كرم سعيد

قام وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، في 26 يناير 2025، بزيارة العراق، حيث التقى الرئيس عبد اللطيف رشيد، ورئيس الحكومة محمد شياع السوداني، ووزير الخارجية فؤاد حسين، ومسؤولين عراقيين آخرين، لإجراء محادثات بشأن التصعيد العسكري مع المسلحين الأكراد والقضايا الأمنية والعلاقات الثنائية. وتكتسب زيارة وزير الخارجية التركي أهميتها من التوقيت الذي تُجرَى فيه؛ حيث تأتي في ظل تصاعد مواجهات الفصائل الموالية لتركيا ضد قوات سوريا الديمقراطية "قسد" في شمال شرق سوريا، والتي تفرض بدورها ضغوطاً قوية على كل من تركيا والعراق. دلالات التوقيتجاءت زيارة وزير الخارجية التركي للعراق في ظل سياقات محلية وإقليمية شديدة التعقيد. إذ ترتبط، في جانب معتبر منها، بقلق أنقرة من توجهات الحكومة العراقية بشأن الفصائل الكردية، خصوصاً بعد تحذير وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، في 24 يناير 2025، على هامش "منتدى دافوس"، من أن مهاجمة تركيا لقوات "قسد" في شمال سوريا، سيكون خطيراً وسيتسبب في دخول المزيد من اللاجئين إلى العراق. كما أنها تأتي بعد رفض قيادات حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل شمال العراقي بقيادة جميل بايق مبادرة زعيم الحزب عبد الله أوجلان في نهاية ديسمبر 2024، ومقترحات زعيم حزب الحركة القومية التركي دولت بهجلي في أكتوبر 2024، بشأن البدء في عملية سلام بين أنقرة والأكراد، وتفكيك حزب العمال الكردستاني.ومن دون شك، فإنها لا تنفصل أيضاً عن إصرار تركيا على المضيّ قدماً في عسكرة الأزمة في شمال شرق سوريا مع قوات "قسد"، وتجلى ذلك في تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في 25 يناير 2025، والتي قال فيها: "إن الاستنزاف الحاصل لتنظيم حزب العمال الكردستاني الانفصالي جراء العمليات التركية والمناخ الذي تشكل في المنطقة مع التطورات في سوريا شكلا فرصة للقضاء على مشكلة الإرهاب". وسبق هذه التصريحات قيام الجيش التركي، في 18 يناير 2025، بإرسال معدات عسكرية ومدرعات وذخيرة من منطقة سروج في ولاية شانلي أورفا بجنوب البلاد إلى حدود مدينة عين العرب "كوباني" السورية.كما ترتبط الزيارة بالتحول اللافت في مواقف بعض الدول الغربية بشأن الملف الكردي، فبينما أكدت وزيرة خارجية السويد ماريا مالمر ستينرغارد، في 22 يناير 2025، التزام بلادها بالتعاون مع تركيا في مكافحة الإرهاب وعدم تقديم أي دعم لوحدات حماية الشعب الكردية، دعت برلين قوات "قسد" لإلقاء السلاح والانخراط في العملية السورية الجديدة.دوافع رئيسيةثمة العديد من الدوافع التي تقف وراء زيارة وزير الخارجية التركي للعراق في التوقيت الحالي، ويتمثل أهمها فيما يلي:1- تحييد قدرات الكيانات الكردية: تمثل مواجهة التهديدات المتعلقة بأنشطة حزب العمّال الكردستاني لتركيا، أحد أبرز أهداف الزيارة. فقد التقى فيدان بكبار المسؤولين العراقيين، وأكد حرص أنقرة على توسيع التعاون الأمني لتحييد قدرات حزب العمال الكردستاني، لا سيما وأن العراق كان قد أعلن في وقت سابق أن الكردستاني "منظمة محظورة". وقد تزامنت تلك الزيارة مع الاشتباكات المتقطعة في محافظة دهوك شمال العراق بين عناصر حزب العمال الكردستاني والجيش التركي، بالإضافة إلى مواصلة الفصائل الموالية لتركيا عملية "فجر الحرية" ضد قوات سوريا الديمقراطية "قسد" في شمال سوريا.ومع مساعي تركيا للضغط على العراق لإعلانه حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية بجانب توظيف الموقف العراقي لإنهاء مشروع الإدارة الذاتية الكردية بعد إسقاط نظام الأسد، ووصول هيئة تحرير الشام إلى صدارة السلطة، تراهن أنقرة على توسيع نطاق التنسيق الإقليمي في الملف الكردي لتكثيف الضغوط على حزب العمال الكردستاني وروافده الإقليمية، وبالتالي تسريع إنهاء وجود مقاتليه.2- ضبط الحدود المشتركة مع العراق: تستهدف الزيارة، في جانب معتبر منها، وفقاً للعديد من التقديرات، رفع مستوى التنسيق الأمني، ولا سيما فيما يتعلق بضبط الحدود، والتي يصل طولها إلى نحو 367 كم، لمنع التواصل بين