كرم سعيد

أعلنت أجهزة الأمن المغربية، في 19 فبراير 2025، عن إحباط هجوم إرهابي بالغ الخطوة وشديد التعقيد، كان يستهدف بشكل متزامن منشآت اقتصادية وأمنية حساسة، ومصالح أجنبية في عدة مدن مغربية، منها مدينة العيون بإقليم الصحراء، والدار البيضاء، وفاس، وتامسنا، وطنجة، وأزمور، وتاونات، وجرسيف، وولاد تايمة؛ ما أسفر عن توقيف 12 شخصاً ينتمون إلى فرع تنظيم "داعش" بمنطقة الساحل والصحراء. ويُعد هذا الهجوم الذي تم تحييده هو الأسوأ الذي يتعرض له المغرب منذ عدة سنوات؛ ما دفع المديرية العامة للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني إلى وصفه بأنه مخطط "بالغ الخطورة"، كما يكشف هذا المخطط الإرهابي عن استمرار ترصد التنظيمات المتطرفة في منطقة الساحل بالمملكة المغربية، في ضوء تعرض المغرب في مايو 2024 لمخطط مشابه، تورط فيه تنظيم "داعش"، بما قد يهدد الأمن القومي المغربي.محفزات الانتشارتوجد مجموعة من المحفزات التي تقف وراء استمرار تمدد الخلايا النائمة التابعة لتنظيم "داعش" في المغرب، وهي المحفزات التي يمكن بيانها على النحو التالي: 1– السيولة الأمنية في منطقة الساحل والصحراء: انعكست حالة التوترات والسيولة الأمنية في منطقة الساحل والصحراء على تمدد الظاهرة الإرهابية في المغرب، لتمثل تهديداً لأمنه القومي؛ إذ تحولت هذه المنطقة، خلال السنوات الماضية، إلى ملاذ للمنظمات الإرهابية المتطرفة، وخاصة تنظيم "داعش" الذي يسعى إلى إعادة تموضعه بعد خسارته مناطق النفوذ التقليدي في سوريا والعراق. وعلى ضوء ذلك، سعت الجماعات الإرهابية إلى توظيف نفوذها الحالي في منطقة الساحل كنقطة انطلاق استراتيجية لتوسيع نفوذها باتجاه دول شمال أفريقيا، وخاصةً المغرب، من خلال هجمات أكثر تطوراً تستهدف المناطق الحضرية والبنية التحتية الحيوية. وعلى ضوء ذلك، يمكن فهم المخطط الذي تم تحييده في 19 فبراير 2025، والذي تم بتكليف وتحريض مباشر من قيادات بارزة في تنظيم داعش بمنطقة الساحل الأفريقي.2– توظيف خطاب ديني مغاير في تجنيد المغاربة: في إطار سعيه إلى نشر أفكاره المتطرفة، التي تمثل أحد أهم مصادر التهديدات الأمنية المتصاعدة في المغرب، اعتمد تنظيم "داعش" على مقاربة دعائية ترتكز على خطاب ديني يستهدف القاعدة الرخوة والضعيفة من الشباب المغربي التي تميل إلى التشدد؛ وذلك من خلال الدعوة والخطاب الجهادي، بالإضافة إلى إنشاء قنوات إلكترونية على مواقع الإنترنت لتسهيل الاتصال مع السكان المحليين في الداخل المغربي. ووفقاً للعديد من التقديرات، فإن هذه المقاربة الدعائية نجحت في جذب قطاعات من المغاربة.وظهر ذلك، على سبيل المثال، في الهجوم الأخير؛ إذ تم توقيف 12 متطرفاً تتراوح أعمارهم بين 18 و40 سنة، بايعوا تنظيم داعش، وانخرطوا في الإعداد والتنسيق لتنفيذ مشاريع إرهابية خطيرة.كما تمكنت التنظيمات الإرهابية من إعادة إحياء جاذبيتها الأيديولوجية في أوساط الشباب المغربي، من خلال توظيف الانتصارات النوعية للتنظيم في مناطق التوترات في القارة الأفريقية لخلق دعاية بارزه له بين الشباب والتيارات الجهادية المحلية في المغرب. وبرز ذلك، على سبيل المثال، في المخطط الإرهابي الذي تم إفشاله في 26 يناير 2025، بقيادة ثلاثة أشقاء يرتبطون بتنظيم داعش، وينشطون في منطقة حد السوالم بإقليم برشيد، وتتراوح أعمارهم بين 21 و26 عاماً.3–معضلة عودة المقاتلين من بؤر التوتر والصراعات: على إثر الفوضى الأمنية التي شهدتها سوريا بعد سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر 2024، التي تزامنت مع استمرار التحديات التي تواجه تأمين بعض المناطق الحدودية الهشة للمغرب مع دول الساحل والصحراء؛ اتجهت التنظيمات الإرهابية إلى توظيف هذه التطورات، لإعادة التموضع على الساحة المغربية، والتمدد في المجالات الحيوية ذات الأهمية. وقد أثارت ظاهرة عودة المقاتلين المغاربة قلق الجهات الرسمية. وتشير الإحصائيات الرسمية في المغرب إلى التحاق 1659 شخصاً بسوريا والعراق، لقي745 منهم حتفهم، واعتقلت السلطات الأمنية نحو 270 منهم خلال عودتهم إلى بلدهم.وقد ساهمت تطورات الأزمة الليبية، خصوصاً في ظل استمرار حالة الانقسام بين الفرقاء الليبيين، بالإضافة إلى تنامي ظاهرة المرتزقة الأجانب في غرب ليبيا، في إتاحة المجال العام للتنظيمات الإرهابية لتهديد الأمن القومي للمغرب. وخلال السنوات الخمس الأخيرة, تحولت ليبيا إلى رأس حربة لانطلاق التنظيمات الإرهابية تجاه المغرب، كما كشفت التحقيقات الأمنية المغربية خلال الآونة الأخيرة أن عدداً من الخلايا الإرهابية النائمة التي تم توقيفها في البلاد، ترتبط بمعاقل "داعش ليبيا"، وكانت لها صلات بـ"عناصر ميدانية"، تنشط في "الساحة الليبية"، تتولى "تأمين الدعم اللوجيستي" لتسهيل عملية التجنيد في صفوف المغاربة.4– سهولة تواصل الإرهابيين مع امتلاك تقنيات متقدمة: تشير الخلية الإرهابية التي تم توقيفها في 19 فبراير 2025، وتحييد مخططها الذي كان يستهدف تسعة مدن مغربية، إلى توظيف عناصرها القدرات السيبرانية، والتقنية التكنولوجية في تسهيل عملية التواصل والاتصال فيما بينها.حيث أشارت التحقيقات القضائية إلى حيازة أفراد الخلية أجساماً ناسفة في طور التركيب ومتصلة جميعها بأجهزة هواتف محمولة لتفجيرها عن بعد، بالإضافة إلى رقائق رقمية وأجهزة إلكترونية، وكذلك سجلات رقمية توضح كيفية وطرق التنفيذ المادي للعمليات الإرهابية، كما كشفت السلطات المغربية في مطلع يناير 2024، عن اكتشاف وتفكيك شبكة إرهابية تعمل من خلال استثمار المعدات الإلكترونية وتقنيات الإنترنت في تجنيد وإرسال مقاتلين للانضمام إلى تنظيم داعش بمنطقة الساحل جنوب الصحراء.آليات المواجهةنجح المغرب على مدار الفترة الماضية في تحييد الخلايا الإرهابية، وتحييد عدد واسع من مخططات تنظيم "داعش" التي كانت تستهدف المجال الحيوي المغربي من خلال استراتيجية تعتمد على مجموعة من المحاور الرئيسية، وهي المحاور التي يتمثل أبرزها فيما يلي:1– توجيه الضربات الاستباقية ضد الخلايا الإرهابية: اعتمد المغرب على مقاربة أمنية ترتكز في الأساس على الضربات الاستباقية للتنظيمات المسلحة، سواء التي تنشط في المناطق الطرفية والاستراتيجية. وكان لافتاً إعلان السلطات المغربية في 14 مايو 2024، عن تفكيك خلية إرهابية نائمة موالية لتنظيم داعش الإرهابي مكونة من 4 أفراد، وتنشط في مناطق "تيزنيت" و"سيدي سليمان"، كان بحوزتهم معدات شبه عسكرية. وبحسب تقييمات الأجهزة الأمنية المغربية، فإن أفراد هذه الخلية شاركوا في عمليات مشبوهة بغرض توفير الموارد المالية والدعم اللوجستي استعداداً لتنفيذ بعض العمليات الإرهابية لاستهداف الأمن القومي المغربي.