ديفيد أديسنيك

عرض: د. غادة عبد العزيز- باحثة متخصصة في العلاقات الدولية







دعا الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى خوض كفاح عالمي من أجل الحفاظ على الديمقراطية، وهو ما يتشابه كثيرًا مع عقيدة الرئيس الأمريكي الأسبق هاري ترومان؛ إذ بدأت رؤية الرئيس جو بايدن لسياسة خارجية أكثر مثاليةً تركز على الديمقراطية تتشكَّل بعد فترة وجيزة من توليه المنصب. وفي هذا السياق، سيتعين على الرئيس بايدن أن يقرر ما إذا كان مستعدًّا لقيادة نضال عالمي من أجل الديمقراطية والحرية والالتزام به مهما كلَّفه هذا من مخاطر وعوائق، مثلما فعل ترومان الذي فقد منصبه بأدنى نسبة شعبية.



وفي هذا الإطار، نشر موقع "فورين بوليسي" تقريرًا بعنوان "بايدن يُحيي عقيدة ترومان"، أعدَّه "ديفيد أديسنيك"، ويحلل سياسة الرئيس جو بايدن الخارجية، ومدى تقاربها من عقيدة الرئيس الأسبق هاري ترومان، ويطرح تساؤلًا بشأن "ماهية المخاطر التي يستعد الرئيس جو بايدن لتحمُّلها سعيًا وراء رؤيته؟ مع تصاعد تكاليف ومخاطر تنفيذ رؤيته بقيادة نضال عالمي من أجل الديمقراطية في مواجهة خصومه".







التشابه بين بايدن وترومان



أعلن الرئيس هاري ترومان رؤيته في 12 مارس عام 1947، في خطابٍ أمام جلسة مشتركة للكونجرس الأمريكي؛ حيث قال ترومان للمُشرِّعين المجتمعين: "في الوقت الحاضر من تاريخ العالم، يجب على كل دولة أن تختار بين طرق بديلة للحياة.. أسلوب حياة واحد يقوم على إرادة الأغلبية وضمانات الحرية الفردية"؛ لذلك فإن الولايات المتحدة الأمريكية "تدعم الأحرار الذين يقاومون محاولات القهر"، وهو ما عُرِف في العلاقات الدولية باسم "مبدأ ترومان".



وفي هذا الإطار، جاءت رؤية الرئيس جو بايدن للعالم بمصطلحات مشابهة، بقدرٍ ملحوظٍ، لمصطلحات الرئيس هاري ترومان في مستهل حقبة الحرب الباردة؛ حيث أكد بايدن منذ حملته الانتخابية، على ضرورة إعادة النموذج الأمريكي من جديد القائم على دعم الديمقراطية حول العالم.







إنقاذ الديمقراطية الغربية



اتضحت رؤية الرئيس جو بايدن بطريقة أشد قوةً وصلابةً، من خلال استراتيجية الأمن القومي التي تم إطلاقها في 3 مارس 2021؛ أي بعد ستة أسابيع من توليه منصبه، وهي الوثيقة المعنونة بـ"التوجيه الاستراتيجي المؤقت للأمن القومي"، التي عكست أسس تحركاته لمواجهة الخصوم، لا سيما الصين وروسيا، وتركيزه على دعم الناتو، كما كتب الرئيس جو بايدن في مقدمة الوثيقة: "أعتقد أننا في خضم نقاش تاريخي وأساسي حول الاتجاه المستقبلي لعالمنا.. هناك من يجادل بأنه في ضوء كل التحديات التي نواجهها، فإن الاستبداد هو أفضل طريقة للمضي قدمًا، وهناك من يدرك أن الديمقراطية ضرورية لمواجهة جميع تحديات عالمنا المتغير".



وهنا يرى الرئيس جو بايدن أن الديمقراطية الغربية تحت الحصار، كما فعل ترومان في عام 1947؛ حيث شدد الرئيس جو بايدن قائلًا: "يجب أن نثبت أن نموذجنا ليس من مخلفات التاريخ". وفي إطار ما سبق، يمكن القول إن الرئيس بايدن قد طرح أجندته للديمقراطية العالمية؛ وذلك انطلاقًا من كونها أساسًا مهمًّا لسياسته الخارجية.



