إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية


        
<p><strong> تواجه منظمة الأمم المتحدة بصورة متزايدة اتهامات بالعجز والفشل في أداء مهامها، مع تزايد الدعوات لإصلاح المنظمة الدولية. وتركز هذه الانتقادات على مشكلات بنيوية تجعل الجهود الدبلوماسية للمنظمة بلا جدوى في معظم الأحيان، خاصة مع تزايد وتعقد الأزمات الدولية الراهنة من جهة، ومعاناة المنظمة الدولية من بعض المشكلات البنيوية والهيكلية من جهة أخرى، مثل إشكالية استخدام حق الفيتو من قبل الدول دائمة العضوية أو التهديد به، ومشكلات التمويل، وغياب التوافقات الدولية. إلا أن ثمة اتجاهات تدفع بأن بعض المكاتب والوكالات الأممية في المجالات الإغاثية والإنسانية والتنموية تحقق بعض النجاحات في ظل العجز الذي تتسم به المنظمة بشكل عام وأجهزتها الرئيسية المنوط بها حل المشكلات العالمية الكبرى. ويمكن تناول أبرز الأسباب التي تعيق الأمم المتحدة عن أداء دور فعال، وذلك على النحو التالي:</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1- تراجع فاعلية القرارات وصعوبة بناء التوافقات:</strong> تواجه الأمم المتحدة بشكل مستمر اتهامات بالفشل والعجز عن أداء مهامها، وأنها ليست أنجح بكثير من عصبة الأمم. وتدور هذه الانتقادات حول عجز المنظمة الدولية عن اتخاذ مواقف حازمة، وحول اقتصار دورها في معظم الأحيان على النقاشات والأحاديث والبيانات دون دور عملي، وكذلك سيطرة الدول الكبرى على أجندة الأمم المتحدة وقراراتها.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>وقد تزايدت هذه الانتقادات في الفترات الأخيرة مع تفجر العديد من الأزمات الدولية دون دور فعال للأمم المتحدة في منع تفجرها أو حلها، خاصة أزمات اللاجئين، والصراعات والحروب الأهلية، والعنف المسلح، والإرهاب، والتغير المناخي، فضلاً عن التوترات والأزمات السياسية بين الدول. وكذلك عجزها عن ردع انتهاكات الدول الكبرى. فقد تفجر في السنوات الأخيرة عدد كبير من الأزمات دون نجاح الهيئة الأممية في القيام بدورها، أو بوساطة ناجحة، وعمل جماعي فعال، وحلها، حتى بات أحد أكثر التساؤلات انتشاراً في الدوائر السياسية والأكاديمية هو: لماذا تبدو الأمم المتحدة عاجزة عن القيام بدورها وحل المشاكل في العالم؟</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2- عدم امتلاك أدوات فاعلة لحلحلة الأزمات:</strong> تبذل الأمم المتحدة الكثير من الجهود الدبلوماسية بالفعل، لكنها تبدو بلا جدوى، حيث لا تتمثل الأزمة بشكل أساسي في نقص الجهود المبذولة من قبل منظمة الأمم المتحدة، وإنما في فاعليتها وأدواتها. فقد عقد مجلس الأمن الدولي خلال السنوات الأخيرة عدداً ضخماً من الاجتماعات والمناقشات لمناقشة قضايا الشرق الأوسط وقضية شبه جزيرة القرم وغيرها من القضايا التي تفجرت بشكل خاص خلال السنوات العشر الأخيرة؛ <strong>إلا أن كل تلك الاجتماعات والدبلوماسية المكوكية للأمين العام والمبعوثين الأمميين لم تنجح في حلحلة أي من تلك الأزمات، مما أشار إلى غياب الأدوات والفاعلية لا التقصير في الجهود الدبلوماسية، حيث ذهبت معظم مطالبات وقف إطلاق النار سدى، وشابت تلك التي نُفذت منها انتهاكات عديدة. كما لم تنجح المنظمة ومجلس الأمن في تنفيذ القرارات والتوصيات، فضلاً عن المعوقات السياسية التي أفشلت جهود استصدار بعض القرارات. وكذلك صياغة بعض القرارات التي حملت أوجه تفسير مختلفة أعاقت تنفيذها. وقد شهدت بعض الأزمات تغير المبعوثين الأمميين دون تقدم في حلها رغم المشاورات واللقاءات الكثيفة.