بيد أن هذا الإجراء لم يكن هو الأول من نوعه؛ فقد أعلن المغرب في يناير 2024 عن توقيف العديد من الخلايا النائمة الموالية لتنظيم "داعش"، التي تقوم في الأساس على تجنيد عناصر جديدة للتنظيم، وإرسال مقاتلين للقتال في صفوف التنظيم في الساحل والصحراء، كما أعلن في 23 نوفمبر 2024 عن تفكيك "خلية إرهابية" تنشط في مدينتي تطوان والفنيدق شمال البلاد، بعملية أمنية مشتركة مع الشرطة الإسبانية. وتتكون الخلية من "9 عناصر: ثلاثة ينشطون بتطوان والفنيدق، وستة في مدريد وإبيزا وسبتة "مناطق خاضعة للإدارة الإسبانية". وتجدر الإشارة إلى أن المغرب تمكن من إجهاض 500 مشروع إرهابي، و215 خلية إرهابية منذ عام 2002 حتى نهاية عام 2023، بحسب الأرقام الرسمية الصادرة عن تقرير "منجزات وزارة الداخلية" لعام 2023.2– توسيع الشراكات الأمنية مع القوى الإقليمية والدولية: سعى المغرب، في إطار مواجهة مخططات التنظيمات الإرهابية النشطة في منطقة الساحل والصحراء، إلى توسيع الشراكات الأمنية مع القوى الإقليمية والدولية لتحييد مخاطر هذه التنظيمات. وظهر ذلك في الانخراط في ترتيبات أمنية مع شركاء إقليميين ودوليين لمكافحة الإرهاب، وخاصةً الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى تعزيز مجالات التعاون الأمني مع الدول الأفريقية، كما عمد المغرب إلى تكثيف الإنفاق الأمني لضمان رفع جاهزية مؤسساتها الأمنية والعسكرية، بشراء الأسلحة والمعدات العسكرية الحديثة والأكثر تطوراً.3– تصدير تجربة "الأمن الروحي" إلى الدول الأفريقية: اتجه المغرب نحو التوسيع في تصدير تجربته في مجال "الأمن الروحي" إلى أفريقيا ضمن رؤية استراتيجية متعددة الأبعاد، تستهدف بجانب دعم جهود مكافحة التطرف في منطقة الساحل جنوب الصحراء، تطوير علاقات التعاون الثنائي. وترتكز هذه التجربة أساساً على توسيع حضور ونفوذ الطرق الصوفية كقناة لإنعاش الإشعاع الروحي للمغرب بأفريقيا، بجانب اعتماد سياسة دينية عابرة للحدود الوطنية، تقوم على رؤية جديدة تتضمن توسيع مجالات العمل الديني المعتدل، وتنويع أدواته الميدانية، بالإضافة إلى تدريب الفاعلين المنخرطين فيها.4– اعتماد سياسة مرنة لإعادة تأهيل المتطرفين: اعتمد المغرب على مقاربة مجتمعية تقوم على استحداث برامج محددة لإعادة تأهيل المتطرفين، وتتضمن في طياتها تصحيح الخطاب الديني لديهم من خلال إجراء مراجعات دينية للمتورطين في قضايا الإرهاب، بالإضافة إلى محاولة إعادة هندسة قيم المتطرفين بإقناعهم بأهمية قيم المجتمع الوسطي المعتدل، وهي المراجعات التي تتم عادة عبر تزويدهم بشبكة دعم مستقرة، والتحقق من الأسباب الأصلية للتطرف، وفصلهم عن توجهاتهم واتصالاتهم الاجتماعية المتطرفة، كما كثف المغرب، خلال الآونة الأخيرة، إجراءاته الوقائية التي ترتكز على إعادة إدارة المساجد وأماكن العبادة لتحييد الأنشطة غير التعبدية، بجانب العمل على تطوير برامج تدريب وإعداد الدعاة، وكذلك محاولة إدماج الشباب في استراتيجية مكافحة الإرهاب، والتوعية بمخاطره.ختاماً، يمكن القول إن المخطط الإرهابي الأخير في المغرب يكشف عن عمق التحديات التي تواجه المغرب في التعامل مع التنظيمات الإرهابية، وخاصة "داعش"، الذي لا يزال يضع المغرب على خارطة أولويات نشاطه العملياتي. وبحسب العديد من التحليلات، فإن توالي الكشف عن المخططات الإرهابية التي تستهدف المغرب، يشير إلى تنامي مخاطر التهديد الإرهابي الذي يمثله "داعش" وفروعه المحلية والإقليمية في شمال أفريقيا، ومنطقة الساحل على الأمن القومي للمغرب، بيد أن استراتيجية الضربات الاستباقية التي تبناها المغرب خلال الأعوام الثلاثة الماضية، نجحت في تحييد قدرات التنظيمات الإرهابية في البلاد.

كيف نجح المغرب في مواجهة نشاط الخلايا الإرهابية؟