إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في 2 فبراير 2025، عن خطط إغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)؛ حيث وافق على إغلاقها بناءً على اقتراح إيلون ماسك، الذي كلَّفه بخفض الإنفاق الفيدرالي الأمريكي؛ حيث أكد أن الوكالة "يجب أن تُغلَق" بسبب إدارتها من قِبَل "متهورين متطرفين" على حد وصف ترامب. وقد جاء هذا الإعلان في وقت يشهد فيه العالم اضطرابات كبيرة نتيجةً لتغير المناخ وتصاعُد الأزمات الإنسانية؛ حيث تُعتبَر الوكالة أكبر جهة مانحة للمساعدات الإنسانية في العالم، بتخصيصها نحو 72 مليار دولار في السنة المالية 2023 لمجالات متعددة، مثل صحة المرأة في مناطق الصراعات، وتوفير المياه النظيفة، وأمن الطاقة، ومكافحة الفساد، وغير ذلك.وقد عهد ترامب إلى إيلون ماسك الإشراف على مشروع إغلاق الوكالة، بينما تُجرَى مناقشات حول إدماجها في وزارة الخارجية؛ لتقليل حجم القوى العاملة. وتولى وزير الخارجية ماركو روبيو مهام رئيس الوكالة بالإنابة، ويجري حالياً مراجعة عملياتها.أسباب رئيسيةتتعدد الأسباب التي تقف وراء قرار الرئيس ترامب بإلغاء الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، ويتمثل أبرزها في:1– تبني إدارة ترامب سياسة "أمريكا أولاً": يتماشى قرار ترامب بغلق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية مع سياسته "أمريكا أولاً"؛ حيث يركز هذا التوجه على تقليص الإنفاق الحكومي على المساعدات الخارجية. ويعتبر ترامب أن الإنفاق على المساعدات الخارجية لا يقدم قيمة حقيقية لدافعي الضرائب الأمريكيين؛ ما يعكس رغبته في إعادة توجيه الموارد المالية نحو الأولويات الداخلية.ويأتي قرار الإغلاق في ظل سعي ترامب إلى تحسين كفاءة الحكومة الفيدرالية، والتأكد من أن كل دولار يُنفق في الخارج يتماشى مع مصالح الولايات المتحدة، وهو ما يتطلب مراجعة شاملة لبرامج المساعدات الخارجية الأمريكية. ويجادل مؤيدو قرار إغلاق الوكالة بأن الخطوة تمثل تصحيحاً ضرورياً لوكالة يرون أنها تعاني من بيروقراطية مفرطة وتوجهات سياسية تؤثر على فاعليتها.2– تخفيض الإنفاق الحكومي الأمريكي: سعى ترامب منذ اليوم الأول له في البيت الأبيض إلى تفكيك أو إعادة هيكلة الوكالات الفيدرالية التي يعتبرها غير فعالة أو غير متماشية مع أهداف إدارته. وبعد توليه منصبه، فرض ترامب تجميداً لمدة 90 يوماً على المساعدات الخارجية؛ ما أدى إلى تعليق العديد من برامج الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية التي تقدم مساعدات إنسانية حيوية حول العالم، مع تسريح الآلاف من موظفي الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.ويعكس هذا الانخفاض الحاد في التوظيف والقدرة التشغيلية، استراتيجية أوسع لمواءمة الإنفاق الفيدرالي مع رؤية ترامب للكفاءة الحكومية، التي تتأثر بشدة بمستشارين مثل إيلون ماسك، الذي انتقد الوكالة، ووصفها بأنها تُهدر أموال دافعي الضرائب ودعا إلى تفكيكها.3– تشكك إدارة ترامب في مجالات تمويل الوكالة الدولية: ادعى إيلون ماسك أن الوكالة تشارك في تمويل أبحاث الأسلحة البيولوجية، بما في ذلك المشاريع المتعلقة بكوفيد–19، وهو ما أثار مخاوف الرئيس ترامب وأنصاره بشأن تخصيص أموال دافعي الضرائب. وقد سلط مكتب المفتش العام التابع للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية الضوء على التحديات المستمرة في المساءلة والشفافية في إطار البرامج التي تمولها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.