إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسوماً جمركية بنسبة 25% على المنتجات من كندا، و25% على المنتجات من المكسيك، و10% إضافية على المنتجات الصينية؛ وذلك تنفيذاً لوعوده التي أعلن عنها خلال حملته الانتخابية بأنه سيشن حرباً تجاريةً على الدول الثلاثة؛ نتيجة فشلها في السيطرة على تدفق المهاجرين غير الشرعيين عبر الحدود الجنوبية مع الولايات المتحدة، بجانب فشلها في مكافحة تهريب المخدرات إلى الولايات المتحدة، في حين أنه يرى أن هذه الرسوم ستؤدي إلى ثراء وغنى الشعب الأمريكي.دوافع مؤثرةثمة عديد من الأسباب دفعت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى فرض رسوم جمركية على كندا والمكسيك والصين، ويمكن توضيحها فيما يلي:1– إخفاق كندا والمكسيك في حل مشكلة الهجرة: برر الرئيس الأمريكي قراره بفرض الرسوم الجمركية على كندا والمكسيك كرد فعل على فشلهما في السيطرة على الهجرة غير النظامية عبر الحدود الجنوبية والشمالية للولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما استدعى رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، إلى الرد على اتهامات ترامب، ونفي هذه الادعاءات، وأن بلاده ليست هي السبب في زيادة عدد المهاجرين غير الشرعيين في الولايات المتحدة؛ وذلك لأن أقل من 1% من المهاجرين دخلوا الولايات المتحدة عبر الحدود المشتركة، في حين أعرب عن غضبه من فرض الرسوم الجمركية.2– اقتناع ترامب بتسبب الصين والمكسيك في أزمة الفنتانيل: يرجع قرار ترامب بفرض الرسوم الجمركية على الصين والمكسيك، إلى أنه يرى أن الدولتين تسببتا في إحداث أزمة الفنتانيل (وهي مادة مخدرة قوية وقاتلة من مشتقات الأفيون) في الولايات المتحدة؛ لذلك صرح ترامب بأن بكين تصدر المكونات الأساسية للعقار إلى المكسيك، وهذا الأمر يتيح لعصابات المخدرات المكسيكية تصنيع الفنتانيل الذي يباع بعد ذلك في الولايات المتحدة، في حين صرح أيضاً البيت الأبيض بأن "عصابات المخدرات المكسيكية هي المُهربة الرئيسية للفنتانيل والميثامفيتامين والمخدرات الأخرى في العالم". وهذا الاتهام جعل رئيسة المكسيك كلاوديا شينباوم تكتب على منصة إكس: "نرفض بشكل قاطع الافتراءات التي أطلقها البيت الأبيض بأن الحكومة المكسيكية لها تحالفات مع المنظمات الإجرامية، وكذلك ندين أي نية للتدخل في أراضينا".3– تشجيع عودة المصانع إلى الولايات المتحدة: قد يكون من الدوافع التي جعلت ترامب يتخذ هذا القرار، أنه يريد تشجيع المستثمرين الأمريكيين على إعادة مصانعهم إلى الولايات المتحدة، وبناء العديد من المصانع الجديدة في بلدهم؛ وذلك حتى لا يضطروا إلى دفع الرسوم الجمركية؛ وذلك اعتقاداً منه بأنها خطوة نحو تعديل الشركات والمصانع لاستراتيجيتها الإنتاجية. والدليل على ذلك قوله: "كل ما عليك فعله هو بناء مصنعك في الولايات المتحدة، ولن تضطر إلى دفع رسوم جمركية".4– العمل على إنعاش الاقتصاد الأمريكي: قد يكون الهدف من وراء قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض الرسوم الجمركية على كندا والصين والمكسيك، هو إجبار الأمريكيين على العزوف عن شراء السلع القادمة من تلك الدول؛ وذلك لأنها ستصبح أكثر تكلفةً؛ ما يضطرهم إلى اللجوء لشراء السلع المحلية، ومن ثم يؤدي إلى تشجيع صناعة المنتجات الأمريكية، وسيؤدي في نهاية المطاف إلى إنعاش الاقتصاد الأمريكي.5– محاولة لتصحيح الميزان التجاري: قد يرجع سبب اتخاذ ترامب قرار فرض تعريفات جمركية على كندا والمكسيك والصين إلى رغبته في تعزيز موقفه عندما يدخل في مفاوضات مباشرة مع الدول الثلاثة، لكي يقوم بإملاء شروطه عليها من أجل تصحيح الميزان التجاري؛ وذلك لأن ترامب صرح بأن هناك عجزاً تجارياً كبيراً مع كندا والمكسيك. ووفقاً لمكتب الممثل التجاري للولايات المتحدة (USTR)، فإن العجز التجاري مع كندا بلغ نحو 41 مليار دولار في عام 2023، وبلغ العجز التجاري مع المكسيك نحو 162 مليار دولار، وشهد العجز التجاري مع الصين زيادة ملحوظة؛ حيث وصل إلى 27.2 مليار دولار في يوليو 2024، وهو أعلى مستوى منذ سبتمبر2022.