د. محمد عباس ناجي

يقوم وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بزيارة إيران، في 25 فبراير 2025؛ وذلك في إطار الجولة الإقليمية التي بدأها بزيارة تركيا. وفي الواقع، فإن هذه الزيارة تكتسب أهمية وزخماً خاصاً من جهة توقيتها؛ حيث إنها تتزامن مع تطورات إقليمية ودولية عديدة تفرض تداعيات مباشرة على أمن ومصالح كل من موسكو وطهران، كما أنها تأتي في وقت ما زالت فيه اتجاهات عديدة في إيران حريصة على توجيه انتقادات قوية للسياسة التي تتبناها موسكو، سواء إزاء العلاقات الثنائية مع إيران، أو تجاه الملفات الإقليمية المختلفة التي تحظى باهتمام مشترك من جانب الطرفين؛ لاعتبارات أمنية واستراتيجية عديدة.أهداف عديدةتسعى إيران وروسيا، عبر الزيارة التي يجريها لافروف إلى طهران، إلى تحقيق أهداف عديدة، يتمثل أبرزها فيما يلي:1– طمأنة روسيا طهران حول تقاربها مع إدارة ترامب: تبدي إيران اهتماماً خاصاً بالاجتماعات التي بدأ المسؤولون الروس والأمريكيون في عقدها في السعودية، بدايةً من 18 فبراير 2025، وشارك فيها لافروف بنفسه ونظيره الأمريكي ماركو روبيو، ويُتوقَّع أن تُختتَم بلقاء بين الرئيسين الروسي فيلاديمير بوتين والأمريكي دونالد ترامب؛ إذ ترى طهران أن تعاونها مع موسكو سوف يكون أحد أهم محاور هذه الاجتماعات، في ضوء سعي إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى تطبيق سياسة الضغوط القصوى على إيران، ومن ضمن آلياتها عرقلة قدرتها على تطوير علاقاتها مع بعض القوى الدولية، مثل روسيا والصين.ومن هنا، فإن روسيا ربما تحاول عبر هذه الزيارة توجيه رسائل طمأنة إلى إيران، مفادها أنها لن تقدم تنازلات كبيرة فيما يخص تعاونها الثنائي مع الأخيرة، وأنها ربما تتماهى مع السياسات التي تتبعها طهران إزاء بعض الملفات الإقليمية، وهو ما يبدو أن طهران غير واثقة بإمكانية حدوثه.2– بحث الوساطة الروسية بين الولايات المتحدة وإيران: قد تتبنى موسكو مقاربة أكثر تقدماً بعرض فكرة التوسط بين إيران وإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ضوء التحسن الواضح في العلاقات بين موسكو وواشنطن، عقب وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض من جديد في يناير 2025.وقد بدأت وسائل إعلام إيرانية تشير إلى هذا الاحتمال، باعتبار أن الملف الإيراني سوف يكون حاضراً في كل الأحوال في المحادثات التي تجري بين المسؤولين الروس والأمريكيين؛ فحتى لو لم يتم التطرق بشكل بارز إلى ملفات مثل الاتفاق النووي، فإن الدعم العسكري الذي تقدمه إيران إلى روسيا لمساعدتها في إدارة عملياتها العسكرية داخل أوكرانيا لا يمكن تجاهله في هذا الصدد، خاصةً أن الهدف الأساسي من المحادثات يتعلق ببحث سبل الوصول إلى تسوية تنهي الحرب الروسية في أوكرانيا، وتستوعب الأسباب التي دفعت موسكو إلى شنها من البداية.3– إضفاء وجاهة خاصة على سياسة "التوجه شرقاً": تتعرض سياسة "التوجه شرقاً" التي تبنتها حكومة الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي، وسارت على نهجها حكومة الرئيس الحالي مسعود بزشكيان، إلى انتقادات قوية على الساحة الداخلية الإيرانية؛ إذ أشارت اتجاهات إيرانية عديدة إلى أن الرهان على تعزيز العلاقات مع روسيا يمكن أن يُعرِّض المصالح الإيرانية للخطر، خاصةً أن موسكو سبق أن اتخذت من الخطوات ما فرض تداعيات سلبية على المصالح الإيرانية، لا سيما في الملف النووي؛ حيث اتهمت هذه الاتجاهات موسكو بالمسؤولية عن عرقلة الجهود التي بُذِلت، خاصةً خلال إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، من أجل إنقاذ الاتفاق النووي، عبر دفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى العودة للاتفاق مقابل عودة إيران إلى الالتزام ببنوده.