إذ يتخذ الرئيس جو بايدن خطًّا واضحًا بتوجه صارم تجاه التحدي الذي تشكله الصين، وهذا الأمر ليس بالجديد؛ حيث اتضح خلال فترة ترشحه للرئاسة في رؤيته أن "العالم منقسم بين دول ديمقراطية وأخرى دكتاتورية عدوانية تعمل على تقويضنا، وأن الولايات المتحدة الأمريكية هي القادرة على قيادة التحالف الديمقراطي لتحقيق النصر".



هذه النظرة إلى العالم لم يرثها الرئيس جو بايدن من فترة توليه منصب نائب الرئيس باراك أوباما، بل نشأت عن تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016، والاستقطاب المتعمق في السياسة الداخلية الأمريكية. كما استندت إلى الإجماع الناشئ على أن قيادات الصين مصممون على استغلال الغرب، بينما يرتكبون الفظائع ضد الداخل، حسب التقرير.







الربط بين الداخل والخارج



ربَط الرئيس جو بايدن بين التهديدات في الداخل والخارج، ولم يُسهِب كثيرًا في خطاب تنصيبه بالحديث عن السياسة الخارجية، بل ركَّز على النضال من أجل الديمقراطية داخل الولايات المتحدة الأمريكية؛ قائلًا: "أطلب من كل أمريكي أن ينضم إليَّ في هذه القضية.. الاتحاد في محاربة الأعداء الذين نواجههم".



هذا التوجه للسعي إلى استعادة وإعلاء الديمقراطية والأخلاق في الداخل، مع العودة إلى سياسة خارجية أكثر مثاليةً وإيديولوجيةً؛ له سابقة في التاريخ الأمريكي، عندما جعل الرئيس جيمي كارتر التزامه بحقوق الإنسان أمرًا محوريًّا للسياسة الخارجية، وكان ذلك ردًّا على الأزمة الأخلاقية المعروفة باسم "فضيحة ووترجيت" وحركة الحقوق المدنية.. وبالمثل جاء رد الرئيس جو بايدن بالنهج نفسه على الطرق التي هاجم بها الرئيس دونالد ترامب العملية الديمقراطية في الداخل، وتغاضيه عن الدفاع عن الديمقراطية في الخارج.







ثغرات قائمة



يحتوي التوجيه الاستراتيجي المؤقت للأمن القومي على بعض الثغرات؛ حيث لم تتطرق كثيرًا إلى الأنظمة الاستبدادية بخلاف الصين، وربما يكون هذا الأمر له علاقة بأن هذه الاستراتيجية "مؤقتة". وفي هذا السياق، تضمنت استراتيجية الرئيس جو بايدن تجاه الصين نوعًا من التقارب مع استراتيجية الرئيس دونالد ترامب للأمن القومي لعام 2017، ووصفت استراتيجيةُ جو بايدن الصينَ بأنها "القوة الأجنبية الوحيدة التي لديها القدرة على مواجهة تحدٍّ مستدامٍ لنظام دولي مستقر ومنفتح". وتعهَّدت الوثيقة بـ"ضمان أن أمريكا، وليست الصين، هي التي تحدد جدول الأعمال الدولي"، وتَعِد بأن اتباع إرشاداتها "سيسمح بالفوز في المنافسة الاستراتيجية ضد الصين أو أي دولة أخرى".



في المقابل، احتوت الاستراتيجية المؤقتة لبايدن على ثلاث جمل فقط حول روسيا، على الرغم من موقف جو بايدن الحازم تجاه موسكو، ووصفه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه "قاتل"، كما لم تتضمن الوثيقة أي إشارات إلى أوكرانيا أو دول البلطيق، التي تمثل حكوماتُها المنتخَبةُ أهدافًا رئيسيةً لروسيا، في حين استحقت "كوريا الشمالية" جملةً واحدةً كاملةً، وهي تعهُّد غامض بـ"تمكين دبلوماسيينا" من معالجة "البرامج النووية والصاروخية المتنامية لبيونج يانج". أما بالنسبة إلى إيران، فإن التوجيه الاستراتيجي المؤقت أوضح فقط أن الإدارة الأمريكية ستنخرط في الدبلوماسية النووية، بينما تُعارِض عدوان طهران.



