عمرو عبدالعاطي

كشفت تحركات المسؤولين الأمريكيين، عقب مصادقة مجلس الشيوخ على تعيينهم، عن سعيهم للتأكيد، من خلال تصريحاتهم وزياراتهم الخارجية وتواصلهم مع نظرائهم الأجانب، على توافق رؤيتهم مع رؤية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي حرص على تشكيل إدارته من الموالين له. وقد تجلّى هذا التوجه بوضوح في أول زيارة رسمية لوزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، التي استمرت ستة أيام إلى أمريكا الوسطى ومنطقة الكاريبي. ووفقاً لصحيفة وول ستريت جورنال، فإن الجمهور المستهدف من تلك الزيارة لم يكن تحقيق المصالح والأمن القومي الأمريكي أو تعزيز التحالفات والشراكات الدولية، التي تُعد تقليدياً من مهام وزير الخارجية، أو التأكيد على الدور الدبلوماسي في التعامل مع الأزمات الدولية، بل كان الهدف الأساسي هو طمأنة ترامب بشأن التزام روبيو بأولوياته.التزام بأجندة ترامبمنذ أداء الرئيس الأمريكي اليمين الدستورية في العشرين من يناير، برز اتجاه ملحوظ داخل مختلف الوكالات الفيدرالية، يتمثل في سعي المسؤولين إلى إظهار التزامهم بأجندة ترامب. وقد تجلّى هذا التوجه في تعديل السياسات، وإعادة هيكلة الإدارات، والتصريحات العلنية، ما يعكس جهوداً منسقة لتنفيذ رؤية الرئيس عبر الأجهزة الحكومية المختلفة. ومن أبرز ملامح هذا التوجه:1- الدفاع عن خطة ترامب لترحيل المهاجرين غير الشرعيين: وضع الرئيس الأمريكي خططاً موسعة لترحيل المهاجرين غير الشرعيين، إذ شكلت قضية الهجرة غير الشرعية حجر الزاوية في حملته الانتخابية، مع تصدّرها كأحد أبرز بنود اهتمام الناخبين الأمريكيين. وقد أعلن ترامب عن طموحه لتنفيذ ما وصفه بـ"أكبر عملية ترحيل في تاريخ أمريكا"، مستهدفاً طرد نحو 11 مليون شخص يقيمون في البلاد دون تصاريح قانونية. في هذا السياق، عمل وزير الخارجية، ماركو روبيو، خلال زيارته إلى أمريكا الوسطى ومنطقة الكاريبي، على الضغط على حكومات تلك الدول لتنسيق الجهود في تنفيذ مخطط الترحيل الذي وضعه ترامب. ونجح في التوصل إلى اتفاقات مع كل من السلفادور وجواتيمالا لاستقبال المرحّلين من الولايات المتحدة.فقد عرضت السلفادور استقبال المجرمين المرحلين، بمن فيهم المواطنون الأمريكيون، وإيواءهم في سجنها الضخم، بعد اجتماع بين وزير الخارجية الأمريكي والرئيس السلفادوري، نجيب بوكيلي. ووصف روبيو هذا العرض، الذي كان ترامب قد اقترحه سابقاً، بأنه "بادرة غير مسبوقة واستثنائية للصداقة".أما جواتيمالا، فقد التزمت بتوسيع قدرتها على استقبال المرحّلين من دول أخرى، إلى جانب إنشاء قوة أمنية حدودية لتعزيز السيطرة على المهاجرين. كما سعت الولايات المتحدة إلى تزويد كوستاريكا بتقنيات بيومترية لتعقب الأفراد، مع الاستمرار في تمويل رحلات الترحيل في بنما، ضمن جهودها لتقييد تدفق الهجرة غير الشرعية نحو أراضيها.2- إعفاء أو تخفيض رسوم المرور الأمريكي من قناة بنما: كان الهدف الرئيسي لزيارة روبيو لبنما هو الدفاع عن المصالح الأمريكية ومناقشة مطالب الرئيس دونالد ترامب بشأن قناة بنما، فقد اقترح ترامب مراراً وتكراراً استعادة الولايات المتحدة للقناة، مشيراً إلى أن السفن الأمريكية تُفرض عليها رسوم باهظة وأن الصين هي التي تدير القناة. وفي أعقاب لقائه مع الرئيس البنمي، خوسيه راؤول مولينو، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أن السفن الحكومية الأمريكية مسموح لها الآن بالمرور عبر قناة بنما دون فرض رسوم. لكن السلطات البنمية نفت هذا الادعاء، حيث أكدت الهيئة المستقلة لقناة بنما، التي تتمتع بسلطة تحديد رسوم وحقوق العبور، أنها لم تُجرِ أي تعديلات على هذه الحقوق. كما أوضحت أنها ما زالت مستعدة لإجراء حوار مع السلطات الأمريكية.