إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية


        
<p><strong>يطرح تعيين وزير الطرق والتنمية الحضرية السابق محمد إسلامي في منصب رئيس هيئة الطاقة الذرية الإيرانية خلفاً لعلي أكبر صالحي، في 29 أغسطس 2021؛ دلالات عديدة يتمثل أبرزها في توسيع هامش المناورة مع الولايات المتحدة الأمريكية والضغط عليها بالتزامن مع استئناف محادثات فيينا، وتهديد المنافسين على المستوى الإقليمي انطلاقاً من خبرات إسلامي الواسعة في مجال الصناعات الدفاعية، ولا سيما فيما يتعلق بالصواريخ والطائرات المسيرة. يتوازى ذلك مع رغبة إيران في الاستفادة من خبرات إسلامي للحد من أزمة توفير الطاقة الكهربائية الموجودة داخل البلاد، التي تصاعدت على إثرها احتجاجات واسعة في بعض المحافظات الإيرانية خلال الأشهر القليلة الماضية، فضلاً عن تعزيز استراتيجية الردع التقليدي وغير التقليدي.</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">رسائل متعددة</span></strong></p>



<p><strong>تجدر الإشارة إلى أن تعيين إسلامي –الذي يحظى بخبرات واسعة في مجالات أخرى متعددة– في هذا المنصب وفي هذا التوقيت يحمل بعض الدلالات الهامة التي يمكن توضيحها فيما يلي:</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– تحدي تأثير العقوبات الاقتصادية:</strong> يبدو أن تعيين إسلامي –المدرج على قائمة العقوبات منذ عام 2008 بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1803 لتورطه في بعض القضايا النووية– رئيساً لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية؛ يمثل رسالة تحدٍّ للولايات المتحدة الأمريكية على خلفية العقوبات الاقتصادية التي تم تكثيفها من قبل إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بعد الخروج الأمريكي من الاتفاق النووي في مايو 2018؛ حيث أثرت هذه العقوبات سلبًا على الاقتصاد الإيراني؛ ما أدى إلى زيادة معدلات التضخم والبطالة.</p>



<p>فتعيين إسلامي الذي يحظى بخبرات قد لا تبدو هينة فيما يتعلق بالصناعات الدفاعية والنووية؛ يشير إلى تحول نوعي فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني؛ حيث من المتوقع أن تركز إيران خلال الفترة القليلة القادمة على السير في اتجاهين متوازيين: استئناف المشاركة في مفاوضات فيينا مع الولايات المتحدة الأمريكية ومجموعة (4+1)، بالإضافة إلى العمل على تطوير مستوى الردع العسكري، وهو ما يتوافق مع التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية الإيراني أمير حسين عبد اللهيان، التي انتقد خلالها تركيز الدبلوماسية في ظل الحكومة السابقة على القضية النووية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– تهديد الخصوم في الشرق الأوسط: </strong>ترغب طهران من وراء استغلال الخبرات الكبيرة التي يتمتع بها محمد إسلامي في توجيه رسالة مباشرة إلى خصومها بالمنطقة، ولا سيما إسرائيل؛ أن ولاية رئيسي ستكون مختلفة تماماً عن سلفه روحاني؛ حيث يمكن أن تساهم خبرات إسلامي في تحقيق نقلة نوعية في الاستراتيجية الدفاعية الإيرانية. والشاهد على ذلك أن فترة عمله في وزارة الدفاع شهدت تطوير صواريخ طويلة ومتوسطة المدى أكثر دقة في التوجيه، وتحديث مدى صواريخ كروز، وتعزيز أنظمة الدفاع الأخرى، وكذلك إنشاء بنية تحتية جديدة للإطلاق نحو الفضاء؛ الأمر الذي أصبحت إيران بموجبه قادرة على الوصول إلى أبعد نقطة يمكنها أن تهدد خصومها من خلالها.</p>



<p>وعلاوة على ما سبق، تم الاعتراف بإسلامي كأحد أبرز المسؤولين الذين ساهموا في تطوير قدرات الطائرات بدون طيار الإيرانية؛ ففي فبراير 2013 –حينما كان إسلامي نائباً لوزير الشؤون الصناعية والبحثية بوزارة الدفاع– أنتجت إيران أكثر من 20 نوعاً من الطائرات بدون طيار الاستراتيجية، وكان العديد منها عالي التقنية، بل أعلن إسلامي عن إمكانية المساعدة في إيصال هذه التقنيات إلى وكلاء إيران بالمنطقة، ولا سيما حليفها الأبرز حزب الله اللبناني.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3– الحد من أزمات الداخل الإيراني:</strong> لا تقتصر أهداف رئيسي من وراء تعيين إسلامي على إيصال بعض الرسائل غير المباشرة إلى الخارج فقط، بل تهدف إلى المساهمة في الحد من الأزمات التي يعانيها الداخل الإيراني أيضاً؛ حيث تعاني إيران من أزمة في توفير الطاقة الكهربائية، وهو الأمر الذي تصاعدت على إثره احتجاجات داخل بعض المحافظات الإيرانية مثل خوزستان التي يسكنها السنة العرب.</p>