وتشير التقارير إلى حدوث إخفاقات منهجية في الرقابة، ولا سيما فيما يتعلق بالشراكات مع وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى. وقد أثارت هذه الإخفاقات مخاوف بشأن الاحتيال المحتمل، وإساءة استخدام أموال دافعي الضرائب الأمريكيين. وأصبحت المخاوف المحيطة بتمويل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية نقطة محورية للنقاش السياسي، ولا سيما بين مؤيدي ترامب الذين يدافعون من أجل رقابة أكثر صرامة، وإعادة تقييم نفقات المساعدات الدولية.4– اعتبار ترامب المساعدات الخارجية سبباً في تأزيم علاقات واشنطن: روج ترامب لخطاب سلبي بشأن دور الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية والمساعدات الأمريكية بشكل عام؛ فقد جاء في الأمر التنفيذي الذي وقعه بعد وصوله إلى البيت الأبيض بتجميد المساعدات التنموية الخارجية الأمريكية لمدة 90 يوماً، أن المساعدات "لا تتماشى مع المصالح الأمريكية، وفي كثير من الأحيان تتعارض مع القيم الأمريكية"، وأضاف أن هذه المساعدات "تسهم في زعزعة السلام العالمي، من خلال الترويج لأفكار في الدول الأجنبية تتعارض بشكل مباشر مع العلاقات الداخلية والخارجية المتناغمة والمستقرة بين الدول".تداعيات عديدةسيكون لقرار الرئيس الأمريكي بغلق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية جملة من التداعيات الأمريكية الداخلية والخارجية على حد سواء، ومن أهمها ما يلي:1– نشوب صدام بين الرئيس والكونجرس: إن التعقيدات القانونية المحيطة بقرار إلغاء الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية كبيرة؛ فقد أُنشئت بموجب قانون المساعدة الخارجية لعام 1961 وتم ترسيخها كوكالة مستقلة في عام 1998؛ لذلك من المرجح أن تواجه أي محاولة لتفكيكها بالكامل تحديات قانونية كبيرة وتتطلب موافقة الكونجرس. ويؤكد الخبراء القانونيون أن أي محاولة لإلغاء الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية دون موافقة الكونجرس ستكون غير دستورية. ومن المرجح أن تواجه إدارة ترامب تحديات قانونية كبيرة إذا اتبعت مثل هذا المسار.وبالنظر إلى الأغلبية الجمهورية الضيقة في مجلسي الكونجرس (النواب والشيوخ)، فإن أي تشريع يهدف إلى حل أو إدماج الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية مع وزارة الخارجية سيواجه عقبات كبيرة؛ حيث أعرب المشرعون من كلا الحزبين عن معارضة قوية لإغلاق الوكالة، مؤكدين أن أي تغييرات في الوكالة يجب أن تلتزم بالأسس القانونية التي وضعتها السلطة التشريعية.2– التأثير على النفوذ الأمريكي عالمياً: أثار قرار الإدارة الأمريكية بغلق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية مخاوف بشأن التداعيات المحتملة على نفوذ الولايات المتحدة على مستوى العالم. ويحذر المحللون من أن وقف عمليات الوكالة يمكن أن يقلل القوة الناعمة الأمريكية في المناطق الحرجة مثل أفريقيا وأمريكا الجنوبية وآسيا؛ حيث قدمت الوكالة تاريخيّاً دعماً حيويّاً في مجالات مثل الرعاية الصحية والإغاثة في حالات الكوارث؛ ما قد يعرض المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة في الخارج للخطر، ويقلل من دورها كرائد في مبادرات التنمية العالمية، ويعرقل جهودها لتعزيز الاستقرار والتنمية في مناطق مثل أفريقيا وأمريكا الجنوبية وآسيا.3– تراجع الجهود الإنسانية العالمية: مع كون الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية مزوداً رئيسيّاً للمعونة الخارجية، فإن تفكيكها يمكن أن يؤدي إلى انخفاض كبير في الخدمات الإنسانية الأساسية، ولا سيما في المناطق التي تواجه بالفعل أزمات؛ حيث تلعب الوكالة دوراً حاسماً في توفير الغذاء والرعاية الصحية والدعم لمكافحة الأمراض المعدية، مثل شلل الأطفال والكوليرا.ويمكن أن يؤدي فقدان هذا الدعم إلى تفاقم الأزمات الصحية القائمة، وزيادة معدلات الوفيات بين السكان الضعفاء؛ فمع اعتماد الملايين على البرامج الممولة من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية للرعاية الصحية والتعليم والأمن الغذائي، يمكن أن يؤدي الوقف المفاجئ لهذه الخدمات إلى زيادة عدم الاستقرار وضغوط الهجرة والكوارث الإنسانية.4– تحرك الصين لملء الفراغ الناجم عن إغلاق الوكالة: من المتوقع أن يؤدي إغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية إلى خلق فراغ قد تستغله الدول الأخرى، ولا سيما الصين، لتوسيع نفوذها بالمناطق التي كان للولايات المتحدة تأثير تقليدي فيها؛ فمع غياب الدعم الأمريكي، ستجد الصين وروسيا فرصة لتعزيز وجودهما في هذه المناطق؛ حيث يمكنهما تقديم مساعدات بديلة أو استثمارات.