادياً بالنسبة إلى الصين والعالم، لا تزال تتمسك بإغلاق المدينة لاحتواء الفيروس. ومع توقف المركز المالي الصاخب عن مساره المعتاد بعد الإغلاق، تثور التساؤلات حول تداعيات ذلك السلبية على الاقتصادَيْن الصيني والعالمي.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">مدينة محورية</span></strong></p>



<p><strong>لم تُتِح الأهمية الاقتصادية التي تتمتع بها مدينة شنغهاي بالنسبة إلى الاقتصادَيْن الصيني والعالمي، الفرصة لأن تكون استثناءً من سياسات الحكومة الصينية الصارمة، بشأن احتواء تفشي فيروس كورونا. ولعل أهمية المدينة اقتصادياً تكمن فيما يأتي: </strong><strong></strong></p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– موطئ قدم للشركات المتعددة الجنسيات: </strong>سجلت مدينة شنغهاي 60 مقراً إقليمياً جديداً للشركات المتعددة الجنسيات في عام 2021، ليصل العدد الإجمالي للمقار الإقليمية لتلك الشركات إلى 831، وفق تصريح لعمدة شنغهاي "قونج تشنج" في مطلع العام الجاري، فيما بلغت عدد المراكز البحثية ذات الاستثمار الأجنبي في شنغهاي نحو 506، مع زيادة بنحو 25 مركزاً بحثياً في عام 2021، فيما تُظهر الإحصاءات زيادة حجم الاستخدام الفعلي لرأس المال الأجنبي في شنغهاي، الذي بلغ 22.55 مليار دولار أمريكي في عام 2021، بزيادة قدرها 11.5% على أساس سنوي.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– </strong><a><strong>م</strong></a><strong>ركز لأشباه الموصلات والإلكترونيات</strong><strong>: </strong>بالإضافة إلى كون شنغهاي محوراً رئيسياً للصناعة المالية، فإنها تعد كذلك مركزاً لأشباه الموصلات والإلكترونيات وتصنيع السيارات؛ إذ يمثل حجم صناعة أشباه الموصلات فيها – التي تضم اثنين من أكبر الشركات في الصين؛ هما شركة تصنيع أشباه الموصلات الدولية (SMIC) وشركة Shanghai Huahong Grace Semiconductor Manufacturing – نحو 20% من الناتج المحلي الإجمالي للمدينة، كما أنها تعد موطناً لـ 1150 شركة ذكاء اصطناعي رئيسية؛ وذلك حسب وثيقة نشرتها المدينة على الإنترنت.<strong></strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3–  أكثر موانىء الشحن ازدحاماً في العالم: </strong>يمثل ميناء شنغهاي الواقع في الجزء الشرقي من المدينة، أكثر موانئ الحاويات ازدحاماً في العالم؛ حيث يتعامل مع أكثر من أربعة أضعاف الحجم الذي شُوهد في ميناء لوس أنجلوس في عام 2021، وفقاً لبيانات من سلطات الموانئ في كلتا المدينتين، كما تعد المدينة مزوداً عالمياً لبيانات الشحن؛ إذ تتعامل مع ما يعادل 140 ألف حاوية شحن في اليوم.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>ووفق شركة Vessels Value، فإنه منذ الإغلاق ارتفع عدد السفن التي تنتظر التحميل أو التفريغ في ميناء شنغهاي إلى 300 سفينة؛ أي ما يقرب من خمسة أضعاف العام الماضي، ومن المتوقع أن يسفر ذلك عن تهديد أكبر للصناعة والتجارة المحلية والعالمية، إذا عطلت قيود مكافحة الجائحة النشاط في ميناء شنغهاي أكثر من ذلك.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><a><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">ضغوط داخلية</span></strong></a></p>



<p><strong>أد</strong><strong>ى الإغلاق الصارم في شنغهاي إلى زيادة </strong><strong>الضغط على سلاسل التوريد العالمية </strong><strong>وحدوث تأخيرات كبيرة في مينائها، وهو ما تبعه عدد من التداعيات السلبية على الاقتصاد الصيني، هي كالآتي:</strong><strong></strong></p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1–  تراجع الإنفاق الاستهلاكي: </strong>نظراً إلى الترابط بين مدينة شنغهاي ومناطق صينية أخرى، وخاصةً مركز التصنيع في دلتا نهر اليانجتسي، فإن من شأن الإغلاق أن يؤدي إلى انخفاض في الإنفاق الاستهلاكي. ذلك الأمر بدت مؤشراته فعلياً على المستوى المحلي، حين واجهت المدينة المعروفة بواجهات المحلات الراقية مثل Gucci وLouis Vuitton انخفاضاً في الإنفاق الاستهلاكي. فيما قُدرت خسائر تجار التجزئة والفنادق والمطاعم في شنغهاي نتيجة الأعمال المتوقفة من جراء الإغلاق، بنحو 3.7% من الناتج المحلي الإجمالي السنوي للمدينة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– تضرر الناتج المحلي الإجمالي: </strong>انطلاقاً من كون الناتج المحلي الإجمالي المقياس الرئيسي لمدى صحة اقتصاد الدول، فإن تأثره بسبب الإغلاق مؤشر شديد الخطورة على وجود قصور في الاقتصاد الكلي الصيني؛ فرغم تحديد الحكومة الصينية هدفاً طامحاً لنمو الناتج المحلي الإجمالي للصين بنسبة 5.5% للعام الجاري 2022، فإن التمسك باستراتيجيتها الخاصة بصفر كوفيد، قد تتسبب في خفض النمو بما يصل إلى 10% على أساس ربع سنوي.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3–  تباطؤ قطاع الخدمات: </strong>سجل مؤشر Caixin لمديري المشتريات لقطاع الخدمات خلال شهر مارس نحو 42 نقطة، ليدخل بذلك حيز الانكماش، مسجلاً أكبر انخفاض له منذ بدء الوباء لأول مرة، فيما تشير بيانات أخرى إلى تباطؤ في قطاعَي التصنيع والخدمات في الصين، خلال الشهر ذاته. ومن المرجح أن يواجه قطاع الخدمات على المدى البعيد ضغوطاً أكبر بكثير من الضغوط القصيرة الأجل بفعل الإغلاق؛ وذلك في ظل حالة عدم اليقين حول مدى استمرار الوضع أو احتمالية تكراره على مدار أزمنة متقاربة، كلما حدثت زيادة في الحالات الإيجابية في المدينة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4–  انخفاض مؤشرات الشحن:</strong> كان مؤشر عمليات التسليم السريع لشركات البريد السريع، في مطلع أبريل الجاري، أقل بنسبة 27% تقريباً من مستواه في العام الماضي خلال نفس الفترة، فيما انخفض مؤشر الشحن البري بنسبة 12.8%، وهو ما يمثل مؤشراً خطيراً وتراجعاً صارخاً؛ فرغم كونه مؤقتاً فإن ذلك سيكون له آثاره على الاقتصاد الصيني ككل على المدى الطويل.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>5–  إغلاق العديد من المصانع: </strong>تم إغلاق عدد من المصانع في شنغهاي مؤقتاً نتيجة لإغلاق المدينة. ورغم سعي السلطات إلى منع تأخير الإنتاج عبر إنشاء أنظمة "الحلقة المغلقة" التي تسمح لبعض المصانع بالبقاء مفتوحة ما دام العمال محصورين في حرم المصانع وملتزمين ببروتوكولات اختبار كوفيد–19، فإن مصنع تسلا العملاق في شنغهاي، على سبيل المثال، قد أُجبر على إيقاف خطوط التجميع بناءً على طلب السلطات يوم الاثنين الموافق 28 من مارس حتى يوم الخميس الموافق الثالث من أبريل؛ ما أدى إلى خسارة مؤقتة في إنتاج المصنع اليومي بنحو 2000 سيارة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><a><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">أضرار عالمية</span></strong></a></p>



<p><strong>أدى تضرر سلاسل التوريد العالمية نتيجة إجراءات إغلاق مدينة شنغهاي، إلى عدد من التداعيات على الاقتصاد العالمي، يمكن استعراضها عبر ما يأتي:</strong><strong></strong></p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1–  تضرر صناعة النقل العالمية: </strong>أثرت الاضطرابات في سلاسل التوريد على صناعة النقل بالشاحنات على وجه الخصوص، التي تلعب دوراً مهمّاً في نقل البضائع بين المدن الصينية بعضها وبعض، وبينها وبين أكبر الموانئ في العالم؛ وذلك نظراً إلى خضوع السائقين لقيود صارمة ومن ثم تعطل عمليات التسليم إلى المواقع التي بها حالات إيجابية. ويُضاف إلى ذلك تأثر الشحن الجوي بدرجة كبيرة؛ فحسب "مادس رافن" نائب الرئيس التنفيذي والرئيس العالمي لمشتريات الشحن الجوي في DSV (إحدى أكبر شركات وساطة الشحن في العالم)، فإن حجز خدمات الشحنات، منذ بداية إغلاق المدينة، كان مهمة شبه مستحيلة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>إذ تراجع نشاط الرحلات إلى مطار شنغهاي بودونج ليمثل 3% فقط عن معدله في شهر مارس الماضي، فيما اقتصرت شحنات الشحن الجوي على السلع الأساسية كالأدوية، وهو ما دفع بعض المحللين إلى التحذير من مخاطر أي اختناقات لوجستية داخلية قد تؤدي في النهاية إلى تأخير الشحن عبر المحيط؛ بسبب تراكم السلع والطلبيات؛ الأمر الذي من المتوقع أن تظهر آثاره السلبية بدرجة أكبر عند البدء في تخفيف إجراءات الإغلاق.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2–  اهتزاز الأسواق العالمية: </strong>أدى إغلاق معظم الأنشطة في أكثر مدن الصين اكتظاظاً بالسكان، إلى اهتزاز الأسواق المالية العالمية التي كانت بالفعل في حالة تأهب بشأن الحرب الروسية على أوكرانيا، وارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية، وتباطؤ الاقتصاد الصيني؛ ففي 31 مارس الماضي، خسر مؤشر FTSE 100 في لندن (أحد أكبر مؤشرات الأسهم البريطانية) أقل من 0.1% ليصل إلى 7575.04، فيما انخفض مؤشر كاك 40 (أحد أبرز مؤشرات بورصة باريس لأكبر أربعين شركة فرنسية) بنسبة أقل من 0.1% إلى 6743.19؛ وذلك على خلفية ضعف التصنيع في الصين نتيجة إغلاق مدينة شنغهاي وتعطل الإنتاج بها.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3–  تذبذب أسعار النفط: </strong>بعد ذيوع أنباء إغلاق شنغهاي، شهدت أسعار النفط تراجعاً وصل إلى 8% يوم الاثنين الموافق 4 أبريل الجاري، وهو ما أثار مخاوف بشأن تراجع الطلب على النفط من الصين أكبر مستورد للخام في العالم. وقد سجل النفط انخفاضاً للأسبوع الثاني على التوالي، رغم ارتفاعه بعض الشيء بعد إعلان بعض الدول عن تدشين خطط بشأن الإفراج عن الخام من مخزوناتها الاستراتيجية؛ ما دفع نحو ارتفاع العقود الآجلة لخام برنت 71 سنتاً بما يعادل 0.7% لتصل إلى 101.29 دولار للبرميل، فيما زادت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 85 سنتاً أو 0.9% لتصل إلى 96.88 دولاراً للبرميل في 9 أبريل الجاري.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">تحفيز ضعيف</span></strong></p>



<p><strong>خلاصة القول أنه </strong><strong>نظراً إلى أهمية مدينة شنغهاي الاقتصادية بالنسبة إلى الصين والعالم، كان لذلك تداعياته الواسعة على الاقتصادَيْن الصيني والعالمي؛ وذلك على الرغم من محاولة الحزب الصيني الحاكم تعديل استراتيجيته لكبح جماح تلك التداعيات السلبية، كإعلان حكومة شنغهاي عن استرداد الضرائب وخفض الإيجارات والدفع نحو تقديم قروض منخفضة التكلفة للشركات الصغيرة.</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>علاوة على تعهد البنك المركزي الصيني بتقديم حزم تحفيزية لدعم للاقتصاد، والإعلان عن نيته تكثيف السياسة النقدية من أجل تعزيز الثقة بالأعمال التجارية</strong><strong>.</strong><strong> </strong><strong>ومن غير المؤكد أن تمكن كل هذه الإجراءات صانعي السياسة في الصين من </strong><strong>تحفيز الاقتصاد بدرجة كبيرة، نظراً إلى عدم امتلاك الصين سيولة كافية للهروب من الانكماش الاقتصادي في الوقت الحالي، كما تبقى التداعيات الاقتصادية غير المباشرة للإغلاق – حتى بعد انقضائه – تلوح في الأفق لغير مصلحة الاقتصادَيْن الصيني والعالمي.</strong><strong></strong></p>

      

كيف يؤثر إغلاق شنغهاي على الاقتصاد الصيني والعالمي؟