ورأى الخبراء أن إعلان وزارة الخارجية الأمريكية قد يكون جزءاً من الضغوط التي تمارسها واشنطن على بنما، إذ لم يتم التوصل إلى اتفاق نهائي حتى الآن. وعادةً ما يتم الإعلان عن مثل هذه الصفقات، التي تُعد تنازلاً كبيراً من بنما، في اجتماع ثنائي يتضمن بيانات رسمية من كلا الجانبين.3- مكافحة النفوذ الصيني في بنما: ينظر ترامب إلى النفوذ الصيني في قناة بنما على أنه يشكل تهديداً للممر المائي وللمصالح والأمن القومي الأمريكي. وعلى الرغم من أن الرئيس البنمي خوسيه راؤول مولينو كان يصف سابقاً مزاعم التدخل الصيني في القناة بأنها "هراء"، فقد أعلن بعد اجتماعه مع روبيو أن حكومته ستُجري تدقيقاً على الموانئ التي تديرها بكين على جانبي القناة، وستقدم النتائج إلى الولايات المتحدة.وتشير تقارير صحفية أمريكية إلى أن من بين التنازلات المحتملة الأخرى التي تدرسها بنما في ظل الضغوط الأمريكية التي مارسها الرئيس ترامب، وزيارة روبيو لبنما، العثور على مشغلين جدد لمحطتي ميناء في كل طرف من طرفي القناة، والتي تديرها حالياً شركة تشغيل ميناء هونج كونج، هاتشيسون وامبوا، حيث ترى إدارة ترامب البنية التحتية الصينية حول القناة كتهديد للأمن القومي الأمريكي.4- تنفيذ سياسات الرئيس الأمريكي لمعالجة قضية الهجرة غير الشرعية: يقترح الرئيس الأمريكي استخدام الجيش الأمريكي لتنفيذ سياسات الهجرة، ولذلك كلفه بمهمة فرض الأمن على الحدود. ولتحقيق أهداف إدارته في تأمين الحدود وردع عمليات الدخول غير القانوني، أعلن ترامب حالة الطوارئ الوطنية، على غرار ولايته الأولى، وهو ما يتيح له إمكانية استدعاء قوات الاحتياط، بما في ذلك الحرس الوطني، لنشرهم على الحدود الجنوبية.وفي إطار تأكيد التزام البنتاجون بتنفيذ خطط الرئيس ترامب لمواجهة قضية الهجرة زار وزير الدفاع بيت هيجسيث الحدود الأمريكية المكسيكية لتسليط الضوء على وصول القوات للحدود الجنوبية الأمريكية بما يتوافق مع رؤية وسياسات ترامب. وقد انضمت وزيرة الأمن الداخلي كريستي نويم إلى غارات الهجرة والجمارك مرتدية سترة مضادة للرصاص.5- إعادة توجيه أولويات وزارة العدل: يعدّ التغيير في وزارة العدل أحد أبرز الأمثلة على سعي المسؤولين بإدارة ترامب الثانية إلى إظهار التزامهم بأجندة ترامب، حيث أصدرت المدعية العامة، بام بوندي، في أعقاب تصديق مجلس الشيوخ على توليها المنصب، سلسلة من التوجيهات تهدف إلى مواءمة الوزارة مع أولويات ترامب. وتشمل هذه التوجيهات تشكيل فريق عمل للتحقيق فيما وصفه ترامب بـ"تسييس العدالة"، إضافة إلى إعادة العمل بعقوبة الإعدام على المستوي الفيدرالي بعدما أوقفتها الحكومة الفيدرالية منذ نحو عشرين عاماً. وتأتي هذه الإجراءات في أعقاب مزاعم من ترامب وبوندي بأن الوزارة في الإدارة السابقة استهدفت المحافظين بشكل غير عادل.