تداعيات متوقعةثمة عديد من التداعيات السلبية متوقعة الحدوث على الولايات المتحدة نتيجة قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض رسوم جمركية على كل من كندا والمكسيك والصين، ولعل من أهمها ما يلي:1– ارتفاع محتمل في أسعار الطاقة بالولايات المتحدة: من المرجح أن يؤدي قرار رفع الرسوم الجمركية على كندا والمكسيك بنسبة 25% إلى رفع أسعار البنزين ووقود الطائرات وزيت التدفئة المنزلي في الولايات المتحدة الأمريكية؛ وذلك لأن كندا تزود الولايات المتحدة بنحو 60% من واردات النفط الخام، بجانب أن المكسيك تمد الولايات المتحدة بنحو 10% من واردات النفط، وهذا الأمر يجعل المواطن الأمريكي يعاني من زيادة الأسعار التي كان يعانيها في ظل الإدارة السابقة، في حين أن ذلك يتنافى مع وعود ترامب للشعب الأمريكي خلال حملته الانتخابية بأنه سيعمل على خفض أسعار الطافة لرفع المعاناة عن المواطن الأمريكي.2– تزايُد أسعار السلع الاستهلاكية: من المتوقع أن يؤدى قرار رفع الرسوم الجمركية على الدول الثلاثة، وخاصةً على الصين، إلى تأثير سلبي على العديد من السلع الاستهلاكية التي تستوردها الولايات المتحدة من الصين؛ ما يؤدي إلى ارتفاع أسعارها، وهذا ما حدث خلال فترة ولاية ترامب الأولى، وأيضاً في عهد الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، عندما فرضا رسوماً جمركية على سلع صينية، مثل أشباه الموصلات، وهي الرسوم التي أدت إلى زيادة أسعارها فرفعت تكاليف المعيشة على الأمريكيين.3– احتمالية حدوث خلل في صناعة السيارات الأمريكية: من المحتمل أن تتأثر صناعة السيارات في الولايات المتحدة الأمريكية بقرار الرئيس الأمريكي ترامب؛ وذلك لأن هناك علاقات تعاون بين شركات صناعة السيارات الأمريكية وشركات صناعة السيارات الأجنبية؛ حيث إنه في بعض الأحيان، تعبر قطع الغيار والسيارات نصف المصنعة الحدود عدة مرات قبل اكتمال الإنتاج، ومن شأن هذه التعريفات الجمركية أن ترفع تكاليف تصنيع السيارات وأسعارها، في حين ذكرت شركة جنرال موتورز أنها تعمل على تسريع واردات السيارات من المكسيك وكندا؛ وذلك لأن أكثر من ثلث مبيعات الشركة في الولايات المتحدة تأتي من السيارات المنتجة في المكسيك وكندا.4– ارتفاع أسعار الغذاء في الولايات المتحدة: من المؤكد أن قرار ترامب بفرض الرسوم الجمركية على الدول الثلاثة سيؤثر بالسلب على السلع الغذائية في الداخل الأمريكي، وخاصةً لأن كندا تمد الولايات المتحدة بكل شيء من المنتجات الغذائية التي يستهلكها المواطن الأمريكي في يومه، مثل الطماطم والفاصوليا وغيرهما من المنتجات، بجانب أن المكسيك تزود الولايات المتحدة بنحو نصف وارداتها من المنتجات الطازجة، خاصةً في فصل الشتاء؛ وذلك وفقاً لما ذكرته صحيفة وول ستريت جورنال. وهذه الرسوم ستدفع الموردين المحليين إلى رفع أسعارهم، وهذا ما يعود على المواطن الأمريكي بالسلب.5– تدشين حرب تجارية أمريكية مع دول مختلفة: من المتوقع أن يؤدي قرار ترامب إلى قيام الدول الثلاثة بالرد بالطريقة نفسها؛ وذلك من خلال قيامها برفع الرسوم الجمركية على السلع الأمريكية؛ فقد أعلن رئيس الوزراء الكندي المنتهية ولايته جاستن ترودو، أن بلاده ستفرض رسوماً جمركية على الولايات المتحدة؛ وذلك رداً على قرارات ترامب، في حين أكد أن بلاده ستفرض رسوماً جمركيةً فوريةً على بضائع أمريكية بقيمة 30 مليار دولار كندي، ورسوماً جمركيةً إضافيةً على بضائع أمريكية بقيمة 125 مليار دولار خلال 21 يوماً، بالإضافة إلى تأكيده أن بلاده تدرس عدة إجراءات أخرى غير جمركية على المعادن الحيوية ومشتريات الطاقة وغيرها، وهذا ما سيؤدي إلى إشعال الحرب التجارية مع كندا؛ ما يؤثر بالسلب على الاقتصاد الأمريكي.6– توتر العلاقات بين واشنطن وبكين: من المرجح أن تشهد العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين توتراً ملحوظاً في الفترة المقبلة نتيجةً للإجراءات التي اتخذها الرئيس الأمريكي. والدليل على ذلك ما أعلنت عنه وزارة التجارة الصينية في بيان لها أعربت فيه عن انتقادها وغضبها الشديد من الخطوة التي قام بها ترامب، في حين أكدت الوزارة أن "الزيادات الأحادية الجانب في الرسوم الجمركية من جانب الولايات المتحدة تنتهك قواعد منظمة التجارة العالمية بشكل خطير"، وأضافت أن "هذا الإجراء لن يحل المشاكل الداخلية في الولايات المتحدة، بل يعرقل التعاون الاقتصادي والتجاري الطبيعي بينها وبين الصين".قرار خاطئوختاماً، يمكن القول إن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب له العديد من السلبيات على الداخل الأمريكي؛ وذلك من خلال رفع أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية للأمريكيين، بجانب تزايُد أسعار الطاقة والسيارات؛ ما يؤدي إلى زيادة معدلات التضخم، وكذلك التأثيرات على علاقات الولايات المتحدة مع الدول التي فرض عليها ترامب الرسوم الجمركية؛ فقد يؤدي قراره إلى شن حرب تجارية واقتصادية مع تلك الدول؛ ما يجعلها تتخذ إجراءات مماثلة، وهو ما سيعود بالضرر على المواطن الأمريكي في كل الأحوال.

تداعيات فرض "ترامب" رسوماً جمركية على كندا والمكسيك والصين