</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3- تزايد تعقيدات الأزمات الدولية الراهنة:</strong> يتمثل أحد عوامل عجز الأمم المتحدة عن لعب دور فعال في حل المشكلات الدولية الراهنة في طبيعة هذه المشكلات ذاتها، فقد شهد العالم خلال العقود الماضية تحولات كبرى سياسية واقتصادية واجتماعية وتكنولوجية أفضت إلى تغير طبيعة المشكلات الدولية وتعقدها، فضلاً عن تزايد أعدادها.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>فقد حدّ العدد الكبير من الأزمات الدولية المتزامنة من فرص حشد الجهود الدولية من أجل حل الأزمات، وتوزعت هذه الجهود دون فاعلية تذكر. <strong>وقد أشار الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، في 21 سبتمبر 2021، إلى أن العالم يواجه أكبر سلسلة من الأزمات في التاريخ، وأن العالم أيضاً لم يكن مهدداً بهذه الصورة من قبل أو مقسماً بهذا الشكل. كما أن الأزمات الدولية الراهنة تتسم بالتعقد في ظل التشابكات المصلحية والتحالفية الكبيرة، وارتباط العديد من الأزمات ببعضها، بما يعقد أيضاً من جهود حلها. فضلاً عن بروز مشكلات جديدة، مثل المتعلقة بالبيئة والمناخ والتكنولوجيا، بخلاف تلك التقليدية، التي لا يمتلك العالم خبرة في التعامل معها ولا رؤية موحدة لذلك.</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4- معاناة المنظمة من قصور هيكلي وتحلل مؤسسي:</strong> تكاد تجمع معظم الكتابات التي تناولت أزمات الأمم المتحدة ومساعي إصلاحها على الأزمات الهيكلية والبنيوية داخل مجلس الأمن، وأزمة الفيتو بشكل خاص. فقد مثّل منح حق النقض للدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن (وهي: الولايات المتحدة، وروسيا، وفرنسا، وبريطانيا، والصين) أحد أهم أسباب جمود أداء المجلس والمنظمة بشكل عام. حيث تستخدم هذه الدول حق الفيتو لعدم تمرير القرارات التي تعارضها حتى لو حازت على إجماع بقية الدول، ومهما كانت ضرورية لحل المشكلات، طالما تعارضت مع تحالفات الدولة ومصالحها السياسية، في الوقت الذي لا تُصدر فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارات إلزامية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وقد انعكست نقاط الضعف الهيكلية والمؤسسية، وعلى رأسها حق الفيتو، على جهود الأمم المتحدة لحل المشكلات الدولية، خاصة أن ثمة تحالفات دولية قائمة تحكم المواقف داخل مجلس الأمن، في ظل صعود بعض القوى ورغبتها في لعب دور عالمي، مثل الصين، وعودة قوى أخرى، مثل روسيا. وظهر ذلك -على سبيل المثال- في تعارض المواقف الدولية داخل مجلس الأمن بشأن الأزمة السورية، وأزمة القرم، وغيرها، مما أجهض المحاولات الأممية، وفرغها من فاعليتها؛ <strong>وهو ما جعل تلك الدول في مرمى النقد في عدة مناسبات، منها تعرضها بشكل علني لانتقادات خلال جلسة نقاش نظمتها الجمعية العامة للأمم المتحدة حول مستقبل مجلس الأمن الدولي، الذي تتراجع فاعليّته في ظل المصالح المتضاربة واستخدام حق الفيتو، في نوفمبر 2020. فضلاً عن اصطدام جهود الأمم المتحدة بسياسات دول كبرى أخرى واقعياً وميدانياً.