وقد يوفر تعليق المساعدات الخارجية الأمريكية فرصاً للصين، لا سيما من خلال مبادرة "الحزام والطريق" التي استثمرت أكثر من تريليون دولار في مشاريع البنية التحتية في جميع أنحاء آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية منذ عام 2013. ولا تعزز هذه المبادرة التأثير الاقتصادي للصين فحسب، بل تضعها أيضاً كشريك أكثر موثوقية مقارنة بالولايات المتحدة، خاصةً في المناطق التي كانت فيها المساعدات الأمريكية مهيمنة تقليديّاً.5– معضلة تراجع جهود واشنطن في التعامل مع الأزمات الصحية العالمية: يفرض تراجع الجهود الأمريكية للتعامل مع الأزمات الصحية العالمية مع إغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية مخاطر كبيرة؛ ليس فقط على الاستقرار الدولي، ولكن أيضاً على سلامة وأمن المواطنين الأمريكيين؛ فالترابط بين الصحة والأمن العالميين يعني أنه عندما تواجه البلدان أزمات صحية –مثل تفشي الأمراض المعدية– يمكن أن تتجاوز التداعيات الحدود؛ ما يؤدي إلى تهديدات محتملة داخل الولايات المتحدة.فعلى سبيل المثال، سلط انتشار أمراض مثل الإيبولا وكوفيد–19 الضوء على مدى سرعة انتقال مسببات الأمراض في جميع أنحاء العالم، التي يسهلها السفر والتجارة الدولية. وإذا تم تخفيض جهود المساعدات، فإن قدرة الدول الضعيفة على إدارة مثل هذه الأمراض تتضاءل؛ ما يزيد من احتمال انتشار الأمراض دون رادع والوصول إلى أراضي الولايات المتحدة.6– انعكاسات اقتصادية محتملة على الولايات المتحدة: يمكن أن يكون لإغلاق الوكالة آثار اقتصادية عميقة على الولايات المتحدة؛ فغالباً ما يُنظَر إلى المساعدات الخارجية على أنها استثمار استراتيجي لا يلبي الاحتياجات الإنسانية فحسب، بل يعزز أيضاً الاستقرار في المناطق الحاسمة لمصالح الولايات المتحدة. ومن خلال تقليص هذه المساعدة، تخاطر الولايات المتحدة بزعزعة استقرار الاقتصادات في البلدان النامية؛ ما قد يؤدي إلى زيادة ضغوط الهجرة والصراعات الإقليمية التي قد تتطلب في نهاية المطاف تدخلات عسكرية أكثر تكلفةً، أو جهود الإغاثة في حالات الكوارث في المستقبل.علاوة على ذلك، تلعب المساعدات الخارجية دوراً مهماً في خلق أسواق جديدة للسلع والخدمات الأمريكية. ويمكن أن يؤدي الاستثمار في البنية التحتية والرعاية الصحية والتعليم في الخارج إلى اقتصادات أقوى وأكثر قدرةً على الانخراط في التجارة مع الولايات المتحدة. ويمكن أن يساهم تخفيض المساعدات في تقييد هذه الفرص؛ ما يحد من وصول الشركات الأمريكية إلى الأسواق الناشئة، ويقلل من إمكانات النمو الاقتصادي. وبينما تسعى دول أخرى مثل الصين وروسيا إلى ملء الفراغ الذي خلفه انخفاض المشاركة الأمريكية، قد تجد الشركات الأمريكية نفسها في وضع تنافسي غير مُوَاتٍ في هذه الأسواق الجديدة؛ ما يزيد التأثير على الاقتصاد الأمريكي.تجاوز الحدودختاماً، يمثل قرار ترامب بإغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية خروجاً كبيراً عن معايير السياسة الخارجية الأمريكية المعمول بها لعقود. وتشمل التداعيات الفورية للقرار أزمات إنسانية محتملة ناتجة عن توقف برامج المساعدات، وزيادة ضعف السكان الذين يعتمدون على المساعدات الأمريكية. ومع تغير ديناميات القوة العالمية وظهور تحديات جديدة، فمن المرجح أن يتردد صدى آثار هذا القرار إلى ما هو أبعد من حدود الولايات المتحدة؛ ما يؤثر على علاقاتها مع الحلفاء والخصوم على حد سواء.

تداعيات خطة ترامب لإغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية