مهاب عادل


        
<p><strong>طرح رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، خلال زيارته إلى واشنطن، في 25 أغسطس 2021، ولقائه الرئيس الأمريكي جو بايدن، بحضور مسؤولين أمريكيين رفيعي المستوى معنيين بإدارة الملف النووي الإيراني؛ الرؤية الإسرائيلية للتعامل مع المسألة الإيرانية، التي أطلق عليها مصطلح "الموت البطيء" كاستراتيجية مقترحة لمواجهة التحدي الإيراني، والتي تسعى إلى حصار طهران ومنعها على نحو دائم من إمكانية تطوير أسلحة نووية.</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">ملامح الاستراتيجية</span></strong></p>



<p>وقد تركزت ملامح الاستراتيجية المقترحة من جانب "بينيت" للتعامل مع إيران، على عدد من الركائز يمكن استعراضها عبر ما يلي:</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– تطوير المواجهة التكتيكية وفقاً لاستراتيجية "الموت البطيء":</strong> تركز الاستراتيجية التي قدمها "بينيت" للمسؤولين في واشنطن على هدفين: أولهما حصار إيران، والثاني منع طهران على نحو دائم من إمكانية تطوير أسلحة نووية؛ وذلك بعمليات عينية في إيران بطرق متعددة، وعبر مجموعات متنوعة بدلاً من هجوم عسكري دراماتيكي واسع النطاق، من خلال الهجمات السيبرانية وبعض الهجمات النوعية ضد الأهداف الإيرانية في مناطق التماس الجغرافي في سوريا، والعراق، ولبنان.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– إدارة المسألة النووية عبر واشنطن مقابل منح تحفيزية:</strong> مع تنامي الإدراك لدى الحكومة الإسرائيلية الراهنة بمحدودية قدرتها على التأثير على الاتفاق النووي، فقد رجحت التقديرات الإسرائيلية أفضلية إدارة المسألة النووية لإيران عبر واشنطن. وفي ضوء اعتبارات الداخل الإسرائيلي واحتمالية توظيف المعارضة لتماهي موقف الحكومة الراهنة مع موقف الإدارة الأمريكية بالعودة إلى الاتفاق النووي؛ فقد حرص "بينيت" خلال زيارته الأخيرة على أن يحصل، في مقابل موقفه المرن بالتماهي مع المنهج الأمريكي، على حزمة من المساعدات تعزز شرعية بقائه وتدعم موقفه في مواجهة الضغط الذي ستمارسه المعارضة بالمزايدة على أداء حكومته تجاه الملف النووي الإيراني. وتشمل تلك الحزمة العمل على إدراج إسرائيل في "برنامج الإعفاء من التأشيرة الأمريكية"، والتزام واشنطن بتجديد مخزون نظام القبة الحديدية، وإجراء محادثات مع الكونجرس للسماح بمليار دولار من التمويل الطارئ.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3– استمرار حرب الظل وإدارة الصراع على جبهات عدة: </strong>يبدو أن إسرائيل تسعى إلى الحفاظ على ما يسميه رئيس وزرائها بـ"أمور المنطقة الرمادية" التي تدخل في صلب حرب الظل التي تخوضها ضد طهران، ولكن دون أن يكون في ذلك استنساخاً لتجربة "نتنياهو" الذي أعلن عن مسؤولية إسرائيل عن العمليات التخريبية التي تمت ضد الأهداف الإيرانية من مفاعلات نووية وعلماء إيرانيين وبنية تحتية. أما "بينيت" فيتجه إلى الحفاظ على "عدم علنية" هذه العمليات التي ستتركز ضد بنك الأهداف الإيرانية في مناطق الطوق الاستراتيجي (سوريا، ولبنان، والعراق) بتنسيق مسبق مع واشنطن والحلفاء الغربيين؛ لعدم إحراجهم في مسارهم التفاوضي مع إيران، بهدف ردع وكلاء إيران المحليين في الجبهات المختلفة، وإبراز قدرة تل أبيب على إيلام طهران إذا سعت إلى الإضرار بمصالحها.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4– كبح جماح النفوذ الإقليمي لإيران:</strong> تسعى تل أبيب إلى أن تؤكد لواشنطن أن يكون هذا الهدف المرتبط بكبح النفوذ الإقليمي لإيران عبر ما يُعرف بـ"الهلال الشيعي"، على طاولة تفاوضها مع طهران بشأن برنامجها النووي، وهو ما عبَّر عنه مؤخراً رئيس الوزراء "بينيت"، خلال لقائه الرئيس الأمريكي "بايدن"، بأسلوب غير مباشر؛ حين أكد أن "إسرائيل تتطلع إلى فعل الخير في العالم، لكن فعل الخير في منطقتنا لا يكفي"، مستشهداً بالتهديدات التي يشكلها تنظيم داعش وحزب الله والجهاد الإسلامي وحماس والميليشيات الإيرانية"، مضيفاً أن "استراتيجيتنا هي وقف العدوانية الإقليمية لإيران، ومنعها من أن تصبح نووية".</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>من جانبه، سعى وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، إلى استيعاب تخوفات تل أبيب بهذا الشأن، من خلال تأكيده أن بلاده "ملتزمة بالحفاظ على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل، وضمان قدرتها على الدفاع عن نفسها ضد تهديدات إيران ووكلائها والجماعات الإرهابية". وكانت أفريل هاينز مديرة الاستخبارات الوطنية الأمريكية، قد أكدت، في 19 يناير 2021، أنها تتفق مع الرئيس "بايدن" على أنه "يتعين علينا أيضاً النظر في قضايا الصواريخ الباليستية التي حددتها والأنشطة الأخرى المزعزعة للاستقرار التي تشارك فيها إيران".</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>5– توسيع دائرة الشراكات الأمنية مع شركاء السلام الجدد:</strong> تتجه إسرائيل إلى توظيف الظرف الإقليمي الحالي المرتبط بتولي الرئيس الإيراني المتشدد إبراهيم رئيسي، وتجميده المفاوضات النووية مع واشنطن؛ هذا فضلاً عن عدم تجديده الاتفاق النووي مع وكالة الطاقة الذرية الذي انتهى في يونيو 2021، لتكوين "تحالف من الدول العربية المعتدلة" (المحور السني) التي تسعى إلى إلجام إيران، عبر تعزيز التعاون في المجالين السيبراني والاستخباراتي والدفاع الصاروخي مع الحكومات العربية برعاية أمريكية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>6– الاتفاق على خطة بديلة (</strong><strong>Plan B</strong><strong>) في حالة التصعيد الإيراني:</strong> ثمة حالة من عدم اليقين تكتنف مشهد البرنامج النووي لإيران، في ظل جمود مفاوضات فيينا، وعدم التزام الإدارة الإيرانية الجديدة ببنود "خطة العمل الشاملة المشتركة" الموقعة عام 2015، واتجاهها نحو تسريع وتيرة برنامجها النووي وتجاوز العتبة النووية التي تسمح لها باقتناء سلاح نووي، في ظل تكثيفها إلى حدٍّ كبير جهودها لتخصيب اليورانيوم؛ الأمر الذي دفع المسؤولين الإسرائيليين إلى تأكيد جاهزيتهم لسيناريو التصعيد الإيراني بالاستعداد لضرب منشآت إيران النووية ذاتها. ويبدو أن واشنطن تحاول استيعاب هذه التخوفات الإسرائيلية، من خلال تصريح الرئيس الأمريكي باللجوء إلى "خيارات أخرى" في حالة فشل الحل الدبلوماسي دون تفسير أكثر من ذلك.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">السيناريوهات المحتملة</span></strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>ارتباطاً بحالة عدم اليقين بشأن الموقف الإيراني وما إذا كانت واشنطن ستتمكَّن من إعادة طهران مرة أخرى إلى الالتزام ببنود خطة العمل الشاملة المشتركة؛ فإن هذه المعطيات المقرونة بالشكوك حول نوايا إيران فيما يخص المحادثات؛ تغري "بايدن" و"بينيت" بالتركيز على السيناريوهات لا على القرارات. ومن السيناريوهات المقترحة للتعامل مع إيران ما يلي:</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– العودة إلى الاتفاق النووي مع قبول إسرائيلي:</strong> يتعزز هذا السيناريو مع اتجاه واشنطن إلى تعزيز الضغط على طهران من أجل إعادتها مرة أخرى إلى الالتزام ببنود الخطة الشاملة المشتركة والتخلي عن سياسة التصعيد الحالية بتسريع وتيرة البرنامج النووي من أجل فرض الضغط وتقوية موقفها التفاوضي في حالة استئناف مفاوضات فيينا. وستجد إسرائيل في هذه الصيغة درجة من القبول؛ حيث يبرز توجه أقطاب في الحكومة الإسرائيلية الحالية، باعتبار أن أي اتفاق تتوصَّل إليه واشنطن هو اتفاق يحقق المصالح الإسرائيلية، ومن الأفضل عدم الوقوف في وجه الإدارة الأمريكية وتحديها في هذا الصدد.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>&nbsp;ويأتي ذلك استناداً إلى عدة اعتبارات؛ أبرزها التجربة السابقة لموقف إسرائيل الرافض لاتفاق الإدارة الأمريكية في فيينا، الذي لم يُؤثر على توجه الولايات المتحدة التي مضت في توقيع الاتفاق. أيضاً سيصب ذلك في مصلحة إسرائيل من ناحية تعزيز دورها في بلورة بنود الاتفاق بالشراكة مع الولايات المتحدة، بجانب المطالبة بضمانات أمريكية لأمنها وتعويضها عن الاتفاق النووي على شكل تعزيز التحالف الاستراتيجي ومساعدات اقتصادية وعسكرية. وأخيراً، من شأن هذا الموقف المرن لإسرائيل أن يُسهم في تحسين العلاقات بين إسرائيل والحزب الديمقراطي، الذي طور موقفاً متحفظاً من إسرائيل بسبب سياسات نتنياهو وتوجهه.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– التصعيد الإيراني واللجوء إلى الخط البديلة (</strong><strong>Plan B</strong><strong>):</strong> يتعزز هذا السيناريو مع تولي الرئيس الإيراني المتشدد إبراهيم رئيسي، الذي يسعى إلى رفع سقف مطالبه بحيث تكون من الصعب على الأطراف الأخرى القبول بها. وينعكس ذلك من خلال الموقف الراهن لطهران من ناحية عدم تجديدها الاتفاق النووي مع وكالة الطاقة الذرية الذي انقضى في يونيو الماضي، بالإضافة إلى تجميدها المفاوضات في فيينا، واتجاهها إلى تسريع برنامجها النووي وتكثيفها إلى حدٍّ كبير جهودها لتخصيب اليورانيوم، الذي يُنذر بتجاوزها العتبة النووية، وتقصيرها "مدة الاختراق" التي تستطيع طهران من خلالها أن تُحول برنامجها النووي إلى برنامج عسكري. فقد يدفع ذلك واشنطن إلى "خيارات أخرى" حسَب ما أعلنه الرئيس الأمريكي في لقائه رئيسَ الوزراء الإسرائيلي "بينيت". وقد تكون تلك الخيارات في إطار تشديد العقوبات الاقتصادية عليها وفقاً لسياسة "التطويق والحصار" التي اقترحها "بينيت" كخطة بديلة للتعامل مع طهران في حالة فشل الحل الدبلوماسي.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3– المماطلة الإيرانية والعودة إلى الاتفاق النووي: </strong>يرى المراقبون أن هذا الموقف التصعيدي من جانب إيران إنما يأتي في إطار مناورتها بهدف إطالة المباحثات لشهور تمكنها من التقدم في مشروعها النووي لاستغلال ذلك كورقة ضغط خلال المباحثات مع القوى الدولية. وعند لحظة ما، ستعود طهران إلى المفاوضات حول العودة إلى الاتفاق النووي، خاصةً مع تنامي إدراك الإدارة الإيرانية الجديدة بأهمية إدارة المسألة بدلاً من التصعيد، خاصةً في ظل التحفز العسكري الإسرائيلي من أجل ردع إيران؛ حيث صرح "جانتس" بأن "إسرائيل تعمل دائماً من أجل أن يكون الخيار العسكري قائماً"، وربما يستمر تنفيذ الهجمات الإسرائيلية السيبرانية –في إطار هذا السيناريو– على منشآت البرنامج النووي وأنظمة التحكم في البنية التحتية والمنشآت الإيرانية الحساسة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">حالة اللايقين</span></strong></p>



<p><strong>إجمالاً، لم تُحدث زيارة "بينيت" الأخيرة إلى واشنطن اختراقاً كبيراً فيما يتعلق بموقف واشنطن من العودة إلى خطة العمل المشتركة (5+1) التي وقَّعتها إدارة الرئيس الأسبق أوباما، ومن المُرجَّح أن تستمر حالة عدم اليقين التي تسيطر على المشهد الراهن للمفاوضات مع طهران، وقد تتسبب هذه الحالة –في ظل عدم قدرة واشنطن على الضغط على الإدارة الإيرانية الجديدة من أجل الامتثال لبنود الاتفاق النووي– في زعزعة استقرار الائتلاف الحكومي الإسرائيلي في ظل الهجوم المحتمل من جانب المعارضة، الذي سيضيق الخناق عليها في ظل موقفها المتماهي مع واشنطن، الذي وصفه "نتنياهو" من قبل، خلال جلسة تنصيب الحكومة الجديدة، بـ "الضعيف".</strong><strong></strong></p>

      

ملامح استراتيجية "بينيت" لمواجهة النووي الإيراني