د. مروة صبحي منتصر


        
<p><strong><strong>تنعكس تطورات الحرب الأوكرانية على المشهد الداخلي في روسيا بشكل كبير، خاصةً في ظل تأرجح نسب دعم المواطنين للحرب، والترقُّب الحذر من جانب النخبة السياسية الروسية لمآلات الحرب وانعكاساتها على مستقبل الرئيس بوتين، إذ يرغب الأخير في تحقيق انتصارات حيوية في أوكرانيا من أجل الحفاظ على شعبيته، واعتبار ذلك كنقطة ارتكاز مهمة في مواجهة التصعيد الغربي شديد اللهجة تجاه روسيا لاسيما مع فرض عقوبات غير مسبوقة ضد موسكو.</strong></strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">&nbsp;<strong>استمرارية الدعم</strong></span></p>



<p><strong>يمكن تناول ملامح الدعم الداخلي الروسي لقرار بوتين بالتدخل العسكري في أوكرانيا من عدة زوايا، وذلك على النحو التالي:</strong><strong></strong></p>



<div style="height:16px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1- دعم ثلاثة أرباع الروس للحرب:</strong> وفقاً لاستطلاع رأي أجراه مركز ليفادا، يواصل أكثر من ثلاثة أرباع الروس دعم ما يسميه الكرملين "عملية عسكرية خاصة" في أوكرانيا، مقابل 18% فقط معارضة. وبالمثل، ترتفع نسبة تأييد بوتين إلى 83%، وهو رقم لم يرتفع إلا منذ بدء الحرب، ولعلّ أحد العوامل المفسرة لذلك هو أنه بالنسبة للعديد من الروس العاديين لاسيما في أماكن مثل موسكو وسانت بطرسبرج، لم تتغير الحياة بشكل جذري منذ بدء الحرب، بالرغم من تعرض البلاد لعقوبات غربية غير مسبوقة، لكن هؤلاء لم يخضعوا بعد لتأثير كبير متعلق بتوافر السلع اليومية على الرغم من ارتفاع أسعار المواد الغذائية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2- التماهي مع سردية بوتين: </strong>هناك اعتقادان رئيسيان يسمحان للمستجيبين بالبقاء مقتنعين بأن القيادة والجيش الروسي يتخذان الإجراء الصحيح: أولهماأن السكان الناطقين بالروسية في أوكرانيا كانوا تحت التهديد، إلى جانب أن المسؤولية عما يحدث تقع بالكامل على عاتق أعداء روسيا، إذ أنه حتى في منتصف فبراير 2022، أعرب 60% من المستجيبين عن هذا الاعتقاد، وهو رقم ارتفع بمقدار 10% مقارنةً بالعام السابق.<strong></strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3- استقاء المعلومات من مصادر الدولة: </strong>تعتمد مواقف الروس تجاه ما يحدث في أوكرانيا على المصادر التي يعتمدون عليها للحصول على الأخبار والمعلومات الصادرة عن الدولة، وهو ما يُضفي بُعداً مهماً حول تفسير استمرار الدعم الكبير للرئيس بوتين في مواقفه تجاه أوكرانيا، فمنذ بداية الحرب، احتفظ غالبية الروس إلى حد ما بمعتقدات ثابتة، ومعظم أولئك الذين فضلوا الحصول على أخبارهم من التلفاز الروسي الذي تسيطر عليه الدولة والذين دعموا النظام في منتصف فبراير يدعمون تصرفات القوات الروسية في الوقت الحالي، وتكشف استطلاعات الرأي أن هناك زيادة كبيرة حوالى 15% في ثقة الناس في التلفاز، والذي يعتبره معظم الروس مصدراً "للمعلومات الرسمية" كما انخفض مستوى الثقة في مصادر أخبار الإنترنت. </p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">تحوُّلات محتملة</span></strong></p>



<p><strong>قد يتغير الدعم الشعبي للرئيس بوتين خلال الأشهر المقبلة اعتماداً على تطورات الحرب الأوكرانية، وهو ما يرتبط بعدد من المؤشرات يمكن تناولها على النحو التالي:</strong></p>