الكيانات الكردية في سوريا والعراق، وذلك في ضوء تقارير تركية تشير إلى دعم حزب العمال الكردستاني لمقاتلي "قسد" في سوريا. كما تعي تركيا قدرة حزب العمال الكردستاني على اختراق المناطق الحدودية بين تركيا وسوريا والعراق، وتوظيفها في تعزيز نفوذ العناصر الكردية السورية التي تخوض معارك غير مسبوقة مع الفصائل الموالية لتركيا.3- دعم العملية العسكرية المحتملة بشمال سوريا: تستعد تركيا لإطلاق عملية عسكرية بالتعاون مع إدارة العمليات العسكرية السورية ضد مناطق الإدارة الذاتية الكردية، وظهر ذلك في قيام تركيا خلال الأيام الماضية بزيادة قوتها العسكرية، فضلاً عن إعلان وزارة الدفاع التركية، في 23 يناير 2025، عن أن قواتها المُسلحة تواصل مهمتها في سوريا، وأنه من الممكن إجراء تغييرات في نقاط تمركزها، أو تكليفها بمهام في مناطق مختلفة حسب الحاجة. وتمثل هذه التحركات والتصريحات دلائل واضحة وفعلية على رغبة أنقرة في استمرار عسكرة الأزمة في شمال شرق سوريا.وفي ضوء ذلك، فإن زيارة هاكان فيدان للعراق ترتبط بالحرص على تأمين عملية التعاون الاستخباراتي مع بغداد، وتوفير الدعم اللوجيستي للقوات التركية المتمركزة في شمال العراق، والتي تعمل في التوقيت الحالي على قطع خطوط الإمداد والتموين القادمة من معقل حزب العمال الكردستاني في شمال العراق إلى قوات "قسد" في شمال سوريا.4- التوسط بين بغداد ودمشق: لا تنفصل زيارة هاكان فيدان للعراق عن جهود تركية مستمرة لتعزيز التقارب بين بغداد والإدارة السورية الجديدة، وذلك من خلال تفعيل آليات التعاون المختلفة بين البلدين. وكان بارزاً في هذا السياق تأكيد فيدان على أهمية إقامة حوار بنّاء وعلاقات حسن جوار بين بغداد والإدارة السورية الجديدة، باعتبار ذلك سيكون مفيداً لكلا البلدين والمنطقة بأسرها. وتمثل المقاربة التركية بشأن مستقبل العلاقة بين بغداد ودمشق أولوية استراتيجية، بالنظر إلى مساعي تركيا لدعم شرعية السلطة السورية الجديدة، وتوسيع حضورها الإقليمي.وفي ضوء ذلك، كانت التطورات السورية أحد المحاور الرئيسية في زيارة فيدان للعراق، وهو ما تجلى في تصريحات وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين التي أكد فيها أن هناك توافقاً عراقياً-تركياً بشأن سبل التعامل مع الوضع في سوريا. ويُشار في هذا السياق إلى أن العراق يبدي قلقاً واضحاً إزاء التداعيات المحتملة التي يمكن أن تنجم عن سقوط الأسد، ووصول سلطة مؤدلجة، ولذلك فإن الزيارة حملت في طياتها رسالة طمأنة لمعالجة شكوك بغداد.5- دفع التعاون الاقتصادي الثنائي: تحرص تركيا على دعم العلاقات الاقتصادية والتجارية مع العراق التي تعد أكبر شريك تجاري للأولى، حيث وصل حجم التبادل التجاري إلى نحو 20 مليار دولار بحسب تصريحات وزير الخارجية التركي هاكان فيدان بنهاية عام 2024. كما تعول تركيا من خلال هذه الزيارة على توسيع حضور الشركات التركية في عمليات إعادة إعمار محافظة الموصل، ثاني أكبر المدن العراقية، والتي تعرضت لدمار شديد على يد تنظيم "داعش".6- تأكيد الدعم التركي لمشروع طريق التنمية: يمكن أن تمارس تركيا دوراً حيوياً في مشروع طريق التنمية، والذي يمتد لمسافة 1200 كم، ويتضمن تأسيس ممر بري وسكة حديد تمتد من البصرة إلى الحدود التركية، ويهدف إلى تعزيز الروابط التجارية والتنموية بين دول الخليج العربي وأوروبا من خلال العراق وتركيا. وفي هذا السياق، يمكن فهم تأكيد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان عزم بلاده الاستمرار في دعم مشروع طريق التنمية.أولوية الملفاتختاماً، يمكن القول إن زيارة هاكان فيدان للعراق تعبر عن رغبة أنقرة في استمرار التنسيق مع العراق، ليس فقط بشأن مكافحة حزب العمال الكردستاني وروافده في دول الإقليم، وخاصة سوريا، وإنما أيضاً حيال عدد من الملفات ذات الأولوية، ومن أهمها دعم العلاقات الثنائية، فضلاً عن توفير بيئة خصبة لبناء مساحات أكبر من التعاون والتفاهم بين بغداد والإدارة السورية الجديدة، التي تبدو بحاجة ماسة إلى تطوير صورتها الذهنية في الإقليم.

أهداف زيارة وزير الخارجية التركي "هاكان فيدان" إلى العراق