ربما تُعَدُّ هذه الثغرات، بإغفالها ذكرَ بعض الخصوم، بمنزلة تذكير بأنه من الأسهل بكثير إعلان التزام المرء بالنضال العالمي من أجل الحرية بدلًا من مواجهة خصوم معينين من المحتمل أن يتراجعوا؛ فعندما طرح ترومان عقيدته، كان هدفه المباشر متواضعًا للغاية: "تأمين دعم الكونجرس للمساعدات الأمريكية لليونان وتركيا". ومع ذلك، فإن الالتزام بمقاومة التوسع السوفييتي سُرعان ما تطلَّب إجراءات تنطوي على تكاليف أكبر، أو مخاطر أكبر، أو كليهما.







مخاطر متباينة



انطلاقًا مما سبق، سيتعين على الرئيس الأمريكي جو بايدن أن يقرر ما إذا كان مستعدًّا لقيادة نضال عالمي من أجل الدفاع عن الديمقراطية، مثل الرئيس هاري ترومان، وتحديد ماهيَّة المخاطر المُستَعِدَّ لأن يتحمَّلها سعيًا وراء تحقيق رؤيته؛ فإذا فرض عقوبات أشد صرامةً على كوريا الشمالية، ونشر المزيد من القوات الأمريكية في كوريا الجنوبية، فقد يستأنف الزعيم الكوري الشمالي "كيم جونغ أون" التجارب النووية وإطلاق الصواريخ الباليستية العابرة للقارات.



وفي ذات السياق، فإذا ضاعف جو بايدن دعمه لأوكرانيا، فقد تشعل روسيا الحرب في دونباس، وتُصعِّد الهجمات الإلكترونية ضد الغرب.. وإذا واجه جو بايدن بكين في بحر الصين الجنوبي واستمر في معاقبة بكين على بعض الانتهاكات المزعومة في شينجيانغ، فمن المُرجَّح أن يشتد ترهيب تايوان، بينما تتضاءل احتمالات التوصل إلى اتفاقٍ للحد من انبعاثات الكربون الصينية بحدةٍ. وفيما يتعلق بإيران، فقد أوضح بايدن بالفعل أنه يريد عكس "حملة الضغط الأقصى" لترامب، والعودة إلى الاتفاق النووي لعام 2015، وهو ما قد يحمل مخاطِرَ جمَّة.







وختامًا، فقد أوضح التقرير أن الرئيس بايدن قد أوضح، حتى اللحظة، استعداده للاشتباك مع الخصوم في جبهات متعددة، خاصةً عقب فرض عقوبات على بعض المسؤولين الصينيين، وبعد التصعيد الحاد ضد الرئيس الروسي، وتلويح وزير الخارجية أنتوني بلينكن بإمكانية فرض عقوبات جديدة على الشركات المشارِكة في بناء خط أنابيب الغاز الطبيعي "نورد ستريم 2" في روسيا.. وانطلاقًا من تلك التطورات، فقد تكون تكاليف سياسات بايدن محدودة، لكن من غير المرجح أن تظل على هذا النحو في المدى المنظور.







المصدر:



David Adesnik, Biden Revives the Truman Doctrine, foreign policy, March 29, 2021, Accessible at: <a href="https://foreignpolicy.com/2021/03/29/biden-truman-doctrine-russia-china-national-security-strategic-guidance-global-fight-freedom/">https://foreignpolicy.com/2021/03/29/biden-truman-doctrine-russia-china-national-security-strategic-guidance-global-fight-freedom/</a>

تحديات تُواجه مساعي بايدن للدفاع عن الديمقراطية العالمية