<div style="height:16px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1- معضلة الانقسام الشعبي الداخلي</strong>: تكشف القراءة المتأنية للمواقف الشعبية الروسية تجاه الحرب عن فروق دقيقة يتم تجاهلها في كثير من الأحيان، أولها هو وجود حالة استقطاب متزايدة داخل روسيا، وبالتالي فإن الانطباع بأن بوتين يحظى الآن بالدعم الكامل من الجمهور الروسي هو ببساطة غير دقيق حيث يعد المجتمع الروسي في الوقت الحالي أكثر انقساماً من أي وقت مضى. ووفقا لاستطلاعات الجمعية الأمريكية لأبحاث الرأي العام، تُظهر البيانات الواردة في استطلاع سبتمبر 2022 بشأن بعض التغيرات حول المواقف الشعبية منذ الحرب، انخفاض نسبة المؤيدين من 83% إلى 75% كما ارتفعت نسبة المعارضين من 14% إلى 20%.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وبالرغم من الارتفاع البسيط في نسبة المعارضين إلا أنه عند تحليل استطلاعات الرأي على المستوى الكلي، فمن المهم إلقاء النظرة على التفاصيل، حيث إن أقل من نصف الروس يدعمون العملية الخاصة في أوكرانيا بينما 30% هم مترددون أو ليس لهم رأي، بينما حوالي 20% من المستطلعين لا يؤيدون العملية الخاصة صراحةً. وتكون الفئة الأخيرة أكثر عرضة لأن يكونوا من الشباب، من سكان موسكو أو المدن الكبرى، ومن مستهلكى الإنترنت. كما يوجد داخل كل مجموعة عدد من المجموعات الفرعية ذات الدوافع المختلفة حول تشكيل آرائهم. لذا فإن الوضع هو أكثر تعقيداً مما تبدو عليه نتائج الاستطلاعات. حيث تشكل الفئة التى ليس لها رأي خاص خطراً محتملاً لأنه يسهل تعبئها إذا احتمدت وطأة الظروف الاقتصادية الداخلية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2- مخاوف تراجع الكتلة المؤيدة لبوتين</strong>: ينقسم مؤيدي بوتين الآن بين القوميين المحافظين، وهم أشد مؤيديّ بوتين، وبين الأغلبية الصامتة أو السلبية، والتي قد تدعم العملية العسكرية لكنها بالتأكيد لا ترغب بالمشاركة الفعلية فيها. ويشير التراجع الروسي الحالي في بعض المناطق الأوكرانية، إلى احتمال حدوث تراجع داخل الكتلة المؤيدة للرئيس الروسي، وأن محاولة استرضائهم هي أيضاً خطوة محفوفة بالمخاطر لأنها ستغير رأي الأغلبية الصامتة من المجتمع الروسي. حيث تضغط فئة القوميين المحافظين على بوتين باتخاذ إجراءات متطرفة مثل التعبئة العامة، وتحويل العملية الخاصة إلى حرب شاملة، والتحول إلى اقتصاد زمن الحرب، وتدمير البنية التحتية بأوكرانيا وقصف شامل للمدن. ومع ذلك فإن قبول الكرملين لهذة المطالب سيكون مخالفاً لمزاج غالبية الجمهور الروسي، الذي لا يبالي بالانسحاب طالما ظلت عملية خاصة يشارك فيها المقاتلون المحترفون والمتطوعون من دونباس. وعلى خلفية التراجع الروسي العسكري الحالي، حتى مع الهجمات الصاروخية على 12 مدينة أوكرانية ومنها كييف من غير تحقيق أهداف استراتيجية، يترك هذا الانقسام مرشحاً للتصاعد.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3- ارتدادات سلبية لقرار التعبئة الجزئية: </strong>تشير بعض التقديرات إلى أن التعبئة الجزئية أدت إلى تفاقم الانقسامات داخل روسيا نفسها، ومع تصاعد الاتجاه القومي يزداد كراهية المواطنين من أعراق وجنسيات مختلفة. كما تهدف التعبئة الجزئية للكرملين، نظرياً، إلى استدعاء محدود لجنود الاحتياط بغض النظر عن العرق. ومع ذلك، من الناحية العملية تتحمل الأقليات في البلاد وطأة المجهود الحربي الروسي، وتعاني من خسائر غير متناسبة نتيجة لذلك. كل ذلك بدأ يولّد ردوداً عنيفة، سواء من الأقلية المسلمة في روسيا نفسها أو من أتباع الديانات الأخرى في المنطقة. فعلى سبيل المثال، كانت جمهورية داغستان ذات الأغلبية المسلمة في شمال القوقاز ساحة لبعض أكبر الاحتجاجات حتى الآن ضد أمر تعبئة بوتين، كذلك فإن تفجيرات جسر القرم قد عززت من مواقف داعمي الحرب جنباً إلى جنب مع تشكيك آخرين في أهمية استمرارها.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4- مخاوف تأثير العقوبات المتزايدة: </strong>أثار توسيع العقوبات الغربية ضد روسيا موجة جديدة من القلق بين الجمهور الروسي، ففي مارس الماضي، قال 46% من الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع إنهم قلقون بشأن العقوبات الغربية، بزيادة 14%عن نهاية العام الماضي فيما قال 29% من الروس إن العقوبات خلقت بالفعل مشاكل خطيرة لعائلاتهم، بزيادة قدرها 19% مقارنة بالاستطلاع الأخير قبل عامين. هناك بالفعل مؤشرات على تدهور الظروف الاقتصادية والاجتماعية إثر فرض العقوبات مثل انخفاض موارد الدولة لدعم الطبقات الأكثر احتياجاً مع ارتفاع معدلات البطالة والتضخم، وهي مؤشرات قد تعزز من حدوث ارتدادات سلبية على الداخل الروسي.<strong></strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">المسارات المتوقعة</span></strong></p>