ففي هذا السياق، كان لافتاً أن مساعد الرئيس الإيراني للشؤون الاستراتيجية محمد جواد ظريف، جدَّد انتقاداته مرةً ثانيةً لنظام الرئيس السوري بشار الأسد؛ حيث قال في 23 فبراير 2025، إن الأسد لم يدعم المقاومة منذ أمد طويل، وأنَّ خطأه الأساسي يتمثل في اعتماده على جهة أخرى (في إشارة إلى روسيا) على نحوٍ كان له دور، وفقاً لرؤيته، في فشله في التصدي لزحف هيئة تحرير الشام والجيش الوطني السوري والفصائل المسلحة الأخرى التي نجحت في الوصول إلى السلطة في ديسمبر 2024.من هنا، فإن حكومة بزشكيان ترى أن زيارة لافروف في هذا التوقيت، وبالتوازي مع بدء المباحثات الروسية–الأمريكية، توحي بأن روسيا تضع في اعتبارها المصالح الإيرانية، ولا تريد الوصول إلى صفقة على حساب طهران، وهو ما لا توجد مؤشرات تدعم إمكانية حدوثه بالفعل، في ظل الخلافات العالقة بين الطرفين التي لا تبدو ثانويةً، ولا يمكن تسويتها بسهولة.4– تعزيز التعاون لا سيما العسكري والنووي بين البلدين: سوف يكون التعاون الثنائي حاضراً بشكل بارز في المحادثات التي سوف يجريها لافروف في طهران؛ إذ يمكن القول إن توقيت الزيارة التي تأتي بعد توقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية بين إيران وروسيا خلال زيارة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى موسكو في يناير 2025؛ يوحي بأنها تأتي في سياق اتجاه روسيا وإيران نحو اتخاذ خطوات إجرائية لتحويل هذه الاتفاقية إلى واقع ملموس خلال المرحلة القادمة.ومن دون شك، فإن التعاون العسكري والنووي سوف يكونان على أجندة لقاءات لافروف؛ إذ ما زال الحديث يجري عن احتمال إبرام صفقة خاصة بشراء إيران مقاتلات "سوخوي 35"، وهو ما لم يقابَل حتى الآن بتأكيد رسمي روسي، كما كان لافتاً أنه بالتوازي مع الزيارة، أعلن المدير التنفيذي لشركة "روس توم" الروسية أليكسي ليخاتشوف عن إجراء مفاوضات بين روسيا وإيران حول إنشاء محطة نووية جديدة، في إشارة إلى إصرار موسكو على المضي قدماً في التعاون مع إيران في هذا المجال.5– التنسيق الروسي الإيراني حول الملف السوري: رغم أن روسيا وإيران تُعتبران أهم قوتين خاسرتين من التطورات التي طرأت على الساحة السورية منذ نوفمبر 2024 عندما بدأ زحف الفصائل المسلحة من إدلب إلى حلب وحماة وأخيراً إلى دمشق؛ فإن ذلك لم يمنعهما من استمرار التنسيق فيما بينهما حول ما سوف يجري من ترتيبات سياسية وأمنية داخل سوريا خلال المرحلة القادمة.وقد كان لافتاً أن الدولتين حرصتا في الفترة الماضية على الإشارة إلى أنهما فتحتا قنوات تواصل مع الإدارة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع؛ إذ أكدت إيران أنها تبادلت رسائل مع دمشق عبر طرف ثالث، فيما ربطت اتجاهات عديدة بين زيارة لافروف ووزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى أنقرة، واعتبرت أن هذا التزامن ليس مصادفةً، وأنه ربما يشير إلى أن هناك أيضاً قناة اتصال مفتوحة بين الطرفين، خاصةً بعد الاتصال الهاتفي الذي جرى بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والسوري أحمد الشرع في منتصف فبراير 2025.ختاماً، يمكن القول إن أزمة الثقة سوف تستمر عنواناً رئيسياً للعلاقات بين إيران وروسيا حتى بعد زيارة لافروف إلى طهران التي تهدف موسكو من خلالها إلى احتواء بعض مخاوف طهران إزاء التفاهمات التي يمكن أن تصل إليها روسيا والولايات المتحدة الأمريكية خلال المرحلة القادمة؛ إذ تدرك إيران أنها تواجه خيارات صعبة بفعل التطورات التي طرأت على الساحة الإقليمية منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة ولبنان بدايةً من السابع من أكتوبر 2023، التي ساهمت في إضعاف دورها الإقليمي، وقد تزيد من احتمالات تعرضها لهجوم عسكري أمريكي أو إسرائيلي خلال المرحلة القادمة، وهو وضع ترى طهران أن موسكو ربما تحاول استثماره للحصول على مكاسب من جانب واشنطن وتل أبيب في إطار التفاهمات التي تجري بين الأطراف الثلاثة.

ما دلالات زيارة وزير الخارجية الروسي إلى إيران؟