<p>فمع توقف العوائد النفطية وزيادة الضغط على الموارد الطبيعية غير المتجددة، ظهرت الأعراض الجانبية على نحو أكثر حدَّة مما كان متصوراً؛ فلقد كانت العوائد النفطية والتمتُّع بثروات طبيعية تغطي على هذه الأعراض وتسهل تجاوزها. هذا الأمر دفع الجماهير إلى الخروج إلى الشارع والتظاهر في ظل الجفاف وعدم وجود مياه صالحة للشرب فضلاً عن الانقطاعات المتكررة للكهرباء في ظل درجة حرارة تناهز 50 درجة مئوية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4– تعزيز الردع في مواجهة واشنطن:</strong> وهو ما يتوافق مع تصريح وزير الاستخبارات الإيراني السابق محمود علوي في فبراير الفائت عندما كشف عن أنه إذا استمرت الولايات المتحدة الأمريكية في الضغط على البلاد، فإن طهران قد تهاجم مثل "القط المحاصر"؛ الأمر الذي قد يصل إلى التفكير في الخيار النووي؛ فمن خلال إلقاء نظرة على تاريخ اتخاذ القرار الإيراني بشأن هذه القضية، يمكن القول إن التحولات في تقييم التهديد العسكري لا تقل أهميةً عن التطورات التقنية عندما يتعلق الأمر باستراتيجية طهران النووية.</p>



<p>وانتهت هذه التقييمات إلى عقيدة عملياتية جديدة في عام 2000 جمعت من خلالها إيران بين الحرب غير المتكافئة والعمق الاستراتيجي الجغرافي كطريقة لإجبار خصومها على حرب الاستنزاف، وتم استكمال هذه العقيدة لاحقاً بركيزتين جديدتين تمثلتا في القدرات الصاروخية والوكلاء الإقليميين؛ ما ساعد على منح طهران القدرة على الضربة الثانية، ومكَّنها من معاقبة الأعداء خارج حدودها. لذا، تحاول طهران استغلال خبرات إسلامي فيما يتعلق بالقدرات الدفاعية بغرض مواجهة التحديات الإقليمية والدولية التي تتعرض لها، وتهديد أعدائها.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>5– ممارسة ضغوط على القوى الدولية:</strong> ربما تسعى إيران عبر تلك الخطوة إلى تأكيد أنها لا تضع ضمن أولوياتها إنقاذ الاتفاق النووي، خاصةً أن الرئيس السابق للمنظمة علي أكبر صالحي كان من أشد المناصرين للاتفاق وللمفاوضات، بما يعني أنها تسعى إلى ممارسة مستوى أعلى من الضغوط على القوى الدولية المشاركة في مفاوضات فيينا التي يتوقع استئنافها في الشهر الحالي.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">ملفات مهمة</span></strong></p>



<p>تكشف طبيعة السياسة الخارجية التي تتبعها حكومة رئيسي ووزير خارجيته أمير حسين عبد اللهيان، عن أن الاتفاق النووي سيخرج من دائرة وزارة الخارجية ليعود مرة أخرى إلى المجلس الأعلى للأمن القومي، كما أن تعيين محمد إسلامي الذي لا يمتلك خبرات نووية كافية في هذا المنصب ينم عن استبعاد صالحي بل استبعاد هيئة الطاقة الذرية الإيرانية من معادلة الملف النووي بالكامل. ومن هنا، من المتوقع أن يتركز جُلُّ اهتمام عبد اللهيان على المجال الذي يتمتع فيه بخبرات كبيرة، وهو تعزيز العلاقات مع دول الجوار.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وانطلاقاً من الدور الكبير الذي لعبه صالحي بالمحادثات النووية خلال ولاية روحاني، والذي جعلها تسير باتجاه معتدل نسبياً؛ رأت حكومة رئيسي ضرورة استبعاده؛ لأن ذلك لا يتوافق مع التوجه المتشدد للحكومة، ولا سيما في ظل حالة التوافق الداخلي التي باتت موجودة بين السلطات الثلاثة، فضلاً عن أن عودة الملف النووي إلى مجلس الأمن القومي من شأنه أن يحد من حالة الجدل السياسي الداخلي حول هذه القضية ويؤدي إلى بناء إجماع وطني حولها، ولو بشكل نسبي.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>ختاماً، يمكن القول إن تعيين محمد إسلامي في منصب رئيس هيئة الطاقة الذرية الإيرانية يعد أحد أوجه التصعيد مع الولايات المتحدة الأمريكية، الذي يهدف إلى توسيع هامش المناورة الخاص بها، لا سيما بعد أن أعلنت السلطات الإيرانية عن أن من المحتمل استئناف المفاوضات مع مجموعة (4+1) في سبتمبر الجاري، وهو الأمر الذي يكشف عن أن طهران ستدخل –على الأرجح– الجولة التالية من المحادثات بموقف أكثر تشدداً.</strong></p>

      

دلالات تعيين محمد إسلامي رئيساً لهيئة الطاقة الذرية الإيرانية