<p><strong>في خضم التطورات التي تشهدها الحرب الأوكرانية، وارتداداتها على الداخل الروسي، فإن هناك ثمة مسارات متوقعة، يمكن تناولها على النحو التالي:</strong></p>



<div style="height:16px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1- تعزيز الالتفاف حول الرئيس بوتين: </strong>يدفع الخطاب الغربي العدائي ضد روسيا ومحاولة فرض عقوبات أشد تعد الأكبر في التاريخ ضد دولة، إلى التفاف العديد من الروس حول بوتين باعتباره قادر على مواجهة الاستعلاء الغربي والقرارات التي تمس الحياة اليومية للمواطنين وتهدف لإبعاد روسيا عن النظام الدولي، وهو ما قد يدعم سياسات بوتين المتعلقة باستمرار الحرب حتى تحقيق أهداف ميدانية أكبر في المديين المنظور والمتوسط.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2- تنافس النخبة على مرحلة ما بعد الحرب:</strong> ظلت المناورات السياسية في روسيا في الظل، ولكن بعد الحرب، أصبحت التصريحات الصاخبة والإيماءات السياسية عالية الوضوح. يبدو الأمر كما لو أن حملة انتخابية نشطة جارية بالفعل. حيث يبذل السياسيون داخل الحزب الحاكم قصارى جهدهم للوصول إلى دائرة الضوء وحتى مهاجمة بعضهم البعض، وهناك شخصيات تسعى لتعزيز نفوذها في المشهد، مثل رئيس الوزراء ميخائيل ميشوستين وعمدة موسكو سيرجي سوبيانين، وكلاهما يعتبران متنافسين على خلافة بوتين قبل الحرب، وقد كانا صامتين بشكل ملحوظ بشأن "العملية الخاصة" في أوكرانيا.</p>



<p></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3- عدم تأثير المعارضين على قرارات الحرب:</strong> من غير المتوقع أن ترتفع النسب الرافضة لقرار الحرب بين المواطنين بشكل يجعلها أغلبية في الداخل الروسي، خاصةً في ظل استمرار محفزات الحرب ومؤشرات التفاف غالبية الروس حول الرئيس بوتين ودعم النخبة كذلك له برغم وجود حالة من التنافس السياسي فيما بينها، بيد أن ذلك لا يعني بقاء النسبة الرافضة في مستويات أدنى، إذ قد تشهد ارتفاعاً في الأشهر المقبلة دون أن يكون لها تأثير بالغ على هيكل القرارات السياسية المتعلقة بالحرب.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>وختاماً، على المدى القصير والمتوسط، فإنه مع استمرار الحرب، يظل من المرجح أن يستمر الدعم الشعبي للرئيس الروسي ودعم قراراته المتعلقة بالحرب في أوكرانيا، أما على المدى الطويل فيمكن أن يتصاعد الانقسام داخل النخبة السياسية حول مستقبل السلطة في روسيا وكذلك حول مستقبل الحرب في أوكرانيا، خاصةً إذا نجح الجيش الأوكراني في تحقيق تقدم ميداني كبير يُضعف من موقف بوتين في الداخل الروسي.</strong></p>

      

كيف تؤثر الحرب الأوكرانية على الداخل الروسي؟