إلى جانب التغييرات في السياسات، شهدت الوزارة تعديلات كبيرة على مستوى الموظفين، حيث تم استبعاد عدد من كبار المسؤولين المهنيين لإفساح المجال أمام قيادة جديدة تتماشى مع توجهات ترامب. وتعكس هذه الإجراءات نهجاً أكثر حزماً في فرض السيطرة وضمان انسجام أعمال الوزارة مع رؤية الرئيس الأمريكي.6- إعادة تشكيل الاستخبارات وفقاً لرؤية ترامب: يعمل دونالد ترامب خلال ولايته الثانية على تنفيذ إصلاحات داخل وكالات الاستخبارات، مثل وكالة الاستخبارات المركزية لتعزيز المساءلة، وإعادة ترتيب الأولويات الأمنية، وتبسيط العمليات. ولطالما عبّر ترامب عن عدم ثقته بالمجتمع الاستخباراتي، إذ يعتبره منحازاً ويفتقر إلى المساءلة، ويعتقد أن وكالة الاستخبارات المركزية أصبحت مسيّسة وغير فعالة. وتشمل هذه الإصلاحات تعيين شخصيات موالية له، وتعزيز الرقابة، وتحويل التركيز نحو قضايا مثل مكافحة عصابات المخدرات، والتصدي للنفوذ الصيني العالمي.يرتكز جزء أساسي من خطة ترامب على إعادة هيكلة كوادر الوكالة لضمان توافقها مع أجندته، ويتضمن ذلك استبدال كبار المسؤولين وتقديم حزم تعويضية للموظفين الذين يعارضون أولوياته، والهدف هو إنشاء قوة عاملة مكرّسة لتنفيذ توجهات ترامب وضخ "طاقة جديدة" في الوكالة. وقد تعهّد المرشحون لمناصب رئيسية في وكالات الاستخبارات، مثل مدير وكالة الاستخبارات المركزية جون راتكليف، ومرشحة ترامب لمنصب مدير الاستخبارات الوطنية تولسي جابارد، بتجنب تسييس الوكالات الاستخباراتية. ويمتد تركيزهم على ضمان توافق العاملين في الوكالة مع أولويات الأمن القومي للإدارة، وترددت تقارير عن إقالة مسؤولين بسبب "عدم الولاء"، واستبدالهم بأشخاص أكثر انسجاماً مع رؤية ترامب السياسية. وأثار هذا الاتجاه مخاوف بشأن تسييس وكالات الاستخبارات الأمريكية وإمكانية اتخاذ قرارات منحازة تخدم أجندة الرئيس.اختبار ولاء ترامب تبنّت إدارة الرئيس دونالد ترامب نهجاً غير مسبوق في التدقيق بموظفي الحكومة خلال فترته الثانية، حيث تم رفض مئات المتقدمين للوظائف بسبب آرائهم السياسية أو علاقاتهم بشخصيات معارضة لترامب. ويرجع هذا التشدد إلى قناعة ترامب بأن بعض موظفيه في ولايته الأولى عملوا ضده وأفشلوا أجندته، مما دفعه إلى اعتماد عملية تدقيق واسعة تشمل حتى المناصب الأدنى في الحكومة. تشمل الأسئلة في المقابلات استفسارات حول مدى ولاء المرشحين لترامب، وآرائهم حول أحداث 6 يناير 2021، إضافة إلى مواقفهم من قضايا مثل المساعدات لأوكرانيا، والرسوم الجمركية، وعضوية الولايات المتحدة في حلف الناتو، بهدف ضمان انسجام الموظفين مع رؤية ترامب السياسية.ووفقاً لبعض المسؤولين السابقين، أدى ذلك إلى تشكيل إدارة يغلب عليها شخصيات ذات خبرة حكومية محدودة، لكنها أكثر ولاءً للرئيس، ما يعني غياب الأصوات المعارضة داخلياً التي كانت تسهم في ضبط قرارات ترامب خلال ولايته الأولى. وقد حذر مستشار الأمن القومي السابق، جون بولتون، من أن الاعتماد المفرط على الموالين سيؤدي إلى اتخاذ قرارات غير مدروسة. ونتيجة لذلك، فإن الإدارة الجديدة تبدو مختلفة جذرياً عن ولاية ترامب الأولى، حيث تغيب الأصوات المعارضة، مما قد يؤثر على طبيعة القرارات السياسية والاقتصادية في السنوات القادمة.

سعي المسؤولين الأمريكيين لإثبات تطابق رؤيتهم مع الرئيس ترامب