إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية


        
<p><strong>استقبل الرئيس التونسي قيس سعيد، وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية الجزائري "رمطان العمامرة"، مرتين خلال أسبوع واحد، كان آخرهما في الأول من أغسطس 2021، وقد حمل فيها العمامرة رسالة من الرئيس الجزائري "عبد المجيد تبون" إلى الرئيس التونسي، تضمنت ملامح الموقف الجزائري تجاه تطورات الأوضاع في تونس، وخاصةً عقب الإجراءات والقرارات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس التونسي "قيس سعيد" في 25 يوليو 2021، وما تلاها من قرارات وإجراءات شملت تجميد البرلمان لمدة شهر، ورفع الحصانة عن أعضائه، وبدء التحقيقات مع الأعضاء المتورطين في قضايا فساد مالي وإداري، وتعيين مسؤولين لحين تشكيل حكومة جديدة.</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><br><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">سياقات متداخلة:<br></span>يأتي الموقف الجزائري الرسمي تجاه الأزمة السياسية الراهنة في تونس، بالتوازي مع عدد من السياقات، وهو ما يُمكن تناوله على النحو التالي:<br>1– انخراط مباشر في تفاعلات ما بعد القرارات الرئاسية: </strong>فمنذ الإعلان عن الإجراءات الاستثنائية وما أعقبها من قرارات رئاسية؛ أعربت الرئاسة الجزائرية عن اهتمامها بتطورات الأوضاع السياسية في تونس. وانعكس ذلك الاهتمام في الاتصالات التي دارت بين الرئيس الجزائري "عبد المجيد تبون" ونظيره التونسي "قيس سعيد" الذي سارع إلى إجراء اتصال بالأول عقب اتخاذه الإجراءات الاستثنائية مباشرة، بما يعبر عن استراتيجية العلاقات السياسية بين الدولتين. ولعل الزيارة السريعة الأولى لوزير الخارجية "رمطان العمامرة" إلى تونس عبرت عن انخراط جزائري مباشر في الأزمة السياسية التونسية؛ وذلك انطلاقًا من العلاقات السياسية القوية التي تجمع الدولتين.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><br><strong>2– نشاط مكثف للدبلوماسية الجزائرية:</strong> جاءت زيارة وزير الخارجية الجزائري "رمطان العمامرة" إلى تونس أول زيارة له منذ تعيينه في منصب وزير الخارجية؛ وذلك بالتزامن مع إجرائه جولة خارجية شملت عددًا من الدول العربية والإفريقية (مصر – السودان – إثيوبيا) بما يعكس اهتمام الجزائر بقضايا متعددة، وخاصةً الوضع في ليبيا وتونس وأزمة سد النهضة، في محاولة جزائرية لتعزيز النفوذ الإقليمي خلال المرحلة الحالية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><br><strong>3– رفض إخوان الجزائر قرارات قيس سعيد:</strong> تأتي التحركات الجزائرية الرسمية متزامنةً مع رفض إخوان الجزائر قرارات سعيد، وهو ما ظهر في البيان الصادر عن حركة مجتمع السلم "حمس" في 26 يوليو 2021، الذي وصف تلك الإجراءات بالانقلابية وغير الدستورية، على حد زعم الحركة التي دعت الشعب التونسي إلى التمسك بمؤسساته الشرعية (البرلمان) ورفض ما حدث، والدعوة إلى إجراء حوار وطني للبحث عن حلول لهذه الأزمة، في إطار التماهي مع رؤية حركة النهضة التونسية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><br><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">محددات مختلفة:<br></span>تنطلق الرؤية الجزائرية الرسمية تجاه تطورات الأوضاع الراهنة في تونس، من بعض الحسابات السياسية، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:</strong><br><strong>1– قلق من الارتدادات السلبية على الجزائر:</strong> وهو ما يمكن رصده من خلال مؤشرات مختلفة عكست اهتمامًا جزائريًّا غير مسبوق بالوضع التونسي، وهو ما انعكس في اتصالات الرئيسين عبد المجيد تبون وقيس سعيد وقيام وزير الخارجية الجزائري "رمطان العمامرة" بزيارة تونس مرتين خلال أقل من أسبوع؛ إذ تخشى الجزائر –على نحو أساسي– من أي أوضاع غير مستقرة في تونس يمكن أن تنعكس عليها سلبًا بطبيعة الحال.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><br><strong>2– الوساطة بين الرئيس التونسي والنهضة باعتبار أن ما يحدث في تونس هو شأن داخلي،</strong> وأن الاهتمام الجزائري يأتي في إطار احترامها السيادة التونسية، وتأكيدًا لتضامن الجزائر مع الاستقرار السياسي في تونس، ودعمها بما يسهم في وضع مسيرة مؤسساتها على المسار الصحيح، وهو ما يعني اتخاذ القيادة السياسية الجزائرية موقفًا محايدًا، خاصةً أن القوى السياسية والنقابية التونسية أعلنت رفضها التدخلات الخارجية في هذه الأزمة. ومن ثم، ترغب الجزائر في الحفاظ على علاقاتها بكافة الأطراف التونسية.<br>إلا أن زيارتي وزير الخارجية "العمامرة" إلى تونس، والإعلان عن تسليمه رسائل مباشرة من الرئيس الجزائري "عبد المجيد تبون" إلى نظيره التونسي "قيس سعيد"؛ قد يُفهم منهما أن هناك ضغوطًا من إخوان الجزائر على الرئيس تبون –الذي أتاح المجال أمام الأحزاب السياسية الإسلامية للمشاركة في العملية السياسية وتحقيق نتائج إيجابية في الانتخابات البرلمانية الأخيرة– للضغط على الرئيس التونسي "قيس سعيد" للتراجع عن قراراته وتبني دعوات الإخوان المسلمين بشأن إجراء حوار مع "حركة النهضة" واحتوائها، منعًا لتصاعد الأمور بقدر أكبر مما هي عليه الآن. ومن ثم فقد يحمل الاهتمام الجزائري بالوضع الراهن في تونس رسالة إلى الرئيس التونسي بضرورة تسوية الأزمة مع حركة النهضة، ولعب دور في تهدئة الوضع غير المستقر بين أطراف الأزمة السياسية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><br><strong>3– ممارسة دور إقليمي نشط في المنطقة:</strong> تعكس التحركات الأخيرة قوة الحضور الجزائري في الأزمات المثارة، سواء في المغرب العربي أو في إفريقيا؛ حيث جاءت الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الجزائري "العمامرة" إلى تونس عقب زيارته إلى مصر والاتفاق المصري الجزائري على تقديم الدعم الكامل للرئيس التونسي "قيس سعيد"، والتباحث مع القيادة السياسية المصرية حول إمكانية لعب دور الوساطة لحل أزمة سد النهضة؛ حيث سبقت زيارتَه إلى القاهرة، زيارتُه إلى كل من إثيوبيا والسودان في محاولة جزائرية للعب دور سياسي داخل القارة الإفريقية انطلاقًا من أزمة سد النهضة، عبر تبني سياسة خارجية تقوم على الانخراط المباشر في الأزمات المثارة في القارة الإفريقية والمنطقة العربية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><br><strong>4– الحفاظ على توازن القوى مع المغرب:</strong> إذ ترغب الجزائر في الحفاظ على تقاربها مع تونس في مواجهة خلافاتها المثارة حاليًّا مع المغرب. وفي المقابل كانت هناك زيارة وحيدة فقط قام بها وزير الخارجية المغربي "ناصر بوريطة" إلى تونس، حاملًا رسالة من العاهل المغربي "محمد السادس" لتأكيد التضامن المغربي مع تطلعات الشعب التونسي نحو الاستقرار. ومن ثم، يحمل الاهتمام الجزائري بالأزمة السياسية التونسية رسالة إلى المغرب فحواها قوة الدور الإقليمي للجزائر في دول الأزمات، وكذلك قوة العلاقات السياسية مع تونس.<br>جدير بالذكر أن العاهل المغربي قد دعا، مطلع أغسطس 2021، الجزائرَ إلى العمل دون شروط لحل الخلافات التاريخية بين البلدين وإعادة فتح الحدود بينهما.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><br><strong>5– قطع الطريق على انتشار المخاطر الإرهابية:</strong> حيث تتخوف الجزائر من احتمالات مرتبطة بإمكانية استغلال بعض التنظيمات الإرهابية الأوضاعَ السياسية غير المستقرة في تونس والتسلل إليها، سواء عبر الحدود الليبية التونسية أو من خلال الحدود الليبية الجزائرية، ومن ثم التأثير سلبًا على الأمن القومي الجزائري، خاصةً مع دعوات بعض الميليشيات المسلحة التابعة للإخوان في ليبيا والمتمركزة في الغرب الليبي إلى التعبئة والاستعداد للتحرك نحو الحدود التونسية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><br><strong>وفي الختام، يهدف الاهتمام الجزائري المتصاعد بالأزمة في تونس، إلى تحقيق العديد من الأهداف السياسية والاستراتيجية، كما لا يُمكن بحال إهمال العوامل الأمنية، لا سيما في ظل التحركات الملحوظة للتنظيمات التكفيرية والخلايا الإرهابية في المنطقة، وهو الأمر الذي يفرض على المؤسسة العسكرية الجزائرية التأهب والاستعداد لتأمين حدودها المشتركة مع كل من ليبيا وتونس، والاستعداد كذلك لتقديم أي مساعدات عسكرية طارئة لحماية الأمن القومي التونسي؛ حيث إن لدى الجزائر وتونس تاريخًا مشتركًا في مواجهة التنظيمات الإرهابية، وخاصة تنظيم داعش، وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.</strong></p>



<p><br></p>

      

لماذا تُكثِّف الجزائر تحركاتها تجاه الأزمة التونسية؟