</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>5- هيمنة القوى الكبرى على صنع القرارات الدولية:</strong> يتمثل أحد الانتقادات الموجهة لآلية عمل الأمم المتحدة في هيمنة بعض الدول الكبرى عليها، وهي الهيمنة التي تبدأ من تحديد القضايا محل النقاش والاهتمام، وحتى توجهات المنظمة تجاه تلك القضايا، وهي الهيمنة المدفوعة بأسباب متعددة من بينها ما يتعلق بالبناء المؤسسي للأمم المتحدة، ودور الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن، وكذلك النفوذ الذي تمارسه الدول ذات الحصص التمويلية المرتفعة، فضلاً عن تأثر المنظمة الأممية بالنظام العالمي ذاته.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>فقد شهدت المنظمة بشكل خاص عقب انهيار القطبية الثنائية وتراجع الدور العالمي الجماعي لكتلة دول العالم الثالث هيمنة أمريكية على المنظمة، كانعكاس للهيمنة الأمريكية العالمية. كما أن صعود بعض الدول في النظام الدولي ساعدها في الحصول على نصيب من الهيمنة داخل المنظمة في بعض المناصب أو الوكالات أو التوجهات، بشكل يعيد توزيع الهيمنة على قلة محدودة من الدول فقط أيضاً. فضلاً عن تزامن إعادة التوزيع تلك مع صراع بين تلك القوى في إطار نظام دولي جديد قيد التشكل.</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>6- تفاقم الاعتمادية المالية وتسييس التمويل:</strong> تتعدد مظاهر المشكلات الخاصة بالتمويل في الأمم المتحدة، ومنها <strong>ما يتعلق بكفاءة ورشادة عملية الإنفاق، وما يتعلق أيضاً بالعلاقة بين حجم التمويل والدور السياسي للدولة، وكذلك توظيف التمويل كأداة سياسية من قبل بعض الدول ذات الحصص التمويلية الكبيرة، مثل تهديد واشنطن أكثر من مرة بسحب تمويلها للأمم المتحدة أو تقليصه أو ربطه باشتراطات سياسية. بالإضافة إلى المشكلات المتعلقة بنقص التمويل في ظل تأخر بعض الدول عن دفع الاستحقاقات التمويلية، أو عدم دفع المبالغ الكاملة المستحقة، وهو ما يؤثر بطبيعة الحال على قدرات الأمم المتحدة وحجم جهودها.</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>7- توسع دور الوكالات المتخصصة غير السياسية:</strong> تدفع بعض التقييمات والاتجاهات بوجود دور أفضل نسبياً تقوم به بعض الوكالات والمكاتب الأممية المتخصصة، مثل تلك المتعلقة بالمسائل الإنسانية والإغاثة والقضايا التنموية. <strong>حيث ترجع النجاحات النسبية لبعض المكاتب والوكالات إلى تدني نسبة تأثرها بالاستقطاب السياسي عن الأجهزة الرئيسية الأخرى.</strong> إلا أن ذلك يرتبط أيضاً بمدى تعاون الدول في هذه الجهود والقيام بواجباتها، ومشروط بعدد من العوامل.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>ختاماً، تُحاط منظمة الأمم المتحدة بعد ما يزيد على قرن إلا ربع من تأسيسها بالكثير من الانتقادات حول فاعليتها، ولعل الحديث عن إصلاح الأمم المتحدة أصبح حديثاً متكرراً في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفي الدوائر السياسية، وسط الكثير من الأطروحات حول إصلاح المنظمة؛ إلا أن تلك العملية مرهونة بتوافر الإرادة السياسية الحقيقية، وبالقدرة على علاج المشكلات الهيكلية المركبة. وبقدر ما تطرح الأزمات الدولية المتشابكة ضرورة إصلاح الأمم المتحدة، بقدر ما تمثل هي وانعكاساتها على السياسة والتحالفات الدولية أحد معوقات عملية الإصلاح المنشودة أيضاً.</strong></p>

      

لماذا تتراجع فاعلية الأمم المتحدة في تنظيم التفاعلات العالمية؟